باب من اجتزأ بتسليمة واحدة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ مباركٍ من دروس "المنتقى".

ضيف هذا الدرس هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم:

بَابُ مَنِ اجْتَزَأَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ

- عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَيَجْلِسُ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا كَبُرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ، لَا يَقْعُدُ إلَّا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي السَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ حَتَّى يُوقِظَنَا.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ يُسْمِعُنَاهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على أنواعٍ من الوتر، والنبي ﷺ كان يتنوع وتره، سبق في هذا أحاديث كلها تدل على التَّوسعة في صلاة الليل، وأن المؤمن مُوسَّع له في صلاة الليل، وغالب وتره ﷺ إحدى عشرة، يُسلم من كل ثنتين، وربما أوتر بثلاث عشرة، يُسلم من كل ثنتين، وربما أوتر بسبعٍ يسردها، ولا يجلس إلا في السابعة، وربما أوتر بسبعٍ، يجلس في السادسة، ثم يتشهد التشهد الأول، ثم يقوم ويأتي بالسابعة، وربما أوتر بتسعٍ، يجلس في الثامنة ولا يُسلم، ثم يقوم ويأتي بالتَّاسعة.

كل هذه أنواع من الوتر لا بأس بها، ويرفع صوته بالتسليم، يُسمعهم إياها لعله يُوقظ مَن حوله عليه الصلاة والسلام، ولا يلزم من هذا أنه لا يُسلم الثانية؛ لأنَّ التسليم ثابت عنه ﷺ أنه كان يُسلم تسليمتين، لكن في بعض الأحيان يرفع صوته بالأولى ليُسمعهم إياها، ولا يلزم من ذلك عدم إتيانه بالثانية.

س: ما حكم سرد إحدى عشرة ركعة بسلامٍ واحدٍ؟

الشيخ: هذا ما هو بمشروع إلا في الوتر، أو في صلاة الخوف، عند شدة الخوف، صلاة الخوف ركعة عند شدة الخوف، أو في الوتر يُوتر بواحدةٍ مثلما في الحديث الصحيح؛ يقول ﷺ: الوتر ركعة من آخر الليل، أو يُوتر بثلاثٍ بتسليمتين، أو خمس بثلاث تسليمات، أو سبع بأربع تسليمات، وهكذا يفرد الواحدة، هذا السنة: إفراد الواحدة هذا الأفضل.

س: بعض الأئمة يسرد أربع ركعات بتسليمةٍ؟

الشيخ: هذا تركه أولى، النبي ﷺ قال: صلاة الليل مثنى مثنى رواه البخاري ومسلم. يعني: يُسلم من كل ثنتين، هذا هو السنة.

بَابٌ فِي كَوْنِ السَّلَامِ فرضًا

- قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ.

وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ قَالَ: أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي فَحَدَّثَنِي أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِاللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ قَالَ: إذَا قُلْتَ هَذَا وَقَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَك، إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: إذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَك مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَوْلُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.

الشيخ: وهذا هو الصواب: أنه إذا فرغ من التَّحيات يُسلم، ثم يقوم؛ لقوله: إذا قضيتَ هذا فإن شئتَ فقم يعني: بعد السلام، فالكلام مُدرج يُفسره الحديث المرفوع، النبي لما علَّمهم التَّحيات قال لهم ﷺ: ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو، ثم السلام بعد هذا، فالسلام بعد الدُّعاء.

س: ما معنى: تحليلها التسليم؟

الشيخ: في الحديث الصحيح: تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، الصلاة يدخل فيها بالتَّكبير، ويتحللها بالتَّسليم. هذه الصلاة النَّافلة، والفريضة أولها تحريم بتكبيرٍ، وآخرها تحليل بتسليمٍ.

س: في كون السلام فرض، هل يكفي لفظ: السلام عليكم؟

الشيخ: الواجب: ورحمة الله، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة؛ لأنَّ الأحاديث يُفسر بعضُها بعضًا.

بَابٌ فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ

- عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنِ الْمُغِيرَة بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ، مِنْكَ الْجَدُّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ، يُسَبِّحُ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا، وَيُكَبِّرهُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُهُ عَشْرًا.

قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ وَمِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِئَةٍ فِي الْمِيزَانِ، وَإِذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ سَبَّحَ وَحَمِدَ وَكَبَّرَ مِئَةَ مَرَّةٍ، فَتِلْكَ مِئَةٌ بِاللِّسَانِ، وَأَلْفٌ بِالْمِيزَانِ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

- وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ، وَيَقُولُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ دُبُرَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الذِّكر عقب الصلاة والدعاء، أما الذكر فيُستحب ما جاء في حديث ثوبان وابن الزبير والمغيرة بن شعبة: إذا سلَّم من الصلاة يقول: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام"، هذا ذكر ثوبان أنه يفعله بعد كل صلاةٍ مكتوبةٍ عليه الصلاة والسلام، بعد كل صلاةٍ، إذا سلَّم من الصلاة قال هذا الاستغفار بعد كل صلاةٍ، لم يذكر فيها المكتوبة، بعد كل صلاةٍ: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وتباركتَ يا ذا الجلال والإكرام".

بعض الناس يزيد فيها: "وتعاليت"، وليست محفوظةً زيادة "وتعاليت"، إنما المحفوظ: "تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، أما "تعاليت" فهذه محفوظة في أذكار الاستفتاح: "وجَّهتُ وجهي .." في قيام الليل، يقول في آخره: "تباركت وتعاليت"، وأما في الذكر عقب الصلاة إذا سلَّم فيقول: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، هذا هو الأفضل.

ثم يقول: "لا إله إلا الله" كما في حديث المغيرة وابن الزبير: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدِّين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا مُعطي لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ، منك الجدّ"، هذا الذكر ثابت من حديث ابن الزبير عند مسلم، ومن حديث المغيرة عند الشيخين.

فينبغي للمؤمن أن يُحافظ على ذلك: "أستغفر الله" ثلاثًا، "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام" بعد كل فريضةٍ، ثم يقول بعد هذا: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله"، إن كان إمامًا بعدما يتوجه للمأمومين، إذا قال: "اللهم أنت السلام" ينصرف إلى المأمومين ويقول: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" مرة أو ثلاثًا، إن كررها ثلاثًا فهو حسن، كما جاء في بعض الروايات، ويقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ، منك الجدّ".

ويزيد في الفجر والمغرب عشر تهليلات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" عشر مرات في الفجر والمغرب بعد هذا الذكر.

ويُستحب أيضًا أن يأتي بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير عشر مرات: "سبحان الله" عشرًا، و"الحمد لله" عشرًا، و"الله أكبر" عشرًا، هذا فعله النبيُّ بعض الأحيان، وعلَّم أصحابه أن يقولوا ذلك ثلاثًا وثلاثين، وهو الأفضل والأكمل ثلاثًا وثلاثين، كما علَّم النبيُّ أصحابه، الجميع مئة إلا واحدة: ثلاثًا وثلاثين تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميدة، وثلاثًا وثلاثين تكبيرة، هذا تسع وتسعون، ثم يقول تمام المئة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، في حديث أبي هريرة: إذا قال هذا غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.

هذا يدل على فضل هذا الذكر، وإن كمل المئة بقوله: "الله أكبر"، فكل ذلك وارد عن النبيِّ ﷺ.

فينبغي للمؤمن أن يتحرى الأذكار الواردة عن النبي ﷺ في الصَّلوات الخمس، أدبارها، بعد السلام، ويُستحب أن يقول بعد هذا آية الكرسي، أن يقرأ آية الكرسي: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] بعد كل فريضةٍ، ثم يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] والمعوذتين، ويُكررها ثلاثًا بعد الفجر والمغرب، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين ثلاث مرات بعد الفجر والمغرب، ويُستحب أن يزيد في الفجر والمغرب أيضًا: "اللهم أجرني من النار" سبعًا.

وفَّق الله الجميع.

س: سماحة الشيخ، الدعاء والذكر في الصلاة: الاستغفار قلتم ثلاثًا، هل له الزيادة في الاستغفار على ثلاثٍ؟

الشيخ: لم يرد إلا ثلاث في الاستغفار بعد كل فريضةٍ: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله"، هذا المحفوظ عن النبي ﷺ، ثم يقول بعده: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام".

س: كلمة "تبارك" ما معناها؟ وهل هي خاصة بـ ..؟

الشيخ: يعني: بلغ في البركة النهاية، خاصٌّ بالله جلَّ وعلا.

س: يا ذا الجلال والإكرام، ما معناها؟

الشيخ: العظمة والإكرام لأوليائه.

س: استشكل على البعض استغفاره ﷺ، مع أنه مغفور له، فما الجواب في ذلك؟

الشيخ: مثلما قال ﷺ: أفلا أكون عبدًا شكورًا، الله أمره بالاستغفار قال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، أمره بالاستغفار.

س: هل هذا الحديث صحيح في قول "لا إله إلا الله" عشر مرات في المغرب والفجر؟

الشيخ: نعم، لا بأس به.

س: أيضًا دبر الصلاة هل المقصود بها قبل الصلاة أم بعدها؟

الشيخ: الذكر بعدها، والدعاء قبلها، الذكر بعدها، وقوله: "اللهم أجرني من النار" بعدها في المغرب والفجر.

س: نرجو شرح عبارة: "ولا ينفع ذا الجدّ، منك الجدّ"؟

الشيخ: ذا الغنى منك غناه، الجدّ: الغنى والحظّ، ما ينفعه من الله، إن لم يُغنه الله لم ينفعه غناه، ولا ينفع ذا الغنى منك، يعني: بدلًا منك، الناس فقراء إلى الله جلَّ وعلا.

س: ما حكم الدُّعاء ورفع اليدين بعد الفريضة؟

الشيخ: غير مشروع، بدعة.

س: ما الأوقات التي يتحرى فيها المسلمُ إجابةَ الدَّعوات؟

الشيخ: آخر الصلاة قبل أن يُسلم، وفي السجود، وآخر نهار يوم الجمعة بعد العصر إذا جلس ينتظر صلاة المغرب، وعند صعود المنبر يوم الجمعة -الخطيب- إلى أن يفرغ من الصلاة، وآخر الليل، وجوف الليل الآخر، كلها أوقات إجابة.

س: ما الحكمة من الاستعاذة من الردِّ إلى أرذل العمر، مع أنه كلما طال عمرُ الإنسان وحسن عمله صار أفضل؟

الشيخ: الحكمة في ذلك والله أعلم أنه يشقّ على الناس وعلى نفسه أيضًا، إذا ردّ إلى أرذل العمر يزحف ويشقّ على الناس الذهاب والمجيء به إلى قضاء الحاجة والوضوء وغير ذلك، يشقّ على أهله، ويشقّ على نفسه أيضًا.

س: ما معنى "جوف الليل"؟

الشيخ: وسط الليل.

بَابُ الِانْحِرَافِ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْر اللُّبْثِ بَيْنَهُمَا وَاسْتِقْبَال الْمَأْمُومِينَ

- عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

- وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، فَيُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ: فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفَ جَالِسًا، فَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ. وَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا، قَالَ: وَنَهَضَ النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَنَهَضْتُ مَعَهُمْ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَشَبُّ الرِّجَالِ وَأَجْلَدُهُ. قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَزْحَمُ النَّاسَ حَتَّى وَصَلْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا إمَّا عَلَى وَجْهِي أَوْ صَدْرِي. قَالَ: فَمَا وَجَدْتُ شَيْئًا أَطْيَبَ وَلَا أَبْرَدَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا: أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ ثَارَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِيَدِهِ يَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ. قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَمَسَحْتُ بِهَا وَجْهِي، فَوَجَدْتُهَا أَبْرَدَ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ.

- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْهَاجِرَةِ إلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ تَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ.

الشيخ: كل هذه الأحاديث تدل على أنَّ السنة إذا سلَّم الإنسانُ من صلاته أنه يستقبل المأمومين بوجهه، كان ﷺ إذا سلَّم استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام، ثم يُعطيهم وجهه، ينصرف ويُعطي القبلة ظهره ويستقبل الناس عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة للإمام: أن يستقبل الناس.

وفيه من الفوائد: ما جعل الله فيه من البركة، وأنه يُتبرك بجسمه وعرقه وما يتقاطر من يديه من الوضوء، وأنَّ الله جعل فيه بركةً للأمة.

وفيه: أنَّ مَن جاء والإمام يُصلي يُصلي معه، لا يجلس؛ ولهذا أنكر على الرَّجلين قال: إذا أتيتُما وأدركتُما الإمام يُصلي فصليا معه، فإنها لكما نافلة.

وفيه التَّبرك بوضوئه ﷺ وشعره، كما تقدم، كل هذا ثابت عن النبي ﷺ في أحاديث كثيرةٍ، والله جعل فيه من البركة ما جعل عليه الصلاة والسلام.

س: في هذا الباب -باب الانحراف بعد السلام- ما الحكم لو بقي الإمامُ طويلًا أو استمرَّ جهة القبلة؟

الشيخ: مكروه، خلاف السنة، يكون قد خالف السنة، زال المطلوبُ، المطلوب استقبال القبلة في الصلاة، وانتهت الصلاة، والسنة أن يُقابل الناس، ما يستدبرهم، يُعطي الناس وجهه ويُكلمهم.

س: هذا الحديث روته عائشة، مع أنها لا تحضر مُصلَّى الرجال؟!

الشيخ: تُشاهده وهي في بيتها، بيتها على جنب المسجد، بابه على المسجد.

س: هل هناك حكمة من الانتظار؟

الشيخ: الانتظار أفضل، كونه يُكمل الذكر أفضل؛ حتى لا يُشغل عنه، وابن عباسٍ كان يحسّ بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي ﷺ: كنتُ أعلم إذا انصرفوا من ذلك إذا سمعته.

بَابُ جَوَازِ الِانْحِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ

- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ.

وَفِي لَفْظٍ: أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ.

- وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

- وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَؤُمُّنَا فَيَنْصَرِفُ عَنْ جَانِبَيْهِ جَمِيعًا: عَلَى يَمِينِهِ، وَعَلَى شِمَالِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.

الشيخ: هذا يُفيد أنه لا ينبغي التَّكلف في هذا، وأنَّ السنة للإمام أن ينصرف حيث شاء: يمين أو شمال، بعد فراغه من الصلاة إذا قام: إن شاء أخذ يمينه، وإن شاء أخذ شماله، حسب المصلحة والحاجة التي تدعوه إلى ذلك، والنبي كان يفعل هذا وهذا عليه الصلاة والسلام.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.