11- من حديث (لا ترموا حتى تطلع الشمس)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في باب صفة الحج ودخول مكة:

758- وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ -يَعْنِي: بِالْمُزْدَلِفَةِ- فَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

759- وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: "إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

760 و761- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَا: "لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ ﷺ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

762- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه: أَنَّهُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ: "هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

763- وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "رَمَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا زَالتِ الشَّمْسُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الخمسة كلها تتعلق بشؤون الحجِّ والرمي والانصراف من مُزدلفة، وكذلك ما يتعلق بعرفة، وأنه لا بدّ منها:

حديث عروة بن مضرس الطائي: يقول النبيُّ ﷺ: مَن شهد صلاتنا هذه –يعني: في مُزدلفة- وقد أقام بعرفة قبل ذلك، فقد تمَّ حجُّه، وقضى تفثه، هذا يدل على أنَّ مَن وقف بعرفة وشهد مُزدلفة فقد تمَّ حجُّه، يعني: أدرك الحج، وقضى تَفَثَه يعني بإكمال بقية أعمال الحج، وكان عروةُ قد سأله قال: يا رسول الله، إني أتعبتُ راحلتي، وأتعبتُ نفسي، وما تركتُ من جبلٍ إلا وقفتُ عنده، فهل لي من حجٍّ؟ فقال ﷺ: مَن شهد صلاتنا بمُزلفة، دلَّ على أن المبيت بمُزدلفة من الواجبات.

واحتجَّ به العلماءُ على أن المبيت بمزدلفة من الواجبات، قد بات فيها النبيُّ ﷺ، فدلَّ على أنها من الواجبات مع القُدرة، ولا مانع من أن ينصرف منها في آخر الليل، كما أرشد النبيُّ ﷺ الضُّعفاء أن ينصرفوا إذا غاب القمرُ، وفي اللفظ الآخر: "بليلٍ"، يعني: ينصرفون قبل انصرام الليل، فإذا حصل وقوف بمزدلفة غالب الليل فإنه يُجزئ، ولا سيما الضَّعفة، فإنهم لهم رخصة أن يتقدَّموا.

أما عرفة فلا بدّ منها، والأحاديث يُضَمُّ بعضُها إلى بعضٍ، ويُفسِّر بعضُها بعضًا، ولهذا في الحديث الآخر قال -حديث عبدالرحمن الديلي: الحج عرفة، فمَن أدرك عرفة بليلٍ أو نهارٍ فقد أدرك الحجَّ، فعرفة من زوال الشمس إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، هذا كله موقف، بعد زوال الشمس إلى أن يطلع الفجر من ليلة النحر، مَن أتى عرفة فيها في النهار أو في الليل أدرك الحجَّ.

وقال بعضُ أهل العلم أنه يبدأ من طلوع فجر يوم عرفة؛ لقوله في حديث عروة: ووقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، وأطلق، ما قال: بعد الزوال، ولكن الأكثرين يرون أنه بعد الزوال، وحديث عروة بن مضرس ..... وقوفه ﷺ بعد الزوال؛ لأنه بعدما زالت الشمس صلَّى ثم وقف، فدلَّ على أن الوقوف يكون بعد الزوال؛ لفعله ﷺ والناس.

وفي حديث عمر دلالة على أن الانصراف من مُزدلفة يكون بعد الإسفار قبل طلوع الشمس، إذا أسفروا جدًّا قبل أن تطلع الشمس، هذه هي السنة، أن ينصرفوا إلى منى من مُزدلفة، يعني: مَن صلَّى بمزدلفة الفجر ولم يتعجَّل يبقَ في مُزدلفة يذكر الله ويُكبر ويُهلل ويستغفر حتى يُسفر، فإذا أسفر -يعني اتَّضح النور أسفر جدًّا قبل طلوع الشمس- توجَّه إلى منى، هذه هي السنة، قبل طلوع الشمس، وكان الجاهليون يتأخَّرون بعد طلوع الشمس ويقولون: "أشرق ثبير"، فخالفهم النبيُّ ﷺ وأفاض قبل طلوع الشمس.

وفي حديث جابرٍ أنه رمى ﷺ يوم النحر منًى، إذن في منى هو حجّ، هذه هي السنة، والأفضل أن يكون الرمي ضُحًى يوم النَّحر.

وفي حديث ابن مسعودٍ أنه رماها بسبع حصيات من بطن الوادي، جعل البيتَ عن يساره، ومنًى عن يمينه، وجعل يرميها من بطن الوادي بسبع حصيات، كل واحدةٍ لوحدها: الله أكبر، الله أكبر يُكبِّر مع كل حصاةٍ، هذا هو الأفضل، وإن رماها من بقية الجوانب أجزأ، متى سقط الحصى في الحوض كفى، من أي جانبٍ، لكن كونها من بطن الوادي، يجعل البيتَ عن يساره، ومنًى عن يمينه، ويستقبل الشمال، هذا أفضل، ومن كل جانبٍ رمى الجمرات أجزأ ذلك إذا سقطت الحصى في الحوض.

وفي حديث ابن عباس: أن النبي ﷺ لما توجَّه إلى منى أردف أسامة والفضل بن العباس، أردف أسامة في انصرافه من مُزدلفة إلى منى، هذا يدل على أن السنة التَّكبير في الانصراف إلى منى، كذلك روى ابن عباس ذلك، المقصود أنه في انصرافه من مُزدلفة إلى منى ما زال يُكبِّر، فما زال يُلبي حتى رمى الجمرة، هذا هو الأفضل للحاج، عند الانصراف من عرفات يُلبي، وإذا انصرف من مُزدلفة يُلبي حتى يرمي الجمرة، فإذا رماها اشتغل بالتَّكبير، لما أتى الجمرة رماها واشتغل بالتَّكبير عليه الصلاة والسلام، وبذلك ينتهي أمر التَّلبية، بالشروع في رمي الجمرة يوم العيد انتهت التلبيةُ، وصار الحجاج يشتغلون بالتَّكبير، كان الأنصار وقريش يشتغلون بالتكبير.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: متى ينتهي وقتُ الرمي؟

ج: من غروب الشمس من يوم الثالث عشر، إذا غابت الشمسُ في اليوم الثالث عشر انتهى الرمي.

س: هل الوقوف عند المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس واجب أو مُستحب؟

ج: مستحب، كونه يتأخَّر إلى قبل طلوع الشمس هذا هو الكمال، ولو انصرف من أثناء الليل أجزأ عند جمعٍ من أهل العلم؛ لترخيص النبي ﷺ للضُّعفاء، ولكن كونه يبقى حتى يُصلي الفجر ويقف بعد صلاة الفجر حتى يُسْفِر يكون هذا هو الأفضل، وبعض أهل العلم يراه واجبًا على غير الضُّعفاء، على الأقوياء؛ لأنَّ من واجبات الحج في حقِّهم أن يُكملوا حتى يقفوا بعد صلاة الفجر، والأظهر أنه ليس بواجبٍ، ولو انصرفوا آخر الليل لأجزأ، ولكن هذا هو السنة؛ تأسيًا به ﷺ، فإنه وقف بعد صلاة الفجر حتى أسفر، ثم انصرف قبل أن تطلع الشمسُ.

س: المشعر الحرام هو المسجد أو موطن آخر؟

ج: مُزدلفة كلها مشعر.

س: ما هناك مكان مخصوصٌ؟

ج: تُسمَّى: المشعر الحرام، ويُسمَّى الجبل: المشعر الحرام، الذي فيها.

س: إذا رمى الشخصُ ولم تسقط الحصاةُ في الحوض؟

ج: لا يُجزئ، لا بدّ أن تسقط.

س: طيب ماذا عليه؟

ج: عليه دم، إذا كانت انقضت الأيامُ وما رمى عليه دمٌ.

س: وإذا كان في وقت الحجِّ؟

ج: يُعيد الرمي.

س: متى تنقطع التَّلبية؟ هل عند أول حصاةٍ يرميها؟

ج: هذا الأفضل، أن يشتغل بالتَّكبير.

س: مَن أفاض بعد طلوع الشمس يحرم؟

ج: مكروه، ولا شيء عليه، أقول: مكروه، يعني: شابه أهلَ الشرك، لا.

س: هل هو محرم؟

ج: مكروه، محتمل، وعلى كل حالٍ أنه لا ينبغي له؛ لأنَّ التَّشبه بأعداء الله ما يجوز، والأصل فيه التَّحريم، هذا الأصل، أما إذا كان غلبه أمرٌ وما تعمَّد فلا حرج عليه.

س: النساء عند رمي الجمرات يسألون عن التوكيل، هل يُقال لهم: ائتوا بالنساء في الليل؟

ج: لا يجوز التوكيل إلا عند العجز: مريضة أو كبيرة في السن أو لديها أطفال ما تستطيع تركهم تُوكِّل، أما الذي يخشى من الزحام فيذهب في الليل والحمد لله.

س: يرمي في الليل؟

ج: في أي ساعةٍ.

س: كأن يخشى من الزحام؟

ج: النساء والذي يخاف من الزحام يرمي في الليل.

س: إذا شكَّ في الرمي: هل رمى خمسًا أو ستًّا؟

ج: يبني على اليقين، ويجعلها خمسًا، وإذا شكَّ ستًّا أو سبعًا، يجعلها ستًّا ويكمل.

س: ويستمر أيام التَّشريق كلها بالتَّكبير للحاج؟

ج: نعم، مثل ...

س: مَن عقد النية يوم عرفة في عرفة بالحجِّ، كسوَّاقٍ مثلًا نوى أن يحجَّ وهو في وسط عرفة يوم عرفة، هل له الحج؟

ج: هو ما حجَّ؟

س: لا.

ج: ما نوى الحجَّ؟

س: ما نوى الحجَّ، ثم بعد الظهر نوى الحجَّ ... لبَّى ونوى الحجَّ، هل له الحج؟

ج: وهو جاء سوَّاقًا ما نوى الحجَّ، ثم في عرفة نوى؟

س: نعم.

ج: يُجزئه الحجّ؛ لأنه أدرك عرفة، يُكمل أعمال الحج.

س: ............؟

ج: يجوز عند بعض أهل العلم، لكن لا ينبغي؛ لأن الرسول ﷺ رمى مُرتَّبًا، ينبغي للمؤمن أن يتأسَّى بالرسول ﷺ، كل شيءٍ في وقته، هذا هو المشروع.

س: لو أخَّره يكون عمله ..؟

ج: إن شاء الله يُجزئه، لكن خالف السنة.

س: في الليل بالنسبة لرمي الجمرات آخر الوقت متى يعني يكون؟ يعني: هل يكون قبل الفجر بساعةٍ؟

ج: إذا رمى من الليل؟

س: نعم، الذي معه نساء أو مثلاً ... أن يكون في وقتٍ ما فيه زحمة؛ لأنَّ بعضهم يتأخَّر إلى منتصف الليل فيرمون؟

ج: إلى آخر الليل، إلى طلوع الفجر، كله رمي.

س: لكن لو طلع عليه الفجرُ؟

ج: لكن قبل طلوع الفجر.

س: إذا طلع عليه الفجرُ؟

ج: يرمي بعد الزوال.

س: مَن أتى مُتأخِّرًا في الحجِّ، ووقف في مُزدلفة في أول الليل، ثم انطلق إلى عرفة ووقف بها طول الليل، ثم انطلق بعد ذلك إلى منى، كحادثة عمر عندما جاءه الرجلُ فقال له: عليَّ حجٌّ لو ذهبتُ الآن فرجعتُ إلى هنا؟

ج: أنت أَعِدْ سؤالك؟

س: مَن أتى إلى الحجِّ مُتأخِّرًا، ووقف بمُزدلفة في أول الليل، ثم انطلق إلى عرفة ووقف فيها طول الليل، ثم بعد ذلك انطلق إلى منى ورمى جمرة العقبة؟

ج: يعني: ما وقف بمُزدلفة بعد عرفة؟

س: لا، بدأ بمُزدلفة في أول الليل.

ج: وبعدما وقف بعرفة مرَّ على مُزدلفة أم ما مرَّ؟

س: لا، ما مرَّ عليها، انطلق إلى منى على طول.

ج: عليه دمٌ، ذبيحة؛ لأنَّ الوقوف فيها بعد عرفة ما هو قبلها.

س: لكن هنا ركن الوقوف بعرفة ما أتى به، هل يجوز؟

ج: لا، يمرُّ على عرفة.

س: ذهب إلى عرفة في الليل.