باب حجة من رآى فرض البعيد إصابة الجهة لا العين

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيفكم في هذا اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

بَابُ حُجَّةِ مَنْ رَأَى فَرْضَ الْبَعِيدِ إصَابَةَ الْجِهَةِ لَا الْعَيْنِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا يُعَضِّدُ ذَلِكَ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذان الحديثان يدلان على أنَّ الجهة هي القبلة في حقِّ البعيد، وهذا نصّ القرآن، يقول الله جلَّ وعلا: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150]، على الجميع أن يُولوا وجوههم شطر المسجد الحرام، فالمشرق والمغرب، والجنوب والشمال كلهم عليهم أن يستقبلوا جهة الكعبة، أما الذين في المسجد الحرام يرون الكعبة، فهؤلاء يستقبلون عينها، أما مَن كان لا يراها بل هو بعيدٌ عنها فإنه يستقبل الجهة؛ ولهذا قال ﷺ: ما بين المشرق والمغرب قبلة يعني: بالنسبة إلى الشمال والجنوب، أما مَن كان في المشرق والمغرب فيُقال: ما بين الجنوب والشمال قبلة.

وهكذا قوله في حديث أبي أيوب: شرِّقوا أو غرِّبوا بالنسبة إلى المدينة.

والمقصود أنَّ على المؤمن أن يستقبل الجهة، وإذا كان يقضي حاجته كذلك ينصرف عن القبلة، لا يستقبلها.

س: سماحة الشيخ، هناك بُوصلات تُعين القبلة، هل يُعتمد مثل ذلك؟

الشيخ: نعم، إذا كانت جُربت وجيدة لا بأس، تُعتمد، إذا جُربت وعُلم أنها طيبة صحيحة يُستعان بها.

س: يزور الإنسانُ قريبًا له أو صديقًا، ثم يُصلي عنده إلى جهةٍ يظنّها القبلة، وبعد الصلاة يتبين له أنَّ الأمر خلاف ذلك، فهل تلزمه الإعادة؟

الشيخ: نعم، إذا كان في البلد تلزمه الإعادة؛ لأنه في إمكانه أن يسأل عن القبلة، لا يجتهد، ما هي محل اجتهادٍ، البلدان ما هي محل اجتهادٍ، الاجتهاد في الصَّحراء والبرية والسفر، أما في البلد فيسأل أهل البلد عن القبلة وينظر مساجدهم.

س: إذا كان الإنسانُ يُصلي النافلة على المركوب، هل يجب عليه أولًا الاتجاه إلى القبلة؟

الشيخ: إذا كانت فريضةً يُصلي على الأرض، إذا كانت فريضةً يلزمه استقبال القبلة، وأن يكون على الأرض؛ حتى يركع ويسجد، إلا إذا عجز: كالمريض المربوط على الدابة، أو الأرض فيها سيول ما يستطيع أن ينزل؛ يُصلي على الدابة، ويستقبل القبلة، أما إذا كان يستطيع أن ينزل يُصلي على الأرض ويستقبل القبلة.

أما النَّافلة: فالمسافر جهة سيره قبلته، لكن الأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام، ثم تكون جهة سيره في قبلته في النافلة، كما كان النبيُّ يفعل عليه الصلاة والسَّلام.

س: صلاة الفريضة في الراحلة هل تجوز؟ وما الحكم إذا كانت تتغير وجهتها؟ هل يلزم المصلي أن يستدير يمينًا وشمالًا؟

الشيخ: يلزمه أن ينزل ويُصلي في الأرض، ولا يُصلي على الراحلة في الفريضة، ويستقبل القبلة، إلا إذا عجز: كالمربوط على الدابة لمرضه، أو عجزه عن النزول، أو كالذي في بريةٍ ما يستطيع النزول للسيول التي تحته، ولا يستطيع الصلاة في الأرض للسيل الذي قد غمرها، فهذا يُصلي على الراحلة ويوقفها ويُوجهها إلى القبلة ويستقبل القبلة ويُصلي إلى القبلة على الراحلة.

س: أخيرًا إذا خرج الناسُ إلى البرِّ وقرب البلد، إذا خرجوا هل يُلزمون بالذهاب إلى أقرب مسجدٍ لتحديد القبلة أم يكفي الاجتهاد؟

الشيخ: إذا كان المسجدُ قريبًا يأخذون القبلة من المسجد، وإن كان بعيدًا يجتهدون.

بَابُ تَرْكِ الْقِبْلَةِ لِعُذْرِ الْخَوْفِ

- عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَرُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا.

قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: الواجب في الخوف أن يُصلى إلى القبلة، كما فعل النبيُّ والصحابة، لكن إذا اشتدَّ الخوفُ ولم يستطيعوا صلَّوا إلى أي جهةٍ؛ لقوله جلَّ وعلا: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، لكن مع القُدرة يلزم أن يُصلوا إلى القبلة، كما فعله النبيُّ يوم الأحزاب.

بَابُ تَطَوُّعِ الْمُسَافِرِ عَلَى مَرْكُوبِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَ بِهِ

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَفِيهِ نَزَلَ: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115]. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ، وَلَكِنْ يَخْفِضُ السُّجُودَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيُومِئُ إيمَاءً. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَفِي لَفْظٍ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ خَلَّى عَنْ رَاحِلَتِهِ، فَصَلَّى حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

الشيخ: المسافر له أن يُصلي إلى جهة سيره، كما فعله النبي ﷺ، يُصلي على راحلته إلى جهة سيره النافلة تطوعًا، كما بينت الأحاديثُ الصَّحيحة، أما الفريضة لا، عليه أن ينزل ويصلي في الأرض ويستقبل القبلة، أما النافلة فلا بأس، كما فعله النبيُّ ﷺ، والأفضل أن يستقبل القبلة عند الإحرام؛ لحديث أنسٍ، ثم يخلي سبيل الناقة إلى جهة سيره؛ جمعًا بين الأحاديث الصحيحة الكثيرة: ليس فيها استقبال القبلة، يُصلي إلى جهة سيره، لكن حديث أنسٍ ذكر أنه عند الإحرام يستقبل القبلة، هذا أحوط وأفضل عند الإحرام، ثم يُصلي إلى جهة سيره في النافلة خاصةً: على بعير، أو على حمار، أو على بغل، أو على فيل، المقصود على دابةٍ.

س: هل من السنة أن يُصلي الإنسانُ النافلةَ على الراحلة أم الآن الأمر للجواز؟

الشيخ: يُصلي السنة على الراحلة، يغتنم الخير والفضل، مثلما فعل النبيُّ ﷺ: كان يُوتر على البعير، لا يترك النَّوافل، كذلك في الطائرة، في السيارة يُصلي إلى جهة سيره في النَّافلة.

س: سماحة الشيخ، متى يجوز الإيماءُ في الصلاة؟

الشيخ: عند العجز في السفر في النافلة، والمريض عند العجز، إذا عجز المريض: ما يقدر أن يركع ولا يسجد، فيخفض السجود على الركوع إذا كان ما يسجد في الأرض، يركع ويسجد لكن يكون السجودُ أخفض من الركوع، فإذا عجز كفت النيةُ مع القول، على جنبه، ما يستطيع إلا عن جنبه وينوي، يُكبر ويقرأ ثم ينوي الركوع ويقول: سبحان ربي العظيم، ويكبر ثم ينوي الرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، إلى آخره، ثم ينوي السجود ويُكبر ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، وهكذا بالنية والكلام عند العجز.

المقدم: سماحة الشيخ، في نهاية هذا الباب لعلكم تُبينون للسادة المستمعين شروط الصلاة إجمالًا؟

الشيخ: شروط الصلاة معلومة، تسعة شروط: الإٍسلام، والعقل، والتَّمييز، والطَّهارة، وزوال النَّجاسة من الثوب والبدن والبقعة، واستقبال القبلة، والنية -نية الصلاة- لا بدَّ أن يستوفي الشروط التسعة كلها: الإسلام، فالكافر ما له صلاة. والمجنون ما له صلاة. والذي دون التَّمييز ما له صلاة. والطَّهارة لا بدَّ منها؛ لقوله ﷺ: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ، ولا بدَّ أيضًا من إزالة النَّجاسة من الثوب والبدن والبقعة، ولا بدَّ من استقبال القبلة حال الصلاة، إلا في السفر في النَّافلة خاصة، إذا صلَّى على دابته كما تقدم، ولا بدَّ من النية -نية الصلاة-.

وستر العورة كذلك لا بدّ منه، ستر العورة: ما بين السرة والركبة في حقِّ الرجل، مع ستر العاتقين أو أحدهما، والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفَّيها في الصَّلاة.

 

أَبْوَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

بَابُ افْتِرَاضِ افْتِتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ

- عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ.

وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ: كَانَ يَفْتَتِحُ بِالتَّكْبِيرِ.

الشيخ: هذا هو الواجب على المصلي: أن يكون على طهارةٍ: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، يدخل فيها بالتَّكبير، ويخرج منها بالتسليم، ويُؤدي بقية الأركان كما كان النبيُّ يصلي ويقول: صلُّوا كما رأيتُموني أُصلي، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77].

فعلى المؤمن أن يُصلي كما صلَّى النبيُّ ﷺ على طهارةٍ؛ لقوله ﷺ: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ، وقوله ﷺ: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، أول تكبيرةٍ تُسمَّى: التحريمة، يدخل في الصلاة بالتكبير، ثم يُكملها بالقراءة، ثم الركوع، ثم الرفع والاعتدال، ثم السجود والطُّمأنينة في السجود، ثم الجلوس بين السجدتين، ثم السجدة الثانية، لا بدَّ من هذا، ثم آخر شيءٍ التَّحيات، قراءة التشهد ثم التسليم.

والنبي علم المسيء في صلاته: لما رأى رجلًا أساء في صلاته ولم يُتم ركوعها ولا سجودها علَّمه، قال: إذا قمتُ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلةَ فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، وفي اللفظ الآخر: ثم اقرأ بأمِّ القرآن وما شاء الله، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها، هكذا يجب على المؤمن والمؤمنة.

س: معنى: تحريمها التكبير؟

الشيخ: يعني: يدخل فيها بالتَّكبير، يحرم عليه يعني: الكلام وكل ما يُنافي الصلاة، إذا كبَّر دخل في حُرمتها، وإذا سلم تحلل منها.

س: إذا أتى بصيغةٍ غير "الله أكبر"، مثلًا قال: الرحمن أكبر، أو قال: الله أجلّ؟

الشيخ: ما يُجزئ إلا هذا: "الله أكبر"، إذا قال غيرها ما يدخل في الصلاة، ما تنعقد، لو قال: الله أجل، أو أعظم، أو الله الرحمن، أو الرحيم، ما تنعقد الصلاة.

س: ما حكم رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام؟ وهل يكون قبل التَّكبير أم بعده؟

الشيخ: سنة مع التكبير، يرفع يديه مع التكبير عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التَّشهد الأول إلى الثالثة، يرفع يديه في هذه المواضع الأربعة، يُوجهها إلى القبلة رافعًا يديه هكذا إلى القبلة، إلى حيال منكبيه، أو حيال أذنيه.

س: نلاحظ على بعض الإخوان أنه يقول عند تكبيرة الإحرام: بسم الله، ثم يُكبر؟

الشيخ: لا، ما هو بمشروعٍ، فقط: الله أكبر، ما يأتي بالبسملة، ما يُسمِّي، يقول: الله أكبر، هذا أول الصلاة.

س: أيضًا عند التيمم يتكلم بكلامٍ لا يُسمع، ثم يُكبر أيضًا؟

الشيخ: لا، عند التَّيمم يقول: بسم الله، مثل الوضوء، يُسمِّي في أوله.

س: إذًا ما هناك أذكار تُقال قبل تكبيرة الإحرام؟

الشيخ: ..... الاستفتاح بعد التكبيرة.

بَابُ أَنَّ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ بَعْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَالْفَرَاغِ مِنَ الْإِقَامَةِ

- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا إذَا قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: المشروع للإمام أن يُسوي الصفوف أولًا، يقول لهم: سوّوا صفوفكم، ويأمر مَن تقدم أو تأخَّر أن يستقيم؛ حتى تستوي الصفوف، كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، يقول لهم: سوّوا صفوفكم، سدّوا الفرج، لا تذروا فرجات للشيطان، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان؛ حتى تعتدل الصفوف، ثم يُكبر، يقول ﷺ: لتُسوون صفوفكم، أو ليُخالفنَّ الله بين وجوهكم، فالتَّسوية واجبة مُتعينة؛ أن يُسوي الصفوف ولا يتساهل في هذا الإمام، كما كان النبيُّ يأمر عليه الصلاة والسلام، فيُعدلها ويُسويها ثم يُكبر.

س: نسمع من بعض الأئمة يقول عبارات منها: استووا، تراصوا، سدّوا الخلل، إنَّ الله لا ينظر إلى الصفِّ الأعوج، حاذوا بين الأكعب والأقدام؟

الشيخ: كل هذا كان النبيُّ يقوله إلا حديث: "إنَّ الله لا ينظر إلى الصفِّ الأعوج"، فهذا ما أعرف له أصلًا، لا أعرف من الأحاديث شيئًا في هذا، أما هذا يقول لهم: سووا صفوفكم، اعتدلوا في الصفوف، سدوا الفرج، لا تذروا فرجات للشيطان. كل هذا ورد عن النبيِّ ﷺ وصحَّ عنه، ويقول: مَن وصل صفًّا وصله الله، ومَن قطع صفًّا قطعه الله.

س: سماحة الشيخ، بعض الأئمة جزاهم الله خيرًا يأخذ وقتًا في إصلاح الصفِّ مما يُضايق بعض الجماعة، فما رأيكم؟

الشيخ: لا، هذا هو السنة: العناية بالصفوف وعدم العجلة في التكبير حتى تستوي الصفوف، هذا فعله ﷺ، بعض الناس من حين يقوم يُكبر ولا ينظر في الصفوف، لا، الواجب النظر في الصفوف، والتأني وعدم العجلة حتى تستوي الصفوف.

س: وما الحكمة من تسوية الصفِّ يا سماحة الشيخ؟

الشيخ: الله أعلم، لكن يظهر من ذلك أن استقامتهم في الصفِّ أحسن في الأدب بين يدي الله؛ ولهذا يقول ﷺ: ألا تصفون كما تصفّ الملائكة عند ربها؟ يعني: تأدبًا مع الله جلَّ وعلا يكونوا مُستوين، مُتراصين، وسادين للفرج؛ تأدبًا مع الله جلَّ وعلا، كما تصفّ الملائكةُ عند ربها، قالوا: يا رسول الله، كيف تصفّ الملائكةُ عند ربها؟ قال: يُتمون الصفَّ الأول فالأول، ويتراصون عند الله جلَّ وعلا.

س: حفظكم الله، الفُرج التي بين الأشخاص أحيانًا تكون كبيرةً، فما الحكم في ذلك؟

الشيخ: الواجب سدّها، الصلاة صحيحة، لكن الواجب سدّ الفُرج كما أمر النبيُّ ﷺ، يتراصون، يتقاربون.

س: بعض الجماعة عندما يدخل المسجد والإمام راكع يذهب إلى الصفِّ الثاني ويترك الأول، مع أنَّ فيه فراغًا، وذلك حتى لا تفوته الركعة؟

الشيخ: لا يجوز، الواجب أن يكمل الأول ولو فاتت الركعة؛ لأنَّ الرسول أمر أن يكمل الأول فالأول، ويقصد الصفَّ الأول، يكمله، فإن كان كاملًا يكمل الثاني، ولا يصفّ في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا.

 

بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبَيَان صِفَتِهِ وَمَوَاضِعِهِ

- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ: أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بِحَذْوِ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ، وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ.

وَلِمُسْلِمٍ: وَلَا يَفْعَلُهُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ.

وَلَهُ أَيْضًا: وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

الشيخ: هذه السنة، السنة للإمام والمأمومين رفع الأيدي عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، هذا السنة، إلى حيال المنكبين، أو إلى فروع الأذنين، كما في حديث مالك بن الحويرث: كان يرفعهما حذاء أذنيه، وهو مُخير: إن شاء رفعهما حذاء المنكبين، أو حذاء الأذنين -فروع الأذنين- عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وهناك موضع رابع أيضًا: عند القيام من التَّشهد الأول إلى الثالثة يرفع يديه، كما كان النبيُّ يفعل ﷺ، أما في السجود فلا يرفع.

س: ما معنى "مدًّا" يا سماحة الشيخ؟

الشيخ: مدًّا هكذا، يمد أصابعه مدًّا، ويُوجهها إلى القبلة، يُوجه يديه إلى القبلة، إلى حذاء منكبيه، أو حذاء فروع أذنيه، ضامًّا بعضها إلى بعضٍ، بعض الأصابع إلى بعض.

- وَعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَصْنَعُهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

وقد صحَّ التَّكبير في المواضع الأربعة في حديث أبي حميدٍ السَّاعدي.

- وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ هَكَذَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ.

الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على شرعية رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، ويكون رفعهما حذاء منكبيه، أو حذاء أذنيه، هذا سنة، وهذا سنة، إن فعل هذا أو هذا كله سنة في المواضع الأربعة: عند الإحرام مع التكبير، وعند الركوع مع التكبير، وعند الرفع مع التَّسميع، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة.

- وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ ابن ربعي: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالُوا: مَا كُنْتَ أَقْدَمَ لَهُ صُحْبَةً، وَلَا أَكْثَرَنَا لَهُ إتْيَانًا! قَالَ: بَلَى، قَالُوا: فَاعْرِضْ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَكَعَ، ثُمَّ اعْتَدَلَ، فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا، ثُمَّ هَوَى إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ عَلَيْهَا وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ نَهَضَ، ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ، حَتَّى إذَا كَانَت الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ، قَالُوا: صَدَقْتَ، هَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا.

الشيخ: هذا حديث أبي حميدٍ يُوافق الأحاديث السَّابقة، أبو حميدٍ السَّاعدي وافق الأحاديث السابقة في رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، كل هذا موافق للأحاديث السَّابقة، ويكون الرفع حيال المنكبين. وفي حديث مالك بن الحويرث: حيال الأذنين، كله سنة، وإذا ركع جعل رأسه حيال ظهره، ووضع يديه على ركبتيه واطمأنَّ حتى يرجع كل فقارٍ إلى مكانه، وهكذا في السجود يطمئن حتى يعود كل فقارٍ إلى مكانه، وهكذا بين السَّجدتين، وهكذا بعد الركوع يطمئن، وإذا جلس في التَّشهد الأول جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وفي التشهد الأخير يجلس على مقعدته، يتورك، كل هذا هو السنة.

المقدم: بقيت جملةٌ من الأسئلة، نستأذنكم يا سماحة الشيخ أن نعرضها في الحلقة القادمة إن شاء الله.

الشيخ: لا بأس.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.