29 من قوله: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ..)

لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۝ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ۝ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ۝ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة:82 - 86].
الشيخ: واتخاذ الكفار أولياء وموالاتهم قسمان: قسم من باب الردة، وقسم من باب المعصية، فما كان من الموالاة يقتضي نصرهم وتأييدهم على المسلمين ومعاونتهم على المسلمين والرضا بدينهم أو محبة دينهم أو ما أشبه ذلك كان من قبيل الردة، ومن قبيل نواقض الإسلام، وإذا كان من باب الهوى والطمع في الدنيا والحرص على ما وراءهم من الدنيا من غير أن ينصرهم على المسلمين، من غير أن يحب دينهم، لكن يتخذهم عشراء وأصحاب وأصدقاء فهذا من المعاصي، نسأل الله السلامة.
س:..........................
الشيخ: إذا كان اتخاذهم أولياء على سبيل الضرر على المسلمين، وإدخال الضرر على المسلمين فهذا من أنواع الردة، نسأل الله العافية، إلا ما كان فيه شبهة، مثل ما جرى لحاطب، كاتبهم، شبهة غلط فيها فصدقه النبي ﷺ ومنع من قتله، وقال: «إنه من أهل بدر»، فدل على أن الولاية إذا كان فيها شبهة لا عن محبة للدين ولا عن قصد نصرهم على المسلمين ولكن لشبهة ظن أنها جائزة كاتخاذ يد عندهم ليحمي أهلا ً له أو مالاً له لا لأنه يحبهم ولا لينصرهم فهي شبهة في تكفيره كما جرى لحاطب.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في النجاشي وأصحابه الذين حين تلا عليهم جعفر بن أبي طالب بالحبشة القرآن، بكوا حتى أخضلوا لحاهم، وهذا القول فيه نظر؛ لأن هذه الآية مدنية، وقصة جعفر مع النجاشي قبل الهجرة. وقال سعيد بن جبير والسدي وغيرهما: نزلت في وفد بعثهم النجاشي إلى النبي ﷺ ليسمعوا كلامه ويروا صفاته، فلما رأوه وقرأ عليهم القرآن أسلموا وبكوا وخشعوا، ثم رجعوا إلى النجاشي فأخبروه. قال السدي: فهاجر النجاشي فمات بالطريق. وهذا من إفراد السدي، فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة، وصلى عليه النبي ﷺ يوم مات، وأخبر به أصحابه، وأخبر أنه مات بأرض الحبشة.
ثم اختلف في عدة هذا الوفد، فقيل: اثنا عشر: سبعة قساوسة وخمسة رهابين. وقيل:
بالعكس. وقيل: خمسون. وقيل: بضع وستون. وقيل: سبعون رجلا، فالله أعلم.
الشيخ: وبكل حال العبرة بالآية بالعموم لا بأسبابها، سواء كان الوفد عشرة أو مائة أو عشرين أو ما هناك وفد المقصود ما دلت عليه الآية من قرب النصارى من الإسلام وبعد اليهود، فاليهود أبعد الناس عن الإسلام، وهم أشد الناس عداوة لأهل الإيمان، وهكذا الوثنيين عباد الأوثان وعباد الأصنام، وأما النصارى فهم أقرب لما عندهم من الجهل وعدم البصيرة، فهم عندهم إيمان بالآخرة وعندهم إيمان بالرسل، لكن ما عندهم العداوة لأهل الإيمان كالعداوة التي عند اليهود عن حقد وعن عقيدة، فهم يغلب عليهم الجهل، فإذا سمعوا الحق لانوا وخشعوا وقبلوا، وهذا من قديم الزمان، ولهذا تجدهم الآن يسلم منهم كثير بين وقت وآخر  بخلاف اليهود فنادرًا ما  يسمع أن واحدًا منهم أسلم لخبثهم وشدة العداوة التي في قلوبهم للإسلام وأهله، وأما النصارى فهم ألين قلوبًا وأقرب للصواب، ولهذا يسلم منهم كثير في كل زمان وفي كل وقت، وفي هذا العصر يسلم منهم الجم الغفير بين وقت وآخر.
وقال عطاء بن أبي رباح: هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم، فلما رأوا المسلمين، وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا، واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة، سواء كانوا من الحبشة أو غيرها.
فقوله تعالى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله ﷺ غير مرة، وسموه وسحروه، وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن محمد بن السري، حدثنا محمد بن علي بن حبيب الرقي، حدثنا علي بن سعيد العلاف، حدثنا أبو النضر عن الأشجعي، عن سفيان، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ ما خلا يهودي بمسلم قط إلا هم بقتله، ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري.

........................
الطالب: اليشكري.
الشيخ: حط عليه إشارة: ونسخة اليشكري.
س:.......................
الشيخ: لا ما هو بصواب، النصارى ليسوا من اليهود لا في زماننا ولا في غير هذا الزمان، انظر الذي أسلم على يدي منهم آلاف في هذا البلد، آلاف من النصارى،  فالفرق فرق بعيد، فهم داؤهم الجهل، النصارى هذا الغالب عليهم والجاهل إذا علم يستفيد .........................
س: ..........................
الشيخ: كل كافر خبيث؛ لكن مقصودي أنهم أقرب للإسلام من اليهود وكلهم كفار.
الطالب: قبله يا شيخ، يحيى بن عبيد الله عن أبيه، مذكور مكبر، والصواب مصغر.
الشيخ: راجعت فيه شيء.
الطالب: نعم، سفيان عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه، وهو يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي المدني متروك.
الشيخ: حط نسخة: يحيى بن عبيد الله.
حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي، حدثنا فرج بن عبيد، حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما خلا يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله، وهذا حديث غريب جدًا.
وقوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى [المائدة:82] أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً [الحديد:27] وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وليس القتال مشروعًا في ملتهم، ولهذا قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم، واحدهم قسيس وقس أيضًا، وقد يجمع على قسوس، والرهبان جمع راهب، وهو العابد، مشتق من الرهبة، وهي الخوف، كراكب وركبان، وفرسان. قال ابن جرير: وقد يكون الرهبان واحدا وجمعه رهابين، مثل قربان وقرابين، وجردان وجرادين، وقد يجمع على رهابنة، ومن الدليل على أنه يكون عند العرب واحدًا قول الشاعر: [الرجز]
لو عاينت رهبان دير في القلل لا نحدر الرهبان يمشي ونزل
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا بشر بن آدم، حدثنا نصير بن أبي الأشعث، حدثني الصلت الدهان عن جاثمة بن رئاب، قال: سألت سلمان عن قول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا فقال: دع القسيسين في البيع والخرب، أقرأني رسول الله ﷺ: ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا.
الطالب: في الإسناد عندنا عن حامية؟
الشيخ: حط نسخة.
الطالب: صوابه حامية بن رئاب كوفي روى عن سلمان وروى عنه الصلت الدهان، هكذا ذكره في الجرح والتعديل، وقال: سمعت أبي يقول ذلك، وهكذا ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة صلت بن عمر الدهان.
الشيخ: حامية بدل جاثمة.
عن حامية بن رئاب، قال: سألت سلمان عن قول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا فقال: دع القسيسين في البيع والخرب، أقرأني رسول الله ﷺ: ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا، وكذا رواه ابن مردويه من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني عن نضير بن زياد الطائي.الشيخ: نضير؟
الطالب: في الحديث الأول نصير وهنا نضير.
الشيخ: أيش عندك؟
الطالب: هكذا في النسخة، لكن صوابه نضير بالضاد المعجمة ابن زياد شيخ حدث عنه يحيى الحماني، قال الأزدي: منكر الحديث.. في المشتبه للمصنف: النضير بن زياد الطائي عن ابن القطان وجماعة، وذكره البخاري ............. بالمهملة ووهما الدارقطني وهكذا ذكره في ميزان الاعتدال، وهكذا في الجرح بين أسماء من اسمه نصير.
الشيخ: ماشي.....................
 عن صلت الدهان، عن حامية بن رئاب، عن سلمان به.
وقال ابن أبي حاتم: ذكره أبي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الخاني، حدثنا نضير بن زياد الطائي، حدثنا صلت الدهان عن حامية بن رئاب قال: سمعت سلمان وسئل عن قوله: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا.
الطالب: هذا أيضًا شيخ ابن أبي حاتم، شيخ ابنه مصحف يحيى بن عبد الحميد الخاني مصحفه عن الحماني، وهو الذي يروي عنه ابن أبي حاتم وهو الراوي عن النضير بن زياد.
الشيخ: الحمّاني نعم بالحاء والميم المشددة.
فقال: هم الرهبان الذين هم في الصوامع والخرب فدعوهم فيها، قال سلمان: وقرأت على النبي ﷺ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ فأقرأني ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا.
فقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تضمن وصفهم بأن فيهم العلم والعبادة والتواضع، ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف، فقال: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ أي مما عندهم من البشارة ببعثة محمد ﷺ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به.
..............................
وقد روى النسائي عن عمرو بن علي الفلاس، عن عمر بن علي بن مقدم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية في النجاشي وفي أصحابه وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طريق سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي مع محمد ﷺ وأمته هم الشاهدون، يشهدون لنبيهم ﷺ أنه قد بلغ، وللرسل أنهم قد بلغوا، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وقال الطبراني، حدثنا أبو شبيل عبد الله بن عبد الرحمن بن واقد.
الطالب: في نسخة عندنا أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد، وفي الحاشية: قال: كذا في مخطوطة الأزهر وفي المجمع الصغير للطبراني ذكر الصفحة أبو شبل.
الشيخ: بالتكبير؟
الطالب: نعم، والاسم عندنا عبيد الله.
الشيخ: الذي عنده عبد الله يحط نسخة: عبيد الله، والذي عنده عبيد الله يحط نسخة: عبد الله.
وقال الطبراني، حدثنا أبو شبيل عبد الله بن عبد الرحمن بن واقد، حدثنا أبي، حدثنا العباس بن الفضل عن عبد الجبار بن نافع الضبي، عن قتادة، وجعفر بن إياس عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ قال: إنهم كانوا كرابين، يعني فلاحين...........................
الشيخ: المعروف الفلاح الأكار، الأكارون هم الفلاحون. تراجع حط عليه إشارة.
إنهم كانوا كرابين يعني فلاحين، قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة، فلما قرأ رسول الله ﷺ عليهم القرآن، آمنوا وفاضت أعينهم، فقال رسول الله ﷺ لعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم فقالوا: لن ننتقل عن ديننا، فأنزل الله ذلك من قولهم: وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ  [المائدة: 84].الشيخ: وهذا فيه الثناء على من يبكي عند سماع القرآن، وأن هذا مما ينبغي للمؤمن أن يتأثر بسماع كلام الله وتلاوة كتاب الله، ولهذا مدحهم بقوله: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ  وكان النبي ﷺ إذا تلا القرآن يتأثر به ويبكي، يقول عبد الله بن الشخير أنه دخل عليه وهو يصلي، قال: فسمعت لصدره أزيزًا كأزيز المرجل من البكاء، قالت عائشة: كان الصديق إذا قام بالناس لا يكاد يسمعهم القراءة من البكاء، وروي عن عمر أنه كان يسمع نشجيه من وراء الصفوف، فالبكاء من خشية الله له شأن عظيم، حتى ورد في أحاديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه فينبغي لقارئ القرآن وسامع القرآن أن يتدبر ويتعقل عند تلاوته وعند استماعه لعله يتأثر، لعل قلبه يخشع، لعل عيناه تدمع، كما جرى للأخيار.
الطالب: في القاموس ذكر (الكرب) الحزن يأخذ بالنفس كالكربة بالضم، وجمعه كروب، وكربه الغم فاكترب فهو مكروب وكريب، ..................... الخيل على المخيل وإثارة الأرض بالزرع كالكراب.
الشيخ: هذا هو كرابيين مثل أكارين.
.........................
 وهذا الصنف من النصارى هم المذكورون في قوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [آل عمران:199] الآية، وهم الذين قال الله فيهم: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ ۝ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص:52-53]  إلى قوله {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55]، ولهذا قال تعالى هاهنا: فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار [المائدة:85] أي فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجري من تحتها الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا أي ماكثين فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ أي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأين كان ومع من كان، ثم أخبر عن حال الأشقياء فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [المائدة:86] أي جحدوا بها وخالفوها، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ أي هم أهلها والداخلون فيها.الشيخ: وهذه أقسام الناس، قسم استجاب لله واعترف بالحق وعمل به فله الجنة والكرامة، وقسم جحد آيات الله وكذب بها فله الخيبة والندامة، والناس بعد ذلك من هو تابع لهذا القسم ومن هو تابع لهذا القسم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س: من سمع آيات الله فغلبه البكاء فرفع صوته ؟
الشيخ: إذا كان بغير اختياره وينبغي أن يجاهد نفسه حتى  لا يرفع ولا يشوش على غيره، وأما إذا غلبه فلا حرج عليه.