4- من حديث (من صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)

- وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.

رواه الخمسة غير الترمذي، وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم، واستنكره العُقيلي.

- وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا صام مَن صام الأبد. متَّفقٌ عليه.

ولمسلمٍ من حديث أبي قتادة بلفظ: لا صام، ولا أفطر.

باب الاعتكاف وقيام رمضان

- عن أبي هريرة : أن رسول الله ﷺ قال: مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه. متَّفق عليه.

- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله ﷺ إذا دخل العشرُ -أي العشر الأخيرة من رمضان- شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله". متَّفق عليه.

- وعنها رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله عزَّ وجل، ثم اعتكف أزواجُه من بعده. متَّفق عليه.

- وعنها رضي الله عنها قالت: "كان رسولُ الله ﷺ إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر، ثم دخل مُعتكفه". متَّفق عليه.

- وعنها رضي الله عنها قالت: "إن كان رسولُ الله ﷺ ليُدْخِل عليَّ رأسه وهو في المسجد فأُرَجِّله، وكان لا يدخل البيتَ إلا لحاجةٍ إذا كان مُعتكفًا". متَّفق عليه، واللفظ للبخاري.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فالحديث الأول يدل على أنَّ يوم عرفة لا يُصام، النبي ﷺ نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، ووقف مُفطرًا عليه الصلاة والسلام، وقد أهدت إليه أمُّ الفضل قدحَ لبنٍ فشرب والناس ينظرون.

وحديث أبي هريرة في النَّهي عن صوم يوم عرفة سنده جيد، واستنكار العُقيلي لا وجهَ له، والحديث لا بأس به.

وظاهر الحديث تحريم ذلك؛ لأنَّ الأصل في النَّهي هو التَّحريم؛ ولأنه يوم عظيم، يوم عيد، يوم اجتماع بين يدي الله للمُناجاة والدعاء، والفطر أقوى للحجيج، أقوى لهم على الدعاء، فشرع لهم ذلك، كما شرع لهم فطر يوم العيد وأيام النَّحر.

والحديث الأخير: النَّهي عن صوم الأبد، فلا يجوز للمسلم أن يصوم الدهر، ولهذا قال النبيُّ ﷺ: لا صام، ولا أفطر، لا صام مَن صام الأبد، ولما أراد عبدُالله بن عمرو أن يفعل ذلك نهاه النبيُّ ﷺ، وأمره أن يصوم ويُفطر، حتى انتهى معه إلى أن يصوم يومًا ويُفطر يومًا، كصيام داود.

فالسنة للمؤمن إذا أراد الصيام، ويرغب في الصيام الكامل: أن يصوم يومًا ويُفطر يومًا، ما عدا العيد، ولو أفطر أيام التَّشريق وأيام العيد، لا يجوز له أن يصوم الأبد؛ لأنَّ فيه مشقَّة عظيمة، وفيه أيضًا حرمان لنفسه مما أباح الله لعباده من الفطر في النهار، فينبغي التَّقيد بالشرع، ويحذر ما يُخالف ذلك.

وفي حديث أبي هريرة في باب الاعتكاف الدلالة على فضل صيام رمضان وقيامه: مَن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، فصيام رمضان ركنٌ عظيمٌ كما تقدَّم، ركنٌ عظيمٌ، وصيامه من أسباب تكفير السّيئات، وهكذا قيامه من أسباب تكفير السّيئات، فمَن صامه إيمانًا واحتسابًا، صام إيمانًا بالله وبشرعه، واحتساب الأجر عنده، وهكذا القيام -التَّهجد بالليل- كله من أسباب المغفرة، وهكذا قيام الليالي العشر، كلها من أسباب المغفرة، والعتق من النَّار.

وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان عليه الصلاة والسلام، هذه السنة، وهكذا أزواجه كنَّ يعتكفن في العشر الأواخر من رمضان، فاعتكافها سنة.

وكان إذا دخل العشرُ شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، هذا يُفيد أنه ينبغي لأهل الإيمان النَّشاط في العشر الأخيرة، والتَّشمير إلى طاعة الله، وإذا تيسر اعتكافه فهو أفضل؛ لأنها أيام عظيمة، وهي أفضل الليالي، وفيها ليلة خيرٌ من ألف شهر، ليلة القدر، فيُشرع للمؤمنين والمؤمنات العناية بهذه الليالي، والحرص على قيامها؛ لما فيها من الخير العظيم، والليالي المباركة، ومن أسباب المغفرة، لكن لا بدّ أن يكون عن إيمانٍ واحتسابٍ، لا رياء ولا سمعة، بل عن إيمانٍ بالله ورسوله، وتصديق ورغبة بما عند الله، هذا هو الذي ينفع.

الحديث الثالث حديث عائشة رضي الله عنها: "كان النبيُّ ﷺ إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ودخل مُعتكفه"، هذه السنة، مَن اعتكف في العشر يبدأ بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين، يدخل مُعتكفه صباح يوم الحادي والعشرين.

والسنة أن يعتكف في هذه العشر ليلًا ونهارًا، والمعتكف يجتهد في قراءة القرآن، وفي التَّسبيح والتَّهليل، وفي الصلاة، وفي أنواع العبادة في المسجد، قال الله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، يجتهد في أنواع الخير التي تصلح في المساجد، ولا مانع أن يتحدث مع أهله، ولا مانع أن يتحدث مع ضيفه، كما زارت صفيةُ النبيَّ ﷺ، وتحدَّث معها، وهو مُعتكفٌ عليه الصلاة والسلام.

ولا بأس أن يُدْخِل رأسه إلى أهله لفليه، أو غسله، وهو مُعتكفٌ، إذا كان البيتُ قريبًا من المسجد، يعني: فتحته على المسجد، كان رسولُ الله ﷺ يُدخل رأسَه على عائشة فتُرجِّله وهي حائض، فلا حرج في ذلك، فإذا خرج بعضُ عضوه، أو خرجت يده، أو رأسه أصاغها إلى بيته، وله بابٌ إلى المسجد؛ فلا يُسمَّى: خارجًا عن المعتكف، خروج العضو -يمد يده لتناول شيءٍ، أو رأسه لغسله، أو ما أشبه ذلك- لا حرج فيه.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ...............؟

ج: ما راجعتُه، بل هو ثابتٌ في الصحيح ... ابن عمرو، كلاهما صحابي جليل.

س: ................؟

ج: يأتي إن شاء الله في الدرس الذي بعد هذا.

س: .............؟

ج: لا، ما هو بشرط، جماعة وإلا جمعة، أيّهما حضر كفى، وإذا كان ما فيه جمعة يخرج إلى الجمعة.

س: قوله: "وأحيا ليله" ما ورد عن النبي ﷺ النَّهي عن إحياء الليل كله بالعبادة؟

ج: لا، ما في بأس بإحياء الليل في العشر الأخيرة، وقول عائشة أنها ما تعلم أحيا ليلةً قط رضي الله عنها، الذي أحفظه: المراد غير العشر الأخيرة.

س: أحسن الله إليك، أقلّ وقتٍ للاعتكاف؟

ج: ما له حدٌّ محدود، ولو ساعة.

س: في رمضان، أو في غير رمضان؟

ج: في رمضان، أو في غيره.

س: ..... هذا دعاء عليهم أو إخبار؟

ج: دعاء، دعاء، ظاهره الدّعاء.

س: .............؟

ج: لا، إذا كان مفرَّق ما يضرُّ، مثلما جاء في الحديث: أنه كان يسرد الصومَ حتى يُقال: لا يُفطر، ويسرد الفطر حتى يُقال: لا يصوم، على حسب فراغه وما يسَّر الله له.

س: ولو صام شهر .....؟

ج: ما يضرّ.

س: دخول المُعتكف: لو دخل بعد المغرب بيوم عشرين ليُحيي به الليلة، هل هو أفضل؟

ج: ما في بأس، لا حرج، لكن السنة أن يدخل بعد صلاة الفجر تأسِّيًا بالنبي ﷺ.

س: لو اجتمع في المسجد للتَّحفيظ أو المُذاكرة، هل يُعتبر مُعتكفًا إذا نوى؟

ج: إذا نوى لا بأس، المعتكف له أجر الاعتكاف.

س: ............؟

ج: ما أتذكر حالها، يحتاج إلى مُراجعة سنده، وهذا وعدٌ بالمغفرة بشرط اجتناب الكبائر، كما هو معروف، الأحاديث ..... في الفضائل شرطها اجتناب الكبائر، مثلما في قوله جلَّ وعلا: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ومثلما في قوله ﷺ: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفَّارات لما بينهنَّ إذا اجتنب الكبائر، ما لم تُغْشَ الكبائر، فالأحاديث المطلقة مُقيدة بهذا.

س: "أحيا ليله" أي: أن النبي ﷺ كان لا ينام ليالي العشر؟

ج: هذا معناه أنه كان يُحيي ليله بالعبادة: بالقراءة، والصلاة، والدعاء عليه الصلاة والسلام.

س: كل الليل؟

ج: كل الليل، نعم.

س: لو اعتكفت المرأةُ في مُصلَّى النِّساء؟

ج: ما في شيء، أزواج النبي اعتكفنَ في المسجد عليه الصلاة والسلام، إذا تيسَّر هذا لا بأس.

س: اشتراط الاعتكاف هل هو لفظي ...؟

ج: باللفظ.

س: هل وجيه إذا اشترط: شرطي أن أخرج أُصلي مثلًا؟

ج: الظاهر ما هو بشرطٍ، تكفي النية: الأعمال بالنيات.

س: وقت الاعتكاف؟

ج: ما في وقت مُعين، الرسول عليه الصلاة والسلام ما حدَّد شيئًا.

س: ما هو بعض العلماء دخل المسجد وخرج ...؟

ج: ما في شيء، ولو ساعة، إذا نوى الجلوس فيه للعبادة، دخله الظهر وجلس ساعةً أو ساعتين ليقرأ، لكن لو دخله في الليل.

س: مَن قيَّد بالمساجد الثَّلاثة؟

ج: لا، الصواب أنه عامٌّ؛ لأنَّ الآية عامَّة في المساجد، وكلام العلماء عامّ، والحديث هذا شاذٌّ ومُخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة.

س: قول بعض العلماء: إنَّ العبادة مبناها على التَّوقيف، والاشتراط لا يثبت إلا بما ثبت عن النبي ﷺ، فلا تثبت الاشتراط؟

ج: ما في بأس، يدخله الشرط، كما قال النبيُّ لامرأةٍ: حُجِّي، واشترطي أنَّ محلِّي حيث حبستني، والشروط تدخل العبادة، فإذا نواه فقد اشترط، ولو ما صرَّح بالشرط، إذا نوى أنه يعتكف في الليل فقط ثم يخرج، أو نوى أنه النهار يعتكف، أو نوى أنه يعتكف ويخرج لقضاء حاجات بيته، أو يتغدَّى في بيته، هذه نيته، هذه بينه وبين ربِّه جلَّ وعلا.

س: التَّلفظ به بدعة؟

ج: إن تلفَّظ به لا بأس، بينه وبين ربِّه، لكن تكفي النية، ومَن تلفَّظ مثلما في الحج يقول: "لبيك اللهم لبيك، ومحلِّي حيث حبستني.." فلا بأس.

س: هل ورد فيه التَّلفظ بالنية في الاعتكاف؟

ج: ما أذكر شيئًا.

س: قوله: غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه يعني: من الصَّغائر والكبائر؟

ج: بشرط اجتناب الكبائر، يعني: ما تقدَّم من ذنبه من الصَّغائر بشرط اجتناب الكبائر، هكذا جاءت الأحاديث.

س: ..........؟

ج: ما في بأس، في المسجد ما يُخالف.

س: ............؟

ج: لا، لا ... أفضل، الحمد لله ... نستفيد مع الاعتكاف والعلم.

س: حديث أبي هريرة: النَّهي عن صوم يوم عرفة ..؟

ج: لا بأس به، جيد.

 

- وَعَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: "السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا، ولَا يَشْهَدَ جِنَازَةً، ولَا يَمَسَّ امْرَأَةً، ولَا يُبَاشِرَهَا، ولَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ، إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، ولَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ، ولَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ".

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، ولَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ، إِلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ وَقْفُ آخِرِهِ.

- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ.

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ والْحَاكِمُ، والرَّاجِحُ وَقْفُهُ أَيْضًا.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رسول الله ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وعشرين.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والرَّاجِحُ وَقْفُهُ.

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِهَا عَلَى أَرْبَعِينَ قَوْلًا، أَوْرَدْتُهَا فِي "فَتْحِ الْبَارِي".

- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والْحَاكِمُ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، ومَسْجِدِي هَذَا، والْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالاعتكاف في ليلة القدر، والاعتكاف كما تقدَّم سنة في رمضان، وفي غيره، لكنه في رمضان آكد وأفضل، فالاعتكاف سنة، وفي رمضان آكد من غيره، والنبي ﷺ اعتكف في رمضان، وفي غير رمضان، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان كما تقدَّم، إلا سنة واحدة ترك الاعتكاف في رمضان، واعتكف في شوال.

والسنة للمُعتكف ألا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً، ولا يمسّ امرأةً ولا يُباشرها؛ لقول الله جلَّ وعلا: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، بل يلزم مُعتكَفَه حتى ينتهي من الاعتكاف، كما كان النبيُّ ﷺ يفعل: إذا اعتكف لزم مُعتكَفَه عليه الصلاة والسلام حتى ينتهي، فلا إلى الناس ... أو غيره، أو يذهب إلى مساجد أخرى، أو اتِّباع الجنائز، أو المقبرة، لا، جاءته جنازةٌ في المسجد الذي هو مُعتكفه صلَّى عليها، أما أن يذهب إلى مساجد أخرى فلا.

ولا يمسّ امرأةً بشهوةٍ: كتقبيلٍ، ونحو ذلك، ولا يُجامعها أيضًا؛ لقوله تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، ولا يخرج لحاجةٍ، إلا لما لا بدّ منه، يعني: ....... يبقى في المسجد للعبادة: لذِكْرٍ، قراءة القرآن، الصلاة، التَّسبيح، التَّهليل، الاستغفار، حضور حلقات العلم في المسجد، كلُّ هذا عملٌ صالحٌ، لكن لا يخرج لزيارة الناس أو للبيت بدون حاجةٍ مهمةٍ، أما الحاجة المهمَّة -كأن يقضي حاجته من بولٍ وغائطٍ، ووضوء، واغتسال، وطعام- لا بأس.

أما قولها: "ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتكاف إلا في مسجدٍ جامعٍ" هذا من اجتهادها رضي الله عنها، وليس مرفوعًا، بل لو اعتكف وهو غير صائم لا بأس، كما قال ابن عباس، لكن صومه أفضل.

والمسجد الجامع الذي فيه جمعة أفضل، حتى لا يحتاج للخروج إليها، وإذا اعتكف في مسجدٍ بدون جماعةٍ لا بأس، فإذا جاءت الجمعة يخرج إليها؛ ولهذا قال ابنُ عباس: "ليس على المعتكف صومٌ إلا أن يجعله على نفسه".

وحديث ابن عمر يقول ﷺ لما تواطأت الرؤيا على السبع الأواخر ..... فمَن كان مُتحريها –يعني: الليلة- فليتحرّها في السبع الأواخر، هذا يدل على أنَّ ليلة القدر تُتحرى في العشر كلها، ولكنَّها في السبع الأواخر أحرى، وهي تبدأ بالثالث والعشرين، أو بالرابع والعشرين، إن تمَّ الشهر فأولها الرابع والعشرين، وإن نقص فأولها الثالث والعشرين.

هذا يدل على أن تحريها في السبع الأواخر آكد، وقد تكون في إحدى وعشرين، وقد تكون في اثنين وعشرين، وفي ثلاثة وعشرين، لكن تحريها في السبع الأواخر آكد، وأحراها ليلة سبع وعشرين، هذا أحراها، ولكنَّها تتنقَّل في العشر، قد تكون في إحدى وعشرين، وقد تكون في اثنين وعشرين، وقد تكون في ثلاثة وعشرين، وقد تكون في خمسٍ وعشرين، وقد تكون في آخر ليلةٍ، فهي مُتنقلة في العشر الأواخر، لكن أحراها الأوتار، أحراها: إحدى وعشرون، ثلاث وعشرون، خمس وعشرون، سبع وعشرون، تسع وعشرون، هذه الأوتار أحرى؛ لقوله ﷺ: تحرُّوها في الوتر من العشر الأواخر، وكل العشر ترجع فيها هذه الليلة، فالسنة للمؤمن أن يعتكف فيها كلها، وأن يبذل وسعه في أنواع الخير في العشر كلها؛ رجاء أن يُصادف هذه الليلة، مع ما فيها من أجرٍ لمن يزداد خيرات وعملًا صالحًا، لكن مَن قام العشر كلها، واجتهد في العشر فإنه لا بدّ أن يُصادفها؛ لأنها لا تخرج من العشر، فهي فيها ولا بدّ، إن اجتهد في العشر كلها فقد صادف ليلة القدر.

في حديث معاوية أنها ليلة سبع وعشرين، وهكذا جاء في حديث أبي بن كعبٍ، كان يحلف على ذلك: أنها سبع وعشرون، ويحتجّ بأن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاعَ لها، وهذا في الغالب، وإلا فقد تكون في الخامس والعشرين، وقد تكون في إحدى وعشرين، وقد تكون في ثلاثٍ وعشرين، هذا أمرٌ واقعٌ.

ويُستحب أن يُكثر فيها من: "اللهم إنَّك عفو تُحب العفو فاعفُ عني"، لا سيَّما في الأواخر، كما قالت عائشةُ رضي الله عنها: يا رسول الله، إن وافقتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنَّك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عني، فينبغي الإكثار من هذا الدعاء، وسؤال المغفرة، وسؤال العتق من النار.

والحديث الأخير يقول ﷺ: لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى، إذا اعتكف فيها أو في غيرها حصل المقصود، لكن بدون شدِّ الرَّحْل، أما إذا شدَّ الرحل لهذه الثلاث فلا بأس، للصلاة فيها، أو الاعتكاف فيها لا بأس، المسجد الحرام: مسجد مكة، ومسجد النبي في المدينة، والمسجد الأقصى ببيت المقدس ..... هذه الثلاثة تُشدُّ لها الرحال للصلاة فيها، والقراءة فيها، وللحج والعمرة في المسجد الحرام، أما غيرها من المساجد فلا تُشدّ إليها الرحال.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: صوم عرفة النَّهي للتَّحريم؟

ج: هذا الأرجح؛ لأنه الأصل في النَّهي.

س: صيام الدهر؟

ج: الأصل التَّحريم: لا صام، ولا أفطر، هذا الأصل.

س: إذا قبَّل المُعتكف، هل اعتكافه باطل؟

ج: محتمل، لكن عليه التوبة والاستغفار، ويُجدد النية، ويحتمل أنه لا يبطل إلا بالجماع؛ لأنَّ قوله: ولَا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187] يشمل الجماع وغير الجماع، وكذلك أثر عائشة: "ألا يمسّ امرأةً، ولا يُباشرها" يشمل الجماع وغيره.

س: قول عائشة في المُباشرة مرفوع؟

ج: ..... السنة معناه من قول النبي ﷺ.

س: هل كان النبيُّ ﷺ ينام في العشر الأواخر، أم كان يُحييها كلها؟

ج: المعروف أنه كان يُحييها كلها عليه الصلاة والسلام كما قالت عائشة رضي الله عنها، وينام في النهار.

س: اعتكف النبيُّ ﷺ في العشر من شوال؛ لأنه لم يعتكف في رمضان؟

ج: صارت منافسة بين النساء -بين أزواجه- فمنعهنَّ من الاعتكاف، ولم يعتكف، ثم اعتكف في شوال، في روايةٍ: اعتكف عشرًا، وفي روايةٍ: اعتكف عشرين .. من شوال، وهو يدل على جواز الاعتكاف في رمضان وفي غيره، وأنه لا يُشترط العشر، لو اعتكف عشرين، أو ثلاثين، أو يومًا، أو يومين، يدل على هذا حديث عمر أنه قال: يا رسول الله، إني نذرتُ في الجاهلية أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام، قال الرسول: أوفِ بنذرِك، هذا يُؤيد أنه لا يلزم الصوم، ولا يلزم النهار، ولو اعتكف في الليل، أو نذر في الليل كفى، والحمد لله.

س: ..... اعتكف في شوال؟

ج: في الصحيح أنه في أحدهما، نعم.

س: قوله: الراجح وقفه؟

ج: "لا اعتكاف إلا بصومٍ" الجملة الأخيرة.

س: في رمضان بعض الناس يذهب إلى بلده من أجل أن يُصلي مع قارئ ..... في رمضان، هل هذا ..؟

ج: لا بأس، لا مانع؛ لما يحصل من الخشوع -خشوع القلب- والتَّدبر، والفائدة الكبيرة.

س: ما يُقال: لا يُشدّ الرحال؟

ج: شدّ الرحال ما هو من أجل المسجد، من أجل القارئ، أقول: شدّ الرحل ما هو لأجل المسجد؛ ليسمع كلام القارئ، ليُصلي معه.

س: ولو كان خطبةً؟

ج: أو الخطبة، ما يُخالف.

س: ذهابه إلى مسجدٍ آخر ما يُفوت عليه مصالح أخرى؟

ج: هو أعلم بنفسه، إذا كان يُفوِّت مصالح لا يروح.

س: الجامع هو شرط؟

ج: ما هو بشرطٍ، الجماعة، مسجد جماعةٍ، يعتكف في مسجد جماعةٍ.

س: ...........؟

ج: ما في بأس، إذا ذكرهم ما في بأس.

س: المسجد الأقصى ثالث الحرمين؟

ج: ثالث المسجدين؛ لأنه ما هو بحرمٍ، وبعض العامَّة يُسمونه: ثالث الحرمين، يُوهم، وإلا ما هو بحرمٍ، مسجد بدون حرمٍ، الحرمان فقط: مسجد مكة، والمدينة، المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ فقط.

س: شخصٌ حسن الصوت يُريد أن يعتكف، فقال له آخر: نريد أن نُصلي في المسجد الفلاني، فاشترط أنه بعد صلاة العشاء يذهب ليُصلي بهم، فإذا انتهت صلاة التراويح قام ..... من أول العشرين يُصلي بهم التراويح فقط، ثم يرجع إلى مسجد .....، فقط التراويح والقيام، ثم يستمر على اعتكاف المسجد الآخر، يرجع، لكن يقول: اشتراطي هذا إلى الخروج؟

ج: لا حرج إذا كان هناك مصلحة؟

س: الإمام الذهبي هل يرى شدَّ الرحال؟

ج: ما أتذكر شيئًا.

س: ذكره في "سير أعلام النبلاء" ...؟

ج: ..... أقول: إن كان قاله فهو غلطان، شدّ الرحال بنصِّ النبي في الصحيح لا يجوز، إذا قصد شدَّ الرحال للعبادة، أما شدّ الرحال لطلب العلم ما يُخالف، لطلب العلم أو للتِّجارة لا بأس، أما شدّ الرحال ليتعبّد في مسجدٍ غير الثلاث فلا يجوز، أما إذا شدَّ الرحال لأنَّ فيها علماء يدرس عليهم العلم، أو شدَّ الرحال للتِّجارة، أو شدَّ الرحال لزيارة قريبٍ ما في بأس، المقصود شدّ الرحال للتَّعبد، هذا هو المقصود.

س: أقلّ الاعتكاف؟

ج: ما ورد، ما نعرف تحديدًا، لا لأقلِّه، ولا لأكثره.

س: ................؟

ج: إن نوى هو اعتكاف، ولو ما نواه، وإن نواه يُسمَّى: اعتكاف، الاعتكاف بدون، فإذا نوى الاعتكاف فله نيته.

س: .............؟

ج: عدم طلوع الفجر، ... الشمس إلى ...، وبهذا جاء النص عن ... في الصحيح.

س: ............. أوتار العشر، اعتبار أول العشر، أو آخرها؟

ج: الأول، باعتبار أولها، وقد جاء في بعض الروايات ... يدل على أنها كلها ...، لكن الأوتار الحقيقية: إحدى وعشرون، وثلاث وعشرون، وخمس وعشرون، وسبع وعشرون، وتسع وعشرون، هذه الأوتار، وفي كلها تُرجى أوتارها وأشفاعها، آكدها سبع وعشرون؛ لكثرة الأحاديث.