6- من حديث (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها, غير مفسدة..)

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبيُّ ﷺ: إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتِها غير مفسدةٍ كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك, لا ينقص بعضُهم من أجر بعضٍ شيئًا. متفقٌ عليه.

- وعن أبي سعيدٍ الخدري قال: جاءت زينب امرأةُ ابن مسعودٍ فقالت: يا رسول الله, إنَّك أمرت اليوم بالصَّدقة, وكان عندي حُليٌّ لي, فأردتُ أن أتصدَّق به, فزعم ابنُ مسعودٍ أنه وولده أحقّ مَن أتصدق به عليهم, فقال النبيُّ ﷺ: صدق ابنُ مسعودٍ, زوجك وولدك أحقُّ مَن تصدقت به عليهم. رواه البخاري.

- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعةُ لحمٍ. متَّفق عليه.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة فيها الحثُّ على الصَّدقة والإحسان، وأنَّ أقارب الإنسان وزوج المرأة أحقُّ مَن يتصدق عليهم بصدقة التطوع، وأن السؤال مذمومٌ لا ينبغي إلَّا للضَّرورة، أو ما أذن به الشرعُ؛ لأنه ذُلٌّ ووسيلةٌ إلى فضيحة يوم القيامة.

يقول النبيُّ ﷺ: إذا أنفقت المرأةُ من طعام بيتها غير مفسدةٍ كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجرٌ بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضُهم من أجر بعضٍ شيئًا، فإذا أنفقت إنفاقًا مناسبًا ليس فيه إسرافٌ ولا تبذيرٌ وكان في محلِّه فلها أجرها، ذلك بإذن زوجها؛ لأنَّ المال مال زوجها، كما جاء في الأحاديث الأخرى: لا يحلّ لامرأةٍ عطية إلا بإذن زوجها، فلا بدّ أن تستأذن وتعمل بما يراه زوجُها، سواء كان الإذنُ نطقيًّا أو عرفيًّا، وهو ما جرت به العادةُ أنه يُسمح به ويُؤذن فيه، فإذا فعلت ما جرت العادةُ بالإنفاق منه، أو بالإذن الصَّريح فيه، مُتحريةً للخير، متحرية للصواب، لا إسراف، ولا تبذير؛ فلها أجرها كاملًا، وله أجره كاملًا، وللخازن الذي معهم والخادم كذلك إذا شارك في الخير، فكلهم شرُكاء في الأجر، لا ينقص بعضُهم من أجر بعضٍ شيئًا هذا بكسبه، والمرأة بإنفاقها وتحريها، والخازن بالتَّعاون معهم، والحرص على إيصال الصَّدقة إلى أهلها.

وهذا من فضل الله جلَّ وعلا، ومن كرمه : أنَّ المنفق والزوجة والخادم المعين شُركاء في الأجر.

والإذن يكون تارةً بالصراحة، وتارةً بالعُرْف؛ بأن تعلم من حاله ومن طريقته ومن عادته أنه يسمح بهذا الشيء.

والحديث الثاني حديث ابن مسعودٍ في قصة زوجته حين استأذنت النبيَّ ﷺ أن تتصدَّق بحُليّها؛ لأن الرسول ﷺ حثَّهم على الصَّدقة، يعني: صدقة التطوع، فقالت: "يا رسول الله، عندي حُلي، وأريد أن أتصدق به"، والحُلي مثل الأسورة، ومثل القلائد، ومثل الخواتم، هذه يُقال لها: حلي، وابن مسعودٍ يقول: إنَّه أحقُّ بالصَّدقة من الأجانب هو وولده، فقال النبيُّ ﷺ: نعم صدق ابن مسعود، زوجُكِ وولدك أحقُّ مَن تصدَّقْتِ عليهم، فإذا كان زوجُها وأولادها محتاجين فالصَّدقة فيهم أولى من البعيدين؛ لأنَّ نفقة أولادها واجبةٌ، وزوجها عاجزٌ، فالواجب أن تكون الصدقةُ فيهم لا في البعيدين، ولهذا يقول ﷺ: الصدقة على الفقير صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة جميعًا.

فإذا كانت عند المرأة صدقات وزوجها محتاج وأولادها فهم أولى من غيرهم، أما الزكاة فتُصرف في مصاريفها، وأولادها ما هم محل صدقةٍ، وما هم محل زكاةٍ، أما زوجها فالصَّحيح أنه إذا كان فقيرًا فهو محلٌّ للزكاة أيضًا.

الثالث حديث ابن عمر: يقول النبيُّ ﷺ: لا يزال الرجلُ يسأل الناسَ يعني: في الدنيا حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحمٍ يعني: يأتي مكشوف الوجه، ما فيه إلَّا عظام، فهذه فضيحةٌ على رؤوس الأشهاد؛ لكونه يسأل الناس من غير مُوجِبٍ للسؤال، ولكنه اتَّخذها عادةً جشعًا على المال وحبًّا له -نسأل الله العافية.

ويأتي في الحديث الآخر: مَن سأل الناسَ أموالهم تكثُّرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقِلَّ أو ليستكثر -نسأل الله العافية.

فالواجب على المؤمن أن يحذر السؤال إلَّا عند الضَّرورة، وإذا كان في ضرورةٍ فله أن يسأل قدر الحاجة، كما في حديث قبيصة الآتي: أن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالةً فحلَّت له المسألة حتى يُصيبها ثم يمسك يعني: تحمَّل أموالًا ليُصلح بين الناس، أو بين شخصين، أو بين قبيلتين، فيُعطى حتى يُسدد الحمالة من الزكاة أو غيرها.

الثاني: رجل أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله مطر، أو نار، أو شيء من ذلك، فيُعطى حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ، يعنى: يُعطى كي يسدَّ حاجته.

والثالث: أصابته فاقة فقرٌ، أو نازلة، كسادٌ في التِّجارة، أو غير ذلك، حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابته فاقةٌ، يشهدون له أنه أُصيب بفاقةٍ، وأنَّ ماله ذهب، فيُعطى ما يحصل به السَّداد والقوام من العيش، كي يسدَّ حاله، وما سواهنَّ من المسألة سحتٌ، فالإنسان لا يسأل إلا عند هذه الضَّرورات الثلاث.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هل هي زكاة أم صدقة؟

ج: صدقة تطوع نعم.

س: ......... إذا كان لغير حاجةٍ، لكن هل يُستثنى من ذلك السلطان ولو كان عند الحاجة؟

ج: يأتي حديث سمرة إن شاء الله في هذا في آخر الباب.

س: قوله: وليس بوجهه مضغة أو مزعة؟

ج: مزعة لحمٍ: قطعة.

س: إذا شككتُ في حال السَّائل فهل يجوز لي تحري حاله؟

ج: ما هو بواجبٍ، تقول له: هذه زكاة، فإن كنتَ من أهلها فخذها، وإلَّا فما تصلح لك، مثلما قال النبيُّ ﷺ لمن رآهما جلدين: إن شئتُما أعطيتُكما، ولا حظَّ فيها لغنيٍّ ولا لقويٍّ مُكتسبٍ.

س: والصَّدقة؟

ج: في الصدقة ما يتحرى، أمرها أسهل، فلا يحتاج أن يتحرَّى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24- 25] ما فيها تحرٍّ.

س: كأنَّ الشارح يُرجِّح أنها الزَّكاة؟

ج: لا، هذا غلط، تقول: عندها حُلي تريد أن تتصدَّق به، ما قال ........ وعندي حلي أريد أن أتصدق بها.

س: في بعض الرِّوايات: أيُجزئ عني؟

ج: يعني: يحصل لها فضلُ الصَّدقة، فإذا كان ولدها في حاجةٍ نعم.

س: .................؟

ج: يعني: إذا كان ......... ما فيه إسراف، وفيه إذن عادي، إذن عرفي، وإلا فالأحاديث الصريحة ........ منع التصرف في ماله إلَّا بإذنه، إلَّا إذا قصَّر في نفقتها.

س: ..............؟

ج: إذا كان حالهما واحدًا ما يُخالف، وإلا فلا بدَّ من إذنٍ.

س: المرأة هل يجوز لها أن تُعطي الزكاة لولدها؟

ج: لا، الولد ليس محلَّ زكاةٍ، الولد محلُّ نفقةٍ، فيجب أن تُنفق عليه إن كانت عندها قدرة.

س: ............؟

ج: تُنفق عليه إذا لم يكن لها زوجٌ، أو كان زوجُها عاجزًا عن النَّفقة، فعليها أن تُنفق على أولادها.

س: مَن سأل شيئًا غير المال هل يدخل في الذم؟

ج: ما هو بالظاهر، فالكلام في المال، فإذا سأله يُعلمه، وإذا سأله يُوجهه أو يُرشده إلى الطريق، أو يُعلمه كذا، ما هو بداخلٍ في هذا.

س: إذا أعطى الزكاة لأبيه هل تُجزئ؟

ج: لا، الذي عليه جمهورُ أهل العلم أنه لا يُجزئ، لا لأبيه، ولا لأمه، ولا لأولاده؛ لأنه يجب عليه أن يُنفق عليهم.

س: حديث أبي هريرة هل يُؤخذ منه التَّحريم عند السؤال؛ لأنه قال: فإنما يسأل جمرًا، وفي حديث ابن عمر: يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعةُ لحمٍ؟

ج: يأتي الكلام عليه إن شاء الله في الدرس الآتي.

س: الصَّغير الذي لم يبلغ لو تصدَّق هل يكون لوالده أجرٌ؟

ج: الطفل الصغير ما له تصرُّفٌ.

س: هل لوالده أجرٌ؟

ج: أقول: الطفل الصَّغير ما له تصرُّفٌ، فيُحْجَر عليه، فليس له تصرُّفٌ حتى يبلغ، حتى يرشد.

س: الزوج محلّ زكاة المرأة؟

ج: فيه خلاف، لكن الصَّحيح أنه يجوز أن تُعطيه إذا كان فقيرًا.

س: ولا يجوز للأولاد؟

ج: الأولاد لا.

س: لماذا؟

ج: لأنها تلزمها نفقةُ أولادها من مالها.

س: أخٌ له إخوة صغار يُنفق عليهم، هل يجوز أن يُعطيهم الزكاة؟

ج: إذا كانوا في حوزته في بيته ويُنفق عليهم لا يُعطيهم الزكاة، يُعطيها غيرهم، أمَّا إن كانوا خارج بيته وهم فقراء فالصَّحيح أنه يجوز أن يُنفق عليهم ويُعطيهم من الزكاة، وإن أنفق عليهم من ماله فهو أحوط وأحسن، وإن أعطاهم الزكاة فلا بأس؛ لعموم الأدلة.

س: ما يفعله الناسُ في رمضان باسم عشاء الوالدين وإطعام الجيران هل يكون ..؟

ج: من باب الصَّدقة، ولا عبرة بالأسماء.

س: هل عشاء الوالدين له أصلٌ؟

ج: لا، اصطلاح، وكله صدقة، أو إكرام للأقارب.

س: هذا اعتقادٌ عند بعض أهل الغنى؟

ج: يُعلَّمون، فهي صدقة، والمقصود فضل الشَّهر.

 

- وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن يسأل الناسَ أموالهم تكثُّرًا فإنما يسأل جمرًا, فليستقلّ أو ليستكثر. رواه مسلم.

- وعن الزبير بن العوام ، عن النبي ﷺ قال: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه, فيأتي بحزمةٍ من الحطب على ظهره, فيبيعها, فيكفَّ بها وجهه؛ خيرٌ له من أن يسأل الناسَ، أعطوه أو منعوه. رواه البخاري.

- وعن سمرة بن جندب قال: قال رسولُ الله ﷺ: المسألة كدٌّ، يكدّ بها الرجلُ وجهَه, إلا أن يسأل الرجلُ سلطانًا, أو في أمرٍ لا بدَّ منه. رواه الترمذي وصحَّحه.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بالصَّدقة:

الحديث الأول: يقول ﷺ: مَن يسأل الناسَ أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقلّ أو ليستكثر، يفيد أنَّ السؤال مع الغنى لا يجوز، وأنه من أسباب العذاب يوم القيامة؛ لهذا المعنى الذي .......... بمسألته.

والأصل في هذا أنَّ سؤال الناس مذمومٌ، هذا هو الأصل، فلا يجوز إلَّا لعلةٍ، والعلة بيَّنها ﷺ في حديث قبيصة بن مخارق: المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجل تحمَّل حمالةً فحلَّت له حتى يُصيبها ثم يُمْسِك، ورجل أصابته جائحةٌ اجتاحت مالَه، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ أو قال: سدادًا من عيشٍ، والثالث: رجل أصابته فاقةٌ، حتى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه يقولون: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يُصيب قوامًا من عيشٍ أو قال: سدادًا من عيش، فما سوى ذاك فهو سحتٌ، يأكله صاحبُه سُحتًا.

فالواجب على المؤمن أن يحذر المسألة إلَّا في هذه الأحوال الثلاثة، ولهذا قال ﷺ: مَن سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا؛ لأنه ما عنده فاقة، ما أصابته فاقة، فليستقلّ أو ليستكثر يعني: ليستقلّ في طلب الجمر، أو ليستكثر من ذلك.

ويقول ﷺ: لأن يأخذ أحدُكم حبله فيأتي بحزمةٍ من حطبٍ على ظهره، فيبيعها، فيكفَّ بها وجهه خيرٌ له من سؤال الناس، أعطوه أو منعوه، هذا فيه الحثُّ على طلب الرزق بالكسب، وأن هذا خيرٌ له من سؤال الناس مطلقًا، حتى ولو كان محتاجًا إذا استطاع الكسب فليعمل وليترك المسألة.

ومن هذا الحديث الآخر الذي في البيع: وهو قوله ﷺ لما سُئل: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، عمل الرجل بيده مثل هذا، مثل: الحشيش والحطب في البر –العُشْب- يبيعه، ولو كان قويًّا يعمل حدادًا، أو نجَّارًا، أو فرازًا، فيكسب ويستغني عن سؤال الناس.

هذا هو الذي ينبغي للمؤمن؛ أن يستغني عن الناس بالعمل الذي يستطيع: بالنِّجارة، أو الحدادة، أو الزراعة، أو الفرازة، أو الكتابة، أو الحطابة، أو غير ذلك من الكسب المباح، فهذا خيرٌ له من سؤال الناس، أعطوه أو منعوه.

والحديث الثالث حديث سمرة بن جندب قال: قال رسولُ الله ﷺ: المسألة كَدٌّ يكدُّ بها الرجلُ وجهَه، وفي اللفظ الآخر: خُدوشٌ يكدُّ بها وجهه خموشٌ في وجهه؛ لأنها ذلٌّ بين العالم، وسوء سمعةٍ تخدشه في وجهه، إلا أن يسأل ذا سلطانٍ، يعني: من بيت المال، أو في أمرٍ لا بدّ منه: ضرورة، كالمسائل الثلاث في حديث قبيصة فهي ضرورة، وإلا فليتقِ الله وليدع السؤال حتى ولو من بيت المال، فترك السؤال ولو من بيت المال أولى؛ لما ثبت في "الصحيحين" من حديث حكيم بن حزام قال: سألتُ النبيَّ ﷺ فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إنَّ هذا المال حلوة خضرة، فمَن أخذه بسخاوة نفسٍ بُورِك له فيه، ومَن أخذه باستشراف نفسٍ لم يُبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، فقال حكيم: والذي بعثك بالحقِّ، لا أسأل أحدًا بعدك، فكان الصديقُ وعمرُ وغيرُهما يعرضون عليه المالَ فيأبى ويقول: إني قلتُ للنبي ﷺ: لا أسأل أحدًا بعدك، فلم يأخذ صدقةً بعد ذلك ولا عطيةً من بيت المال؛ لما سمع النبيّ ﷺ يقول هذا.

قال النبيُّ ﷺ: اليد العُليا خيرٌ من اليد السُّفلى يعني: الآخذة مفضولة، والمعطية فاضلة، وهي المقدِّمة، وهي العليا: المنفقة الباذلة، والسُّفلى: الآخذة السَّائلة، فإذا تعفَّف حتى عن بيت المال إذا أغناه الله عنه فهو أولى، لكن إذا كانت هناك حاجةٌ فبيت المال للمسلمين جميعًا، فلا بأس أن يسأل فيُعطى حقَّه من بيت المال، إذا كان ذا حاجةٍ، وإلَّا فالتَّعفف أولى، أو في أمرٍ لا بدّ منه كحالات صاحب الجائحة، وصاحب الحمالة، وصاحب الفقر الشديد الذي لم يجد ما يسدّ حاجته، فيسأل إخوانه قِوامًا من عيشٍ: يعني الشيء الذي يسدُّ الحاجة.

وتقدم في حديث ابن عمر قوله ﷺ: لا يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعةُ لحمٍ يعني: يعتاد السؤال حتى لا يُبالي، فيُفضح يوم القيامة -نسأل الله العافية.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: هذا يكون حتى من باب السَّلف إذا كان يُلِحُّ ويقول: سلِّفوني، أقرضوني؟

ج: لا، القرض لا بأس به، إذا كان صادقًا لا بأس بالقرض، فالنبي ﷺ اقترض، فالقرض لا بأس به؛ لأنه يرد بدله.

س: والإلحاح؟

ج: لا يُلِحُّ، يلتمس مَن يظن عنده الإفادة ولا بأس، فيقترض منه قرضًا يرد بدله، والمقرض مأجورٌ، والمقترض مباحٌ له إذا كان صادقًا أو محتاجًا.

س: السَّلَف ما فيه ذمٌّ يا شيخ؟

ج: إذا دعت الحاجةُ لا بأس، فسؤال الناس فيه ذمٌّ كله، لكن إذا دعت الحاجةُ لا بأس.

س: لو قام رجلٌ في المسجد وسأل الناس، هل لهم أن يقولوا له: اجلس أو يتركوه؟

ج: إذا سأل إخوانه ما أعلم مانعًا، إلَّا إذا علموا أنه كذَّابٌ فعليهم أن يمنعوه إذا علموا أنه مُسْتَغْنٍ، وإلا فقد يكون مُضطرًّا، والله قال: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، ما قال: يمنعونه، وفي أموالهم حقٌّ يمنعون السائل.

س: الأوراق التي معهم هل تُقرأ؟

ج: إذا كانت من المحكمة أو من ثقةٍ معروفٍ لا بأس.

س: يُصوِّرونها عدة صورٍ يا شيخ فيختفي الأثر؟

ج: المقصود أنَّ الأقوال لا تُقبل إلا إذا كانت من مصدرٍ موثوقٍ: من محكمةٍ، أو مكتب دعوةٍ معروفٍ، وإلا فلا تُقبل أقوالهم، لكن إذا أعطاهم الإنسانُ لأجل السؤال هنا .......، السائل ذو أحوالٍ ثلاثة:

الحالة الأولى: أن تعرف أنه كذَّاب، فلا تُعطه شيئًا، وتنصحه، وتقول له: اتَّقِ الله، هذا ما يجوز لك.

السائل الثاني: تعرف أنه فقيرٌ محتاجٌ، فتُعطيه ما تيسر، ولو تمرة.

الثالث: مجهولٌ، وهذا تُعطيه لعموم الآية؛ لأنه قد يكون صادقًا، والله يقول: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ۝ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24- 25].

س: السؤال في المسجد هل يجوز؟

ج: لا بأس؛ لأنَّه مجمع إخوانه، فأين يذهب؟ قد لا يجدهم مجتمعين إلَّا في المسجد، فالمسجد هو مجمع المسلمين، أما في الطريق فقد لا يُلتفت إليه.

س: أفضل الكسب: عمل اليد؟

ج: نعم، عمل اليد وكل بيعٍ مبرور، مثلما جاء في الحديث: النجار، والحداد، والتاجر الصدوق، وغير هذا من العمل الطيب.

س: هذا يُسمَّى بالشؤون، إذا كان يجد قوتَ يومه؟

ج: الشؤون هذا من بيت المال إذا كان فقيرًا صادقًا لا بأس، يُسمَّى: الضمان الاجتماعي، إذا كان صادقًا أنه ما عنده ما يقوم بحاله وطلب من الدولة لا بأس.

س: إذا كان يجد قوتَ يومه؟

ج: مَن يجد قوتَ يومه ما هو بغنيٍّ، بل فقير، فقد يجد قوت اليوم ولا يجد قوت الغد، إلَّا إذا كان له كسبٌ يأتيه كل يوم يُغنيه فهذا غنيٌّ، فإذا كان له دخلٌ ثابتٌ يأتيه كل يومٍ، مثل: مَن يعمل حدَّادًا أو نجَّارًا أو غير ذلك فيأتيه كل يومٍ عشرة أو عشرون تكفيه؛ فهذا يُسمَّى: غنيًّا، لا يطلب.

س: إذا كان الأبُ يُقرض أحد الأبناء، هل هذا داخلٌ في: اعدل بينهم؟

ج: لا، لا بأس بالقرض، الممنوع هو العطاء.

س: يعني: إذا أعطى واحدًا ومنع آخر هل في ذلك بأس؟

ج: لا، إذا كانوا كلهم محتاجين للقرض يُقرضهم، أو يتركهم، ولا يُقرض هذا ويترك هذا، فهذا حيفٌ.

س: الولد سيرد هذا المال كسلفةٍ؟

ج: ولو، إذا كانوا كلهم محتاجين يُقرضهم أو يتركهم، أمَّا إذا كان واحدٌ محتاجًا والآخر ساكتًا ما قال شيئًا فلا بأس والحمد لله.

س: يعني: قريبٌ من الهبة؟

ج: إذا سأل القرضَ يُعطى مَن سأل، إذا كان والدهم يستطيع أن يُقرضهم، لكن لو سألوا جميعًا، وكلهم محتاجون للقرض؛ فله أن يُقرضهم أو يتركهم.

س: حديث سمرة: المسألة كدوح بالحاء؟

ج: جاء: كدح، وخدش، وكدٌّ، وكلها معناها متقارب، وهو حديثٌ صحيحٌ جيد.

س: إنسانٌ لا يستطيع أن يُسدد ما عليه من ديونٍ طائلةٍ، فهل يُباح له أن يبيع ويشتري في النّمور المدربة؟

ج: الظاهر أنه ما يجوز؛ لأنها تفترس وتضرُّ، أما الصقر أو الظّباء أو الشيء المباح فلا بأس.

س: النّمور المدربة؟

ج: لا، ما يصلح، ولا الكلاب، فكلها ما تباع؛ لأنها منكرة، حتى الكلب المُعَلَّم ما يباع، فإذا كان نهى عن بيع الكلب فبيع الذئب أشد وأشد، والنمر أشد وأشد، والأسد أشد وأشد، كلها سباع مُهلكة -نسأل الله العافية- لكن يبيع الصقر المُعِلَّم لا بأس، ما جاء فيه نهيٌ.

س: وإن درَّبها وباعها؛ لأنَّ حجته أنه يقول: ما أستطيع، فعليه ديون طائلة؟

ج: لا، لا يُدربها، ولا يبيعها، وله أن يقتلها.

س: وكذلك الكلاب: تعليمها للصيد؟

ج: ما يُخالف، للصيد لا بأس، أو للحرث، أو للغنم.

س: بيع الصَّقر جائز؟

ج: الصقر ما فيه نهيٌ؛ لأنه ينفع ولا يضرُّ.