تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي..}

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ كما قال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63]، قيل: نزلت في قريش. وقيل: في نفرٍ من اليهود. والأول أشبه؛ لأنَّ الآية مكيّة، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعادًا لوقوعها، وتكذيبًا بوجودها، كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأنبياء:38]، وقال تعالى: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ [الشورى:18].

وقوله: أَيَّانَ مُرْسَاهَا قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: مُنتهاها، أي: متى محطّها؟ وأيّان آخر مدّة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة؟

قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ أمر تعالى رسوله ﷺ إذا سُئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى، فإنَّه هو الذي يجليها لوقتها، أي: يعلم جلية أمرها، ومتى يكون على التَّحديد، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى؛ ولهذا قال: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

قال عبدالرزاق: عن معمر، عن قتادة في قوله: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قال: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنَّهم لا يعلمون.

قال معمر: قال الحسن: إذا جاءت ثقلت على أهل السماوات والأرض، يقول: كبرت عليهم.

وقال الضَّحاك: عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قال: ليس شيء من الخلق إلا يُصيبه من ضرر يوم القيامة.

وقال ابنُ جريج: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قال: إذا جاءت انشقّت السَّماء، وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قال الله ، فذلك ثقلها.

واختار ابنُ جرير -رحمه الله- أنَّ المراد: ثقل علم وقتها على أهل السماوات والأرض. كما قال قتادة، وهو كما قالاه، كقوله تعالى: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السماوات والأرض، والله أعلم.

وقال السّدي: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يقول: خفيت في السماوات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مُقرَّب، ولا نبيّ مرسل، لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلةٍ.

وقال قتادة في قوله تعالى: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً قضى الله أنها لا تأتيكم إلا بغتة. قال: وذكر لنا أنَّ نبيَّ الله كان يقول: إنَّ الساعة تهيج بالناس، والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق، ويخفض ميزانه ويرفعه.

وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان: أنبأنا شعيب: أنبأنا أبو الزناد، عن عبدالرحمن، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعةُ حتى تطلع الشمسُ من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناسُ آمنوا أجمعون، فذلك حين: لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، ولتقومنَّ الساعةُ وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومنَّ الساعة وقد انصرف الرجلُ بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنَّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومنَّ الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها.

الشيخ: وهذا معنى كونها تبغتهم، فإنَّ الله -جلَّ وعلا- أخفى أمرها عن الناس -على الأنبياء وغيرهم- لا يعلم متى تقوم إلا هو ؛ ولهذا قال: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ، فهي تبغت الناس وهم على أحوالهم، وتنوع أعمالهم، فينفخ صاحب الصور النَّفخة الأولى -نفخة الفزع- وهي نفخة الصعق والموت، والناس في أشغالهم، ويمدّها مدًّا طويلًا حتى يُصغي الرجلُ ليتًا ويرفع ليتًا، يتسمّع أول ما تكون هكذا ما هو الأمر؟ ما هذه الصّيحة؟ فتمتد وترتفع حتى يموت الناس.

فتكون الصّيحة والرجل يلوط حوض إبله ليسقيها، فلا يسقيها، والآخر تكون اللُّقمة في يده فلا يأكلها، والآخر مع صاحبه ينشر الثوب، يتبايعان، فيسقطان والثوب في أيديهما، والآخر في يده الغريسة يريد أن يغرسها من النخل، فيسقط.

والمعنى: أنَّ الناس في أمورهم وشؤونهم وغفلتهم؛ هذا في بيعه، وهذا في بنائه، وهذا في أكله، وهذا في سقي إبله، وهذا في غرس أشجاره، وهذا في بيع سلعٍ أخرى، كلٌّ في شغله، وفي شأنه، فيبغتهم الصوت العظيم فيسقطون، وهو صوت إسرافيل بالصيحة، ثم بعدها النَّفخة الثانية: نفخة البعث والنُّشور، بينهما مدّة أربعين، قال الراوي: لا أقول: أربعين سنةً، ولا أربعين شهرًا، ولا أربعين يومًا. بينهما مدّة، ثم ينفخ إسرافيل نفخة البعث، فيقوم الناسُ من قبورهم من كل مكانٍ، ويُساقون إلى صعيدهم، إلى الصعيد الذي فيه حسابهم وجزاؤهم، فيجتمعون بين يدي الله للفصل بينهم من كل مكانٍ؛ من المشارق والمغارب، من البحار، ومن الأنهار، ومن بطون السباع، ومن كل مكانٍ، نعم.

س: فما يكون معنى قوله: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ؟

ج: مثلما قال: "علمها"، لا يعلمها ملك مُقرَّب، ولا نبيّ مُرْسَل.

س: ما جاء أنَّ النَّفخات ثلاث؟

ج: الصواب أنها نفختان، وحديث الصور فيه ثلاث، ولكنه ضعيف؛ من طريق إسماعيل بن رافع، وهو ضعيفٌ.

وقال مسلم في "صحيحه": حدثني زهير بن حرب: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به، قال: تقوم الساعةُ والرجل يحلب لقحته، فما يصل الإناءُ إلى فيه حتى تقوم الساعةُ، والرجلان يتبايعان الثوب، فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة، والرجل يلوط حوضه، فما يصدر حتى تقوم.

وقوله: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا اختلف المفسّرون في معناه؛ فقيل: معناه كما قال العوفي، عن ابن عباسٍ: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يقول: كأنَّ بينك وبينهم مودّة، كأنَّك صديقٌ لهم.

قال ابنُ عباسٍ: لما سأل الناسُ النبيَّ ﷺ عن الساعة سألوه سؤال قومٍ كأنَّهم يرون أنَّ محمدًا حفيٌّ بهم.

الشيخ: يعني: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا.

فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده، استأثر به، فلم يُطلع الله عليها ملكًا مُقرَّبًا، ولا رسولًا.

وقال قتادة: قالت قريش لمحمدٍ ﷺ: إنَّ بيننا وبينك قرابة، فأسرّ إلينا متى الساعة؟ فقال الله : يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا.

وكذا رُوِيَ عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك والسّدي، وهذا قولٌ.

والصحيح عن مجاهد من رواية ابن أبي نجيح وغيره: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها.

وكذا قال الضَّحاك عن ابن عباسٍ: يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يقول: كأنَّك عالم بها، لست تعلمها: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ.

وقال معمر عن بعضهم: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا كأنَّك عالمٌ بها.

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا كأنَّك بها عالم، وقد أخفى اللهُ علمَها على خلقه، وقرأ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية [لقمان:34]. وهذا القول أرجح في المقام من الأول -والله أعلم-؛ ولهذا قال: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.

ولهذا لما جاء جبريل في صورة أعرابي؛ ليُعلم الناسَ أمر دينهم، فجلس من رسول الله ﷺ مجلس السَّائل المسترشد، وسأله ﷺ عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم قال: فمتى الساعة؟ قال له رسولُ الله ﷺ: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل أي: لستُ أعلم بها منك، ولا أحد بها من أحدٍ، ثم قرأ النبي ﷺ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الآية.

وفي روايةٍ: فسأله عن أشراط الساعة، فبين له أشراط الساعة، ثم قال: في خمسٍ لا يعلمهنَّ إلا الله، وقرأ هذه الآية.

وفي هذا كلِّه يقول له بعد كل جوابٍ: صدقتَ؛ ولهذا عجب الصحابةُ من هذا السائل؛ يسأله ويُصدّقه، ثم لما انصرف قال رسولُ الله ﷺ: هذا جبريل أتاكم يُعلِّمكم دينكم.

وفي روايةٍ قال: وما أتاني في صورةٍ إلا عرفته فيها إلَّا صورته هذه.

وقد ذكرتُ هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنّة.

ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوتٍ جهوري فقال: يا محمد، قال له رسولُ الله ﷺ: هاؤم على نحوٍ من صوته، قال: يا محمد، متى الساعة؟ فقال له رسولُ الله ﷺ: ويحك! إنَّ الساعة آتيةٌ، فما أعددتَ لها؟ قال: ما أعددتُ لها كبير صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكنني أحبّ الله ورسوله، فقال له رسولُ الله ﷺ: المرء مع مَن أحبّ، فما فرح المسلمون بشيءٍ فرحهم بهذا الحديث. وهذا له طرق متعددة في "الصحيحين" وغيرهما.

الشيخ: قوله: المرء مع مَن أحبَّ بشارة عظيمة؛ لأنَّ المؤمنين يُحبون الله ورسوله، ويُحبون المرسلين، ويُحبون المؤمنين، فهم مع أحبابهم؛ ولهذا قال أنس لما سمع هذا: "فإني أحبّ الله ورسوله، وأحبّ أبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم"، وهكذا كل مؤمنٍ يُحبّ الله ورسوله، ويُحبّ أصحاب النبي ﷺ، فهو معهم: المرء مع مَن أحبَّ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، فالمحبّ الصَّادق يعمل بعمل المحبوبين الذين يفرح أن يكون معهم، إذا كان صادقًا عمل بعملهم واجتهد.

س: .............؟

ج: حديثٌ نعم، ولكن تبين بعد ذلك أنه جبرائيل، نعم، لا يعرفه أحد، وليس عليه أثر السَّفر.

عن جماعةٍ من الصحابة، عن رسول الله ﷺ أنه قال: المرء مع مَن أحبّ، وهي مُتواترة عند كثيرٍ من الحفَّاظ المتقنين، ففيه أنَّه كان إذا سُئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقِّهم، وهو الاستعداد لوقوع ذلك، والتَّهيؤ له قبل نزوله، وإن لم يعرفوا تعيين وقته.

ولهذا قال مسلم في "صحيحه": حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أسامة.

الشيخ: أبو أسامة، نعم.

قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كانت الأعرابُ إذا قدموا على رسول الله ﷺ سألوه عن السَّاعة: متى الساعة؟ فينظر إلى أحدث إنسانٍ منهم فيقول: إن يعش هذا لم يُدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم.

الشيخ: أيش عندكم؟

طالب: حتى قامت ساعتكم.

الشيخ: حتى، إيه.

حتى قامت عليكم ساعتكم يعني بذلك موتهم الذي يُفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة.

الشيخ: يعني: كل مَن مات فقد قامت قيامته، ويحتمل أنه ﷺ كان يظنّها قريبة، ثم تبين له أنَّه لا يعلم قربها وقيامها إلا الله ، وأنها في خفاء تامّ؛ ولهذا ذكر أشراطها، نعم.

س: يقول: إذا خرجت العلامات الكبرى فهذا يدلّ على أنَّ هناك مدّة طويلة بعد العلامات الكبرى؛ لكونها لا تأتي إلا بغتة؟

ج: نعم، بعد العلامات مدة يعيش فيها الناس عيش البهائم .....، ويدعوهم الشيطان إلى الشِّرك ويتبعونه، ويتهارجون في الأرض مثل تهارج الحمر، ينكح بعضُهم بعضًا في الأسواق، لا يعرفون ربا، ولا إلهًا، مدة لا يعلمها إلا الله -جلَّ وعلا-: لا تقوم الساعةُ حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله، وفي اللَّفظ الآخر: حتى لا يُقال في الأرض: لا إله إلا الله يعني: بالكلية، ينسون خالقهم، وينسون الآخرة، نسأل الله العافية.

س: قوله فيما مضى: ولما سأل ذلك الأعرابي، وناداه بصوتٍ جهوري، أو جهوري؟

ج: جَهُوري.

س: ضبطه أحسن الله إليك؟

ج: يعني: ضبطه "هاااا" مثل صوته، الأعرابي رفع صوته، والنبي رفع صوته.

.............

ثم قال مسلم: وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنسٍ: أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ عن الساعة، فقال رسولُ الله ﷺ: إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. انفرد به مسلم.

وحدَّثني حجاج بن الشاعر: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا سعيد ابن أبي هلال المصري، عن أنس بن مالك : أنَّ رجلًا سأل النبي ﷺ قال: متى الساعة؟ فسكت رسولُ الله ﷺ هنيهةً، ثم نظر إلى غلامٍ بين يديه من أزد شنوءة فقال: إن عمَّر هذا لم يُدركه الهرم حتى تقوم الساعة، قال أنس: ذلك الغلام من أترابي.

وقال: حدثنا هارون بن عبدالله: حدثنا عفان بن مسلم: حدثنا همام: حدثنا قتادة، عن أنسٍ قال: مرَّ غلامٌ للمُغيرة بن شعبة، وكان من أترابي، فقال النبي ﷺ: إن يُؤخّر هذا لم يُدركه الهرم حتى تقوم الساعة.

ورواه البخاري في كتاب "الأدب" من "صحيحه" عن عمرو بن عاصم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنسٍ: أنَّ رجلًا من أهل البادية قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فذكر الحديث، وفي آخره: فمرَّ غلامٌ للمُغيرة بن شعبة ... وذكره.

وهذا الإطلاق في هذه الرِّوايات محمولٌ على التَّقييد بساعتكم في حديث عائشة -رضي الله عنها.

الشيخ: وهذا محتمل، يحتمل أنه كان يظنّ ذلك، ثم علم أنَّ أمرها إلى الله، ما يعرف قربها ولا عينها، نعم.

وقال ابنُ جريج: أخبرني أبو الزبير: أنَّه سمع جابر بن عبدالله يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول قبل أن يموت بشهرٍ: تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفسٍ منفوسةٍ تأتي عليها مئة سنة. رواه مسلم.

وفي "الصحيحين" عن ابن عمر مثله، قال ابن عمر: وإنما أراد رسولُ الله ﷺ انخرام ذلك القرن.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم: أنبأنا العوام، عن جبلة بن سحيم، عن موثر بن عفارة.

الشيخ: عفارة؟

قارئ المتن: إيه، نعم.

الشيخ: أيش عندكم؟

طالب: عفازة.

الشيخ: انظر "التقريب": مؤثر بن عفارة أو عفازة.

طالب: سبق في قراءةٍ ماضيةٍ يقول: مؤثر.

مداخلة: "التَّقريب" حاضر.

الشيخ: نعم، أيش عندك؟ بعد محمد ميم وهمزة.

الطالب: مؤثر -بضم أوله، وسكون الواو، وكسر المثلثة- بن عفازة -بفتح المهملة والفاء، ثم زاي- .....، كوفي، مقبول، من الثالثة. ابن ماجه.

الشيخ: فقط؟

الطالب: فقط.

الشيخ: ابن ماجه؟

الطالب: إي، نعم.

الشيخ: عجيب! حطّ عليه إشارة، رواه مسلم أيضًا؟

الطالب: أحمد، أحسن الله إليك. قال الإمام أحمد: حدثنا هشيم .....

الشيخ: أحمد جيد، وروى له أحمد أيضًا.

عن مؤثر بن عفازة، عن ابن مسعودٍ ، عن النبي ﷺ قال:

لقيتُ ليلة أُسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر السَّاعة -قال- فردُّوا أمرهم إلى إبراهيم -عليه السلام-، فقال: لا علم لي بها. فردّوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها. فردُّوا أمرهم إلى عيسى، فقال عيسى: أما وجبتها فلا يعلم بها أحدٌ إلا الله -عزَّ وجلَّ-، وفيما عهد إليَّ ربي -عزَّ وجلَّ- أنَّ الدجال خارج -قال- ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرَّصاص -قال- فيُهلكه الله -عزَّ وجلَّ- إذا رآني، حتى إنَّ الشَّجر والحجر يقول: يا مسلم، إنَّ تحتي كافرًا فتعالَ فاقتله.

قال: فيُهلكهم الله -عزَّ وجلَّ-، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيطئون بلادهم، لا يأتون على شيءٍ إلا أهلكوه، ولا يمرّون على ماءٍ إلا شربوه.

قال: ثم يرجع الناسُ إليَّ فيشكونهم، فأدعو الله -عزَّ وجلَّ- عليهم، فيُهلكهم ويُميتهم، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم –أي: تنتن-، قال: فيُنزل الله -عزَّ وجلَّ- المطر، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر

.

قال الإمام أحمد: قال يزيد بن هارون: ثم تُنسف الجبال، وتمدّ الأرض مدّ الأديم. ثم رجع إلى حديث هشيم، قال: ففيما عهد إليَّ ربي أنَّ ذلك إذا كان كذلك، فإنَّ الساعة كالحامل المتمم، لا يدري أهلها متى تُفاجئهم بولادتها، ليلًا أو نهارًا.

ورواه ابن ماجه عن بندار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب بسنده نحوه.

فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين ليس عندهم علمٌ بوقت الساعة على التَّعيين، وإنما ردُّوا الأمر إلى عيسى ، فتكلّم على أشراطها؛ لأنَّه ينزل في آخر هذه الأمّة مُنفذًا لأحكام رسول الله ﷺ، ويقتل المسيح الدَّجال، ويجعل اللهُ هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دُعائه، فأخبر بما أعلمه الله تعالى به.

الشيخ: والمعنى: أنه ينزل مُنفذًا لأحكام الله، ليس عنده شريعة جديدة، وإنما ينزل عيسى في آخر الزمان مُنفذًا لأحكام القرآن والسُّنة، ومن ذلك: قتل الخنزير، وكسر الصليب، وعدم قبول الجزية، كلّ هذا مما جاء به الشرع، عند نزول عيسى ينتهي أمر الجزية، ويجب طرحها، ولا يقبل إلا الإسلام أو السَّيف.