تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما..}

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدَّثنا عبدالصمد: حدَّثنا عمر بن إبراهيم: حدَّثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي ﷺ قال: لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولدٌ، فقال: سمّيه "عبدالحارث" فإنَّه يعيش، فسمّته "عبدالحارث" فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره.

وهكذا رواه ابنُ جرير عن محمد بن بشار (بندار)، عن عبدالصمد بن عبدالوارث، به.

ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى، عن عبدالصمد، به، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم.

ورواه بعضُهم عن عبدالصمد، ولم يرفعه.

ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عبدالصمد مرفوعًا، ثم قال: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه.

ورواه الإمام أبو محمد ابن أبي حاتم في تفسيره، عن أبي زُرعة الرازي، عن هلال بن فياض، عن عمر بن إبراهيم، به، مرفوعًا.

وكذا رواه الحافظ أبو بكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض، عن عمر بن إبراهيم مرفوعًا.

قلتُ: وشاذّ هو هلال، وشاذّ لقبه، والغرض أنَّ هذا الحديث معلولٌ من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّ عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثّقه ابنُ معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يُحتجّ به. ولكن رواه ابنُ مردويه من حديث المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن سمرة مرفوعًا، فالله أعلم.

الثاني: أنَّه قد رُوِيَ من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعًا، كما قال ابنُ جرير: حدَّثنا ابنُ عبدالأعلى: حدَّثنا المعتمر، عن أبيه. حدَّثنا بكر بن عبدالله، عن سليمان التَّيمي، عن أبي العلاء ابن الشّخير، عن سمرة بن جندب.

الشيخ: ما عندكم .....

الطالب: تعليق: يقول في المخطوطة عن أبيه: حدَّثنا، وأثبتنا الواو ليستقيم السَّند؛ فابن جرير رواه أولًا عن محمد بن عبدالأعلى، عن المعتمر، عن أبيه، عن أبي العلاء. وذلك في الأثر برقم كذا، ثم رواه في الأثر الذي يليه عن محمد بن عبدالأعلى، عن المعتمر، عن أبيه، عن ابن عُلية، عن سليمان التيمي، عن أبي العلاء. وقد أدرج ابنُ كثير أحد السّندين في الآخر.

الشيخ: .........

قال: سمّى آدمُ ابنَه عبدالحارث.

الثالث: أنَّ الحسن نفسه فسّر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا لما عدل عنه.

قال ابنُ جرير: حدَّثنا ابنُ وكيع: حدَّثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا [الأعراف:190] قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم.

وحدَّثنا محمد بن عبدالأعلى: حدَّثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذُرية آدم، ومَن أشرك منهم بعده، يعني: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا.

وحدَّثنا بشر: حدَّثنا يزيد: حدَّثنا سعيد، عن قتادة.

الشيخ: كلّ هذا محاولة أن يصرفوا الآية عن ظاهرها، والرِّواية الأولى أظهر، وإن كانت ضعيفةً؛ لأنَّ قتادة مُدلّس، والحسن مُدلّس، لكن نصّ القرآن واضح في أنَّ آدم وحواء: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ آدم، وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [الأعراف:189] حواء، هذا نصٌّ فيهما؛ في نفس أبينا وأُمِّنا، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ إلى أن قال: دَعَوَا اللَّهَ [الأعراف:189] آدم وحواء، الآية نصٌّ فيهما.

س: ..... يصرفه آخر الآية: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190]؟

ج: عَمَّا يُشْرِكُونَ قد تُضاف الجماعة للمُثنى: عَمَّا يُشْرِكُونَ هم وذُريتهم، عَمَّا يُشْرِكُونَ آدم وحواء وذُريتهم، عدل عن التَّثنية إلى الجماعة بعد ذلك. وقد يُراد معهم بهذا إبليس؛ لأنَّه ثالثهم، هو الذي زيَّن لهم.

س: سماع الحسن من سمرة ما يكون عِلّةً رابعةً؟

ج: عِلّة رابعة، نعم.

س: مَن قال أنَّ الأنبياء معصومون من الشِّرك؟

ج: هذا من الشِّرك الأصغر، قد يقع منهم، قد يكون وقع هذا من آدم قبل أن يُوحى إليه، قبل أن يكون نبيًّا؛ لأنَّ النبي هو الذي يُوحى إليه بشرعٍ بعدما نزل ..... جاءه الوحي، وقد يكون هذا قبل أن يتمّ له الوحي، نعم.

س: ............؟

ج: شُركاء في التَّسمية، نعم، ما هو في العبادة؛ ولهذا قال قتادة: شُركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته، مثل كثير من الناس الآن ..... المعاصي.

س: سند الإمام أحمد ضعيفٌ؟

ج: كل الأسانيد التي فيه ضعيفة؛ لأنَّها ما بين عنعنة مُدلس، وما بين ضعيف، لكن نصّ الآية واضح، يُغني عن السَّند، الآية واضحة في آدم وحواء.

قال: كان الحسنُ يقول: هم اليهود والنَّصارى رزقهم الله أولادًا، فهودوا ونصروا.

وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنَّه فسّر الآية بذلك، وهو من أحسن التَّفاسير، وأولى ما حُملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله ﷺ لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيّما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدلّك على أنَّه موقوفٌ على الصّحابي، ويحتمل أنَّه تلقَّاه من بعض أهل الكتاب مَن آمن منهم، مثل: كعب، أو وهب بن منبه، وغيرهما، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله- إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم.

الشيخ: ليس الأمرُ كما قال الحافظ، سواء وقف على الحسن، أم ما وقف على الحسن، أو على غير الحسن، الأمر واضحٌ في نصِّ الآية، وكونها تُفسر باليهود والنَّصارى هذا بعيدٌ جدًّا من نصِّ الآية: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا مَن النفس الواحدة؟ ومَن الزوج؟ النفس الواحدة آدم، وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا حواء، لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا يعني: آدم، فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ بالتَّثنية: دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ جعلا: حواء وآدم، جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:189-190] ..... للآية، ويكون من الخطأ، مثلما أخطأ آدم في طاعة الشيطان حتى أكل من الشجرة، أطاع الشيطان وأكل من الشَّجرة هو وحواء جميعًا، أطاعاه، والله نهى عن الأكل من الشَّجرة، قال -جلَّ وعلا: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى نصّ: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۝ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122]. نعم.

س: .............؟

ج: ما ينبغي أن يُقال أنَّ آدم وقع منه الشّرك، هذا مقصود، ما ينبغي أن تقع منه المعصية، ما هو بمعصومٍ منها، قد تكون قبل أن يُوحى إليه، وقد يُقال: إنَّ هذا مثلما قد تقع منهم معصية يقع منهم الشِّرك الأصغر، لكنَّه لا يقرّ عليه، ما يقع من الأنبياء لا يقرّ، يُبين لهم حتى يتوبوا منها.

س: .............؟

ج: تأويلات ما لها محلّ.

فأمَّا الآثار: فقال محمد بن إسحاق بن يسار: عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: كانت حواء تلد لآدم أولادًا، فيُعبّدهم لله، ويُسمّيهم: عبدالله، وعبيدالله، ونحو ذلك، فيُصيبهم الموت، فأتاهما إبليسُ فقال: إنَّكما لو سمّيتماه بغير الذي تُسمّيانه به لعاش، قال: فولدت له رجلًا، فسمّاه: عبدالحارث، ففيه أنزل الله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إلى قوله: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا إلى آخر الآية.

وقال العوفي: عن ابن عباسٍ: قوله في آدم: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ إلى قوله: فَمَرَّتْ بِهِ شكّت: أحملت أم لا؟ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فأتاهما الشيطان، فقال: هل تدريان ما يُولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون أبهيمةً أم لا؟ وزيَّن لهما الباطل، إنَّه غويّ مبين، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطانُ: إنَّكما إن لم تُسمّياه بي لم يخرج سويًّا ومات كما مات الأول، فسمّيا ولدهما: عبدالحارث، فذلك قول الله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا الآية.

وقال عبدالله بن المبارك: عن شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ في قوله: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، قال: قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ، فأتاهما إبليسُ -لعنه الله- فقال: إنى صاحبكما الذي أخرجتُكما من الجنّة، لتُطيعاني أو لأجعلنَّ له قرني إيل، فيخرج من بطنك فيشقّه، ولأفعلنَّ، ولأفعلنَّ. يُخوّفهما.

الشيخ: الإيل: أُنثى الوعل.

فسمّياه: عبدالحارث، فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميتًا.

ثم حملت الثانية، فأتاهما أيضًا فقال: أنا صاحبكما الذي فعلتُ ما فعلتُ، لتفعلنّ أو لأفعلنّ. يُخوّفهما، فأبيا أن يُطيعاه، فخرج ميتًا.

ثم حملت الثالثة، فأتاهما أيضًا، فذكر لهما، فأدركهما حبُّ الولد؛ فسمّياه: عبدالحارث، فذلك قوله تعالى: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا. رواه ابنُ أبي حاتم.

وقد تلقّى هذا الأثر عن ابن عباسٍ من أصحابه: كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومن الطبقة الثانية: قتادة، والسّدي، وغير واحدٍ من السَّلف، وجماعة من الخلف، ومن المفسّرين من المتأخّرين جماعات لا يُحصون كثرةً.

وكأنَّه -والله أعلم- أصله مأخوذٌ من أهل الكتاب؛ فإنَّ ابن عباس رواه عن أُبي بن كعب، كما رواه ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدَّثنا أبو الجماهر: حدَّثنا سعيد –يعني: ابن بشير-، عن عقبة، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ، عن أبي بن كعبٍ قال: لما حملت حواء أتاها الشيطانُ، فقال لها: أتُطيعيني ويسلم لك ولدك؟ سمّيه: عبدالحارث. فلم تفعل، فولدت، فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك، فلم تفعل، ثم حملت الثالثة فجاءها فقال: إن تُطيعيني يسلم، وإلا فإنَّه يكون بهيمةً. فهيّبهما فأطاعا.

وهذه الآثار يظهر عليها -والله أعلم- أنَّها من آثار أهل الكتاب، وقد صحَّ الحديثُ عن رسول الله ﷺ أنَّه قال: إذا حدَّثكم أهلُ الكتاب فلا تُصدِّقوهم، ولا تُكذِّبوهم.

ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها ما علمنا صحّته بما دلَّ عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله، ومنها ما علمنا كذبه بما دلَّ على خلافه من الكتاب والسُّنة أيضًا، ومنها ما هو مسكوتٌ عنه، فهو المأذون في روايته بقوله : حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وهو الذي لا يُصدّق ولا يُكذّب؛ لقوله: فلا تُصدِّقوهم، ولا تُكذِّبوهم.

وهذا الأثر هو من القسم الثاني أو الثالث، فيه نظر، فأمَّا مَن حدَّث به من صحابي أو تابعي فإنَّه يراه من القسم الثالث، وأمَّا نحن فعلى مذهب الحسن البصري -رحمه الله- في هذا، وأنَّه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذُريته؛ ولهذا قال الله: فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:190].

الشيخ: وهذا من العجب العجيب، اختيار المؤلف -رحمه الله- مُخالِف لنصِّ الآية، وأمَّا أخبار بني إسرائيل فمثلما قال المؤلف: على ثلاثة أقسام: قسم جاءت النُّصوص بتصديقه، فهذا يُصدّق، وقسم جاءت النصوص بتكذيبه، فهذا يُكذّب، وقسم ليس في الأدلة ما يُكذّبه، ولا ما يُصدّقه؛ يكون موقوفًا، داخلٌ في قوله: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فلا يُكذّب من أخبارهم ولا يُصدّق إلا ما قام الدليلُ على تكذيبه وتصديقه، وإلا فهو موقوفٌ؛ يُخبر عنه، ويُحدّث به؛ لأنَّ فيهم الأعاجيب والعِبَر، ولا يُكذّب ولا يُصدّق.

ثم قال: فذكر آدم وحواء أولًا كالتّوطئة لما بعدهما من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذكر الشَّخص إلى الجنس، كقوله: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ الآية [الملك:5]، ومعلومٌ أنَّ المصابيح -وهي النّجوم التي زينت بها السماء- ليست هي التي يُرمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن، والله أعلم.

س: الصواب في هذه الآية أنَّها على ظاهرها؟

ج: لا شكّ، نعم على ظاهرها.