020 فصل في بيان اختلاف الناس في ساعة الإجابة 1

فَصْلٌ

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ: هَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ، أَوْ قَدْ رُفِعَتْ؟

عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَالَّذِينَ قَالُوا: هِيَ بَاقِيَةٌ وَلَمْ تُرْفَعِ، اخْتَلَفُوا: هَلْ هِيَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ، أَمْ هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ تَعْيِينِهَا: هَلْ هِيَ تَنْتَقِلُ فِي سَاعَاتِ الْيَوْمِ، أَوْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَيْضًا.

وَالَّذِينَ قَالُوا بِتَعْيِينِهَا اخْتَلَفُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا:

قَالَ ابنُ المنذر: رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا عِنْدَ الزَّوَالِ، ذَكَرَهُ ابنُ المنذر عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وأبي العالية.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابنُ المنذر: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.

الرَّابِعُ: أَنَّهَا إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ حَتَّى يَفْرُغَ، قَالَ ابنُ المنذر: رُوِّينَاهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

الْخَامِسُ: قَالَهُ أبو بردة: هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي اخْتَارَ اللَّهُ وَقْتَهَا لِلصَّلَاةِ.

السَّادِسُ: قَالَهُ أبو السّوار العدوي، وَقَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابٌ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ تَدْخُلَ الصَّلَاةُ.

السَّابِعُ: قَالَهُ أبو ذرٍّ: إِنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ شِبْرًا إِلَى ذِرَاعٍ.

الثَّامِنُ: أَنَّهَا مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وعطاء، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَطَاوُوسٌ، حَكَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابنُ المنذر.

التَّاسِعُ: أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهُوَ قَوْلُ أحمد وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

الْعَاشِرُ: أَنَّهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، حَكَاهُ النَّووي وَغَيْرُهُ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ، حَكَاهُ صَاحِبُ "الْمُغْنِي" فِيهِ، وَقَالَ كعب: لَوْ قَسَّمَ الْإِنْسَانُ جُمُعَةً فِي جُمَعٍ أَتَى عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ.

س: .............؟

ج: يعني ساعتها، يعني: في كل جمعةٍ يأخذ ساعةً حتى يُصادف الساعة التي هي ساعة الجمعة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يحسبها ويعدّها، ثم يعدّ في كلِّ جمعةٍ في المستقبل قدر ساعةٍ .....، فيكون خصّها ..... الجمعة بهذه الجمعات الكثيرة، وهذا ما له حاجة، يتحرى الإنسانُ والحمد لله، يدعو.

وَقَالَ عمر: إِنَّ طَلَبَ حَاجَةٍ فِي يَوْمٍ لَيَسِيرٌ.

وَأَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَانِ تَضَمَّنَتْهُمَا الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ، وَأَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنَ الْآخَرِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ إِلَى انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَى مسلمٌ فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ عبدالله بن عمر قَالَ لَهُ: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عمرو بن عوف المزني، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا.

الشيخ: علَّق على حديث ابن عمر .....

الطالب: رواه مسلم في "الجمعة" باب "في الساعة التي فيها ....." من حديث ابن وهبٍ، عن .....، عن أبيه قال: قال لي عبدُالله: أسمعتَ أباك يُحدث عن رسول الله ﷺ في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلتُ: نعم، سمعتُه يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: هي ما بين أن يجلس الإمامُ إلى أن تُقضى الصلاة، وقد أُعلَّ بالانقطاع والاضطراب ..... لم يسمع من أبيه .....

الشيخ: فيه نظر، والأقرب والأظهر أنَّ اتصاله ورفعه أولى؛ لأنَّ القاعدة في الوجادة الثابتة تقوم مقام السَّماع، وقد روى مسلم عن مخرمة أحاديث كثيرة عن أبيه بهذه الطَّريقة، واحتجوا به، هذا إذا سلمنا على عدم سماعه من أبيه هذا الحديث نفسه.

وأما الدَّعوى أنَّ أبا بُردة قاله من نفسه ولم يرفعه للنبي ﷺ: فهذا لا يضرّ؛ لأنَّ الراوي قد ينشط فيروي الحديثَ ويرفعه، وقد يضعف أو يُشغل فلا يرفعه، هذا واقع كثيرًا إذا كان الموقوف لا يُعارض المرفوع الذي أثبته الراوي الثِّقة، لا يضرّه وقفه في بعض الأحيان، وهذا واقع من كثيرٍ من الصحابة ومَن بعدهم، والإنسان يعرف هذا من نفسه، قد ..... العالم على المسألة في حديثٍ، فيقول: "لا صلاةَ إلا بنيةٍ، لا صيامَ إلا بنيةٍ"، إنما الأعمال بالنيات، ولا يرفعه؛ لأنه أمر معروف، قاعدة معروفة. وقد ينشط بعض الأحيان وعنده سعة، فيقول: قال الرسولُ ﷺ، أو حدَّثني فلان، عن فلانٍ، عن فلانٍ: أنَّ الرسول قال: إنما الأعمال بالنيات، هكذا قد يسأل عن الصلاة وعن الطهارة فيقول: "لا صلاةَ إلا بطهارةٍ"، لا تُقبل صلاة بغير طهورٍ، ولا يعزوه للنبي ﷺ؛ لأنه معروف، معلوم، وقد ينشط ويقوى وتكون عنده سعة للضبط، فيروي الحديثَ متسلسلًا: حدَّثني فلان، عن النبي ﷺ أنه قال: لا تُقبل صلاةٌ بغير طهورٍ.

فالمقصود أنه قد يقف الحديث لأسبابٍ، وقد يسوقه بإسناده عند الحاجة إلى ذلك، أو عند سعة الوقت، وقد يحمله على هذا أنه معروف عند مَن وقفه، عندهم معروف أنه مرفوعٌ للنبي ﷺ، قد عرفوه منه، فالحاصل أنَّ هذه العلَّة فيها نظر.

........

الطالب: رواه ابن ماجه في "إقامة الصلاة" .....، والترمذي في .....، وفي سنده كثير بن عبدالله .....، وقد قال الترمذي: حسن غريب .....

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عمرو بن عوف المزني، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا.

الشيخ: علَّق على حديث عمرو بن عوف؟

الطالب: رواه ابن ماجه في "إقامة الصلاة" باب "ما جاء في الساعة التي تُرجى في الجمعة"، والترمذي في "الصلاة" باب "ما جاء في الصلاة التي تُرجى في يوم الجمعة"، وفي سنده كثير بن عبدالله .....، وهو ضعيف، ومع ذلك فقد قال الترمذي: حسن غريب. وقال المنذري في "الترغيب والترهيب": كثير بن عبدالله .....، وقد حسن له الترمذي هذا وغيره، وصحح له حديثًا في .....، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": ورواه ابنُ أبي شيبة من طريق المغيرة، عن .....، عن أبي بُردة .....

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَهَذَا أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَخَلْقٍ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ مَا رَوَاهُ أحمدُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ أبي سعيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ.

وَرَوَى أبو داود وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جابرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَا عَشَرَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.

س: ............؟

ج: الذي عندكم التَّذكير؟

الطالب: يوم الجمعة اثنا عشر.

الشيخ: كل النسخ هكذا؟

الطالب: نعم.

الشيخ: القاعدة: اثنتا عشرة؛ للتأنيث ..... الجزء.

........

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي "سُنَنِهِ" عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اجْتَمَعُوا، فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

وَفِي "سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ" عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ: إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ –يَعْنِي: التَّوْرَاةَ- فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ  شَيْئًا إِلَّا قَضَى اللَّهُ لَهُ حَاجَتَهُ. قَالَ عبدُالله: فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ. قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوْ بَعْضَ سَاعَةٍ. قُلْتُ: أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ! قَالَ: بَلَى؛ إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ، لَا يُجْلِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، فَهُوَ فِي صَلَاةٍ.

الطالب: في "سنن النسائي" قال: اثنتا عشرة ساعة.

الشيخ: النَّسائي؟

الطالب: نعم، في "سنن النسائي" قال: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة .......

الشيخ: حطّ نسخة "اثنتا عشرة ساعة"، كذا في النَّسائي، هو محتمل: "اثنتا عشرة ساعة"، يعني: جزءًا، على تأويل الجزء، يُراجع أبو داود أيضًا، حطّ عليه إشارة، ويُراجع أبو داود.

وَفِي "مُسْنَدِ أحمد" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ فِيهَا طُبِعَتْ طِينَةُ أَبِيكَ آدَمَ، وَفِيهَا الصَّعْقَةُ وَالْبَعْثَةُ، وَفِيهَا الْبَطْشَةُ، وَفِي آخِرِ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ مِنْهَا سَاعَةٌ مَنْ دَعَا اللَّهَ فِيهَا اسْتُجِيبَ لَهُ.

وَفِي "سُنَنِ أبي داود" وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا، قَالَ كعب: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ؟ فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، قَالَ: فَقَرَأَ كعب التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كعبٍ، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: وَقَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهَا، فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟! فَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ.

قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" بَعْضُهُ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مِنْ حِينِ يَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ إِلَى فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ، فَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ عبدُالله بن عمر: أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: هِيَ سَاعَةُ الصَّلَاةِ. فَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الترمذي وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عمرو بن عوف المزني، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ: حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا.

وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ، قَالَ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ: هُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ فِيمَا عَلِمْتُ إِلَّا كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ.

وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنْ عوف، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أبي بردة، عن أبي موسى أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ: هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَصَابَ اللَّهُ بِكَ.

وَرَوَى عبدُالرحمن بن حجيرة، عَنْ أبي ذرٍّ: أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَقَالَ لَهَا: هِيَ مَعَ رَفْعِ الشَّمْسِ بِيَسِيرٍ، فَإِنْ سَأَلْتِنِي بَعْدَهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ.

الشيخ: قد وقع له مثل هذا في ليلة القدر مع زوجته أيضًا، أبو ذر لما ألحت عليه وذكر بعض الشيء قال: "إن سألتني بعدها فأنت طالق"، كأنها ألحت عليه.

س: .............؟

ج: حصل له في ليلة القدر، وفي ساعة الجمعة.

وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَبَعْدَ الْعَصْرِ لَا صَلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوْلَى.

قَالَ أبو عمر: يَحْتَجُّ أَيْضًا مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِحَدِيثِ عليٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَفَاءَتِ الْأَفْيَاءُ، وَرَاحَتِ الْأَرْوَاحُ، فَاطْلُبُوا إِلَى اللَّهِ حَوَائِجَكُمْ؛ فَإِنَّهَا سَاعَةُ الْأَوَّابِينَ، ثُمَّ تَلَا: فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا [الإسراء: 25].

الشيخ: وهذا فيه نظر؛ فإنه ثبت في "صحيح مسلم" عن النبي ﷺ أنه قال: صلاة الأوَّابين حين ترمض الفصال يعني: عند شدة الضُّحى، لا بعد الصلاة، عند شدة الضُّحى هي صلاة الأوَّابين، وهي الضحى المرتفعة، كان يُصلي الضُّحى بعد ارتفاع الشمس، وبعد شدة حرِّها.

وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "السَّاعَةُ الَّتِي تُذْكَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ".

وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.

وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ. وَيَلِيهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا سَاعَةُ الصَّلَاةِ، وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا.

وَعِنْدِي أَنَّ سَاعَةَ الصَّلَاةِ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ أَيْضًا، فَكِلَاهُمَا سَاعَةُ إِجَابَةٍ، وَإِنْ كَانَتِ السَّاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ هِيَ آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَهِيَ سَاعَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْيَوْمِ، لَا تَتَقَدَّمُ، وَلَا تَتَأَخَّرُ، وَأَمَّا سَاعَةُ الصَّلَاةِ فَتَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ، تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ؛ لِأَنَّ لِاجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاتِهِمْ وَتَضَرُّعِهِمْ وَابْتِهَالِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَأْثِيرًا فِي الْإِجَابَةِ، فَسَاعَةُ اجْتِمَاعِهِمْ سَاعَةٌ تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ، وَعَلَى هَذَا تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا، وَيَكُونُ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ حَضَّ أُمَّتَهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَاتَيْنِ السَّاعَتَيْنِ.

وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ ﷺ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ: هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.

وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ مُؤَسَّسًا عَلَى التَّقْوَى، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ: هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ، لَا يُنَافِي قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ.

وَيُشْبِهُ هَذَا فِي الْأَسْمَاءِ قَوْلَهُ ﷺ: مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ، قَالَ: الرَّقُوبُ مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا.

فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّقُوبُ؛ إِذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ وَلَدِهِ مِنَ الْأَجْرِ مَا حَصَلَ لِمَنْ قَدَّمَ مِنْهُمْ فَرَطًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يُسَمَّى مَنْ لَمْ يُولَدْ لَهُ: رَقُوبًا.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ ﷺ: مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، وَيَأْتِي وَقَدْ لَطَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ الْحَدِيثَ.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ ﷺ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ النَّاسَ، وَلَا يُتَفَطَّنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ.

الشيخ: وتشبيه المؤلف هذا بهذا فيه بعض النظر؛ لأنَّ الحكم على هذا وهذا فيما ذكر صحيح؛ فإنَّ مسجده ﷺ أُسس على التَّقوى، وهكذا مسجد قباء أُسس على التقوى، وهكذا يُقال في الرَّقوب؛ بيَّن ﷺ أنَّ الرَّقوب -وهو العقيم- الذي لم يُقدم من ولده شيئًا في الحقيقة، وهكذا ليس المسكين بهذا الطَّواف، وهكذا الحديث الآخر: ليس الشديدُ بالصّرعة، وواضح في أنَّ هذا أولى بالاسم من هذا، لكن قصة الساعة ليست هكذا، سُئل عن الساعة فقال في حديث أبي موسى أنها ما يبن أن يجلس الإمامُ إلى أن تُقضى الصلاة، وقال هناك: إنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهي ساعة واحدة فسَّرها هنا .....، هذا محل نظرٍ؛ ولهذا تنازع العلماءُ في ذلك: فمنهم مَن رجَّح هذا، ومنهم مَن رجَّح هذا، ومنهم مَن رجَّح أقوالًا أخرى، قال الحافظ رحمه الله: قد اختُلف فيها على أكثر من أربعين قولًا. كما في "البلوغ".

فالحاصل أنَّ أرجح الأقوال هاتان السَّاعتان: ما بين أن يجلس الإمامُ إلى أن تُقضى الصلاة، هذا أحدهما.

والقول الثاني: ما بين صلاة العصر، أو الساعة الأخيرة من صلاة العصر إلى غروب الشمس، يعني: تحريها في هذين الوقتين أولى من بقية الأوقات، لعله يوفق، لعله يُصادفها فيُستجاب له، وليس في هذا بحمد الله مشقّة، كونه يتحرى في هذا وفي هذا كله مُيسر بحمد الله؛ لأنَّ قوله: "ما بين أن يجلس الإمامُ إلى أن تُقضى الصلاة" هذا مُيسر؛ لأنه حاضر للصلاة، وقد جاء للصلاة، وأما كونه يجلس ينتظر المغرب فكذلك مُيسر؛ لأنَّ الذي ينتظر الصلاة حكمه حكم مَن في الصلاة، ما دامت الصلاةُ تحبسه فهو في صلاةٍ، فالذي جلس آخر النهار ينتظر صلاة المغرب يوم الجمعة فقد صادف آخر ساعةٍ، جالس ينتظر الصلاة فهو في صلاةٍ، وهو حري بالإجابة أيضًا.

الحاصل أنه ينبغي للمؤمن أن يتحرى هذه الساعة، مع أنَّ يوم الجمعة كله محل تحرٍّ، قال: فيها ساعة لا يُوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله شيئًا إلا أعطاه الله هي مُبهمة، أبهم الساعة فيها، ثم ذكر في هذين الحديثين ما يدل على الساعتين المعينتين.

فالمؤمن يُكثر من الدعاء في يوم الجمعة لعله يُصادف هذه الساعة العظيمة، ومع ذلك يعتني بهاتين السَّاعتين: ما بين جلوس الإمام إلى أن تُقضى الصلاة، وما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، هذا أيضًا وقت مُيسر، فكونه يتحراه وينتظر الصلاة ويدعو ويُلح في الدعاء، ولا سيما بما فيه سعادته، وسؤال الله الجنة والنَّجاة من النار، ويسأل الله العفو، ويسأل الله الفقه في الدين، وسؤال الله حسن الختام، وأشباه هذه الدَّعوات العظيمة، وهو في أشد الحاجة إلى ذلك، فينبغي له أن يغتنم هذه الفرص، ويجتهد في الدعاء، لعلَّ الله جلَّ وعلا يُجيب دعوته فيفوز في الدنيا والآخرة، ويسعد في الدنيا والآخرة.

س: ولو في البيت؟

ج: قد يدخل إذا نوى انتظارها، ثم يخرج إذا أذّن للصلاة، والمسجد قريب، ما نعلم مانعًا من كونه يدخل في ذلك؛ لأنه ينتظر الصلاة، لكن الذَّهاب إلى المسجد ..... أظهر؛ لأنَّ النبي أخبر أنَّ مَن قصد المسجد وجلس ينتظر فهو في صلاةٍ.

س: مَن قال أنها ليست بثابتةٍ، وأنها تتنقَّل؟

ج: الله أعلم، غير واضحٍ من السياق.

وَهَذِهِ السَّاعَةُ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، يُعَظِّمُهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ هِيَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا غَرَضَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِهِ وَتَحْرِيفِهِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ مُؤْمِنُهُمْ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِتَنَقُّلِهَا، فَرَامَ الْجَمْعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، كَمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ فَإِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ قَدْ قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ: فَالْتَمِسُوهَا فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، وَلَمْ يَجِئْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ.

وَأَيْضًا فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ كَذَا وَكَذَا، بِخِلَافِ أَحَادِيثِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: "إِنَّهَا رُفِعَتْ" فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: "إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ رُفِعَتْ".

وَهَذَا الْقَائِلُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً، فَرُفِعَ عِلْمُهَا عَنِ الْأُمَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: لَمْ يُرْفَعْ عِلْمُهَا عَنْ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَإِنْ رُفِعَ عَنْ بَعْضِهِمْ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا وَكَوْنَهَا سَاعَةَ إِجَابَةٍ رُفِعَتْ، فَقَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ فِيهِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ الَّتِي خُصَّتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بِخَصَائِصَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا: مِن الِاجْتِمَاعِ، وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ، وَاشْتِرَاطِ الْإِقَامَةِ، وَالِاسْتِيطَانِ، وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ.

وَقَدْ جَاءَ مِنَ التَّشْدِيدِ فِيهَا مَا لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ: فَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أبي الجعد الضّمري -وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ. قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنِ اسْمِ أبي الجعد الضمري فَقَالَ: لَمْ يُعْرَفِ اسْمُهُ، وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ.

وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَنِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْأَمْرُ لِمَنْ تَرَكَهَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ. رَوَاهُ أبو داود وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قدامة بن وبرة، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ. وَلَكِنْ قَالَ أحمد: قدامة بن وبرة لَا يُعْرَفُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ سمرة.

الشيخ: أيش قال المحشي عليه؟

الطالب: رواه أبو داود في "الصلاة" باب "كفارة مَن ترك الجمعة"، والنَّسائي في "الجمعة" باب "كفَّارة مَن ترك الجمعة من غير عذرٍ"، وأحمد، وفي سنده قدامة ..... وهو مجهول، ومع ذلك فقد صححه ابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي، ورواه ابن ماجه من حديث الحسن، عن سمرة.

الشيخ: هذا فيه شبه بمَن وطئ في الحيض، يتصدق بدينار، أو بنصف دينار، حديث الحيض ثابت، وهذا الحديث في الجمعة فيه نظر، ومما يُؤيد ضعفه أنَّ ترك الجمعة له شأن عظيم، فالكفَّارة المذكورة لا تُقارب ما يتعلق بعظم اليوم وعظم الصلاة، فهذا يدل على ضعف الحديث؛ لأنَّ تركها أمر فوق ذلك، والقاعدة المعروفة في الشرع: أنَّ المعصية كلما عظمت لم تدخلها الكفَّارة، وإنما تكون الكفَّارة على حسب خفَّة المعصية، فإذا عظمت لم تدخلها الكفَّارة: كالقتل العمد، واليمين الغموس.

وروى مسلم في "الصحيح" حديث أبي هريرة، وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ أنه قال: لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعات يعني: تركهم الجمعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين، فهذا وعيد شديد يدل على شدة الخطر في التَّهاون بالجمعة، حديث ..... طبع على قلبه، هنا: ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين، فهما مُتقاربان، فإنَّ الختم هو الطبع، هذا يُفيد الحذر من تركها بغير عذرٍ؛ لأنَّ تركها بغير عذرٍ من أسباب انتكاسة القلب والطبع عليه، نسأل الله العافية.

س: ............؟

ج: كلما عظمت، إذا عظمت واشتدَّ فيها الإثمُ صارت أبعد عن الكفَّارة، إلا ما خالف .....، إن وُجد شيء فهو من باب الاستثناء؛ ولهذا قتل العمد ليس فيه كفَّارة، واليمين الغموس ليس فيها كفَّارة، وقد يرد على هذا أشياء، قد يرد على هذا الجماع في الحجِّ قبل التَّحلل الأول، فيه بدنة، مع فساد الحجِّ.

س: ............؟

ج: هذا في الجمعة، نعم، ليس على البادية والمسافر جمعة، نعم.

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ، إِلَّا قَوْلًا يُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِ، مَنْشَؤُهُ أَنَّهُ قَالَ: "وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَتَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ"، فَظَنَّ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ الْعِيدَ لَمَّا كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَانَتِ الْجُمُعَةُ كَذَلِكَ، وَهَذَا فَاسِدٌ، بَلْ هَذَا نَصٌّ مِنَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِيدَ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ كَالْجُمُعَةِ، وَأَنْ يَكُونَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ سَوَاء، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ بِسُقُوطِهِ عَنِ الْبَعْضِ بَعْدَ وُجُوبِهِ بِفِعْلِ الْآخَرِينَ.

الشيخ: ..... فرض الكفاية وفرض العين، فرض العين لا بدَّ من فعله، كل أحدٍ غير معذورٍ: كالصلوات الخمس، ورمضان، والحج مع الاستطاعة. وأما فرض الكفاية فإذا فعله البعضُ سقط عن الآخرين، مثل: صلاة الجنازة إذا فعلها بعضُ الناس سقطت عن الباقين، ومثل: صلاة العيد عند جمعٍ من أهل العلم، وآخرون يقولون أنها كالجمعة فرض عينٍ. والحاصل أنَّ فرض الكفاية إن قام به الجميعُ أجروا، وإن تركوه أثموا، وإن قام به البعضُ سقط عن الباقين.

الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ فِيهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَتَمْجِيده، وَالشَّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَلِرَسُولِهِ ﷺ بِالرِّسَالَةِ، وَتَذْكِير الْعِبَادِ بِأَيَّامِهِ، وَتَحْذِيرهمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ، وَوَصِيَّتهمْ بِمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ، وَنَهْيهمْ عَمَّا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ، فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا.

الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَفَرَّغَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ مَزِيَّةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَاجِبَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ يَوْمًا يَتَفَرَّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَتَخَلَّوْنَ فِيهِ عَنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيَّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشُّهُورِ، وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ؛ وَلِهَذَا مَنْ صَحَّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمعَتِهِ، وَمَنْ صَحَّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ، وَمَنْ صَحَّتْ لَهُ حَجَّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ، صَحَّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ، وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ، وَالْحَجُّ مِيزَانُ الْعُمْرِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الشيخ: يعني مع الاستقامة، ومع الملاحظة، ومع الاستمرار في الخير، فإنَّ هذا يحصل له الخير العظيم، والله المستعان.

س: ............؟

ج: ليس على إطلاقه إلا مع الاستقامة: مَن سلمت له الجمعة ثم أحدث ما سلم، وهكذا رمضان، وهكذا الحج، إذا سدد وقارب فهو على خيرٍ عظيمٍ.

س: ............؟

ج: لعله غير مراد الله، مراد الله التَّفرغ لهذه العبادة نفسها فقط، وبقية النهار وأول النهار قد يفعل الإنسانُ فيه ما يحتاجه، لكن أن يخصَّه بمزيد عنايةٍ بالتَّفرد لأداء هذه العبادة: يُبكر لها، ويُعنى بها، ويُصلي بها ما تيسر: يقرأ، يستغفر، يدعو؛ لأنَّ معظم النهار قبل الصلاة، فإذا تفرَّغ لها في الذهاب مبكرًا فقد ذهب نهاره فيها، وليس مُراده منعه من الأعمال، لا، مراده أنه مشروع له، هذا الشيء مشروع، يتفرغ حتى يأتيها مبكرًا، ويشتغل بالعبادة فيها، يوم في الأسبوع.

س: العبارة التي بعدها: فيتخلون فيه عن أشغال الدنيا؟

ج: الظاهر يعني أوله، ما قبل الصلاة، هذا المراد: ما قبل الصلاة؛ لأنه مشروع لهم التَّبكير.

س: أليس آخر النهار مشروع فيه العبادة؛ وذلك لتحري ساعة الإجابة؟

ج: في بقيته، في بقيته يتحرى ساعة الإجابة، لكن ما بين العصر والجمعة وقت أيضًا لحاجات الناس، وقت للراحة وللحاجات، وقد يخصّه ببعض العمل، المقصود أنَّ هذا القصد على سبيل الاستحباب فقط، ليس على سبيل الإيجاب، يعني معظم اليوم له أعمال فيه، يُفسر بهذا معظم اليوم: ما قبل الصلاة هو الأكثر، وما بعد الصلاة فالعصر كذلك في تحري الساعة، ويبقى ما بين الجمعة وبين صلاة العصر، فهو محل فرصةٍ لبعض الأعمال الأخرى .....

س: شروط الخطبة؟

ج: أن يكون فيها حمدُ الله، والثناء على الله، والشهادتان، ووعظ الناس وتذكيرهم، وبعضهم شرط فيها الصلاة على النبي ﷺ، وبعضهم شرط قراءة آيةٍ، فينبغي أن يفعل هذا، ينبغي أن يحمد الله ويُثني عليه، ويتشهد الشَّهادتين، ويُصلي على النبي ﷺ، ويعظ الناس ويُذكرهم، والمقصود وعظ الناس، وتذكيرهم، وتعليمهم، وتوجيههم إلى الخير، وتحذيرهم من الشرِّ، وإن قرأ آيةً في أثناء الخطبة أو آيات كان هذا مما ينبغي؛ لأنه كان يقرأ آيات في الخطبة عليه الصلاة والسلام، لكن اختلفوا: هل هذا شرط أم لا؟ فقومٌ جعلوه شرطًا، وقومٌ قالوا: ليس بشرطٍ، ولكن مشروع أن يقرأ بعض الآيات، فإذا قرأ آيةً أو آيتين أو أكثر لأنَّ هذا متأكد ..... مَن قال بعدم صحَّتها من دونها.

س: الحمد والثَّناء في الخطبتين؟

ج: في الخطبتين، نعم.

س: ..............؟

ج: من طريق قُدامة هذا ..... روي له شاهد من حديث سمرة .....

س: ..............؟

ج: هذا ما يكفي؛ لأنَّ القاعدة: تقديم الجرح؛ ولهذا الحافظ جزم بأنه مجهول، كأنه لم يكتفِ بتوثيق ابن معين، أو لم يثبت عنده، فذكر في "التقريب" أنه مجهول، كما ذكر في الحاشية.

الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأُسْبُوعِ كَالْعِيدِ.

الشيخ: يعني الجمعة، نعم.

كَالْعِيدِ فِي الْعَامِ، وَكَانَ الْعِيدُ مُشْتَمِلًا عَلَى صَلَاةٍ وَقُرْبَانٍ، وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ صَلَاةٍ؛ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ التَّعْجِيلَ فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ بَدَلًا مِنَ الْقُرْبَانِ، وَقَائِمًا مَقَامَهُ، فَيَجْتَمِعُ لِلرَّائِحِ فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ وَالْقُرْبَانُ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا أَجْزَاءٌ مِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ مالكٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِحُجَّتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الْغُدُوِّ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الزَّوَالِ، قَالَ تَعَالَى: وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12]، قَالَ الجوهري: وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ، وَلَمْ يَكُونُوا يَغْدُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَأَنْكَرَ مالكٌ التَّبْكِيرَ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَالَ: لَمْ نُدْرِكْ عَلَيْهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ.

وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِحَدِيثِ جابرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، قَالُوا: وَالسَّاعَاتُ الْمَعْهُودَةُ هِيَ السَّاعَاتُ الَّتِي هِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَهِيَ نَوْعَانِ: سَاعَاتٌ تَعْدِيلِيَّةٌ، وَسَاعَاتٌ زَمَانِيَّةٌ، قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِنَّمَا بَلَغَ بِالسَّاعَاتِ إِلَى سِتٍّ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتِ السَّاعَةُ أَجْزَاءً صِغَارًا مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي سِتَّةِ أَجْزَاءٍ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا السَّاعَاتِ الْمَعْهُودَةَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ السَّادِسَةَ مَتَى خَرَجَتْ وَدَخَلَتِ السَّابِعَةُ خَرَجَ الْإِمَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَلَمْ يُكْتَبْ لِأَحَدٍ قُرْبَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي "سُنَنِ أبي داود" مِنْ حَدِيثِ عليٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ، فَيَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ أَوِ الرَّبَائِثِ، وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنِ الْجُمُعَةِ، وَتَغْدُو الْمَلَائِكَةُ فَتَجْلِسُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، فَيَكْتُبُونَ الرَّجُلَ مِنْ سَاعَةٍ، وَالرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْنِ، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ.

الشيخ: وهذا من عمل الشياطين وتثبيطهم، وهم دائمًا حريصون على تثبيط الناس عن الخير، وصدِّهم عن أسباب السعادة، ولا يُستغرب هذا؛ لأنهم أعداء: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]؛ ولهذا لا يزالون يُثبطون الناس عن مسائل الخير: عن الجهاد، وعن المسابقة إلى الجمعة، وعن المسارعة إلى الخيرات، ونصر المظلوم، وردع الظالم، وفعل ما يقرب إلى الله .

س: عندنا: اثنا عشر ساعة في الصحيح .....؟

ج: التأنيث: اثنتا؛ لأنَّ الساعة مُؤنث.

س: صحة الحديث الأخير؟

ج: ما علَّق عليه؟

الطالب: تقدم تخريجه، وهو ضعيف، وقوله: "الربائث" أي: يذكرونهم حاجات، أي: ليربثوهم بها عن الجمعة، يقال: ربثته عن الأمر، إذا حبسته وثبطته، والربائث جمع ربيثة، وهي الأمر الذي يحبس الإنسانَ عن مهامه. ورواية الترابيث قال الخطابي: ليست بشيءٍ.

قال أبو عمر ابن عبدالبر: اختلف أهلُ العلم في تلك السَّاعات، فقالت طائفةٌ منهم: أراد السَّاعات من طلوع الشمس وصفائها، والأفضل عندهم التَّبكير في ذلك الوقت إلى الجمعة. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ -بَلْ كُلُّهُمْ- يَسْتَحِبُّ الْبُكُورَ إِلَيْهَا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَوْ بَكَّرَ إِلَيْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَانَ حَسَنًا.

وَذَكَرَ الأثرمُ قَالَ: قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي التَّهْجِيرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَاكِرًا. فَقَالَ: هَذَا خِلَافُ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِلَى أَيِّ شَيْءٍ ذَهَبَ فِي هَذَا؟! وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: كَالْمُهْدِي جَزُورًا.

قَالَ: وَأَمَّا مالك فَذَكَرَ يحيى بن عمر، عَنْ حرملة أَنَّهُ سَأَلَ ابنَ وهبٍ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السَّاعَاتِ: أَهُوَ الْغُدُوُّ مِنْ أَوَّلِ سَاعَاتِ النَّهَارِ، أَوْ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ سَاعَاتِ الرَّوَاحِ؟

فَقَالَ ابنُ وهب: سَأَلْتُ مالكًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي يَقَعُ بِقَلْبِي فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ سَاعَةً وَاحِدَةً تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ السَّاعَاتُ، مَنْ رَاحَ مَنْ أَوَّلِ تِلْكَ السَّاعَةِ أَوِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ أَوِ السَّادِسَة، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ مَا صُلِّيَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى يَكُونَ النَّهَارُ تِسْعَ سَاعَاتٍ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ.

وَكَانَ ابنُ حبيبٍ يُنْكِرُ قول مالك هَذَا، وَيَمِيلُ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: قَوْلُ مالكٍ هَذَا تَحْرِيفٌ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ، وَمُحَالٌ مِنْ وُجُوهٍ.

وَقَالَ: يَدُلُّكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَاعَاتٌ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنَّ الشَّمْسَ إِنَّمَا تَزُولُ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ مِنَ النَّهَارِ، وَهُوَ وَقْتُ الْأَذَانِ وَخُرُوج الْإِمَامِ إِلَى الْخُطْبَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّاعَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ سَاعَاتُ النَّهَارِ الْمَعْرُوفَاتِ، فَبَدَأَ بِأَوَّلِ سَاعَاتِ النَّهَارِ فَقَالَ: مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، ثُمَّ قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ: بَيْضَةً، ثُمَّ انْقَطَعَ التَّهْجِيرُ وَحَانَ وَقْتُ الْأَذَانِ.

فَشَرْحُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ فِي لَفْظِهِ، وَلَكِنَّهُ حُرِّفَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَشُرِحَ بِالْخُلْفِ مِنَ الْقَوْلِ، وَمَا لَا يَكُونُ، وَزَهَّدَ شَارِحُهُ النَّاسَ فِيمَا رَغَّبَهُمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ التَّهْجِيرِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنَّمَا يَجْتَمِعُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قُرْبَ زَوَالِ الشَّمْسِ.

قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ بِالتَّهْجِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَدْ سُقْنَا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ وَاضِحِ السُّنَنِ بِمَا فِيهِ بَيَانٌ وَكِفَايَةٌ.

هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ.

س: واضع السنن .....؟

ج: يعني ما اتَّضح من السنن، سنة الرسول ﷺ.

.........

ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ أبو عمر وَقَالَ: هَذَا تَحَامُلٌ مِنْهُ عَلَى مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ الَّذِي قَالَ الْقَوْلَ الَّذِي أَنْكَرَهُ وَجَعَلَهُ خُلْفًا وَتَحْرِيفًا مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالَّذِي قَالَهُ مالكٌ تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ الصِّحَاحُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاحْتِجَاجُ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَرَدَّدُ كُلَّ جُمُعَةٍ، لَا يَخْفَى عَلَى عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

فَمِنَ الْآثَارِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا مالكٌ: مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَامَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ النَّاسَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَالْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي كَبْشًا، حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَالْبَيْضَةَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَاسْتَمَعُوا الْخُطْبَةَ.

قَالَ: أَلَا تَرَى إِلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَإِنَّهُ قَالَ: يَكْتُبُونَ النَّاسَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَالْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَجَعَلَ الْأَوَّلَ مُهَجِّرًا، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ إِنَّمَا هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَالتَّهْجِيرِ، وَذَلِكَ وَقْتُ النُّهُوضِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ لَيْسَ بِهَاجِرَةٍ وَلَا تَهْجِيرٍ، وَفِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ السَّاعَةَ.

قَالَ: وَالطُّرُقُ بِهَذَا اللَّفْظِ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَفِي بَعْضِهَا: الْمُتَعَجِّلُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً.

وَفِي أَكْثَرِهَا: الْمُهَجِّرُ كَالْمُهْدِي جَزُورًا الْحَدِيثَ.

وَفِي بَعْضِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الرَّائِحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ السَّاعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَفِي آخِرِهَا كَذَلِكَ، وَفِي أَوَّلِ السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً، وَفِي آخِرِهَا كَذَلِكَ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَمْ يُرِدْ ﷺ بِقَوْلِهِ: الْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً النَّاهِضَ إِلَيْهَا فِي الْهَجِيرِ وَالْهَاجِرَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّارِكَ لِأَشْغَالِهِ وَأَعْمَالِهِ مِنْ أَغْرَاضِ أَهْلِ الدُّنْيَا لِلنُّهُوضِ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً، وَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ تَرْكُ الْوَطَنِ، وَالنُّهُوضُ إِلَى غَيْرِهِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمُهَاجِرُونَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أُحِبُّ التَّبْكِيرَ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَلَا تُؤْتَى إِلَّا مَشْيًا. هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أبي عمر.

قُلْتُ: وَمَدَارُ إِنْكَارِ التَّبْكِيرِ أَوَّلَ النَّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

أَحَدُهَا: عَلَى لَفْظَةِ الرَّوَاحِ، وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ.

وَالثَّانِي: لَفْظَةُ التَّهْجِيرِ، وَهِيَ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْهَاجِرَةِ، وَقْتَ شِدَّةِ الْحَرِّ.

وَالثَّالِثُ: عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَأْتُونَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ.

فَأَمَّا لَفْظَةُ الرَّوَاحِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُضِيِّ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَكْثَرِ إِذَا قُرِنَتْ بِالْغُدُوِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12]، وَقَوْله ﷺ: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلًا فِي الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ، وَقَوْل الشَّاعِرِ:

نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لَا تَنْقَضِي

وَقَدْ يُطْلَقُ الرَّوَاحُ بِمَعْنَى الذَّهَابِ وَالْمُضِيِّ، وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيءُ إِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَةً عَن الِاقْتِرَانِ بِالْغُدُوِّ.

وَقَالَ الأزهريُّ فِي "التَّهْذِيبِ": سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَسْتَعْمِلُ الرَّوَاحَ فِي السَّيْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، يُقَالُ: رَاحَ الْقَوْمُ، إِذَا سَارُوا، وَغَدَوْا كَذَلِكَ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ: تَرَوَّحْ، وَيُخَاطِبُ أَصْحَابَهُ فَيَقُولُ: رُوحُوا، أَيْ: سِيرُوا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَلَا تَرُوحُونَ؟ وَمِنْ ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالْخِفَّةِ إِلَيْهَا، لَا بِمَعْنَى الرَّوَاحِ بِالْعَشِيِّ.

وَأَمَّا لَفْظُ "التَّهْجِيرِ وَالْمُهَجِّرُ" فَمِنَ الْهَجِيرِ وَالْهَاجِرَةِ، قَالَ الجوهري: هِيَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ، تَقُولُ مِنْهُ: هَجَّرَ النَّهَارُ، قَالَ امرؤ القيس:

فَدَعْهَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْهَا بِجَسْرَةٍ ذَمُولٍ إِذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا

وَيُقَالُ: أَتَيْنَا أَهْلَنَا مُهَجِّرِينَ. أَيْ: فِي وَقْتِ الْهَاجِرَةِ.

وَالتَّهْجِيرُ وَالتَّهَجُّرُ: السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ، فَهَذَا مَا يُقَرَّرُ بِهِ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

الشيخ: وهذا يُستعمل أيضًا في التَّبكير، مع قطع النَّظر عن الوقت، هجر إلى الشيء: بكَّر إليه، وسارع إليه، بمثابة الذي جاء في وقت شدة الحرِّ وشدة الكُلفة من حرصه على المطلوب، فشبّه الذي يأتي في أول النهار حريصًا مبكرًا بمن جاء في وقت الهاجرة مع شدة الحرِّ لطلب حاجته، فالمهجر هو المسارع، وهو المبكر المبادر، وإن كان في أول النهار، وهكذا الرائح يُطلق على مَن راح في آخر النهار، ويُطلق على مَن توجه ومضى، راح إلى فلانٍ: توجه إليه، وذهب إليه، ولو في أول النهار، راح كلمة مُشتركة.

قَالَ الْآخَرُونَ: الْكَلَامُ فِي لَفْظِ "التَّهْجِيرِ" كَالْكَلَامِ فِي لَفْظِ "الرَّوَاحِ"، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ التَّبْكِيرُ.

قَالَ الأزهري فِي "التَّهْذِيبِ": رَوَى مالكٌ عَنْ سمي، عَنْ أبي صالح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: الْمُهَجِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً.

قَالَ: وَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَنَّ التَّهْجِيرَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَفْعِيلٌ مِنَ الْهَاجِرَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ فِيهِ مَا رَوَى أبو داود المصاحفي، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ أَنَّهُ قَالَ: "التَّهْجِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا: التَّبْكِيرُ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ"، قَالَ: سَمِعْتُ الخليل يَقُولُ ذَلِكَ، قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ.

قَالَ الأزهري: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ مِنْ قَيْسٍ، قَالَ لبيد:

رَاحَ الْقَطِينُ بِهَجْرٍ بَعْدَمَا ابْتَكَرُوا فَمَا تُوَاصِلُهُ سَلْمَى وَمَا تَذَرُ

فَقَرَنَ الْهَجْرَ بِالِابْتِكَارِ، وَالرَّوَاحُ عِنْدَهُمُ الذَّهَابُ وَالْمُضِيُّ، يُقَالُ: "رَاحَ الْقَوْمُ" إِذَا خَفُّوا وَمَرُّوا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ.

وَقَوْلُهُ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، أَرَادَ بِهِ التَّبْكِيرَ إِلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ الْمُضِيُّ إِلَيْهَا فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا.

قَالَ الأزهري: وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: "هَجَّرَ الرَّجُلُ" إِذَا خَرَجَ وَقْتَ الْهَاجِرَةِ، وَرَوَى أبو عبيد عَنْ أبي زيد: "هَجَّرَ الرَّجُلُ" إِذَا خَرَجَ بِالْهَاجِرَةِ. قَالَ: وَهِيَ نِصْفُ النَّهَارِ.

ثُمَّ قَالَ الأزهري: أَنْشَدَنِي المنذري فِيمَا رَوَى لثعلب، عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ فِي "نَوَادِرِهِ" قَالَ.

الشيخ: المنذري بالياء؟

الطالب: نعم، عليه هامش، هو محمد بن جعفر، أبو الفضل، المنذري، الهروي، اللغوي .....، توفي سنة 329.

قَالَ جعثنة بن جواس الربعي فِي نَاقَتِهِ.

الطالب: عندنا: قال حصبة بن جواس.

الشيخ: وأنت أيش عندك؟

الطالب: جعثنة.

الشيخ: ما علَّق عليه؟

الطالب: لا.

الشيخ: حطّ عليه إشارة نسخة.

الطالب: ............

الشيخ: عندكم حصبة؟

الطالب: نعم.

الشيخ: بالحاء والصاد والباء؟

الطالب: حصبة الربيذي، نسبة إلى الربذة.

طالب آخر: عندي: الربعي.

قَالَ جعثنة بن جواس الربعي فِي نَاقَتِهِ.

الشيخ: هذا يُراجع في كتاب ..... للسيوطي، وتراجم اللغويين للنُّحاة يذكر مثل هذا.

هَلْ تَذْكُرِينَ قَسَمِي وَنَذْرِي أَزْمَانَ أَنْتِ بِعُرُوضِ الْجَفْرِ
إِذْ أَنْتِ مِضْرَارٌ جَوَادُ الْحُضْرِ عَلَيَّ إِنْ لَمْ تَنْهَضِي بِوِقْرِي
بِأَرْبَعِينَ قُدِّرَتْ بِقَدْرِ بِالْخَالِدِيِّ لَا بِصَاعِ حَجْرِ
وَتَصْحَبِي أَيَانِقًا فِي سَفْرِ يُهَجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ
ثمَّتَ تَمْشِي لَيْلَهُمْ فَتَسْرِي يَطْوُونَ أَعْرَاضَ الْفِجَاجِ الْغُبْرِ

طَيَّ أَخِي التَّجْرِ بُرُودَ التَّجْرِ.

قَالَ الأزهري: يُهَجِّرُونَ بِهَجِيرِ الْفَجْرِ، أَيْ: يُبَكِّرُونَ بِوَقْتِ السَّحَرِ.

وَأَمَّا كَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَرُوحُونَ إِلَى الْجُمُعَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَهَذَا غَايَةُ عَمَلِهِمْ فِي زَمَانِ مالكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَلَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَرْكُ الرَّوَاحِ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَهَذَا جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ.

وَقَدْ يَكُونُ اشْتِغَالُ الرَّجُلِ بِمَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ أَهْلِهِ وَمَعَاشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَفْضَلَ مِنْ رَوَاحِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَجُلُوسَ الرَّجُلِ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى أَفْضَلُ مِنْ ذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِلثَّانِيَةِ، كَمَا قَالَ ﷺ: وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَرُوحُ إِلَى أَهْلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ تَزَلْ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ. وَأَخْبَرَ أَنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِمَّا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، وَأَنَّهُ الرِّبَاطُ. وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِمَنْ قَضَى فَرِيضَةً وَجَلَسَ يَنْتَظِرُ أُخْرَى.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْجُمُعَةَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَذْهَبُ ثُمَّ يَجِيءُ فِي وَقْتِهَا، وَكَوْنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَهَكَذَا الْمَجِيءُ إِلَيْهَا وَالتَّبْكِيرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذا هو الحق، الحق أنَّ المراد: التبكير إليها من أول النهار، ولكن المؤمن ينظر في المصالح الأخرى، لو كانت عنده مصالح وأعمال تمنعه من ذلك، ويرى أنها أهم في قضاء حاجة أهله، أو لأسبابٍ أخرى قدم ذلك، أو كانت عنده فرصة وسعة تقدم وحصل هذا الأجر العظيم، وهو أجر الانتظار، وأنه بمثابة مَن قدم بدنةً.

س: .............؟

ج: الظاهر من فعل النبي ﷺ أنه لا يدخل في هذا؛ لأنه ما كان يأتي إلا وقت الصلاة عليه الصلاة والسلام، فهو منتظر، ولا ينتظر، الأفضل أن يبقى في بيته، ومجيئه وقت الصلاة أفضل؛ تأسيًا بالنبي ﷺ.

س: الراجح فيها من شروق الشمس؟

ج: محتمل، محتمل، الأكثرون على أنها من طلوع الشمس، ويحتمل من صلاة الفجر.

س: ............؟

ج: ما أعرف عن ترجمته شيئًا.

الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّ لِلصَّدَقَةِ فِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَالصَّدَقَةُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ كَالصَّدَقَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَائِرِ الشُّهُورِ.

وَشَاهَدْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ -قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ- إِذَا خَرَجَ إِلَى الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَ فِي الْبَيْتِ مِنْ خُبْزٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي طَرِيقِهِ سِرًّا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَالصَّدَقَةُ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاتِهِ تَعَالَى أَفْضَلُ وَأَوْلَى بِالْفَضِيلَةِ.

الشيخ: وأيضًا حديث التَّبكير يدل على هذا؛ على فضل الصَّدقة وتعظيمها في هذا اليوم، قوله: "المهجر في الساعة الأولى كالمهدي بدنة، والمهجر في الساعة الثانية كالمهدي بقرة .." إلى آخره، هذا يدل على فضل الصَّدقة في هذا اليوم، وأنها عظيمة ......

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا جرير، عَنْ منصور، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اجْتَمَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ وكعب، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي صَلَاةٍ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ كعب: أَنَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَزِعَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَالْجِبَالُ، وَالشَّجَرُ، وَالْخَلَائِقُ كُلُّهَا إِلَّا ابْنَ آدَمَ وَالشَّيَاطِينَ، وَحَفَّتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَيَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ، فَمَنْ جَاءَ بَعْدُ جَاءَ لِحَقِّ اللَّهِ، لِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ، وَحَقٌّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ يَوْمَئِذٍ كَاغْتِسَالِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَالصَّدَقَةُ فِيهِ أَعْظَمُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَلَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَلَمْ تَغْرُبْ عَلَى مِثْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا حَدِيثُ كعبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَا أَرَى إِنْ كَانَ لِأَهْلِهِ طِيبٌ يَمَسُّ مِنْهُ.

الشيخ: يعني يوم الجمعة، كعب لم يُسنده، لم يُسند هذا، وكعب تابعي، ولم يُسنده، ويحتمل أنه أسنده لبعض الكتب القديمة، ويحتمل أنه أخذه عن بعض الصَّحابة والله أعلم.

فالحاصل أنَّ يوم الجمعة يوم عظيم، تكفي الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه خير يومٍ طلعت عليه الشمس، وأنَّ فيه خلق اللهُ آدمَ، وفيه أدخله الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه تِيب عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يُوافقها عبدٌ مسلمٌ يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، هو يوم عظيم.

س: ...............؟

ج: هذا الذي سمعت.

السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ يَوْم يَتَجَلَّى اللَّهُ فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ، وَزِيَارَتُهُمْ لَهُ، فَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُمْ أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْإِمَامِ، وَأَسْبَقُهُمْ إِلَى الزِّيَارَةِ أَسْبَقَهُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ.

وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شريكٍ، عَنْ أبي اليقظان، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ : وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] قَالَ: "يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ".

وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ" مِنْ حَدِيثِ أبي نعيم المسعودي، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أبي عبيدة قَالَ: قَالَ عبدالله: "سَارِعُوا إِلَى الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ، فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْبِ عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَيُحْدِثُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَيُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ". قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ عبدالله الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ عبدالله: رَجُلَانِ، وَأَنَا الثَّالِثُ، إِنْ يَشَأ اللَّهُ يُبَارِكْ فِي الثَّالِثِ.

الشيخ: والمزيد يوم عظيم، جاءت فيه أحاديث: يوم المزيد الذي يزور فيه المؤمنون ربَّهم جلَّ وعلا، قد ذكره أهلُ العلم عند هذه الآية: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وقوله جلَّ وعلا: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وهو بمثابة يوم الجمعة من الأسبوع؛ لأنَّ الجنة ليس فيها ليلٌ ولا نهارٌ، ليس فيها أيام وليالي، كلها نهار مُطرد، لكن للأيام علامات، وللناس اجتماع بربهم في الجنة بمقدار يوم الجمعة، يتجلَّى لهم عن وجهه الكريم، ويرون وجهه الكريم، ويرجعون بما أعطاهم الله من أنواع الخير والنَّعيم والفضل، ولهم فيها زيارات على حسب منازلهم منه ، على حسب تقواهم لله، وكمال قيامهم بحقِّه ، فهم في الجنة في طبقات: في نعيمهم، وفي قصورهم، وفي زيارتهم لربهم .

وَذَكَرَ البيهقي فِي "الشُّعَبِ" عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رُحْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى جُمُعَةٍ، فَوَجَدَ ثَلَاثَةً قَدْ سَبَقُوهُ، فَقَالَ: رَابِعُ أَرْبَعَةٍ، وَمَا رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ.

الشيخ: وهكذا السَّلف الصَّالح يُسابقون إلى الجمعة بأنفسهم، ما هو بخرقةٍ يجعلها، أو نعلين يجعلهما، أو عصا يجعلها، ويذهب ويترك المكان، لا، هذا ليس بمسابقةٍ، هذا ظلم وغصب للمسجد، ولا يجوز، هذا بدعة منكرة، التَّسابق يكون بالنفس، يتقدم ويأتي ويجلس في الصفِّ ويقرأ، أو يُصلي، أو يُسبح الله ويذكره حتى تنتهي الجمعة، هذه هي المسابقة.

أما أن يُسابق ويجعل بشته أو غترةً أو خرقةً أو نعلًا أو عصا أو كذا، هذا لا يجوز، يحبس البقعة ويغصبها عن المتقدمين، وهو يتأخر في بيته، أو في سوقه، أو في غير ذلك، هذا لا يجوز، وليس هذا بمُسابقٍ، بل هو آثم، ليس بمسابقٍ، المسابق الذي يأتي بنفسه ويتقدم ليعبد الله في المسجد، وينتظر حتى تأتي الصلاةُ، نعم إذا عرض له عارضٌ وقام يتوضأ لا بأس، أما أن يأتي وفي نيته أن يرجع، وإنما يجلس دقيقتين، أو ربع ساعة، أو عشر دقائق، أو أقلَّ، أو أكثر، ثم يذهب، لا، ليس هذا بمُسارعٍ.

س: .............؟

ج: يرجع إلى مكانه، العارض معفو عنه، حدث له حادثٌ قام يتوضأ لا بأس، معذور، أما أن يأتي وفي نيَّته العودة، في نيته الذهاب إلى بيته، أو إلى السوق، فقط يحبس المكان، لا.

س: ...............؟

ج: ينبغي أن يكون حوله حتى يرى، حتى يكون صادقًا، ينبغي أن يكون حوله العمود القريب إذا دعت الحاجةُ؛ حتى إذا جاء أحدٌ يشوفه، يرى أنه صادق، أما أن يلبس على الناس: يروح يتسند وهو يكذب، إذا كان صادقًا يكون حول المكان.

س: ...............؟

ج: يمكن أن يجيء من جهةٍ أخرى، من أبوابٍ أخرى؛ حتى يكون بين الصُّفوف، حتى لا يتخطى الصفوف، وقد يكون معذورًا، إذا راح لحاجةٍ معذور؛ لأنه جاء لسدِّ فرجةٍ، التي سبق إليها يكون معذورًا.

س: ..............؟

ج: الواجب إزالتها، الواجب على المسؤولين أن يُزيلوها مرةً واحدة، يجب أن يكون هناك من جهة الهيئة والحسبة مَن يتولى هذه الأمور في المساجد حتى تُزال.

س: ...............؟

ج: ترفع، ترفع، ويُصلَّى في مكانها.

ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ: الْأَوَّلُ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ، ثُمَّ الرَّابِعُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا أَرْبَعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ.

الشيخ: حطّ عليه إشارة، لعلها: رابع أربعة.

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ "الرُّؤْيَةِ": حَدَّثَنَا أحمد بن سلمان بن الحسن: حَدَّثَنَا محمد بن عثمان بن محمد: حَدَّثَنَا مروان بن جعفر: حَدَّثَنَا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم: حَدَّثَنَا عَطَاءُ ابْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ رَأَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ، فَأَحْدَثُهُمْ عَهْدًا بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ مَنْ بَكَّرَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَتَرَاهُ الْمُؤْمِنَاتُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ.

الشيخ: علَّق عليه المحشي؟

الطالب: في سنده مَن لا يُعرف.

س: كتاب "الرؤية" هذا موجود؟

ج: ما أعرفه.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى بن سفيان السّكري.

الشيخ: الذي يظهر من الأدلة أنَّ الرجال والنساء سواء في هذا، كل قدر على النعيم، كل على قدر ما يسَّر الله له من العبادة والعمل الصَّالح في هذه الدار، فإنَّ النظر إلى وجه الله نوعٌ من النعيم يُعطاه المؤمنون على قدر أعمالهم الصَّالحة، وهو أعلى نعيم أهل الجنة، وأعظم نعيم أهل الجنة، ويُشارك فيه الرجال والنِّساء.

س: ..............؟

ج: هذا الحديث ضعيف، ما يُعتمد عليه، أقول: حديث ضعيف.

س: السيوطي في كتاب ..... ذكر أدلةً قويةً على أنَّ النساء لا يرين ربهنَّ؟

ج: محل نظرٍ، أقول: محل نظر، الأصل خلاف ذلك.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى بن سفيان السكري: حَدَّثَنَا عبدالله بن الجهم الرازي.

الشيخ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] هذا يعمّ الرجال والنساء، وهكذا قوله عليه الصلاة والسلام: هل ترون الشمس .. إلى آخره، قال: إنَّكم ترون ربَّكم، الخطاب للجميع، للمؤمنين جميعًا، وللمؤمنات، هذا هو الأصل.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ: حَدَّثَنَا محمد بن موسى بن سفيان السكري: حَدَّثَنَا عبدالله بن الجهم الرازي: حَدَّثَنَا عمرو ابن أبي قيس، عَنْ أبي طيبة، عَنْ عاصم، عَنْ عثمان بن عمير أبي اليقظان.

الشيخ: أيش قال المحشي؟

الطالب: إسناده ضعيف ..... عثمان بن عمير، وفي "مسند الشافعي" بنحوه في "الجمعة" باب "فضل يوم الجمعة وفيه ساعة الإجابة"، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" ..... لابن أبي شيبة، والبزار، وأبي يعلى .....، والطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه، والآجري في "الشريعة"، والبيهقي في "الرؤية"، وأبي نصر السندي في "الإبانة".

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ وَفِي يَدِهِ كَالْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ، فِيهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْجُمُعَةُ، يَعْرِضُهَا اللَّهُ عَلَيْكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، قُلْتُ: وَمَا لَنَا فِيهَا؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ: أَنْتَ فِيهَا الْأَوَّلُ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الْأَيَّامِ، وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الْآخِرَةِ: يَوْمَ الْمَزِيدِ.قَالَ:

قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، وَمَا يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، ثُمَّ حُفَّ الْكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حُفَّ الْمَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجِيءُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، وَيَجِيءُ أَهْلُ الْغُرَفِ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكُثُبِ.

قَالَ: ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ ، قَالَ: فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، قَالَ: رِضَايَ أَنْزَلَكُمْ دَارِي، وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا، قَالَ: فَيَشْهَدُ لَهُمْ بِالرِّضَا، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.

قَالَ: ثُمَّ يَرْتَفِعُ رَبُّ الْعِزَّةِ، وَيَرْتَفِعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ، وَيَجِيءُ أَهْلُ الْغُرَفِ إِلَى غُرَفِهِمْ.

قَالَ: كُلُّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ، لَا وَصْلَ فِيهَا وَلَا فَصْمَ، يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، وَغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ، أَبْوَابُهَا وَعَلَالِيُّهَا وَسَقَائِفُهَا وَأَغْلَاقُهَا مِنْهَا أَنْهَارُهَا مُطَّرِدَةٌ مُتَدَلِّيَةٌ، فِيهَا أَثْمَارُهَا، فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا.

قَالَ: فَلَيْسُوا إِلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ لِيَزْدَادُوا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ ، وَالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، فَذَلِكَ يَوْمُ الْمَزِيدِ

الشيخ: وهذا وإن كان سنده ضعيفًا، لكن يكفي في هذا قوله جلَّ وعلا: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وقوله : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30- 32]، إلى غير هذا من الآيات الدالات على أنَّ أهل الجنة لهم فيها ما يشاؤون من الخير العظيم، والله المستعان.

وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ "الرُّؤْيَةِ".

س: ..............؟

ج: الله أعلم.