35 من قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ..)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة:94، 95].
قال الوالبي عن ابن عباس قوله: لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا لتناولوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه.
الشيخ: وذلك للحكمة العظيمة، وهي أن يتبين ويظهر من يخاف الله ويراقبه ويبتعد عما حرم عليه، مما إذا تساهل فإنه إذا قرب الصيد وصار في متناول اليد قل من يصبر عنه، فامتحن الله بذلك عباده ليظهر إيمانهم وتقواهم وحذرهم مما حرم الله جل وعلا، يعني ابتلاء وامتحان.
وقال مجاهد تناله أيديكم يعني صغار الصيد وفراخه، ورماحكم يعني كباره. وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم، لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد، يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرًا وجهرًا، لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، وقوله هاهنا فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ قال السدي وغيره: يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم، فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ أي لمخالفته أمر الله وشرعه.
ثم قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول وما يتولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر.
الشيخ: اللي ما هو مأكول ما يسمى صيد، إنما الصيد ما يؤكل وهذا أمر معلوم، لقوله جل وعلا: لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95]، يعني ما يؤكل كالظبا والأرانب وما أشبه ذلك مما يؤكل، أما ما يحرم فهذا إذا دعت الحاجة إلى قتله كالذئب والكلب إذا اعتدى ونحو ذلك.
فأما غير المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله ﷺ قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور».
وقال مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال: خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور أخرجاه، وروى أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله. قال أيوب: فقلت لنافع: فالحية؟ قال: الحية لا شك فيها. ولا يختلف في قتلها.
الشيخ: وجاء في الحديث الثاني: (والحية) رواه مسلم، فهي من الفواسق، وهكذا كل معتد، كل معتد مثل الكلب العقور، الذئب، النمر، الأسد أو غير هذا مما يعتدي يقتل يكون فاسقًا، وليس بصيد.
س: لكن هذه تطلق سواء اعتدت أو لم تعتد؟
الشيخ: مطلقًا في الحل والحرم، من الفواسق سماه الرسول فاسق.
س: .........
الشيخ: بلى جاء الأمر بقتله العقور مطلقًا من الفواسق سماه الرسول فاسقًا.
س: الكلب البهيم؟
الشيخ: والأسود البهيم كذلك يقتل؛ مطلقًا؛ لأنه شيطان كما قال ﷺ، كان ﷺ أمر بقتل الكلاب ثم نهى عن هذا وقال: إنها أمة من الأمم فلا تقتلوها واقتلوا منها كل أسود بهيم.
 ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد، لأنها أشد ضررا منه، فالله أعلم.الشيخ: مثله إذا تعدت تقتل.
س:.........
الشيخ: الرسول قال: الكلب العقور ما قال كل كلب، وفي اللفظ الآخر: الذئب العادي الذي يعدو على الغنم أو على الإنسان.
س: .........
الشيخ: إذا خاف من الاعتداء وخاف شره قتله، وإن كان في جهة بعيدة ما يهمه يتركه.
وقال سفيان بن عيينة وزيد بن أسلم: الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها، واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله ﷺ لما دعا على عتبة بن أبي لهب قال: اللهم سلط عليه كلبك بالشام.الشيخ: الذي أذكره كلبًا من كلابك، ما يخالف.
س: ثبت هذا ؟
الشيخ: ما أدري، لكن في ذهني وحفظي كلبًا من كلابك، فسلط الله عليه الذئب.
س:.........
الشيخ: الله أعلم، يحتاج إلى عناية، مثل الإصابة وأشباهها، تعتني بهذا، والاستيعاب وأشباهه.
الطالب: في الحاشية على الحديث هذا قال: رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق زهير بن العلاء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلاً وذكر قصته. ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة من طريق محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه وذكر القصة، ورواه البيهقي أيضًا في دلائل النبوة من طريق العباس بن الفضل عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل ابن أبي عقرب عن أبيه به وذكر القصة.
الشيخ: نعم.
 فأكله السبع بالزرقاء، قالوا: فإن قتل ما عداهن فداه، كالضبع والثعلب وهر البر ونحو ذلك، قال مالك: وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي. وقال الشافعي: يجوز للمحرم قتل كل ما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين صغاره وكباره، وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل. وقال أبو حنيفة: يقتل المحرم الكلب العقور والذئب، لأنه كلب بري، فإن قتل غيرهما فداه إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله فلا فداء عليه، وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيي.
وقال زفر بن الهذيل: يفدي ما سوى ذلك وإن صال عليه.

الشيخ: والصواب في هذا أنه لا يحرم عليه إلا قتل الصيد لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة:95] أما غير الصيد فله قتله إذا كان من الفواسق أو اعتدى عليه، فإن لم يعتد عليه وليس من الفواسق فلا يتعرض له، لكن لو قتله ما فيه جزاء؛ لأنه ليس بصيد، وهو يأثم إذا تعرض له من دون سبب، أما كونه يفدى لا يفدى لأنه ليس بصيد، والله إنما جعل الفداء في الصيد، وإنما نهى عن قتل الصيد في حق المحرم.
س: والهر البري؟
الشيخ: الهر البر يعني القط المعروف.
س: هذه السباع لو اعتدى عليها...؟
الشيخ: ما يعتدى عليها، إذا لم تعتد لا يعتدى عليها، الرسول قال: الكلب العقور قيده.
س: لكن لو قتلها لو لم تعتد فهل عليه جزاء؟
الشيخ: لا، ما عليه جزاء لكن يأثم، مثل لو قتل كلاب ما اعتدت يأثم ولا شيء عليه.
س: التفريق بين صغار هذه الفواسق وكبارها؟
الشيخ: لا فرق فيها كلها تقتل خمس من الدواب كلهن فواسق صغيرها وكبيرها.
س: سواء اعتدت أو لم تعتد؟
الشيخ: نعم. 
وقال بعض الناس: المراد بالغراب هاهنا الأبقع، وهو الذي في بطنه وظهره بياض دون الأدرع وهو الأسود، والأعصم وهو الأبيض، لما رواه النسائي عن عمرو بن علي الفلاس، عن يحيى القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة، عن النبي ﷺ قال: خمس يقتلهن المحرم: الحية، والفأرة، والحدأة، والغراب الأبقع، والكلب العقور والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك، لما ثبت في الصحيحين من إطلاق لفظه.
الشيخ: الأحاديث الصحيحة ليس فيها قيد (الأبقع) فهو عام الغراب.
س: فيها ضعف؟
الشيخ: لا، لأجل شذوذها؛ ولأن شر الغراب معروف، سواء أبقع أو ما هو أبقع.
س: من حيث الإسناد الذي ذكره قبل قليل فيه عنعنة قتادة؟
الشيخ: سنده جيد إلا عن قتادة معروف حاله إذا عنعن يكون علة.
س:.........
الشيخ: ولو قالها قد ينسى وقد يغلط الإنسان.
س: الكلب الأسود البهيم يقتل في الحل والحرم؟
الشيخ: نعم الكلب الأسود البهيم يقتل في الحل والحرم.
س:.........
الشيخ: يحتمل يقصد الوجوب، ويحتمل يقصد الإباحة، لأن الرسول ﷺ قال: يقتلن في الحل والحرم فالأقرب والله أعلم أن المراد الإباحة، وإلا قد لا يتيسر له قتله، أو قد يكون مشغولًا عنه ولم تؤذه.
س: والأمر في قوله: فاقتلوا منها كل أسود بهيم؟
الشيخ: محتمل الوجوب، ومحتمل أن الأمر للإباحة.
وقال مالك رحمه الله: لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وآذاه. وقال مجاهد بن جبر وطائفة: لا يقتله بل يرميه، ويروى مثله عن علي. وقد روى هشيم: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ أنه سئل عما يقتل المحرم؟ فقال: الحية، والعقرب، والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والترمذي عن أحمد بن منيع، كلاهما عن هشيم وابن ماجه، عن أبي كريب وعن محمد بن فضيل، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.س: قوله: يرميه ولا يقتله؟
الشيخ: هذا ليس له وجه، هذا من كيسه.
وقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن علية عن أيوب قال: نبئت عن طاوس أنه قال: لا يحكم على من أصاب صيدًا خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمدًا، وهذا مذهب غريب عن طاوس وهو متمسك بظاهر الآية، وقال مجاهد بن جبر: المراد بالمتعمد هنا القاصد إلى قتل الصيد، الناسي لإحرامه، فأما المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه، فذاك أمره أعظم من أن يكفر، وقد بطل إحرامه، ورواه ابن جرير عنه من طريق ابن أبي نجيح، وليث بن أبي سليم وغيرهما عنه، وهو قول غريب أيضا، والذي عليه الجمهور أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه. وقال الزهري: دل الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسي، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله: لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وجاءت السنة من أحكام النبي ﷺ وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ملوم.الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلف غريب، والصواب أنه لا شيء عليه إذا كان غير متعمد بنص القرآن إلا أن تأتي سنة صريحة بذلك صحيحة، وإلا فالواجب التمسك بالقرآن الكريم، فإن قتله متعمدًا فهو آثم وعليه الجزاء، أما إن كان غير متعمد كأن عرض لسيارته من غير قصد وضربته السيارة أو غير ذلك من أسباب الخطأ فلا يضمن؛ لأنه غير آثم فلا يكون ضامنًا، والقاعدة في الإتلاف الضمان، لكن في مثل هذا من رحمة الله وعفوه جعل غير العامد لا شيء عليه، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فالله جل وعلا هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وقد أنزل كتابه باللغة العربية الواضحة فمن قتله غير قاصد فلا جزاء عليه ولا إثم عليه إلا بسنة صحيحة تبين ذلك، أما الضمان في غير العامد فهذا في بني آدم في المعصومين قتله خطأ فيه الدية والكفارة في بني آدم، أما هذا في الصيد لا، الله شرط في ذلك العمد، فلو أنه مثلاً دفعته السيارة فمات بغير قصد منه أو ما أشبه ذلك من أنواع الخطأ أو يرمي هدفًا فأصاب الصيد أو ما أشبه ذلك فلا يضمن.
س: المؤلف يقول: جاءت السنة بهذا؟
الشيخ: هذا كلام الزهري هذا مرسل ما يعتمد عليه، يحتاج تثبيت السنة، أما قول الزهري وأشباهه، ما يكفي مرسلات، ما تنفع.
..........
الشيخ: ولو قول طاوس أصوب.
س:.........
الشيخ: التوبة مع الفدية عليه التوبة مع الفدية.
س: العامد الناسي لإحرامه؟
الشيخ: الناسي ما تعمد.
س: المتعمد الناسي لإحرامه؟
الشيخ: الظاهر ما يسمى متعمد.
س: يعني ليس عليه شيء؟
الشيخ: نعم.
س: المحرم إذا قتل خطأ؟
الشيخ: لا يأكل منه، إذا قتل الصيد لا يأكل منه، إذا قتله المحرم لا يأكل منه؛ لأنه قاتل ليس ممن يباح له ذبحه.
س: لو كان نسيانًا؟
الشيخ: لا يأكل منه.
س: ولو كان جاهلًا؟
الشيخ: لا جاهل ولا ناسي لا يأكل منه، لكن إذا تعمد عليه الفدية، وإن ما تعمدت ما عليه شيء.
س: يعني ما قتله يعتبر ميتة؟
الشيخ: ميتة ميتة نعم.
وقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] قرأ بعضهم بالإضافة، وقرأ آخرون بعطفها فجزاء مثل ما قتل من النعم، وحكى ابن جرير، أن ابن مسعود قرأها فجزاؤه مثل ما قتل من النعم. وفي قوله: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد والجمهور، من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم، إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثليًا أو غير مثلي، قال: وهو مخير إن شاء تصدق بثمنه، وإن شاء اشترى به هديا، والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع، فإنهم حكموا في النعامة ببدنة، وفي بقرة الوحش ببقرة، وفي الغزال بعنز، وذكر قضايا الصحابة وأسانيدها مقرر في كتاب الأحكام، وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة، رواه البيهقي.
وقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ  [المائدة:95] يعني أنه يحكم بالجزاء في المثل أو القيمة في غير المثل عدلان من المسلمين، واختلف العلماء في القاتل: هل يجوز أن يكون أحد الحكمين؟ على قولين [أحدهما] لا، لأنه قد يتهم في حكمه على نفسه، وهذا مذهب مالك.
[والثاني] نعم، لعموم الآية، وهو مذهب الشافعي وأحمد، واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكومًا عليه في صورة واحدة.
س: الراجح هنا أحسن الله إليك؟
الشيخ: الأرجح والأظهر أنه لا يكون من الحكمين، هذا غير الذي قتل الصيد؛ لأنه متهم، ولا يحكم لنفسه.
س: ما أثر عن عمر بن الخطاب أنه تسبب بتطير حمامة من مكانها فجاءت هرة فافترستها ففدى لأنه تسبب ...؟
الشيخ: نعم نعم.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا جعفر هو ابن برقان عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر، فقال: قتلت صيدًا وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله ﷺ أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر: وما تنكر؟ يقول الله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به.
وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل هاهنا، فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابيًا جاهلًا، وإنما دواء الجهل التعليم.
فأما إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم، فقد قال ابن جرير: حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي، قالا: حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، قال: خرجنا حجاجًا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا، فنتماشى نتحدث. قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح، فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خشاءه.
الطالب: ذكر له تعليقًا في الحاشية يقول: الخشاء بضم الخاء وتشديد السين العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن.
الشيخ: ما هو بعيد، القاموس حاضر؟ يعني ما هو بعيد أن الخشاء يعني فمه ما حول فمه، شف القاموس حاضر؟
حط نسخة الذي عنده حشاءه يحط خشاءه نسخة.
س:.........
الشيخ: هو منقطع لكن يحتمل الكلام ولو منقطع لأن الآية واضحة في هذا، كون العدلين يتشاوران هذا واضح بنص الآية السابقين، ولو أنه أمير المؤمنين، ولو أنه أعلم الناس يشاور غيره، ما يحكم إلا اثنان، لا بدّ من اثنين يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ.
...........
الشيخ: نعم منقطع لأجل وضوح الآية.
س: اختيار أبي حنيفة ..؟
الشيخ: قول فاسد.
فما أخطأ خشاه ، فركب ردعه  ميتا.
الشيخ: وودعه بالواوين تركه يعني.
فركب وودعه ميتًا. قال: فعظمنا عليه، فلما قدمنا مكة، خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب ، فقص عليه القصة فقال: وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة، يعني عبد الرحمن بن عوف، فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه، قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدا قتلته أم خطأ؟ فقال الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله، فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها، واستبق إهابها، قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، عظم شعائر الله، فما درى أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه، اعمد إلى ناقتك فانحرها. ففعل ذاك، قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة، قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدرة، وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفهت الحكم. قال: ثم أقبل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحل لك اليوم شيئًا يحرم عليك مني، فقال: يا قبيصة بن جابر، إني أراك شاب السن، فسيح الصدر، بين اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة، فإياك وعثرات الشباب.
وقد روى هشيم هذه القصة عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بنحوه. ورواها أيضًا عن حصين، عن الشعبي، عن قبيصة بنحوه. وذكرها مرسلة عن عمر بن بكر بن عبد الله المزني ومحمد بن سيرين بنحوه.
الشيخ: والنص بحمد الله معروف، نص القرآن واضح، لكن القصة الأولى فيه سندها ضعف في السند الذي ساقه المؤلف.
س:..........
الشيخ: لا بدّ من حكم ثان، يحكم به عدلان، ولكن الآن استقر الحكم، العلماء بينوا الأحكام وانتهت.
...........
الطالب: قال: الخشاء بالفتح أرض فيها طين وحصى، وموضع النحل والدبر، وبالكسر التخويف وبالضم العظم الناتئ خلف الأذن وأصلها.
الشيخ: هذا مثل ما قال في الحاشية.
س:............
الشيخ: الخشاء بالضم العظم الناتئ حول الأذن.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا شعبة عن منصور، عن أبي وائل، أخبرني أبو جرير البجلي، قال أصبت ظبيًا وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك، فأتيت عبد الرحمن وسعدًا فحكما علي بتيس أعفر.س: عندنا ابن جرير البجلي؟
الشيخ:  أخبرني جرير ما هو أبو جرير.
الطالب: ذكر أحسن لله إليك في الحاشية يقول: في مخطوطة الأزهر ومخطوطتي دار الكتب والتفسير ابن جرير والمثبت من تفسير الطبري.
الشيخ: أيش عندكم؟
الطالب: ابن جرير.
الشيخ: يمكن ولد للصحابي الجليل أقرب ابن إما ابن وإلا زيادة أبو كلمة زائدة محتملة حط نسخة ابن.
س: تعيين التيس بأعفر؟
الشيخ: الأمر واسع ما يضر، أعفر وإلا أصفر ما يضر، المقصود شاة من الغنم حمراء أو صفراء أو بيضاء أو سوداء.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا ابن عيينة عن مخارق، عن طارق، قال: أوطأ أربد ظبيًا فقتله وهو محرم، فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي، فحكما فيه جديًا قد جمع الماء والشجر، ثم قال عمر: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وفي هذا دلالة على جواز كون القاتل أحد الحكمين، كما قاله الشافعي وأحمد رحمهما الله.الشيخ: وهذا سند جيد إذا كان القاتل من أهل الخير والعدالة مثل ما قال عمر ، فإذا كان القاتل من أهل الخير والعدالة والبصيرة وممن لا يتهم كان أحد الحكمين.
س: أوطأ أربد ظبيًا أيش معناها؟
الشيخ: يوطأه يعني.
س: أربد ظبيًا أيش معناها؟
الشيخ: أربد هذا اسم الشخص
س:.........
الشيخ: الأصل أن الحكمين غير محكوم عليه، لكن مثل ما قال عمر هذا إسناد جيد عن عمر إذا كان الواطي من أهل العلم والبصيرة ومن أهل العدالة لا يتهم لا بأس، الصحابة أعلم بهذا .
واختلفوا: هل تستأنف الحكومة في كل ما يصيبه المحرم، فيجب أن يحكم فيه ذوا عدل، وإن كان قد حكم في مثله الصحابة أو يكتفي بأحكام الصحابة المتقدمة؟ على قولين، فقال الشافعي وأحمد: يتبع في ذلك ما حكمت به الصحابة، وجعلاه شرعًا مقررًا لا يعدل عنه، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى عدلين. وقال مالك وأبو حنيفة: بل يجب الحكم في كل فرد فرد سواء وجد للصحابة في مثله حكم أم لا، لقوله تعالى: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ .الشيخ: والصواب الأول، الصواب قول الشافعي وأحمد إذا حكم فيه الصحابة كفى هم أفضل ممن بعدهم وخير ممن بعدهم، ولهذا قرره العلماء في حكم قتل الصيد في كتب الفقه بما حكم به الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
............
الشيخ: هذا محل الاجتهاد التماس عدلين إذا وجد أشبه .. حكم به عدلين. لكن الآن ما ترك العلماء شيء رضي الله عنهم ورحمهم.
وقوله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ[المائدة:95] أي واصلًا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة. 

....