1- من حديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، قديمًا وحديثًا، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد، وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرًا حثيثًا، وعلى أتباعهم الذين ورثوا علمهم، والعلماء ورثة الأنبياء، أكرم بهم وارثًا وموروثًا.

أما بعد: فهذا مختصرٌ يشتمل على أصول الأدلة الحديثية للأحكام الشَّرعية، حررتُه تحريرًا بالغًا؛ ليصير مَن يحفظه من بين أقرانه نابغًا، ويستعين به الطالبُ المُبتدئ، ولا يستغني عنه الراغبُ المُنتهي.

وقد بيَّنْتُ عقب كلِّ حديثٍ مَن أخرجه من الأئمَّة؛ لإرادة نُصح الأمة.

فالمراد بالسبعة: أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه.

وبالستة: مَن عدا أحمد.

وبالخمسة: مَن عدا البخاري ومسلمًا، وقد أقول: الأربعة وأحمد.

وبالأربعة: مَن عدا الثلاثة الأول.

وبالثلاثة: مَن عداهم وعدا الأخير.

وبالمُتفق عليه: البخاري ومسلم، وقد لا أذكر معهما غيرَهما.

وما عدا ذلك فهو مُبَيَّن.

وسميتُه "بُلُوغ الْمَرَامِ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ"، واللهَ أسأل أن لا يجعل ما علمنا علينا وبالًا، وأن يرزقنا العملَ بما يُرضيه .

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

بَابُ الْمِيَاهِ

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْبَحْرِ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.

أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ, وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ -وَاللَّفْظُ لَهُ- وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.

2- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ.

أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ.

3- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ, إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ.

أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه، وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ.

4- وَلِلْبَيْهَقِيِّ: الْمَاءُ طهورٌ، إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ, أَوْ طَعْمُهُ, أَوْ لَوْنُهُ بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ.

5- وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل الْخَبَثَ. وَفِي لَفْظٍ: لَمْ يَنْجُسْ.

أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ والحاكمُ وابنُ حبَّان.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فالمؤلف الحافظ ابن حجر رحمه الله أوضح اصطلاحه في هذا الكتاب، والدَّاعي إلى تأليفه لهذا الكتاب، وقد أحسن رحمه الله وأجاد فيه، ونصح الأمة فيما فعل ورحمه، وبيَّن أنه نسب الأحاديث إلى مُخرجيها؛ لإرادة نُصح الأمة، حتى يكون طالبُ العلم على بصيرةٍ.

فالسبعة المراد بهم: أحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه، فإذا قال: السبعة، فالمراد بهم هؤلاء، وإذا قال: الستة، فمراده مَن عدا أحمد، وإذا قال: الخمسة، فمُراده مَن عدا البخاري ومسلم، وهم أحمد وأهل السنن الأربعة، أو قال: أحمد والأربعة، وإذا قال: الأربعة، فالمراد به أصحابُ السنن الأربعة، وإذا قال: متفقٌ عليه، فالمراد به البخاري ومسلم، وقد يذكر معهما غيرهما.

وقد أجاد في هذا الكتاب، فمَن تأمَّل الكتابَ عرف أنه اعتنى به رحمه الله في تخريج أحاديثه ونسبتها إلى مُخرجيها، وهو كتابٌ مختصر حقًّا، يصير مَن يحفظه من بين أقرانه نابغًا، ويستعين به الطالبُ المبتدئ، ولا يستغني عنه الراغبُ المنتهي.

فهو كتابٌ محرَّرٌ جمع جملةً من الأحاديث الصَّحيحة، فجديرٌ بطالب العلم أن يحفظه، وأن يعتني به؛ حتى يعرف جملةً من الأحاديث الصَّحيحة، وجملةً من الأحاديث الضَّعيفة.

ومن ذلك ما ذكر في كتاب "الطهارة": الحديث الأول: وهو قوله ﷺ: الماء طهورٌ لا يُنَجِّسه شيءٌ، وقوله ﷺ في ماء البحر: هو الطَّهور ماؤه، الحِلُّ ميتتُه، هذه روايةٌ عظيمةٌ مفيدةٌ، من جوامع الكلم.

هو الطَّهور ماؤه، الحِلُّ ميتته، والله قال: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96]، وقد دلَّ القرآنُ على أنَّ صيده حلالٌ لنا، وأن طعامه حلالٌ لنا، ودلَّ الحديثُ على ما دلت عليه الآيةُ من أنه هو الطَّهور ماؤه، الحِلُّ ميتته، فالبحر ماؤه طهور، سواء كان نهرًا أو مالحًا، وميتته حلالٌ؛ ولهذا أكل الصحابةُ من العنبر الذي وجدوه على الساحل نحو شهر، وهو حوت عظيم، فالأصل في ميتته وفي سمكه وفي دوابه الحِلُّ، هذا هو الأصل؛ لقوله جلَّ وعلا: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، ولقوله: هو الطَّهور ماؤه، الحِلُّ ميتته.

وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه يحلّ منه ما يحلّ في البر، ويحرم ما يحرم في البر، ولكن لا أدلة على هذا، فظاهر القرآن والسنة أنَّ صيده كله حلالٌ، سواء كان له جنس في البر، أو ما له جنس في البر، وإذا تورع الإنسانُ عمَّا يُشبه الحيوان البري المحرم -كالكلب والخنزير- فلا بأس من باب الاحتياط.

أما الجراد فالصواب أنه بريّ، وليس بحريًّا، ولهذا يعيش في البر ويطير ويرعى، فهو بري، لكن الله أباح لنا ميتته كما جاء في الحديث: أُحِلَّ لنا مَيتتان: الجراد، والحوت.

وفي الحديث الثاني -حديث أبي سعيد- أنه ﷺ قال في الماء: الماء طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيءٌ، وفي حديثٍ: إلَّا ما غلب على ريحه، يدل على أنَّ الأصل في الماء الطَّهارة، هذا هو الأصل، فلا ينجس إلا بدليلٍ، والنَّجاسة التي لا تُغيّره لا تُنَجِّسه، هذا هو الصواب.

الماء طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيءٌ، إلَّا ما غلب على ريحه، أو طعمه، أو لونه، فهذا ينجس بإجماع المسلمين، وإن كان الحديثُ ضعيفًا -الذي فيه التَّغير- لكن معناه صحيحٌ عند أهل العلم، وإذا تغير طعمُه بنجاسةٍ أو ريحه أو لونه صار نجسًا عند الجميع.

أما حديث ابن عمر: إذا كان الماءُ قُلَّتين لم يحمل الخبثَ، يعني: غالبًا؛ لأنه إذا كان قلتين صار كثيرًا لا يحمل الخبث، يعني: يذوب ويذهب ولا يُغيّره؛ لكثرته، هذا هو الغالب، ولهذا قال: لم ينجس.

والقُلَّتان: الشيء الذي بقدر ما يقلّه الإنسانُ، وقيل: مقدارها خمس قِرَب متوسطة بقِلال هجر، كل قلَّة تعدل قربتين وشيئًا، والمقصود أنه الماء الكثير الذي يعدل القُلَّتين، كل قلَّة بقدر ما يقلّها الرجلُ.

لكن لو كان قلَّتين أو أكثر متى تغيّر بالنَّجاسة نجس عند أهل العلم حتى يطهر، إمَّا بإضافة غيره إليه، وإما بزوال النَّجاسة، فلا يطهر إلا بزوال التَّغير: إمَّا بإضافة ماء طهور إليه، وإما بزوالها بنفسها، فيكون على حاله الأولى سليمًا منها، لا أثر لها فيه: لا في لونه، ولا في ريحه، ولا في طعمه، فيكون طاهرًا حينئذٍ.

أمَّا ما دون القُلَّتين فهو يحمل الخبثَ، فينبغي التَّثبت فيه؛ ولهذا جاء في الحديث: إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فَلْيُرِقْهُ؛ لأنَّ الغالب أن الإناء يُحْمَل، إنما يكون فيه قليلٌ ليحمله الإنسانُ، فلهذا أمر النبيُّ بإراقته؛ لأنه يحمل الخبثَ، فإذا كان الماء قليلًا ثم وقعت فيه نجاسةٌ وإن لم تُغيّره فإنه يُراقُ؛ لأنَّ الغالب أنها تُؤثِّر فيه، أمَّا إذا كان لا يُحْمَل لكثرته -وإن بلغت قلَّتين- فالأصل أنَّ الماء طهورٌ لا يُنَجِّسُه شيءٌ، إلا إذا تغيَّر بطعمٍ أو ريحٍ أو لونٍ، فهذا هو الذي ينجس جمعًا بين النصوص: بين حديث أبي سعيدٍ، وحديث ابن عمر.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: الأسماك السَّامَّة في البحر هل تحرُم؟

ج: إذا وُجِدَ شيءٌ يضُرُّ يحرم إن صحَّ، وإلَّا فإننا لا نعلم فيه أسماكًا سامَّةً.

س: فيه حيَّات؟

ج: يُقال: حيوان، ما يُقال: أسماك، يوجد حيوان يضُرُّ فلا يُستعمل.

س: تقسيم أصحاب المياه إلى ثلاثة: طاهر، وطهور، ونجس؟

ج: الأصل المعروف قسمان: طهور، ونجس.

س: الجمع بين حديث أبي سعيد وحديث ابن عمر؟

ج: هو هذا، الجمع بينهما أنه إذا بلغ القُلَّتين في الغالب أنه لا يحمل، المحمول على الغالب.

س: حديث أبي سعيدٍ يُحْمَل على القليل؟

ج: حديث أبي سعيدٍ عام.

س: حديث أبي سعيدٍ صحيح؟

ج: نعم.

س: الجراد هل يُعدُّ صيدًا في الحرم ويجب على مَن صاده شيءٌ؟

ج: الجراد صيدٌ بري، يعيش في البر.

س: يجب على مَن صاده شيء؟

ج: قيمته، إذا قتله عليه قيمته يتصدَّق بها.

س: الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسةٌ؟

ج: يُراقُ مثلما قال النبيُّ ﷺ: إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فَلْيُرِقْهُ.

س: حتى لو لم يتغير أحد أوصافه؟

ج: إذا تغيرت أوصافه نجس، ما في شك، حتى ولو ما تغيرت.

س: المياه المعالجة كيميائيًّا حتى يزول منها الريح والطعم واللون -لون النَّجاسة- هل تطهر بفعل الإنسان؟

ج: أي ماء؟

س: مياه الصرف الصحي التي تُعالج الآن كيميائيًّا حتى تعود ..؟

ج: ما أعرفها، ما معنى هذا الكلام؟

س: يعني: مياه الصرف الصّحي؟

ج: يعني: فيها نجاسة؟

س: نعم.

ج: لا، ما يصلح.

س: تُعالج يا شيخ؟

ج: لا، ما يصلح إلا إذا أُضيف إليها ماء طهور، صارت قُلَّتين ..

س: بمواد كيميائية؟

ج: لا، ما ينفع.

س: هنالك فتوى لكم يا شيخ في اللجنة الدائمة -أنت واللجنة الدائمة- أنَّكم قلتُم: إذا ذهبت عنها أوصافُ النَّجاسة جاز التَّطهر بها؟

ج: ما أعرفها، ما أذكرها، والماء النجس إنما يطهر بإضافة ماء كثير إليه، إذا نجس ما فيه حيلة، لكن إذا أُضيف إليه ماء كثير طَهُرَ.

س: إذا تزوَّج الرجلُ امرأةً ثالثةً، هل ينظر إلى الزوجة الثانية وكونها بكرًا أم ثيبًا من حيث الإقامة عند الثالثة؟

ج: مثل الذي معه واحدة.

س: يعني: ينظر إلى الزوجة الثانية، أمَّا الأولى فلا نظرَ لها؟

ج: كله واحد، سواء واحدة أو ثنتين أو ثلاث، إذا تزوَّج عليهنَّ، إن كانت بكرًا يُقيم عندها سبعًا، وإن كانت ثيبًا فثلاثًا.

س: ما صحة الحديث الذي فيه أن النبي ﷺ كان يُصلي ركعتين بعد صلاة العيد في بيته؟

ج: سنده فيه ضعف، رواه ابن ماجه بإسنادٍ فيه ضعف، وحسَّنه المؤلفُ، لكنه ضعيفٌ، ويأتي الكلامُ عليه إن شاء الله، وقد وهم الحافظُ في تحسينه.

6 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَغْتَسِلْ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي, ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: مِنْهُ.

وَلِأَبِي دَاوُدَ: وَلَا يَغْتَسِل فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ.

7- وَعَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ, أَو الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ, وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا.

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ, وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.

8- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

9- وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ فِي جَفْنَةٍ, فَجَاءَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا, فَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا؟ فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ. وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث من باب المياه، من كتاب الطهارة.

يقول المؤلف رحمه الله: عن النبي ﷺ من حديث أبي هريرة: لا يغتسل أحدُكم بالماء الدَّائم وهو جنبٌ، وفي اللفظ الآخر: لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماء الدَّائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه، ولمسلم: منه.

وهذا يدل على أنه لا يجوز للمسلم أن يغتسل بالماء الدائم، ولا يبول فيه؛ لأنَّ هذا يُقَذِّره على الناس، ويُفضي إلى نجاسته، ولا ينجس بذلك إلا إذا تغيَّر كما تقدم: إنَّ الماء طهورٌ لا يُنَجِّسه شيءٌ، فالتبول في الماء أو الاغتسال فيه لا يُنَجِّسه، لكنه يُقَذِّره، وربما أفضى إلى تنجيسه.

فلا يجوز للمسلم أن يغتسل بالماء الدائم، والماء الدائم: الراكد، مثل: الحوض الراكد، والغدر الراكد، وأشباه ذلك.

أما النهر الجاري فلا يضر؛ لأنَّها تذهب بجريه، فإذا بال في محلِّه ذهب بجريه.

كذلك الحديث الثاني: يقول ﷺ: لا يغتسل الرجلُ بفضل المرأة، والمرأةُ بفضل الرجل، وليغترفا جميعًا، هذا على سبيل الكراهة، ولا بأس؛ ففي حديث ميمونة أنه اغتسل بفضل ميمونة، ولكن الأفضل أن يغترفا جميعًا، قالت عائشة: "كنتُ أغتسل مع رسول الله ﷺ من إناءٍ واحدٍ، تختلف أيدينا فيه من الجنابة".

ويجوز الاغتسال بفضل المرأة ولا حرج في ذلك؛ لحديث ميمونة وما جاء في معناه؛ ولأنَّ الأصل الطهارة، لكن انفرادها به أو انفراده بها قد يحصل فيه بعض التَّساهل، فإذا اغتسلا جميعًا يكون ذلك أكمل وأفضل، وإلا فالأصل الطهارة: إنَّ الماء طهورٌ لا يُنَجِّسه شيءٌ، فالنَّهي للكراهة جمعًا بين الأحاديث الصَّحيحة في هذا الباب، ولهذا قال: إنَّ الماء لا يُجْنِب، فالماء طهور، ولكن ترك الاغتسال فيه بعد فضلها أفضل، وإذا اغترفا جميعًا فلا بأس.

وفَّق الله الجميع.

الأسئلة:

س: معنا بعض فتاوى اللجنة الدائمة حول سؤال الأخ بالأمس، حول تنقيح وتصفية مياه المجاري؟

ج: إذا ذهب تغيُّره باللون والطعم والريح صار الماء طهورًا.

س: نقرأ بعضَ الفتاوى أحسن الله إليك.

ج: ما يُحتاج إلى ذلك.

س: ألا يُقال أنَّ نهي النبي ﷺ أن يغتسل الرجلُ من فضل المرأة منسوخٌ، وهذا أولى من كراهة التَّنزيه؟

ج: لا، ما هو منسوخ، فالأصل عدم النَّسخ، يا ولدي، الجمع هو الواجب، فهناك قاعدةٌ عند أهل العلم أنه إذا تعارض نصَّان وجب الجمعُ، إلا أن يتعذَّر الجمعُ وتتوفر شروط النَّسخ.

س: النبيُّ ﷺ فعل ذلك، فهل يُقال أنَّ فعله ..؟

ج: فعله لبيان الجواز.

س: إذن ليست هناك كراهة؟

ج: لبيان الجواز، ولكن يُكره فعله؛ لأن الرسول نهى عن ذلك؛ جمعًا بين النُّصوص.

س: إذا تناول الماء تناولًا من الماء الراكد واغتسل منه؟

ج: لا بأس، ما يُخالف.

س: الاغتسال في الماء الراكد وهو جنب منهيٌّ عنه فقط بدون البول؟

ج: البول يُنهى عنه، والغُسل يُنهى عنه، فكلاهما منهيان.

س: سواء كان قديمًا أو جديدًا؟

ج: ماذا؟

س: مثلًا: تصبّ عليه الآن في الحوض فيُنْهَى عنه، أم يكون الماء قديمًا؟

ج: إذا كان دائمًا راكدًا، يعني: ما يجري، سواء بال في إناءٍ وصبَّ فيه، أو في وسطه، أو بال فيه، أو اغتسل فيه، أو اغتسل في ماءٍ وصبَّ فيه، كله المعنى واحد.

س: وإن كان كثيرًا؟

ج: مطلقًا، ظاهر الحديث العموم.

س: مَن اغتسل في ماءٍ راكدٍ هل ترتفع الجنابة؟

ج: الأصل في النَّهي إبطال المنهي عنه، فالنهي يقتضي الفساد، هذا الأصل في النهي عند أهل العلم، فالنَّهي يقتضي الفساد حسب المنهي عنه.

س: لكن لو اغتسل للتَّبرد لا بأس؟

ج: لا، تركه أولى؛ لأنه إذا كان لا يجوز مع الحاجة، فتركه للتَّبرد أولى؛ لأنه يُقَذِّره على الناس ويُشوش عليهم.

س: البِرَكُ التي في المزارع يُغَيَّر ماؤها كل ستة أيام أو سبعة أيام؟

ج: ولو، يُسمَّى: ماءً دائمًا.

س: يُسَمَّى: ماءً جاريًا؟

ج: يُسمَّى: ماءً دائمًا الذي في البِرْكَة.

س: ................؟

ج: لا، يغرف منه ويكفي والحمد لله، يجعل له جارف ويغرف.

س: إذا كان البِرْكَةُ أُعِدَّت للسباحة خصيصى؟

ج: كلام النبي مُقَدَّمٌ عليهم.

س: امرأة أُصيبت بجلطةٍ، وأحيانًا تُمَيِّز مَن حولها، وأحيانًا لا تُمَيِّز، فلم تصم، هل عليها أن تُطْعِم، أو يسقط عنها الإطعامُ؟

ج: إن كان عدم التَّمييز يكون في أيام كثيرةٍ وما معها عقلٌ يصير حكمُها كالمعتوه، أمَّا إن كان يعرض لها في بعض الأيام ما يضرّ، مثل: النوم، ما يضرّ، وصومها صحيحٌ، وتقضي ما فاتها.

س: هي لم تصم؟

ج: عليها القضاء، إلا إذا كان عقلها يزول زوالًا تامًّا أكثر من ثلاثة أيام، فإذا زال عقلُها صارت كالمعتوه في الأيام التي زال فيها عقلها، أمَّا إذا كان ذلك ثلاثًا فأقل فيُروى عن عمار أنه أُغْمِيَ عليه ثلاثة أيام وقضى .

س: سائلة تسأل: اعتمرت ولم تُقَصِّر شعرها؟

ج: متى ذكرت تُقَصِّر والحمد لله.

س: حتى في الرياض أو في أي مكانٍ؟

ج: ولو في الطريق، ولو في الرياض، ولو في مكة، ولو في المدينة، متى ذكرت، لكن إذا كان زوجُها قد جامعها فعليها الكفَّارة، وعليها أن تُعيد العمرة.

س: إن جامعها زوجها؟

ج: قبل أن تُقَصِّر جامعها وهي ناسية.

س: وإذا جامعها بعد أن ذكرت؟

ج: بعد أن ذكرت عليها فديةٌ؛ ذبيحةٌ تُذْبَح في مكة للفقراء، وعليها .............. إلا إذا كانت لم تُعِدِ العمرةَ من الميقات الذي أحرمت منه.

س: في مكة؟

ج: من الميقات الذي أحرمت بالأولى منه.

س: الفدية في مكة؟

ج: نعم تُذْبَح في مكة.

س: بالنسبة لبِرَكِ المزارع كبيرة جدًّا؟

ج: ولو كان طولها مئةً أو مئتين.

س: يُعتبر ماؤها راكدًا؟

ج: الرسول قال: لا يُغتسل في الماء الدائم، ما قال: إلا إذا كان أربعة أذرع أو عشرة أذرع.

س: ما حكم الجماعات الثانية؟ ففي بعض المساجد في بعض الدول نجد جماعةً ثانيةً وثالثةً غير الأولى، ويأخذون برواية: أن أبا بكر صلَّى مع أعرابيٍّ، فما حكمهم؟

ج: إذا فاتت الصلاةُ فمثلما قال: مَن يتصدَّق على هذا فيُصلِّي معه، فإذا فاتتهم الصلاةُ وصلّوا جماعةً فهذا الواجب عليهم.

س: هل لهم أجر الجماعة الأولى؟

ج: الله أعلم، إذا كان ما قصَّر فيُرْجَى له، أما إذا كان متساهلًا فيُخْشَى عليه من الإثم؛ لأنه تساهل في عدم إتيان الجماعة الأولى، والواجب عليه المبادرة إلى الجماعة: مَن سمع النِّداء فلم يأتِ فلا صلاةَ له، لكن إذا حصل له عذرٌ ثم أدرك جماعةً أخرى فنرجو له الأجر إن شاء الله.

س: الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسةٌ قليلةٌ جدًّا لم تُغيّره؟

ج: الصواب أنه ما ينجس، إلا إذا كان قليلًا جدًّا؛ مثل: ماء الأواني الذي ولغ فيه الكلبُ فقال النبيُّ ﷺ: أرقه، فإذا كان ماء الأواني العادية فإنه يُراق.

س: زوجة الرَّبيب إذا دخل بأمِّها هل هي مَحْرَمٌ أم أجنبية؟

ج: الرَّبيبة هي المحرم، أمَّا زوجة الربيب فلا ينفعها، ما هي بولدٍ له.

س: إذا كان الماء أقلَّ من قُلَّتين وأصابه رذاذٌ خفيفٌ أو قطرات؟

ج: الشيء القليل الذي ما غيَّر ما يضرُّ إن شاء الله، إلا إذا كان قليلًا جدًّا –مثل: ماء الأواني- فالأحوط إراقته.

س: بعض الناس عنده ولدٌ تربَّى في حجره، ويُناديه هذا الولد بأبي، فيصحّ له؟

ج: ولو قال، مثلما قال النبيُّ للمغيرة: يا بُني، فالعادة أنَّ الكبير يقول للصَّغير: يا بُني.