19 من قوله: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ..)

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45].
وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه، فإن عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس، وهم يخالفون حكم ذلك عمدًا وعنادًا، ويقيدون النضري من القرظي، ولا يقيدون القرظي من النضري، بل يعدلون إلى الدية، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار، ولهذا قال هناك: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]؛ لأنهم جحدوا حكم الله قصدًا منهم وعنادًا وعمدًا، وقال هاهنا: فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ؛ لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، وخالفوا وظلموا وتعدوا على بعضهم بعضًا.

الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلف رحمه الله تنبيه حسن، وإلا فهم لا شك ظالمون كافرون فاسقون بأعمالهم، جمعوا بين الظلم والكفر والفسق، لكن عبر في الأولى بالكفر؛ لأنهم جحدوا الحق، جحدوا حكم الله، جحدوا الرجم، جحدوا حكم الله في حد الزاني المحصن، فصاروا بهذا كافرين وفي الآية أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: 45] لما ....... وصاروا لا يقيلون النظري من القرظي وبالعكس يفعلون، إن قتل النضري القرظي لم يقيدوه، وإن قتل القرظي النضري أقادوه، فصاروا بهذا ظالمين أيضاً مع كفرهم بجحدهم الحق، ولكن هذا الذي فعلوه من عدم الانصاف ألصق باسم الظلم مع كفرهم وجحدهم لما أنزل الله، وفي النصارى كما يأتي فاسقون، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله قد جمع الكفر والظلم والفسق، جمع الكفر لجحده ما شرع الله، والظلم لوضعه الأمور في غير موضعها، والفسق لخروجه عن طاعة الله، فقد جمع الصفات الثلاث: كفرًا وظلمًا وفسقًا، فإن كان جاحدًا الحق كفر كفرًا أكبر وظلمًا أكبر وفسقًا أكبر، وإن كان لم يجحد ذلك ولكنه حملته العصبية والهوى ولم يجحد كان كفرًا أصغر وظلمًا أصغر وفسقًا أصغر، نسأل الله العافية.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد، عن أبي علي بن يزيد أخي يونس بن يزيد.
...........
عن الزهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قرأها وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ [المائدة:45]  بنصب النفس ورفع العين.
وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن المبارك، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال البخاري: تفرد ابن المبارك بهذا الحديث.

الشيخ: وهذا من أوهام أبي علي هذا المجهول؛ لأن النفس بالنفس والعين بالعين معطوف على ما قبله، وأما الضم معناه مبتدأ ....... العين بالعين مبتدأ وخبر، لكن على النسق نسق العطف كما هو موجود، المصحف هو الموافق للقاعدة.
..........
 وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررًا ولم ينسخ، كما هو المشهور عن الجمهور، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الاسفراييني عن نص الشافعي، وأكثر الأصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة.
الشيخ: وهذا وضح أن شرع من قبلنا شرع لنا، فإذا أقره شرعنا ولم يأت بخلافه كما قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة:45] جاء شرعنا بذلك وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179].
وقال الحسن البصري: هي عليهم وعلى الناس عامة، رواه ابن أبي حاتم، وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه، ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره، وصحح منها عدم الحجية، ونقلها الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أقوالا عن الشافعي ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا، فالله أعلم.الشيخ: وهذا هو الصواب أنه حجة، وأن شرع من قبلنا متى جاء مقررًا فهو شرع لنا، يقول تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فهذا على من قبلنا وعلينا، وهكذا: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ إلى غير ذلك.
س:.........
الشيخ: غلط هذا غلط.
س:.........
الشيخ: لا.. تارة وتارة.
وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ رحمه الله في كتابه «الشامل»، إجماع العلماء، على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله ﷺ كتب في كتاب عمرو بن حزم أن الرجل يقتل بالمرأة ، وفي الحديث الآخر المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهذا قول جمهور العلماء.
الشيخ: وفي الصحيحين أن النبي قتل اليهودي بالمرأة، فالرجل يقتل بالمرأة لما رض رأسها رض رأسه النبي ﷺ.
س.........
الشيخ: لا مفهوم له.
س:........
الشيخ: الصواب شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه إذا نقله شرعنا جاء به الكتاب والسنة مقررًا.
س:.......
الشيخ: هذا الأصل، الأصل نخالفهم إلا ما جاء شرعنا بموافقتهم هذا الأصل.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية، لأن ديتها على النصف من دية الرجل، وإليه ذهب أحمد في رواية، وحكي عن الحسن وعطاء وعثمان البتي، ورواية عن أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل تجب ديتها.
وهكذا احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي، وعلى قتل الحر بالعبد، وقد خالفه الجمهور فيهما، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين علي قال: قال رسول الله ﷺ: لا يقتل مسلم بكافر، وأما العبد فعن السلف فيه آثار متعددة أنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحر، ولا يقتلون حرا بعبد، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية الكريمة.
ويؤيد ما قاله ابن الصباغ من الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت في ذلك، كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي عدي، حدثنا حميد عن أنس بن مالك أن الربيع عمة أنس، كسرت ثنية جارية، فطلبوا إلى القوم العفو فأبوا، فأتوا رسول الله ﷺ فقال: القصاص، فقال أخوها أنس بن النضر: يا رسول الله، تكسر ثنية فلانة؟! فقال رسول الله ﷺ: يا أنس كتاب الله القصاص قال فقال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة، قال: فرضي القوم فعفوا وتركوا القصاص، فقال رسول الله ﷺ: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أخرجاه في الصحيحين.
وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه، عن حميد، عن أنس بن مالك أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، فطلبوا الأرش والعفو فأبوا، فأتوا رسول الله ﷺ فأمرهم بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله ﷺ، أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال النبي ﷺ: يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم، فقال رسول الله ﷺ: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره رواه البخاري عن الأنصاري بنحوه.
فأما الحديث الذي رواه أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي عن قتادة، عن أبي نضرة، عن عمران بن حصين أن غلامًا لأناس فقراء، قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله النبي ﷺ فقالوا: يا رسول الله، إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئًا.
وكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن قتادة به. وهذا إسناد قوي، رجاله كلهم ثقات، وهو حديث مشكل، اللهم إلا أن يقال: إن الجاني كان قبل البلوغ فلا قصاص عليه، ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء أو استعفاهم عنه.
الشيخ: هذا الحديث مثل ما قال المؤلف فيه علة، وهي تدليس قتادة، فقد رواه بالعنعنة، فالأقرب والله أعلم أنه غير صحيح، وأنه مما دلسه قتادة؛ لأنه مشكل ما بين لهم لا دية ولا قصاص، والدية والقصاص إذا سقط بقيت الدية حتى ولو كان غلامًا صغيرًا تبقى الدية على العاقلة أو في ماله إن كان له مال أو في بيت المال، ما يهدر، مال المعصوم ما يهدر، حق المعصوم لا يهدر، ولهذا تنازع الناس في معنى هذا الحديث واختلفوا في معناه على تقدير صحته، والأقرب والله أعلم أنه غير صحيح، وأنه مما دلسه قتادة، وظن بعض الناس صحته، فقتادة رحمه الله في هذا عنعن برواية أحمد ورواية النسائي، والحافظ ابن حجر في البلوغ قال: إسناده صحيح، بناء على أن رجاله لا بأس بهم، لكن العلة موجودة، وإذا صح يحمل على محمل صحيح، متى صح وسلم من العلة وجب أن يحمل على محمل صحيح أنه لم يعطهم شيئًا إما لأن غلامه قد تعدى على الفقير فقطع أذنه ليتخلص من ظلمه له، مثل قصة يعلى بن أمية لما عض الرجل رجلاً فانتزع يده منه فسقطت ثنيته فطالبوا بالقصاص، فقال: أيدع يده في فمك تقضمها كالفحل؟ هو نزع يده ليتخلص فسقطت ثنيته فجلعها هدرًا، فقد يكون الغلام هذا الذي تخلص من غلام الأغنياء لأنه ظلمه عض أذنه فهذا عض أذنه ليتخلص، وكان مظلومًا أو هناك أسبابًا أخرى كونه فقير وليس له عاقلة فوداه النبي من عنده، لأن العاقلة فقراء والصبي صغير فوداه النبي من عنده كما ودى الأنصاري من عنده لما قتل في خيبر، ولم يثبت على اليهود وداه النبي من عنده عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أن هذا الحديث يجب أن يحمل على محمل صحيح يوافق الأدلة الشرعية لو صح.
س:.........
الشيخ: إذا كان ما بلغ ما عليه قصاص، عليه الدية، شرط من شروط القصاص أن يكون بالغًا عاقلاً ليس بمجنون ولا صغير، أما المجنون والصغير ليس عليهما قصاص.
وقوله تعالى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: تقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويقطع الأنف بالأنف، وتنزع السن بالسن، وتقتص الجراح بالجراح، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس، رواه ابن جرير  وابن أبي حاتم.
س: هل يعاقب الغلام بالسجن........؟
الشيخ: هذا يرجع إلى ولاة الأمور، الحكام ينظرون إذا تبين منه عدوان يعاقب على قدر عدوانه، وإذا كان ما تعدى ما عليه عقاب، إذا كان متعدى عليه ما عليه عقاب.