033 صيام عاشوراء

فَصْلٌ

فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ

كَانَ ﷺ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: "لَا يُفْطِرُ"، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: "لَا يَصُومُ"، وَمَا اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَمَا كَانَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ فِي شَعْبَانَ.

وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ عَنْهُ شَهْرٌ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ.

وَلَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ الْأَشْهُرَ سَرْدًا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَلَا صَامَ رَجَبًا قَطُّ، وَلَا اسْتَحَبَّ صِيَامَهُ، بَلْ رُوِيَ عَنْهُ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ.

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: رواه ابنُ ماجه في "الصيام" باب "صيام أشهر الحرم"، وفي سنده داود بن عطاء، ضعيف باتِّفاقٍ.

الشيخ: نعم.

وَكَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.

الشيخ: والمقصود أنَّ صيام رجبٍ كان من عمل الجاهلية .....، فإذا صام بعضَها، وصام الاثنين والخميس، وثلاثة أيام .....

س: الجاهلية يصومونه كله؟

ج: هذا ظاهر ..... من أعمالهم؛ ولهذا كُره .....؛ لئلا يُشابههم، إذا صام بعضَه -كالاثنين والخميس وثلاثة أيام من الشهر- لم يكن على طريقهم.

س: ............؟

ج: ............

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ. ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ. وَكَانَ يَحُضُّ عَلَى صِيَامِهَا.

الشيخ: أيش قال عليه؟

الطالب: "ذكره النسائي" أخرجه النَّسائي في "الصوم" باب "صوم النبي ﷺ"، وفي سنده يعقوب بن عبدالله القمي، وهو ضعيف، وكذا الراوي عنه؛ وهو جعفر ابن أبي المغيرة القمي.

بعده: وكان يحضُّ على صيامها.

الشيخ: هذا يدل على أنه رحمه الله كان يتساهل في بعض الإطلاقات -العلامة ابنُ القيم رحمه الله- والأصل في هذا ما علَّق في كتابه في السَّفر، ليست عنده كتب لازمة كما قال في أول كتابه.

فالحاصل أنه قد يُطلق أشياء، ويسكت عن أشياء؛ لأنه لم يذكر ما فيها من القدح؛ لأنه إنما بنى على حفظه فذكرها؛ ولهذا تحتاج إلى التَّمحيص كما علَّق عليها الأستاذ شُعيب.

س: ..............؟

ج: ..............

وكان يحضُّ على صيامها.

الطالب: عليه حاشية: أخرج أحمدُ والنَّسائيُّ من حديث أبي ذرٍّ قال: قال النبيُّ ﷺ: مَن كان منكم صائمًا من الشهر ثلاثة أيامٍ فليَصُم الثلاثة البيض، وسنده حسن، وصححه ابنُ حبان.

وأخرج أحمدُ والنَّسائيُّ من طريق سفيان قال: حدَّثنا رجلان: محمد وحكيم، عن موسى بن طلحة، عن ابن الحوتكية، عن أبي ذرٍّ : أنَّ النبي ﷺ أمر رجلًا بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. وأخرجه ابنُ خُزيمة من طريقٍ آخر بسندٍ حسنٍ.

وأخرج الترمذي بسندٍ قويٍّ من حديث أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن صام من كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ فذاك صيام الدَّهر، فأنزل الله تصديقَ ذلك في كتابه: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، اليوم بعشرة أيام. وفي الباب عن أبي هريرة عند البخاري ومسلم، قال: أوصاني خليلي.

الشيخ: يكفي، يكفي .....

.......

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. ذَكَرَهُ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَتْ عائشةُ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ صَامَهَا. ذَكَرَهُ مسلم.

وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ.

الشيخ: يعني ربما صامها في أول الشهر، وربما صامها في وسطه، وربما صامها في غير ذلك.

وَأَمَّا صِيَامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَقَدِ اخْتُلِفَ: فَقَالَتْ عائشةُ: "مَا رَأَيْتُهُ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ". ذَكَرَهُ مسلمٌ.

وَقَالَتْ حفصةُ: "أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرِ، وَثَلَاثَة أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ". ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَصُومُ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، أَو الِاثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ. وَفِي لَفْظٍ: الْخَمِيسَيْنِ. وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي إِنْ صَحَّ.

الشيخ: تكلَّم على حديث حفصة؟

الطالب: أخرجه أحمد من حديث أبي إسحاق الأشجعي الكوفي، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحرِّ بن الصياح، عن هنيدة بن خالد الخزاعي، عن حفصة. وأبو إسحاق الكوفي الأشجعي مجهول، وباقي رجاله ثقات.

.........

وَأَمَّا صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: صِيَامُهَا مَعَ رَمَضَانَ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ.

وَأَمَّا صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَإِنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُهُ وَتُعَظِّمُهُ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ هَذَا، وَقَالَ: إِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَكَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟!

وَفِيهِ إِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ عائشةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.

وَإِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ: مَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: يَا أبا محمدٍ، ادْنُ إِلَى الْغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟! فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ.

وَقَدْ رَوَى مسلمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

فَهَذَا فِيهِ أَنَّ صَوْمَهُ وَالْأَمْرَ بِصِيَامِهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، وَحَدِيثُهُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ.

ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَخْبَرَ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ تُرِكَ بِرَمَضَانَ، وَهَذَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تُرِكَ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ. ومعاوية إِنَّمَا سَمِعَ هَذَا بَعْدَ الْفَتْحِ قَطْعًا.

وَإِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ مسلمًا رَوَى فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: إِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ، فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

ثُمَّ رَوَى مسلمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنِ الحكم بن الأعرج قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.

الطالب: فاعدد تسعًا وأصبح التاسع صائمًا؟

الشيخ: اعدد تسعًا؟ وأنت اعدد فقط؟

الطالب: نعم، وأصبح يوم التَّاسع؟

الشيخ: الأمر واضح، نعم ..... يُراجع الصحيح.

وَإِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ صَوْمَهُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا مَفْرُوضًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقَضَائِهِ، وَقَدْ فَاتَ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا فَكَيْفَ أَمَرَ بِإِتْمَامِ الْإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ؟! كَمَا فِي "الْمُسْنَدِ" وَالسُّنَنِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ مَنْ كَانَ طَعِمَ فِيهِ أَنْ يَصُومَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ، وَاسْتِحْبَابُهُ لَمْ يُتْرَكْ؟!

وَإِشْكَالٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ جَعَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ التَّاسِعِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ هَكَذَا كَانَ يَصُومُهُ ﷺ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا الْيَهُودَ؛ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ. ذَكَرَهُ أحمد.

وَهُوَ الَّذِي رَوَى: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ. ذَكَرَهُ الترمذي.

فَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ:

أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ قُدُومِهِ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَدِمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ثَانِي عَشْرَةَ، وَلَكِنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ بِوُقُوعِ الْقِصَّةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي الَّذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ، وَلَمْ يَكُنْ وَهُوَ بِمَكَّةَ هَذَا، إِنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالْأَشْهُرِ الْهِلَالِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِالشَّمْسِيَّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ، فَضَبَطَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَصَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنَّمَا هُوَ بِحِسَابِ سَيْرِ الشَّمْسِ، وَصَوْمُ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا هُوَ بِالشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ، وَكَذَلِكَ حَجُّهُمْ، وَجَمِيعُ مَا تُعْتَبَرُ لَهُ الْأَشْهُرُ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ.

فَظَهَرَ حُكْمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فِي تَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ وَفِي تَعْيِينِهِ، وَهُمْ أَخْطَأُوا تَعْيِينَهُ لِدَوَرَانِهِ فِي السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، كَمَا أَخْطَأَ النَّصَارَى فِي تَعْيِينِ صَوْمِهِمْ بِأَنْ جَعَلُوهُ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَشْهُرُ.

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُهُ.

فَلَا رَيْبَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَظِّمُ هَذَا الْيَوْمَ، وَكَانُوا يَكْسُونَ الْكَعْبَةَ فِيهِ، وَصَوْمُهُ مِنْ تَمَامِ تَعْظِيمِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا كَانُوا يَعُدُّونَ بِالْأَهِلَّةِ، فَكَانَ عِنْدَهُمْ عَاشِرَ الْمُحَرَّمِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَصُومُونَهُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ، فَقَالُوا: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ فِرْعَوْنَ. فَقَالَ ﷺ: نَحْنُ أَحَقُّ مِنْكُمْ بِمُوسَى، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ؛ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا، وَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّهُ وَأُمَّتَهُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ كُنَّا أَحَقَّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنَ الْيَهُودِ، لَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا: "شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يُخَالِفْهُ شَرْعُنَا".

فَإِنْ قِيلَ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ مُوسَى صَامَهُ؟

قُلْنَا: ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: يَوْمٌ عَظِيمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَغْرَقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

فَلَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ عُلِمَ أَنَّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ، فَانْضَمَّ هَذَا الْقَدْرُ إِلَى التَّعْظِيمِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَازْدَادَ تَأْكِيدًا، حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَتَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ.

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فَرْضُ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرْضُ رَمَضَانَ تَرَكَهُ.

فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إِلَّا بِأَنَّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ، لَا اسْتِحْبَابَهُ، وَيَتَعَيَّنُ هَذَا وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْيَهُودَ يَصُومُونَهُ: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ أَيْ مَعَهُ، وَقَالَ: خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَيْ مَعَهُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ.

س: ...............؟

ج: جاء هذا وهذا، روايتان: بالواو، وبأو.

وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ: "إِنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا" أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ بِتَرْكِ اسْتِحْبَابِهِ، فَلَمْ يَبْقَ مُسْتَحَبًّا. أَوْ يَقُولَ: هَذَا قَالَهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِرَأْيِهِ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ. وَهَذَا بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَثَّهُمْ عَلَى صِيَامِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، وَاسْتَمَرَّ الصَّحَابَةُ عَلَى صِيَامِهِ إِلَى حِينِ وَفَاتِهِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَكَرَاهَةِ صَوْمِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي تُرِكَ وُجُوبُهُ، لَا اسْتِحْبَابُهُ.

فَإِنْ قِيلَ: حَدِيثُ معاوية الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ، وَإِنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَطُّ.

الشيخ: الذي يظهر من كلام ابن مسعودٍ أنه قد يكون ابنُ مسعودٍ يعتقد أنه نُسخ، وأنه خفي عليه، أو نسي ذلك، لما طال الأمدُ نسي ذلك، وليس بمعصومٍ، وقد نسي غيرُه، السنة ثابتة في أنه بقي مشروعًا، لكن خفي على ابن مسعودٍ فظنَّ أنه نُسخ بشهر رمضان، أو نسي ذلك واعتقد أنه نُسخ.

وغلط الراوي، أو نسيان الراوي ليس بحُجَّةٍ على السنة، السنة إذا ثبتت وجب الأخذُ بها، واطِّراح قول مَن خالفها ممن غلط أو سها.

وبكل حالٍ فصوم يوم عاشوراء مُستقرٌّ وسنة باقية، وإنما الخلاف: هل كان واجبًا قبل رمضان؟

قولان لأهل العلم:

قيل: إنه واجب، ثم نُسخ الوجوب بفرض رمضان.

وقيل: لم يكن واجبًا؛ لحديث معاوية: لم يكتب اللهُ عليكم صيامَه، ولكنه كان مُتأكدًا قبل رمضان، فلما فُرض رمضان زال التَّأكد، وبقي الاستحباب والمشروعية.

س: ...............؟

ج: أما لو صام يومًا قبله، أو يومًا بعده، أو صام اليومين جميعًا، كله سنة، كله حسن، خلافًا لليهود.

س: ...............؟

ج: فيها ضعيف رواية ابن أبي ليلى، لكن يعضدها الدلالة على الصحة، المعنى: لأصومَنَّ التاسع. قال ابن عباسٍ: يعني مع العاشر. كما في "صحيح مسلم"، فهذا يُؤيد رواية ابن أبي ليلى.

..........

فَالْجَوَابُ: أَنَّ حَدِيثَ معاويةَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ اسْتِمْرَارِ وُجُوبِهِ، وَأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَا يَنْفِي وُجُوبًا مُتَقَدِّمًا مَنْسُوخًا، فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا وَنُسِخَ وُجُوبُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا.

وَجَوَابٌ ثَانٍ: أَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ عَامًّا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، فَيُخَصُّ بِأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي، وَتَرْكِ النَّفْيِ فِي اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ.

وَجَوَابٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُ ﷺ إِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ فَرْضُهُ وَوُجُوبُهُ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهُ عَلَيْنَا"، وَهَذَا لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ هُوَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ كَتَبَهُ عَلَيْهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فَأَخْبَرَ ﷺ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَكْتُوبِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا؛ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَمْرِ السَّابِقِ بِصِيَامِهِ الَّذِي صَارَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الصِّيَامِ الْمَكْتُوبِ.

يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ معاويةَ إِنَّمَا سُمِعَ هَذَا مِنْهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَاسْتِقْرَارِ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَنَسْخِ وُجُوبِ عَاشُورَاءَ بِهِ. وَالَّذِينَ شَهِدُوا أَمْرَهُ بِصِيَامِهِ وَالنِّدَاءَ بِذَلِكَ، وَبِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ، شَهِدُوا ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ عِنْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَفَرْضُ رَمَضَانَ كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ صَامَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ، فَمَنْ شَهِدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ شَهِدَهُ قَبْلَ نُزُولِ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَمَنْ شَهِدَ الْإِخْبَارَ عَنْ عَدَمِ فَرْضِهِ شَهِدَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَإِنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ تَنَاقَضَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاضْطَرَبَتْ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدْ قَالَ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ.

الشيخ: الأمر في هذا واسع، ابن القيم رحمه الله اعتنى بهذا اعتناءً كبيرًا، والأمر في هذا واسع والحمد لله، مستحبّ، ونافلة، والحمد لله، وبقي استحبابُه، سواء قيل بوجوبه، أو أنه ليس بواجبٍ، أو واجب ونُسخ، وسواء ذكره ابن مسعودٍ، أو نسيه ابنُ مسعودٍ، السنة واضحة في أنَّ سنيته مُستقرة، وأنه مشروع الصيام يوم عاشوراء، ويُصام يوم قبله أو يوم بعده، أو يصوم ما قبله وما بعده ..... صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، خلافًا لليهود.

............

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ فَرْضًا وَلَمْ يَحْصُلْ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدْ قَالَ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟

فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ: هَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ ﷺ، أَوْ مِنْ قَوْلِ حفصة وعائشة؟

فَأَمَّا حَدِيثُ حفصة: فَأَوْقَفَهُ عَلَيْهَا معمر، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ. قَالَ الترمذي: وَقَدْ رَوَاهُ نافعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَهُوَ أَصَحُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ رَفْعَهُ؛ لِثِقَةِ رَافِعِهِ وَعَدَالَتِهِ.

وَحَدِيثُ عائشةَ أَيْضًا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، وَاخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِ رَفْعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رَفْعُهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ ثَبَتَ رَفْعُهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْأَمْرِ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَذَلِكَ تَجْدِيدُ حُكْمٍ وَاجِبٍ، وَهُوَ التَّبْيِيتُ، وَلَيْسَ نَسْخًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِخِطَابٍ، فَإِجْزَاءُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ، وَقَبْلَ فَرْضِ التَّبْيِيتِ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِرَمَضَانَ، وَتَجَدَّدَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ، فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ.
وَطَرِيقَةٌ ثَانِيَةٌ هِيَ طَرِيقَةُ أَصْحَابِ أبي حنيفة: أَنَّ وُجُوبَ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: وُجُوبَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِجْزَاءَ صَوْمِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ نُسِخَ تَعْيِينُ الْوَاجِبِ بِوَاجِبٍ آخَرَ، فَبَقِيَ حُكْمُ الْإِجْزَاءِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ.
وَطَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ: وَهِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ، وَوُجُوبُ عَاشُورَاءَ إِنَّمَا عُلِمَ مِنَ النَّهَارِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَكُنِ التَّبْيِيتُ مُمْكِنًا، فَالنِّيَّةُ وَجَبَتْ وَقْتَ تَجَدُّدِ الْوُجُوبِ وَالْعِلْمِ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
قَالُوا: وَعَلَى هَذَا إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَجْزَأَ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ، وَأَصْلُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا، وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، وَعَلَيْهَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ، وَيَجْتَمِعُ شَمْلُهَا الَّذِي يُظَنُّ تَفَرُّقُهُ، وَيُتَخَلَّصُ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.

الشيخ: والصَّواب في هذا أنَّ هذا يكون في النَّفل، وعاشوراء لم يُكتب علينا صيامه، بل كان مُؤكَّدًا قبل رمضان، ثم نُسخ في رمضان تأكيده، وبقي جنس الاستحباب، وأما الفرض فلا بدَّ من تبييته من الليل؛ لحديث حفصة وعائشة في الصحيح.

ثم أيضًا لو لم يكن في حديث عائشة ولا حديث حفصة فإنَّ الله أوجب علينا صومَ رمضان، ولا يتمُّ ذلك إلا بالنية المبيتة، فإذا لم يُبيتها فاته جزءٌ من الصيام في جزء من النهار لم يصمه، فوجب أن يُبيت النية حتى يصوم رمضان الذي أوجبه الله عليه، بخلاف النافلة؛ فلا بأس أن يصوم من النهار قبل أن يأكل، كما في حديث عائشة في مسلم: أن الرسول دخل عليها وقال: هل عندكِ شيء؟ قالت: لا، قال: إني إذًا صائم، فجدد الصيامَ من النهار، فلا بأس بذلك في النافلة؛ لأنَّ النافلة يتوسع فيها، ويُصلي الإنسانُ قائمًا وقاعدًا في النافلة، ويصوم من أثناء النهار في النافلة إذا لم يأكل، إذا كان ما قبله يفطر.

أما الفريضة فلا بدَّ فيها من تبييت النية على حديث حفصة وعائشة، وعلى الأصل الذي هو وجوب صيام جميع أجزاء رمضان النَّهارية، من أوله إلى آخره، أما إذا لم تقم البينةُ إلا في أثناء النَّهار فهم معذورون، فيصومون ما بقي؛ لأنه يوم محترم، وعليهم القضاء، عليهم قضاء ما فات، كما أنَّ المريض يقضي، وكذلك السَّجين الذي ما درى عن دخول رمضان، و..... الذي ما درى عن رمضان يقضي؛ لأنه معذورٌ عن الإثم، وليس معذورًا عن القضاء، كما يقضي النَّاسي وأشباه ذلك، الذي ما درى عن دخول رمضان، نسي أنَّ اليوم من رمضان، ولا صام.

المقصود أنَّ المعذور له حكمٌ آخر، فإذا قضت البينة في أول يومٍ في الضُّحى أو الظهر أمسكوا وقضوا ذلك اليوم عند عامَّة العلماء، وما قاله الشيخ رحمه الله تقي الدين من إجزاء الصوم فقط من آخر النهار -من بقية النهار- فقول مرجوح عند أهل العلم، ومخالفٌ لما عليه أهلُ العلم.

والإمام شيخ الإسلام ابن تيمية وإن كان إمامًا، وكذلك تلميذه، كلاهما إمام، لكن المعول على الأدلة الشَّرعية في كل شيءٍ، فإذا خالف بعض الأئمة الكبار مُقتضى الأدلة وجب الرجوع إلى الأدلة، كل واحدٍ يُخطئ ويُصيب.

..........

وَغَيْرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، أَوْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الْآثَارِ.

وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ أَهْلَ قُبَاءٍ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّوْا بَعْضَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ؛ إِذْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وُجُوبُ التَّحَوُّلِ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ وُجُوبُ فَرْضِ الصَّوْمِ، أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْعِلْمِ بِسَبَبِ وُجُوبِهِ، لَمْ يُؤْمَرْ بِالْقَضَاءِ.

الشيخ: هذا ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ أهل قباء صلَّوا الركعةَ الأولى، صلَّوها إلى القبلة الأولى، والركعة الثانية صلَّوها إلى القبلة الثانية، فهم معذورون، أما هذا ما صام بمثل هذا.

ويدل على هذا القول: لو أنَّ إنسانًا في سجنٍ، أو في محلٍّ مطمورٍ، ما تصل إليه أصوات، ولا درى عن الصوم إلا بعدما عيَّد الناسُ، ما درى معناه أنه ما عليه صيام، سقط عنه رمضان؛ لأنه ما علم، هذا غايته أنه معذور، ما عليه إثمٌ، وإنما عليه القضاء: وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185]، غايته أن يكون معذورًا بلا إثمٍ، وعليه القضاء.

كذلك لو كان في البرية، ولا شاف الهلال، ولا درى عن الهلال، ما رآه، فلما وصل إلى البلد إذ الناس قد صاموا، فهل يُقال: ما عليه صيام، فاته هذا اليوم، وما عليه صيام .....

وَلَا يُقَالُ: إِنَّهُ تَرَكَ التَّبْيِيتَ الْوَاجِبَ؛ إِذْ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْمُبَيَّتِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَصَحُّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ عَاشُورَاءُ فَرْضًا، وَكَانَ يُجْزِئُ صِيَامُهُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ نُسِخَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِهِ، فَنُسِخَتْ مُتَعَلِّقَاتُهُ، وَمِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ: إِجْزَاءُ صِيَامِهِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَاتِهِ تَابِعَةٌ لَهُ، وَإِذَا زَالَ الْمَتْبُوعُ زَالَتْ تَوَابِعُهُ وَتَعَلُّقَاتُهُ، فَإِنَّ إِجْزَاءَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ خُصُوصِ هَذَا الْيَوْمِ، بَلْ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَالصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَمْ يَزُلْ، وَإِنَّمَا زَالَ تَعْيِينُهُ، فَنُقِلَ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ، وَالْإِجْزَاءُ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَعَدَمِهِ مِنْ تَوَابِعِ أَصْلِ الصَّوْمِ، لَا تَعْيِينِهِ.

وَأَصَحُّ مِنْ طَرِيقَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ، وَتَأْكِيدُ الْأَمْرِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ، وَزِيَادَةُ تَأْكِيدِهِ بِالْأَمْرِ لِمَنْ كَانَ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ، وَكُلُّ هَذَا ظَاهِرٌ، قَوِيٌّ فِي الْوُجُوبِ.

وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّهُ لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُ لَمْ يُتْرَكْ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَغَيْرِهَا، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ وُجُوبَهُ.

فَهَذِهِ خَمْسُ طُرُقٍ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وأحسنها وأصحّها طريقان:

أحدهما: أنه كان مُستحبًّا، ولكن متأكدًا. وهذا لا إشكالَ فيه ..... عنهم في عمَّن أكل بأنه لم يعلم.

والطريق الثانية: أنه كان واجبًا، ثم نُسخ وجوبه بوجوب رمضان.

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.

وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ.

فَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا، وَصَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ إِذْ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ، وَيُخْبِرَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ إِلَى الْعَامِ الْقَابِلِ صَامَهُ، أَوْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، وَوَعَدَ بِهِ، وَيَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْ ذَلِكَ مُقَيَّدًا، أَيْ: كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ لَوْ بَقِيَ، وَمُطْلَقًا إِذَا عُلِمَ الْحَالُ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِن الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.

الشيخ: ثبت عن ابن عباسٍ في الرواية الأخرى: لأصومَنَّ التاسع مع العاشر؛ ولهذا كان ابنُ عباسٍ يأمر بصيام التاسع مع العاشر؛ لمخالفة اليهود.

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ الْخَامِسُ: فَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

وَأَمَّا الْإِشْكَالُ السَّادِسُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "اعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا"، فَمَنْ تَأَمَّلَ مَجْمُوعَ رِوَايَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَبَيَّنَ لَهُ زَوَالُ الْإِشْكَالِ، وَسِعَةُ عِلْمِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ، بَلْ قَالَ لِلسَّائِلِ: "صُمِ الْيَوْمَ التَّاسِعَ"، وَاكْتَفَى بِمَعْرِفَةِ السَّائِلِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ الَّذِي يَعُدُّهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَرْشَدَ السَّائِلَ إِلَى صِيَامِ التَّاسِعِ مَعَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَصُومُهُ كَذَلِكَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ذَلِكَ هُوَ الْأَوْلَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَمْلُ فِعْلِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ، وَعَزْمِهِ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى: صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ". وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ عَنْهُ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيُؤَيِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ، أَكْمَلُهَا: أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ، وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ -وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ- وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ الْعَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ.

الشيخ: بقي هناك نوعٌ رابعٌ، وهو صوم العاشر مع الحادي عشر بدلًا من التاسع؛ للحديث: يومًا قبله، أو يومًا بعده.

فالأنواع أربعة: صوم عاشوراء وحده فقط، وهذا مكروهٌ، الثاني: أن يصوم قبله التاسع معه، الثالث: أن يصوم بعده الحادي عشر معه، والرابع: أن يصوم الحادي عشر مع العاشر ومع التاسع، ثلاثة.

س: لكن الحديثَ ضعيف: صوموا يومًا قبله، أو يومًا بعده؟

ج: إيه، لكن جاء في حديثٍ: لأصومنَّ التاسع، حديث ابن أبي ليلى، ويشهد له أثرُ ابن عباسٍ.

...........

وَأَمَّا إِفْرَادُ التَّاسِعِ فَمِنْ نَقْصِ فَهْمِ الْآثَارِ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

وَقَدْ سَلَكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْلَكًا آخَرَ، فَقَالَ: قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْقَصْدَ مُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ، مَعَ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا بِنَقْلِ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ، أَوْ بِصِيَامِهِمَا مَعًا.

وَقَوْلُهُ: إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا التَّاسِعَ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَنَا مُرَادُهُ، فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ صِيَامَ الْيَوْمَيْنِ مَعًا، وَالطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَصْوَبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَجْمُوعُ أَحَادِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهَا تَدُلُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أحمد: خَالِفُوا الْيَهُودَ، صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَقَوْلَهُ فِي حَدِيثِ الترمذي: "أُمِرْنَا بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ" يُبَيِّنُ صِحَّةَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي سَلَكْنَاهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ إِفْطَارُ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ".

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ، رَوَاهُ عَنْهُ أَهْلُ السُّنَنِ.

وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ، ذَكَرَهُ مسلمٌ.

وَقَدْ ذُكِرَ لِفِطْرِهِ بِعَرَفَةَ عِدَّةُ حِكَمٍ:

مِنْهَا: أَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الْفِطْرَ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ، فَكَيْفَ بِنَفْلِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ، فَأَحَبَّ أَنْ يَرَى النَّاسُ فِطْرَهُ فِيهِ؛ تَأْكِيدًا لِنَهْيِهِ عَنْ تَخْصِيصِهِ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ، لَا يَوْمَ جُمُعَةٍ.

وَكَانَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْلُكُ مَسْلَكًا آخَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ عَرَفَةَ؛ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، كَاجْتِمَاعِ النَّاسِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَهَذَا الِاجْتِمَاعُ يَخْتَصُّ بِمَنْ بِعَرَفَةَ، دُونَ أَهْلِ الْآفَاقِ.

قَالَ: وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَوْنَهُ عِيدًا هُوَ لِأَهْلِ ذَلِكَ الْجَمْعِ؛ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: والمهم من هذا أنَّ السنة إفطار يوم عرفة بالنسبة إلى الحجيج، أما الحكمة التي من أجلها شُرع ذلك هذا محلّ اجتهادٍ، وإذا جعلت الحكمةَ ما نصَّ عليه النبيُّ بأنه عيدٌ للحجيج، فيأكلون في أيام النَّحر، وأيام التَّشريق، وهكذا يوم عرفة ينبغي أن يأكلوا فيه، ولا شكَّ أنَّ في هذا تقويةً على العبادة والدُّعاء، وما يتعلق بحرارة الجوِّ، إن كان الجوُّ حرًّا، وإن كان بردًا كذلك، فهم في حاجةٍ إلى أن يُفطروا فيه إن كان بردًا مما يقيهم شرَّ البرد، وإن كان حرًّا مما يقيهم شرَّ الحرِّ من الماء البارد والفاكهة ونحو ذلك، فإنَّ صومهم يُتعبهم، فلا فرقَ بين كونه عيدًا، أو بين كونه للتَّقوي على العبادة، والنَّشاط على العبادة، كل هذا موجود، والمهم أنه هو السنة، عرفت الحكمةَ أو لم تعرف الحكمة، فالنبي أفطر يوم عرفة، ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة للحجاج، أما من غير الحجاج فالسنة أن يصوموا، يوم عظيم، يُسنُّ صومه، وتُكفَّر به السنة التي قبله، والتي بعده.

...........

الشيخ: ما علَّق عليه المحشي: نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة؟

الطالب: بلى، أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة، وفي سنده مهدي العبدي الهجري، لا يُعرف.

الشيخ: الذي أعرف أنه لا بأس بإسناده.

فَصْلٌ

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَصُومُ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ كَثِيرًا، يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُخَالَفَةَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَا فِي "الْمُسْنَدِ" وَ"سُنَنِ النَّسَائِيِّ" عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى أم سلمة أَسْأَلُهَا: أَيُّ الْأَيَّامِ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَكْثَرَهَا صِيَامًا؟ قَالَتْ: يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا عِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ.

وَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وَقَدِ اسْتُنْكِرَ بَعْضُ حَدِيثِهِ.

وَقَدْ قَالَ عبدُالحقِّ فِي "أَحْكَامِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عباس بن عبدالله بن عباس، عَنْ عَمِّهِ الفضل: زَارَ النَّبِيُّ ﷺ عباسًا فِي بَادِيَةٍ لَنَا. ثُمَّ قَالَ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.

قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هُوَ كَمَا ذكرَ: ضَعِيفٌ، وَلَا يُعْرَفُ حَالُ محمد بن عمر.

وَذُكِرَ حَدِيثُهُ هَذَا عَنْ أمِّ سلمة فِي صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ، وَقَالَ: سَكَتَ عَنْهُ عبدُالحقِّ مُصَحِّحًا لَهُ، ومحمد بن عمر هَذَا لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَيَرْوِيهِ عَنْهُ ابْنُهُ عبدُالله بن محمد بن عمر، وَلَا يُعْرَفُ أَيْضًا حَالُهُ، فَالْحَدِيثُ أَرَاهُ حَسَنًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الطالب: المحشي: أخرجه أحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، من حديث ابن المبارك، عن عبدالله بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن كريب، عن أم سلمة. وسنده حسن؛ لأنَّ عبدالله بن محمد بن عمر وأباه قد وثَّقهما ابنُ حبان، وروى عنهما أكثرُ من واحدٍ.

قال الحافظ في "الفتح": فأشار بقوله: "يوما عيدٍ" إلى أنَّ يوم السبت عيدٌ عند اليهود، والأحد عيدٌ عند النصارى، وأيام العيد لا تُصام، فخالفهم بصيامها.

ويُستفاد من هذا أنَّ الذي قاله بعضُ الشافعية من كراهة إفراد السَّبت، وكذا الأحد، ليس جيدًا، بل الأولى في المحافظة على ذلك يوم الجمعة، كما ورد الحديثُ الصحيحُ فيه، وأما السَّبت والأحد فالأولى أن يُصاما معًا وفُرادى؛ امتثالًا لعموم الأمر بمخالفة أهل الكتاب.

الشيخ: وجاء في الحديث النَّهي عن صوم يوم السبت، ولكن في سنده اضطراب واختلاف، قال بعضُهم: إنه منسوخ. كأبي داود، وأنكره مالك، وقال: إنه باطل. وقال بعضُهم: يُكره إفراد يوم السبت؛ لحديث الصّماء بنت بسر: أن النبي أمر بإفطار يوم السبت. وهذا محمولٌ على أنه إذا صامه وحده، أما إذا صامه مع الجمعة، أو صامه مع الأحد، فلا كراهة على القول بصحَّته، والقول على الكراهة إذا أُفرد الصيام، أما إذا صيم مع الأحد، أو صيم مع الجمعة، فقد صحَّ الخبرُ بذلك: أنَّ النبي ﷺ قال: لا يصومَنَّ أحدُكم الجمعةَ، إلا أن يصوم يومًا قبله، أو يومًا بعده متَّفق عليه، إذا صامه مع الجمعة فهو سنَّة، ولا كراهة.

س: وإفراد الأحد كذلك مكروه؟

ج: ما ورد فيه شيء، ما أحفظ فيه شيئًا، والأصل عدم الكراهة، وفيه مخالفة للنَّصارى.

...........

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وأبو داود عَنْ عبدالله بن بسر السّلمي، عَنْ أُخْتِهِ الصّماء: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ.

فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ: فَقَالَ مالكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا كَذِبٌ. يُرِيدُ حَدِيثَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، ذَكَرَهُ عَنْهُ أبو داود، قَالَ الترمذي: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ أبو داود: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أم سلمة؛ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِهِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِفْرَادِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَرْجَمَ أبو داود فَقَالَ: "بَابُ النَّهْيِ أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ السَّبْتِ بِالصَّوْمِ"، وَحَدِيثُ صِيَامِهِ إِنَّمَا هُوَ مَعَ يَوْمِ الْأَحَدِ.

قَالُوا: وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، إِلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ، أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ، وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ظَنَّهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَوْمَهُ نَوْعُ تَعْظِيمٍ لَهُ.

الشيخ: هذا هو الجواب إن صحَّ .....، لكن قول مالك فيه: "إنه باطل" قول قوي؛ لأنه مُضطرب الإسناد، ومتنه مُنكر: "لا تصوموه إلا فيما افترض عليكم"، والنبي أذن بصومه مع الجمعة في "الصحيحين"، ومعلوم أنَّ ما هو مُفترضًا، صوم الجمعة ليس بمُفترضٍ علينا، هذا يدل على أنه مُنكر، وأنه فيه وهم من الرواة: إمَّا أنه التبس على الراوي، وإمَّا أنه تلقاه عن غيره بعضهم من .....

فالحاصل أنَّ المتنَ مُنكر، والقول -قول مالك في هذا- قول قوي من جهة المعنى، وعلى فرض صحَّته فهو محمولٌ على ما إذا كان مُفردًا، أما إذا صِيم مع الجمعة، أو صِيم مع الأحد، فلا كراهةَ، والأقرب أنه ليس بصحيحٍ، وأنه شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، أحسن الأقوال أن يُقال أنه شاذٌّ؛ لأنَّ الحديث الصحيح دالٌّ على صومه مع الجمعة في "الصحيحين"، وليس بفرضٍ.

وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي ظَنَّهُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَوْمَهُ نَوْعُ تَعْظِيمٍ لَهُ، فَهُوَ مُوَافَقَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي تَعْظِيمِهِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ مُخَالَفَتَهُمْ فِي صَوْمِهِ، فَإِنَّ التَّعْظِيمَ إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا أُفْرِدَ بِالصَّوْمِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَجِئْ بِإِفْرَادِهِ.

الشيخ: حطّ عليه إشارة: "لم يجئ النَّهي عنه إلا بإفراده"، الصواب، "لم يجئ النَّهي عنه إلا بإفراده" العبارة فيها خلل.

وَأَمَّا إِذَا صَامَهُ مَعَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْظِيمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ سَرْدُ الصَّوْمِ، وَصِيَامُ الدَّهْرِ، بَلْ قَدْ قَالَ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهَذَا: مَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: أَرَأَيْتَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ؟ وَلَا يُقَالُ فِي جَوَابِ مَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ: "لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ"، فَإِنَّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ سَوَاءٌ فِطْرُهُ وَصَوْمُهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعَاقَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ، فَلَيْسَ هَذَا جَوَابًا مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمُحَرَّمِ مِنَ الصَّوْمِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا عِنْدَ مَنِ اسْتَحَبَّ صَوْمَ الدَّهْرِ قَدْ فَعَلَ مُسْتَحَبًّا وَحَرَامًا، وَهُوَ عِنْدَهُمْ قَدْ صَامَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَيَّامِ الِاسْتِحْبَابِ، وَارْتَكَبَ مُحَرَّمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَيَّامِ التَّحْرِيمِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُقَالُ: "لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ". فَتَنْزِيلُ قَوْلِهِ عَلَى ذَلِكَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ.

الشيخ: .....؛ لأنَّ إفطاره واجبٌ، الفطر يوم العيد وأيام التَّشريق هذا أمرٌ لازمٌ، وكونه يأثم فيه فهو صوم باطل مع الإثم، لكن مُراده عليه الصلاة والسلام أنه لا صامَ مَن صام الأبد، الذي يصوم دائمًا، ولو أفطر أيام الفطر، لا ينبغي له ذلك، فأقلّ أحواله الكراهة؛ لأنه متعب نفسه، وشاقٌّ عليها، والله جلَّ وعلا يُحب من عباده التَّوسط في الأمور، ولا يُحب أن يُكلِّفوا أنفسَهم ما يشقُّ عليهم، والله رحيمٌ بعباده؛ ولهذا قال النبيُّ ﷺ: ولكني أصوم وأُفطر، وأُصلي وأنام، وأتزوج النِّساء، فمَن رغب عن سنتي فليس مني، فإذا كان ولا بدَّ يصوم يومًا ويُفطر يومًا، إذا كانت عنده رغبة قوية يصوم يومًا ويُفطر يومًا، أما أنه يصوم الدَّهر كله، هذا مكروه، أو مُحرَّم؛ ولهذا قال: لا صام، ولا أفطر، وقال في الرواية الأخرى: لا صام مَن صام الأبد.

ولو قال: والله لأصومَنَّ الدَّهر. أو قال: نذر عليَّ أن أصوم الدهر. أو: إن فعلتُ هذا فعليَّ صيام سنةٍ. فهذا نذر مكروه، عليه كفَّارة يمينٍ، ولا يلزمه شيء؛ لأنه نذر نذرًا مكروهًا، كما يفعل بعضُ الناس: إن فعلتُ كذا فعليَّ صوم سنةٍ، نذرٌ عليَّ أن أصوم السنةَ كلها إن فعلتُ كذا وكذا. هذا كفَّارته كفَّارة يمينٍ؛ لأنه مكروه.

س: .............؟

ج: هذا لا حرج فيه؛ لأنه ما زاد على المشروع، لكن كونه يترك هذه النُّذور أولى.

س: .............؟

ج: لا، يصوم؛ لأنه ما نذر الأبد، نصف الدهر ما هو بالأبد، لكن لو نذرت ..... الدهر، قالت: سبعة أشهر، أو ثمانية أشهر، أو السنة، هذا يُستحبّ له أن يُكفر، أما لو قال: نصف السنة، أو أصوم يومًا وأُفطر يومًا، هذا وفَّى به إذا نذره.

س: الذي صرف النَّهي إلى الكراهة ما هو؟

ج: المفهوم من الكلام أنه نفيٌ، ما هو نهي: لا صام، ولا أفطر، لا صام مَن صام الأبد يعني: ليس بصائمٍ، وإن أراد الصيامَ فليس له فضلُ الصيام، إنما له التَّعب، قال: لا صام، ولا أفطر، ..... معناه الإخبار، معناه الخبر: أنه ليس بصائمٍ ..... مُفطر، بل يُتعب نفسه.

.............

س: إذا نذر الصيامَ ولم يقدر، هل يُكفر؟

ج: إذا قرر الأطباءُ أنه ما يستطيع الصيامَ يُكفر كفَّارة يمينٍ.

..........

وَأَيْضًا فَإِنَّ أَيَّامَ التَّحْرِيمِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ، غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ شَرْعًا، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ اللَّيْلِ شَرْعًا، وَبِمَنْزِلَةِ أَيَّامِ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَكُنِ الصَّحَابَةُ لِيَسْأَلُوهُ عَنْ صَوْمِهَا وَقَدْ عَلِمُوا عَدَمَ قَبُولِهَا لِلصَّوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُجِيبَهُمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ: لَا صَامَ، وَلَا أَفْطَرَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِلتَّحْرِيمِ.

فَهَدْيُهُ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ.

وَسَرْدُ صِيَامِ الدَّهْرِ مَكْرُوهٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا لَزِمَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ مُمْتَنِعَةٍ: أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ، وَأَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ عَمَلٍ، وَهَذَا مَرْدُودٌ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: إِنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَإِنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْهُ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا فِي الْفَضْلِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَيْضًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ، لَا اسْتِحْبَابَ فِيهِ، وَلَا كَرَاهَةَ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ؛ إِذْ لَيْسَ هَذَا شَأْنَ الْعِبَادَاتِ، بَلْ إِمَّا أَنْ تَكُونَ رَاجِحَةً أَوْ مَرْجُوحَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، وَقَالَ فِيمَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: إِنَّ ذَلِكَ يَعْدِلُ صَوْمَ الدَّهْرِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ، وَثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الصَّائِمِينَ، حَتَّى شَبَّهَ بِهِ مَنْ صَامَ هَذَا الصِّيَامَ.

قِيلَ: نَفْسُ هَذَا التَّشْبِيهِ فِي الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَهُ، فَضْلًا عَنِ اسْتِحْبَابِهِ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ بِهِ فِي ثَوَابِهِ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ.

الشيخ: والمعنى: يُغنيكم عن ذلك صوم ستة أيامٍ من شوال، وثلاثة أيام من كل شهرٍ، يُغني عن صوم الدهر المكروه ..... لمن أراد فضله.

فَإِنَّهُ جَعَلَ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِمَنْزِلَةِ صِيَامِ الدَّهْرِ، إِذِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ صَامَ ثَلَاثَمِئَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُصُولُ هَذَا الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ ثَلَاثِمِئَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ: إِنَّهُ يَعْدِلُ مَعَ صِيَامِ رَمَضَانَ السَّنَةَ، ثُمَّ قَرَأَ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]، فَهَذَا صِيَامُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا تَعْدِلُ صِيَامَ ثَلَاثِمِئَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ قَدْ يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا فِيمَا يَمْتَنِعُ فِعْلُ الْمُشَبَّهِ بِهِ عَادَةً، بَلْ يَسْتَحِيلُ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ إِمْكَانِهِ، كَقَوْلِهِ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَأَنْ تَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً، كَامْتِنَاعِ صَوْمِ ثَلَاثِمِئَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا شَرْعًا، وَقَدْ شَبَّهَ الْعَمَلَ الْفَاضِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، يَزِيدُهُ وُضُوحًا: أَنَّ أَحَبَّ الْقِيَامِ إِلَى اللَّهِ قِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ بِصَرِيحِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ مَثَّلَ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَالصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ بِمَنْ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ حَتَّى تَكُونَ هَكَذَا، وَقَبَضَ كَفَّهُ. وَهُوَ فِي "مُسْنَدِ أحمد"؟

قِيلَ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ:

فَقِيلَ: ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ حَصْرًا لَهُ فِيهَا؛ لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَحَمْلِهِ عَلَيْهَا، وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاعْتِقَادِهِ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَوْضِعٌ. وَرَجَّحَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ هَذَا التَّأْوِيلَ بِأَنَّ الصَّائِمَ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ وَطُرُقَهَا بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا عَنْهُ.

وَرَجَّحَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى تَأْوِيلَهَا بِأَنْ قَالَتْ: لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ، وَأَمَّا التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ فِيهَا.

قَالُوا: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُوَافِقٌ لِأَحَادِيثِ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: هذا الحديث .....، أما الحديث فيما نعلم لا يصحّ، أيش قال الشيخُ شعيبُ عليه؟

الطالب: أخرجه أحمد في "المسند"، والبيهقي، وسنده صحيح، وصحَّحه ابنُ خزيمة.

الشيخ: لا أظنّه صحيحًا، يحتاج إلى مراجعةٍ من الصَّحابي، ما ذكر الصَّحابي؟

الطالب: بلى، أبو موسى.

الشيخ: يحتاج أن يُراجع، فلو صحَّ فالمراد به ضُيِّقت عنه ..... يعني: من شدة أنه حاسب نفسه وجاهدها، لو صحَّ، لما حاسب نفسه وجاهدها وضيَّق عليها، يعني: حيل بينه وبين جهنم.

لكن فيما يظهر -والله أعلم- حتى لو صحَّ سنده فهو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة الدالة على كراهة الصوم المنهي عنه، وأنه لا يصوم الدهرَ، فالأظهر -والله أعلم- لو كان ظاهر إسناده الصحة فهو شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة.

وقد ذكر أهلُ العلم أنَّ السند إذا استقام، ولكنه خالف الأحاديث الصَّحيحة، فإنه يُحكم عليه بالضَّعف والشُّذوذ، يقول الشافعي رحمه الله: "الشَّاذ ما خالف فيه الثقةُ الناسَ، وانفرد به عن الناس"، ويقول الحافظ ابن حجر لما ذكر الشَّاذ قال: "فإن خُولف بأرجح فالراجح المحفوظ، والمقابل هو الشَّاذ" ..... مرجوح، ولو كان من طريق الثِّقات يكون شاذًّا مخالفًا للأحاديث الصَّحيحة، فلا يُلتفت إليه، وله أمثلة كثيرة: منها النَّهي عن صوم يوم السبت، عند جمعٍ من أهل العلم ضعَّفوه بأنه شاذٌّ مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة؛ لأنَّ الرسول أباح صوم يوم السبت مع الجمعة، قال: لا يصوم أحدُكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله، أو يومًا بعده، فالنهي عن صوم يوم السبت إلا في الفرض مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة، فيكون شاذًّا على فرض سلامة إسناده، مع أنَّ إسناده مُضطرب.

فالحاصل أنَّ السند إذا كان ظاهره الصحة، ولكنه مخالفٌ للأحاديث الصَّحيحة؛ فإنه يكون شاذًّا، وهذا مخالف للأحاديث الصَّحيحة، ومتنه أيضًا غريب، متنه ليس من المتون التي يظهر منها أسلوبُ النبوة، المتن شاذٌّ، والسند شاذٌّ، كلاهما.

س: الشَّاذ يُعمل به أو يُترك؟

ج: لا، يُترك، لا يُعمل به؛ ضعيف، يُغني عنه الأحاديث الصَّحيحة.

س: التَّأويل الأول للحديث قوي، التأويل الأول قوي على أنها ضُيِّقت عليه يعني: ضيّق عليه في جهنم؟

ج: هذا يقتضي تحريمه عليه، وأنه أتى كبيرةً من الكبائر.

س: لكن قوي التأويل هذا؟

ج: ليس بشيءٍ، لا هذا، ولا هذا، الحديث فيما يظهر باطل، وليس بصحيحٍ.