10- من حديث (أن رسول الله ﷺ رخص في العرايا أن تباعَ بخرصها كيلًا)

بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْعَرَايَا وبَيْعِ الْأُصُولِ والثِّمَارِ

850- عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا: أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا.

851- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا من التَّمر، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أو فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

852- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ والْمُبْتَاعَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: وكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهَا.

853- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رسول الله ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهَى، قِيلَ: ومَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَارُّ، وتَصْفَارُّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

854- وعَنْه : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ، وعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، إِلَّا النَّسَائِيَّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ.

855- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ.

856- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنه قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ الَّذِي بَاعَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث السبعة كلها تتعلق ببيع الثمار، وخرصها، وبيع العرايا:

ففي حديث زيد بن ثابتٍ الدلالة على أنَّ رسول الله رخَّص أن تُباع الثمرة بخرصها تمرًا، على أنهم يأكلونها رطبًا، فلا بأس أن تُباع العرايا بخرصها، لكن فيما دون خمسة أوسق، أو قال: في خمسة أوسق، كما في حديث أبي هريرة.

والعرايا: كون الإنسان يحتاج إلى رطبٍ، وليس عنده دراهم، فيشتري بالتمر الذي عنده النَّخيل –الثمرة- بخرصها تمرًا، ويُعطيه التمر يدًا بيدٍ، هذه رخصةٌ خاصَّةٌ؛ لحاجة الناس إلى الرطب، إذا كان ليس عندهم نقودٌ فيأخذها بخرصها تمرًا، والمشتري يأكله رطبًا، على أن تكون الثمرةُ خمسة أوسق فأقلّ؛ يعني: أقل من خمسة أوسق؛ لأنَّ الشق يقتضي عدم حلّ الخمسة، والوسق ستون صاعًا في أقلّ من ثلاثمئة صاع، لا بأس بذلك، واحدها: عرية، والعرية هي هذه، هي التي تُشترى بخرصها تمرًا، والتمر في رؤوس النخل، فإذا قال العارفون بها أنَّ هذه الثمرة تكون تمرًا ثلاثين صاعًا، أعطاه ثلاثين صاعًا، يدًا بيدٍ، ووصلت الثمرةُ له، استثناءً من مسائل الربا، ولحاجة الناس إلى الرطب، فهو يُعطيه مثلًا بمثلٍ في الخصف، فيما دون خمسة أوسق.

والأحاديث الأخيرة التي بعدها تدل على تحريم بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، لا تُباع الثمرة من تمرٍ، أو عنبٍ، أو زرعٍ حتى يبدو صلاحها، وبدو الصلاح: ذهاب العاهة، يعني: في الغالب يأمن العاهة –الجوائح- يأمن الأخطار: المرض، وفي اللفظ الآخر: حتى تحمارَّ، وتصفارَّ، وفي اللفظ الآخر: حتى يبدو صلاحها، وفي اللفظ الآخر: حتى يسودَّ، وحتى يشتدَّ، كل هذا بيانٌ لبدو الصلاح، وبعض العنب يسود، وبعض ما يسود.

فالمقصود حتى يبدو الصلاح، يعني: حتى تكون حلاوته المعتادة، وتذهب عنه الحموضة، ويبدو صلاح العنب، سواء كان أسود، أو غير أسود.

وقوله: حتى يسودَّ يُشير به إلى النوع الذي يسودّ، وهناك أنواع لا تسود.

فإذا بدا صلاحُ العنب، وبدا صلاحُ التمر والزرع جاز بيعه، ويبقى حتى يُحصد، أو يجزّ من الثمرة، ويقول: هذه الثمرة التي في النخل اشتريتُها منك بكذا، تبقى في رؤوسها حتى يصرمها، إذا كان قد بدا صلاحها، أو: أشتري منك هذا العنب الذي قد استوى بكذا وكذا، أو يبقى حتى يتزبّب؛ لا بأس، وهذا الزرع الذي اشتدَّ حبُّه أشتريه منك حتى نحصده، أما قبل فلا، قبل أن يستوي لا يُشترى، إلا إذا كان للحصد، مثل: أن يحصد الزرع علفًا، أو التمر علفًا، فلا بأس، أما أنه يشتري قبل بدو صلاحه ويبقى لا؛ لأنه لا تُؤمن عاهته، ثم إذا وقعت عاهةٌ تُوضَع، لو اشترى ثمرةً وأصابتها جائحةٌ تكون من مال البائع، تُوضع الجائحة عن المشتري؛ لأنه ما قبضها قبضًا حقيقيًّا، فلو اشترى ثمرةً من النخل ثم أصابته جائحةٌ: جراد أو غيره، فهو من ضمان البائع؛ لأنَّ الرسول أمر بوضع الجوائح؛ لأنه لم يقبض القبض الكلي، ما دام في يد البائع.

وحديث ابن عمر: إذا باع نخلًا قد أُبِّرَتْ، قد أُبرت الثَّمرة، فهي من مال البائع إذا كان قد أبَّر، إذا اشترى نخلًا، وفي ثمرته قد أبرت؛ تكون من مال البائع، تبقى، فإن كان ما بعد أبّر فهو تابعٌ لأصله، إلا إذا شرط المشتري قال: ترى الثمرة تابعة، اشترى النخل وفيه الثمرة، يقول له: الثمرة تابعة، ولو هي مُؤبرة، ولو قد اصفرت واحمرَّت، المقصود أنها تابعة، الشرط ..... إذا شرط المشتري أن الثمرة تتبع تتبع، وإلا فهي تبقى للبائع، إذا باعها والثمرة قد أبرت –بسر- أو قد بدا صلاحها تكون للبائع، تبقى في رؤوسها حتى تجد، إذا كانت أبرت، أما إذا كان لا ما بعد أبّرت فهي تكون للمُشتري، لا للبائع، تبع الأصل.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: إذا كانت الآفةُ بفعل عادةٍ؟

ج: يضمنها، الآدمي يضمنها للمُشتري؛ لأنها ما ضاعت عليه، سواء ضمنها هذا، أو ضمنها هذا.

س: الرّطب الذي في النَّخل أقل من خمسٍ؟

ج: الخرص، يعني: خرصها أقلّ من خمسة أوسق.

س: قوله: "أو خمسة أوسق"؟

ج: شكَّ الراوي، فالمشكوك فيه يُترك، أقلّ من خمسة أوسق، يعني: خمسة أوسق إلا ربع، أربعة أوسق ونصف، يعني: ما تبلغ الخمسة.

س: هذه قاعدة دائمة في الشك إذا كان من الراوي؟

ج: إذا شكَّ في حِلِّ الشيء يعدل إلى الذي ما فيه شكٌّ.

س: حديث جابر: لو بعتَ من أخيك تمرًا فأصابته جائحةٌ؟

ج: تكلمنا عنه، الجائحة معروفة، .....، وكذا التَّمر من ضمان البائع، أو الزرع الذي أتته الجائحةُ وأكله الجراد من ضمان البائع، هذه الجائحة، الجائحة: المصيبة -جراد أو برد أو غيره.

س: قبض الزرع بالتَّخلية؟

ج: كلها بالتخلية.

س: ما يكون قبضًا حقيقيًّا؟

ج: لا، ما هو بقبضٍ تامٍّ؛ ولهذا ..... ما بعد استوى، قبض ناقصٌ، لا بد أن يقبضه بصرامه وحصد الزرع بعدما يستوي.

س: الأمر بوضع الجوائح للوجوب؟

ج: نعم؛ لأنَّ المشتري على خطرٍ، يُبتلى الناس بجوائح النخيل والزروع.

س: بعض المُزارعين ينزل في السوق ثمارًا نصف الاستواء، وهو يُخبرهم أنه لم ينضج بعد؟

ج: ما يُخالف، يشوفونه بأعينهم، هذا مصرومٌ ما يحتاج شيئًا، أخضر، وإلا أحمر، وإلا أصفر، ما فيه شيء.

س: هل ينظر لغالب الثمر إذا رآه صالحًا، يكفي بعضه عن بعضٍ إذا صلح بعضه؟

ج: الباقي تبع، إذا غلب عليه الصلاح ..... ما يضرّ.

 

أَبْوَابُ السَّلَمِ والْقَرْضِ والرَّهْنِ

857- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، ووَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ.

858- وعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وعَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا قَالَا: "كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "والزَّيْتِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"، قِيلَ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالَا: "مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

859- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، ومَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ تعالى. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

860- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانًا قَدِمَ لَهُ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَأَخَذْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ بِنَسِيئَةٍ إِلَى مَيْسَرَةٍ، فبعث إِلَيْهِ، فَامْتَنَعَ.

أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ، والْبَيْهَقِيُّ، ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالسلم، والاستِدانة، والقرض، وسائر المُداينات، الأصل في هذا الباب الإباحة، كما قال الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، فالأصل في المداينات أنه لا حرج في ذلك إذا سُمِّي الأجل، ولم يكن من باب الربا، فلا بأس بالمداينة بشروطها، ولهذا قال ﷺ لما قدم المدينة وهم يُسلفون في الثِّمار السنة والسنتين والثلاث، فقال رسولُ الله ﷺ: مَن أسلف في ثمرٍ، وفي لفظٍ: مَن أسلف في شيءٍ سواء ثمرًا أو غير ثمرٍ، فليُسْلِف في كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ.

فهذا فيه بيان جواز المداينة، وأنه لا حرج في المداينة التي دلَّ عليها القرآنُ، لكن بشرط أن تكون المسألة على يقينٍ، وعلى علمٍ، ما فيها جهالة ولا خطر، والقرآن تُفسِّره السنة، وتُوضِّحه السنة، فإنَّ السنة تُبين القرآن، وتدل عليه، وتُرشد إلى ما قد يخفى فيه، كما قال جلَّ وعلا: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، وقال جلَّ وعلا: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ [النحل:64]، فهو مُبَيِّنٌ عن الله، والمرشد إلى ما قد يخفى، فالسنة تُفسِّر القرآن، وتدل عليه، وتُبينه، وتُعبِّر عنه، وتُوضِّح مُطلقه ومُجمله.

فالمداينة لا بدّ أن تكون على الطريقة المعلومة، فإذا اشترى شيئًا إلى أجلٍ فلا بدّ أن يكون الثمنُ معلومًا، وإن كان المبيع هو المؤجَّل فلا بد أن يكون المبيعُ معلومًا، حتى لا يكون هناك نزاعٌ واختلافٌ، فلا بدّ أن يكون الثمنُ معلومًا، ولا بدّ أن يكون المبيعُ معلومًا، أيّهما كان مؤجلًا لا بدّ أن يكون معلومًا؛ ولهذا قال: فليُسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزنٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ، والأجل نصَّ عليه القرآنُ: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.

وبيَّنت السنةُ أنه لا بد أن يكون معلومًا، فإذا أراد أن يشتري منه تمرًا يقول: مئة صاع، مئة كيلو، مئة وزنة، ألف، ألفان، شيء معلوم مع الأجل؛ حتى لا يقع النزاعُ بعد حين، ولا يقع الاختلاف.

وهكذا إذا كان حيوانًا، ولهذا قال: في شيء، فإذا اشترى منه حيوانات بالذمة يُبين وصفها: ثني، جدع، أي وصفٍ، كل صفةٍ يحتاج بيانها يُبين، حتى لا يقع الاختلافُ بينهما.

كذلك إذا كان حديدًا، إذا كانت ملابس تُوصَف، تُضبط بالوصف، يُبَيِّنها حتى لا يقع النزاعُ بعد ذلك.

وفي حديث عبدالله بن أبي أوفى وعبدالرحمن بن أبزى رضي الله عنهما: أنهم كانوا يُسلفون الناسَ من أنباط الشام التمرَ والشعيرَ والحنطةَ، قيل لهم: هل كان لهم –يعني: مزارع؟ قالوا: ما كنا نسألهم عن ذلك، ما هو شرط، كونه يُسلف في تمرٍ، أو زبيبٍ، أو حنطةٍ، أو غير ذلك، ما هو شرطًا أن صاحبها حرَّاث، قد يشتريها من الناس، ويسلف، فإذا قال له: أنا أشتري منك في الذمة مئة صاع، كل صاع بريال مُعجَّلة، مئة ريـال الآن، وتُسلمنا في محرم من عام 1417، في صفر من عام 1417، أو 1418، يعني: إلى أجلٍ معلومٍ؛ فلا بأس.

أو تقول: في مئة كيلو زبيب، مئة وزنة، مئة صاع، على حسب مكيالهم الذي يستعملونه، فقط إلى أجلٍ معلوم، أو حديد، تكون أوزانَ حديدٍ معلومة، تكون مئة وزن من الحديد .....، مئة وزنة من القطن، من الصوف، إلى أجلٍ معلومٍ، هكذا كان الصحابةُ يشترون من أولئك الشاميين: إلى أجلٍ معلومٍ.

أما إذا كان المبيع حاضرًا فتكفي مُشاهدته، ولو ما في وزنٍ ولا غيره، إذا كانت صورته موجودةً، كومة طعامٍ يشتريها على ما هي عليه، كومة تمر، كومة ثياب يشوفها، يُقلِّبها، ما يحتاج وصفًا، ولهذا أقرَّ النبيُّ ﷺ بيع الصبرة إذا علمها، وعلم سلامتها، فلا بأس، فإذا كان صبرة من تمر، صبرة من عيش شاهده، صبرة من ثياب شاهدها، صبرة من حصى، صبرة من تراب، ما في بأس.

وفي حديث أبي هريرة يقول ﷺ: مَن أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله هذا وعدٌ ووعيدٌ: وعدٌ لمن أخذ المبيع بالحقِّ أنَّ الله جلَّ وعلا يُوفي عنه، يُؤدِّي عنه، فإذا استدان لحاجته إلى الدَّين، ونيته الوفاء، فالله يُوفي عنه سبحانه وتعالى، حسب نيته الطيبة، فإذا تسلف من زيدٍ أرضًا، أو استدان منه دَيْنًا، وهو نيته الوفاء والحرص على الوفاء، فالله يُعينه ويُوفي عنه.

أما مَن أخذ أموال الناس وقصده الخيانة والظلم؛ فإنَّ الله يُتلفه: إما في الدنيا، وإما في الآخرة، وإما فيهما جميعًا -نسأل الله العافية.

فهذا فيه الحثُّ على النية الصالحة في الاستدانة، وأنه يستدين ونيته الصادقة أنه يحرص على الوفاء، ويُؤدي الحقَّ الذي عليه في وقته، فهذا ممن يُعينه الله، وإن كانت له نيَّة أخرى فهو من أسباب التَّضييق عليه، وإيقاعه في الحرج والهلاك -نسأل الله السلامة.

والحديث الرابع: تقول عائشةُ رضي الله عنها أنها قالت للنبيِّ ﷺ: "إنَّ فلانًا قدم ببَزٍّ"، البَزُّ: السلع التي تُباع: ثياب، أو خرق، أو ما أشبهها للبيع، وفي حديث أبي ذرٍّ: وفي البَزِّ الزكاة، يعني: السلعة التي تُجلب للبيع، "فلو بعثتَ إليه واشتريتَ منه ثوبين إلى ميسرةٍ؟" قال: فبعث إليه، فامتنع، امتنع من البيع إلى أجلٍ، إلى ميسرةٍ، وهذا إما أن يكون يهوديًّا، أو يكون منافقًا خبيثًا، فما يمتنع أحدٌ عن البيع للنبي ﷺ إلا وفي قلبه شيءٌ، فهذا المذكور المشار إليه إما أن يكون يهوديًّا، وعداوتهم معروفة، وإما أن يكون منافقًا، وعداوتهم أشدّ وأخبث.

والفائدة من هذا: أنه يجوز البيع إلى ميسرةٍ، تقول له: تبيعني هذه السلعة إلى ميسرةٍ، وأنا أُؤديك، وإن عينتَ فهو أولى، تقول: إلى أجلٍ مُسمًّى بنصِّ القرآن، وبنصِّ السنة: بأجلٍ معلومٍ.

وقوله: "إلى ميسرةٍ" لفظٌ مُجمَلٌ، فالمعنى ميسرة، يعني: إلى أجلٍ معلومٍ يتيسر لي فيه القضاء؛ لأن السنة المجملة والآيات المجملات تُردّ إلى الآيات والأحاديث المفسرات، فالمتشابه يُرَدُّ إلى المحكم، فميسرة هنا يعني: إلى أجلٍ يتيسر فيه الثمن، تقول: يا فلان، أنا محتاج إلى ثوبين، محتاج إلى شاةٍ، إلى شاتين، إلى بعير، إلى بعيرين، لكن إلى ميسرةٍ، إن شاء الله أُوفيك إياها في رمضان، في شعبان، في رجب، الآن ما عندي فلوس، ولكن إن شاء الله يتيسر لي إلى أجلٍ معلومٍ، لا حرج في ذلك، وعليه الصدق، والتَّحري، والحرص على الوفاء بالعهد والأجل، وعدم المماطلة إذا استطاع.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: مَن استدان وهو ينوي بنفسه الوفاء، لكنه يعلم صعوبة الوفاء؟

ج: يُعينه الله ويُسَهِّل له إن كانت نيته الوفاء، وأن لها أسبابًا سوف يعملها فالحمد لله، أما إذا كان يعلم أنه ما عنده شيء فلا يغرّ الناس، أما إذا كان يرجو أنه يأتيه شيء، يرجو غلَّةً من ملكه، له مساعدات تأتيه، يرجو أسبابًا.

س: لكن ما ورد حديثٌ في فضيلة الاستدانة ...؟

ج: ما أذكر شيئًا.

س: لو اقترض مني مالًا، وأعطيتُه إياه، ثم بعد فترةٍ عجز عن تسديد هذا المال، هل لي أن أحسبها من الزكاة؟

ج: لا، تنظره: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ [البقرة:280].

س: وما الحكمة في ألا أحسبها من الزكاة؟

ج: لأنَّك تقي مالك، تسلم من دَين المعسِر، وتجعله زكاةً حتى لا يضيع عليك المال؛ وقايةً لمالك، لا، أمهله، وإذا أعطيتَه لأجل فقره ما في بأس، فقط ما يكون حيلةً، تقول له: أنا أُعطيك حتى تُوفيني، لا، إذا أعطيتَه وقلت: أنت فقيرٌ ومحتاجٌ، وهذه زكاتي، وأُعطيك شيئًا منها، من غير تواطؤٍ ولا شيء؛ فلا بأس.

س: إذا أسلم الشيء المكيل بالوزن، أو أسلم الشيء الموزون بالكيل؟

ج: لا حرج، إذا تراضوا على هذا لا بأس، الصحيح أنه لا بأس.

س: التي يتعامل بها أصحابُ المصانع الآن: يُقدِّم الثمنَ من أجل أن يصنعوا له بضاعةً بمُواصفات معينة، ما هي موجودة الآن، معدومة؟

ج: ..... السيارة إلى أجلٍ معلومٍ ما في بأس، أو يصنع سيارةً، كله، لكن إلى أجلٍ معلومٍ، أوصافًا مضبوطةً حتى لا يقع النزاعُ والخلاف بينهم.

س: إذا قال في السلم: الوصف ليس منضبطًا، فأريد مالي؟

ج: لا بد أن يتَّفقوا على أصلٍ مضبوطٍ، وإلا ما يصحّ البيع، لا بدّ أن يتفرَّقا على شيءٍ معلومٍ قد تراضوا عليه.

س: الشيء المعدود هل يدخل في السلم؟

ج: إذا ضُبط بالصفة ما في بأس.

س: ..... خطر في المكيل والموزون والمزروع فقط؟

ج: إذا ضبط حتى السيارة لا بأس، لو قال: سيارة موديل كذا، وصفتها كذا، لا بأس، المهم الصفة حتى لا يقع النزاع.

س: ................؟

ج: مخرج الغالب.

س: ما هي شروط السلم؟

ج: مثلما تقدم: على شيءٍ معلوم، والشروط الأخرى في محلِّها، لكن إذا أسلف في شيءٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ، فلا بأس، هذا في الذمة مما يُوجد غالبًا.

س: قول بعض الفقهاء أنَّ العقار لا يصحّ السلم فيه؛ لأنه لا يضبط الوصف، هل هو سليم؟

ج: العقار ما يُسمَّى: سلمًا، يُسمَّى: بيع أعيان، إذا كان عنده عقار مضبوط يعرفه فهذا بيع أعيان، ما هو بيع سلم.

س: أسلمه عقارًا، سلمه مئة ألف؟

ج: ما يُسمَّى: سلمًا، هذا بيع عينٍ، العقار موجود، إذا وصف له، إن أمكن أنه ينضبط بالوصف ما في بأس.

س: إذا كانت هذه السلعة تُباع مثلًا الحاضر بألف ريـال، ولكن رفض أن يبيعنيها دَيْنًا إلا بألفين؟

ج: أو بثلاثة، ما يُخالف، أو بأربعةٍ، إذا تراضيتُم إلى أجلٍ معلومٍ لا بأس.

س: كلمة (الدَّين) التي وردت في القرآن تعني: دين السلف الحسنة، أو الدين المشهور، يأخذ زيادةً بحسب المدة؟

ج: الدَّين عام، يعمّ السلم وغير السلم.

س: هل يجوز أن يكون السلم حالًّا؟

ج: ما يكون سلم إلا مؤجلًا، ما يكون حالًّا، لا يُسمَّى: سلمًا إلا مؤجلًا.

س: المهلة التي تنقص قيمة العملة، يذهب الإنسانُ إلى المؤسسة المالية، وتُقرضه مثلًا ألف جنيه، وتقول له: الألف جنيه هذه أنا أُعطيك سندًا فيها بقيمتها بالدولار، فإذا جئتَ أنت بعدما تنزل قيمة الجنيه تزدنا إياها بالدولار؟

ج: إذا استلم شيئًا له ما استلف، يُسلمه له في وقته، وإلا قيمته وقت التَّسليم، مثلما قال النبيُّ ﷺ: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا، وبينكم شيء، فإذا استلف ليرةً لبنانية، أو ليرةً سورية، عند الوفاء يُعطيها نفس العملة التي لا زالت دارجةً، أو قيمتها وقت التَّسليم، وقت القبض، ما هو وقت الأخذ منه والشراء، يُسلمه قيمتها وقت الوفاء، فإذا صار الوفاء بينهم يسلم له في محرم، إذا جاء محرم يُعطيه الليرة، أو قيمتها بالدولار، أو بغير الدولار، لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، قال: يا رسول الله، نبيع بالدَّنانير، ونأخذ الدراهم، ونبيع بالدراهم، ونأخذ الدنانير، قال ﷺ: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا، وبينكم شيء، يوم الوفاء.

س: الفرق بين الكيل، والوزن، الكيل المعلوم، والوزن المعلوم؟

ج: ما تعرف الوزن من الكيل؟ إذا كنتَ ما تعرف اسأل الناسَ عنه.