02 شرح كتاب وظائف رمضان

الصائمون على طبقتين:

إحداهما: من ترك طعامهُ وشرابهُ وشهوته لله ، يرجو عنده عوض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله وعامله، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ولا يخيبُ معه من عامله، بل يربحُ عليه أعظم الربح.

وقال ﷺ لرجل: إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله: إلا آتاك الله خيرًا منه رواه أحمد. فهذا الصائمُ يُعطى في الجنة ما شاء من طعام وشراب ونساء، قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] قال مجاهدٌ وغيره: نزلت في الصائمين.

وقال يعقوبُ بن يوُسف: بلغنا أن الله تعالى يقول لأوليائه يوم القيامة: يا أوليائي، طالما نظرت إليكم في الدنيا، وقد قَلَصَتْ شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وخفقت بطونكم، كونوا اليوم في نعيمكم، وتعاطوا الكأس فيما بينكم، وكلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية.

وقال الحسن: تقول الحوراء لولي الله، وهو متكئ معها على نهر العسل، تعاطيه الكأس: إن الله نظر إليك في يوم صائفٍ بعيد ما بين الطرفين، وأنت في ظمأ هاجرةٍ من جهد العطش، فباهى بك الملائكة، وقال: انظروا إلى عبدي، ترك زوجته وشهوته، وطعامه وشرابه من أجلي، رغبة فيما عندي، أشهدكم أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ، وزوَّجنيك.

وفي الصحيحين عن النبي ﷺ: إن في الجنة بابًا يقال له الريانُ، يدخلُ منه الصائمون، لا يدخل منه غيرهم، وفي رواية: إذا دخلوا أُغلق، وللطبراني عن سهل مرفوعًا: لكل باب من أبواب البرّ بابٌ من أبوابِ الجنة، وإن باب الصيام يُدعى الريانُ.

وله في حديث عبدالرحمن بن سمرة، عن النبي ﷺ في منامه الطويل: ورأيت رجلًا من أمتي يلهثُ عطشًا، كلما دنا من حوضٍ طُرد، فجاءه صيامُ رمضان فسقاه وأرواه.

وروى ابن أبي الدنيا: «أن النبي ﷺ بعث أبا موسى على سريةٍ في البحر، فهتف بهم هاتفٌ: يا أهل السفينة، قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه: أن من عطَّش نفسه في يومٍ حارٍّ كان حقًا على الله أن يُرويه يوم القيامة»، وللبزّار: «في يومٍ صائفٍ، سقاهُ اللهُ يوم العَطشِ».

وللبيهقيِّ عن عليّ مرفوعًا: من منعه الصيامُ من الطعام والشراب، أطعمه اللهُ من ثمار الجنة، وسقاهُ من شرابها.

وذكر ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعًا: الصائمون ينفحُ من أفواههم ريح المسك، وتوضع لهم مائدة تحت العرش، يأكلون منها والناسُ في الحساب.

وعن أنس موقوفًا: إن لله مائدةً لم تر مثلها عينٌ، ولم تسمع أُذُنٌ ولا خطر على قلب بشر، لا يقعدُ عليها إلا الصائمون.

وعن بعض السلف قال: بلغنا أنه يوضعُ لهم مائدةٌ يأكلون منها والناسُ في الحساب، فيقولون: يا ربَّنا نحن نحاسبُ وهؤلاء يأكلون؟ فيقال: إنهم طالما صامُوا وأفطرتُم، وقاموا ونُمتمْ.

ورأى بعض العارفين في منامه، كأنه أدخل الجنة، فسمع قائلًا يقول له: هل تذكر أنك صمت لله يومًا قط؟ فقال: نعم؛ قال: فأخذتني صواني النثار من الجنة. ومن ترك في الدنيا لله طعامًا وشرابًا مدة يسيرةً، عوضهُ اللهُ عنه طعامًا وشرابًا لا ينفدُ، وأزواجًا لا تَمُتْنَ أبدًا.

شهرُ رمضان: فيه يُزوجُ الصائمون. في الحديث: إن الجنة لتزخرف وتُبَخَّرُ من الحول إلى الحول لقدوم شهر رمضان. فتقولُ الحورُ: يا رب اجعل لنا في هذا الشهر من عبادك أزواجًا، تقرُّ أعيُننا بهم، وتقرُّ أعيُنُهم بنا، وفي حديث آخر: إن الحور تنادي في شهر رمضان: هل من خاطب إلى الله فيزوجُهُ؟. مهورُ الحور العين: طولُ التهجد، وهو حاصل في شهر رمضان أكثر من غيره.

والثانيةُ: من الصائمين من يصوم في الدنيا عما سوى الله، فيحفظُ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكر الموت والبلى، ويريدُ الآخرة ويترك زينة الدنيا، فهذا عيدُ فطره يوم لقاء ربه، وفرحه برؤيته. يا معشر الصائمين: صوموا اليوم عن شهوات الهوى، لتدركوا عيد الفطر يوم اللقاء، لا يطولنَّ عليكم الأملُ، باستبطاء الأجل، فإن معظم نهار الصيام قد ذهب، وعيد اللقاء قد اقترب.

إن الأدلة الشرعية دلت على أن الصائمين طبقتان، يعني قسمان: طبقة صامت الصوم الشرعي في رمضان، وهكذا في صيامها التطوعات والكفارات عن محارم الله في رمضان من الطعام والشراب والنكاح، وعن محارم الله في رمضان من المعاصي فلها أجر عظيم وفضل كبير، قد وعدها الله خيرا كثيرا كما قال جل وعلا لأهل الجنة: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24] يعني بما مضى من صيامكم وأعمالكم الطيبة في الدنيا، ويقول جل وعلا فيما تقدم في الحديث الصحيح: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي.

هذه الطبقة صامت عن الطعام والشراب والنكاح وعن كل ما حرم الله، ترجو ثوابه وتخشى عقابه، فلها عنده النعيم العظيم والفضل الكبير في دار النعيم إذا استقامت على طاعة الله، وأدت ما أوجب الله، وتركت محارم الله، وماتت على ذلك لكونها قدمت ما يرضيه، وعملت بطاعته فاستحقت كرامته كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7]، وقال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات: 41] إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ۝ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان: 51، 52] إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] هؤلاء اتقوه فأدوا حقه ففازوا بالنعيم المقيم، ولهم في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولهم الزوجات من الحور العين غير زوجات الدنيا.

فالواجب على المؤمن أن يخلص في صيامه، وأن يجتهد في صيامه، وأن يصون صيامه عمّا يجرحه، وأن يكون في ذلك مخلصا لله راغبا بما عنده، لا رياء ولا سمعة ولا لمقاصد أخرى، ولكن يصوم ابتغاء مرضات الله، وحذر عقابه، يرجو فضله ويرجو إحسانه، ويرجو نعيمه المقيم، فلهذا قال: للصائم فرحتان يفرحهما: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه لما يجد من النعيم المقيم والفضل الكبير عند لقاء ربه.

الطبقة الثانية: صاموا عن محارم الله دائما ليس في رمضان فقط بل في جميع الأوقات، يعني جاهدوا نفوسهم في جميع الأوقات، واستقاموا على طاعة الله، وتركوا محارم الله، ووقفوا عند حدود الله، فهذه الطبقة أفضل الطبقتين وأعلاها قدرا، لأنها جاهدت نفسها لله في جميع الأوقات، هؤلاء عيد فطرهم يوم لقاء ربهم، فهم صائمون عن محارم الله من قول وعمل، يؤدون ما أوجب الله، واقفون عند حدود الله، هؤلاء هم خيرة المؤمنين، وهم السابقون المقربون، وهم الطبقة العليا من طبقات المؤمنين، فلهم عند الله المنزلة العالية والفضل الكبير بسبب إخلاصهم وصدقهم وصومهم عن محارم الله، يعني لكفهم عن محارم الله واجتهادهم في طاعته، مع الوقوف عند حدوده يرجون ثوابه ويخشون عقابه، هؤلاء هم السبق، وهم المقدمون من أولياء الله، وقال جل وعلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]، وقال جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:10-12]، وقال تعالى: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [الواقعة:88-89].

فالجدير بالمؤمن وبالمؤمنة الحرص والجهاد حتى يكون من هذه الطبقة، من طبقة المسارعين إلى الخيرات، السابقين إلى الطاعات، والمجاهدين لأنفسهم في سبيل الله وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

والمسلمون طبقات ثلاثة:

الطبقة الأولى: طبقة الظالم لنفسه، وهو العاصي، هو الذي يموت على بعض المعاصي.

الطبقة الثانية: هو المقتصد، وهو الذي أدى الفرائض وترك المحارم، وليس له نشاط في النوافل.

والطبقة الثالثة: المقربون السابقون، الذين جمعوا بين الخيرين: أدوا الفرائض وتركوا المحارم، وسارعوا إلى الخيرات والتطوعات وأنواع العمل الصالح، هؤلاء هم الطبقة العليا، وهم المذكورون في قوله جل وعلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]، فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ هذا هو العاصي، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فهذا هو البر الذي أدى الواجبات وترك المحرمات، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ وهو المسارع إلى أنواع الخير مع فعل الواجبات وترك المحارم، هو سابق ومسارع إلى أنواع الطاعات التي شرعها الله ولم يوجبها، يرجو فضل الله ويخشى عقاب الله، وينافس في طاعته كما قال تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].

وفق الله الجميع، وجعلنا وإياكم من السابقين إلى كل خير، وأعاذنا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

س: هل يلزم قضاء الدين قبل أداء العمرة؟

الشيخ: إذا كان عنده القدرة بوفاء الدين يؤدي العمرة، وإذا كان ليس عنده قدرة يبدأ بالدين، لأن الدين واجب والعمرة مستحبة، فمن كان عليه ديون فنفقات العمرة يجعلها لبعض الغرماء.

س: إذا كان صاحبه يمهله؟

الشيخ: إذا كان صاحبه محدود شخص أو شخصين ما يخالف.

س: الحج أيضا كذلك؟

الشيخ: والحج كذلك.

س: ما رأيك فيمن يصوم نهاره عن المحرمات، ويعود لها بعد الإفطار كشرب الدخان؟

الشيخ: على خطر عظيم، كونه يعود بعد الفطر إلى المعاصي على خطر، قد يرد عليه صومه، لا حول ولا قوة إلا بالله.

س: ما هو قول الزور؟

الشيخ: يعني الكذب.

س: الكذب فقط؟

الشيخ: قول الزور الكذب.

س: ما يدخل فيه شيء من المحرمات؟

الشيخ: قول الزور: الكذب، والعمل به: أنه يدعي الإيمان ويفعل المحرمات.

س: والعمل به؟

الشيخ: العمل به: يعني تعاطي المحرمات، لأنه يدعي الإيمان، هو بمعنى عنده شيء من الزور من الكذب بتعاطيه المحرمات التي تنقص إيمانه تضعف إيمانه، كل المعاصي تضعف الإيمان.

س: باب الريان الخاص بدخول الصائمين الفرض؟

الشيخ: للصائمين الذين يصومون فرضهم، بمعنى لو أن إنسان أسلم ولم يصم، مات قبل أن يصوم لا يدخل من هذا الباب، وإنما يدخل من أبواب أخرى إذ صار من أهل الجنة، والمقربون والأخيار يدعون من الأبواب كلها.

س: امرأة يا شيخ بها شلل نصفي ولا تتكلم ولا تفعل شيء مقعدة مع الكبر لا تصلي؟

الشيخ: لكن عقلها مع وإلا لا؟

س: لا يا شيخ.

الشيخ: ما عليها شيء لا صوم ولا صلاة.

س: لكنها تسمع عندما تتكلم؟

الشيخ: هل تعقل الأشياء التي تضرها والتي تنفعها؟

الطالب: نعم.

الشيخ: أجل يطعم عنها عن كل يوم مسكين، خمسة عشر صاعا للشهر.

قوله: ولخَلُوفُ فم الصائم: أطيب عند الله من ريح المسك خلُوفُ الفم: رائحةُ ما يتصاعدُ منه من الأبخرة لخلوِّ المعدة من الطعام بالصيام، وهي رائحةٌ مستكرهةٌ في مشامِّ الناس في الدنيا، لكنَّها أطيبُ عند الله من ريح المسك، حيث كانت ناشئةً عن طاعته وابتغاء مرضاته. وفيه معنيان:

أحدُهما: أن الصيام لما كان سرًّا بين العبد وبين ربه في الدنيا، أظهره اللهُ في الآخرة علانية للخلق، ليشتهر بذلك أهلُ الصيام، ويعرفُون بصيامهم بين الناس، جزاءً لإخفاء صيامهم في الدنيا.

وعن أنس مرفوعًا: يخرجُ الصائمون من قبورهم يُعرفون بريح أفواههم، ريحُ أفواههم أطيبُ من ريح المسك رواه الأصبهاني، وفي إسناده ضعف. قال مكحول: يُروَّحُ أهل الجنة برائحةٍ، فيقولون: ربنا ما وجدنا ريحًا مُنْذُ دخلنا الجنة أطيب من هذه الرائحة، فيقالُ: هذه رائحةُ أفواه الصائمين.

وقد تفوح رائحةُ الصيام في الدنيا، فتستنشق قبل الآخرة، وهي نوعان:

أحدُهما: ما يدركُ بالحواسِّ الظاهرة، كان عبدالله بنُ غالبٍ من العباد المجتهدين في الصلاة والصيام، فلما دُفنَ كان يفوحُ من تراب قبره رائحة المسك، فرُؤي في المنام، فسُئل عن تلك الرائحة التي توجدُ من قبره؟ فقال: تلك رائحة التلاوة والظمأ.

والثاني: ما تَسْتَنْشِقُهُ الأرواحُ والقلوب، فيوجبُ ذلك للصائمين المخلصين المودَّةَ والمحبةَ في قلوب المؤمنين؛ وفي حديث الحارث الأشعري عن النبي ﷺ: أن يحيى بن زكريا عليه السلام قال لبني إسرائيل: وآمُرُكم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فيها مسكٌ، فكلُّهم يعجبُه ريحهُ، وإن ريح الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك رواه الترمذي وغيرُه. وفي الحديث: ما أسرَّ عبدٌ سريرة إلا ألبسهُ الله رداءها علانية.

المعنى الثاني: أنَّ مَنْ عبدَ الله وأطاعه، وطلب رضاه في الدنيا بعملٍ، فنشأ من عمله آثارٌ مكروهةٌ للنفوس في الدنيا، فإن تلك الآثار غيرُ مكروهةٍ عند الله، بل هي مستحبةٌ محبوبةٌ له، وطيِّبةٌ عنده، لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، فإخبارُه بذلك للعاملين في الدنيا، فيه تَطْييْبٌ لقلوبهم، لئلا يُكره منهم ما وجد في الدنيا. ورد حديثٌ مرسل: كلُّ شيءٍ ناقصٍ في عرف الناس في الدنيا، إذا انتسب إلى طاعته ورضاهُ، فهو الكاملُ في الحقيقة.

خلوفُ فم الصائمين أطيبُ من ريح المسك. نوحُ المذنبين على أنفسهم من خشيته أفضلُ من التسبيح، انكسارُ المخبتين لعظمته هو الجبر، ذلُّ الخائفين من سطوته هو العزُّ، جوُع الصائمين لأجله هو الشبع، عطشُهم في طلب مرضاته هو الرِّيُّ، نصبُ المجتهدين في خدمته هو الراحة. لما سُلسِلَتْ الشياطينُ في شهر رمضان وخمدت نيرانُ الشهوات بالصيام انعزل سلطانُ الهوى، وصارت الدولةُ لحاكم العقل، فلم يبق للعاصي عذر.

يا غيومُ الغفلة تَقَشَّعِي، يا شموسُ التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي، يا قلوبُ الصالحين اخشعي، يا أقدامُ المجتهدين اسجدي لربك واركعي، يا عيونُ المتهجدين لا تهجعي، يا ذنوبُ التائبين لا ترجعي.

هذه الآثار والأحاديث فيما يتعلق برائحة الصيام، كلها فيها تشجيع للصائمين والترغيب لهم في الصيام، وأن ما قد يظهر من نقص في عرف الناس أو في مشام الناس من آثار الطاعة فهو محبوب إلى الله، ومرضي له ، فهو سبحانه يحب من عباده أن يجتهدوا في عبادته، وأن يخلصوا له العمل، وأن يعاملوه بينهم وبينه سرا، يرجون رحمته ويخافون عقابه جل وعلا، فإذا حصل من رائحة الصوام قد يستنكره الناس أو ينفروا منه الناس فهو محبب عند الله لأنه نشأ عن طاعته، ولهذا في الحديث الصحيح: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

والخلوف ما صعد من الجوف عند قلة الطعام أو عدم الطعام، قد يكون مذموما في مشام الناس ولكنه عند الله رفيع وعظيم، لأنه نشأ عن طاعته، كما أنه سبحانه يحب من عباده أن يخافوه، وأن يذلوا لعظمته، وأن ينكسروا لجبروته، وأن يخافوه ويرجوه، كل ذلك محبوب له ، فالمؤمن يحب أن يكون هكذا ذليلا بين يدي الله، متواضعا راغبا فيما عند الله، خائفا وجلا مشفقا يخشى شر ذنوبه ويخشى ربه، ويخاف عاقبة معاصيه، لا يمن على ربه بعمله، ولا يأمن ولا يتكبر، ولكن يكون بين يدي ربه ذليلا منكسرا، يرجو رحمته ويخشى عقابه ، كما قال تعالى: إنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61].

هكذا أولياء الله عندهم الإيمان والخوف والحذر والخشية لله والمسابقة قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يعني الأنبياء والصالحين يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال جل وعلا في حق خلفاء الرسل ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، وقال جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، وقال سبحانه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وقال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] والعلماء هم الرسل وأتباعهم لأنهم أعلم بالله وأعلم بصفاته، ثم أكملهم خشية لله وأكملهم خوفا من الله الرسل والأنبياء وخلفائهم من علماء الحق هم أخشى الناس لله، كل مسلم يخشى الله، كل مسلم وكل مسلمة يخشى الله، لذلك كلما زاد العلم كلما زادت الخشية لله، فالرسل أعلم الناس بالله هم أكمل خشية كما قال ﷺ: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له.

وهكذا العلماء: علماء الحق، علماء الهدى، هم أخشى الناس لله بعد الأنبياء، وهكذا أصحاب النبي ﷺ أخشى الناس لله وأرفعهم منزلة بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

فينبغي للمؤمن أن يجتهد في الحق والعمل الصالح، وأن يكون له نشاطه فيما يرضي الله ويقربه لديه، وإن كان ذلك قد لا يروق لبعض الناس فلا يهمه رضا الناس في هذه المسائل، ولكن يهمه أن يرضي الله بالعمل الذي يعمله فيرضيه سبحانه، وبالعمل الذي أحبه وشرعه رضي الناس أو كرهوا، وفق الله الجميع.

س: لو استعمل الإنسان معجون الأسنان وهو صائم لقصد تطييب رائحة فمه، هل يحرم من الأجر لأنه أزال الخلوف؟

ج: لا، ليس بالفم، هذا يخفف بعض الشيء، والخلوف يتصاعد كل ساعة، لكن مثل هذا قد يخفف شيئا، فإذا فعله فلا بأس يتمضمض بالمعجون، بالأشنان، وبهذه الأشياء المعمولات التي يعملونها ما يضر.

س: هل يجوز للمرأة النفساء الحافظة أن تراجع من كتاب التفسير حتى لا تنسى القرآن؟

ج: الصحيح أنه لا بأس أن تقرأ إذا خشيت نسيانه، والحائض كذلك، لأنه ليس مثل الجنب، الجنب مدته قصيرة يغتسل ويقرأ، لكن مدة الحائض طويلة والنفساء أطول وأطول، فلا حرج عليها أن تقرأ القرآن لا سيما إذا كانتا تحفظاه، أمّا إذا كانتا لا تحفظاه فمن وراء حائل كالقفازين من وراء حائل.

س: أقول تمس المصحف؟

ج: من وراء حائل مع القفازين.

س: الحجامة تفطر الصائم؟

ج: الصحيح أنها تفطر.

س: أيهما أفضل القيام في أول الليل أو في آخره، وكيف يقسم الليل؟

ج: يقسم ستة أسداس، أفضلها السدس الرابع والخامس، وهو محل قيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سده الأخير، وإن تهجد في الثلث الأخير كفى، وهذا يختلف بطول الليل وقصر الليل، يطول ويقصر على حسب طول النهار.

س: هل الوتر واجب؟

ج: ليس بواجب، الواجب خمس: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، والجمعة.

س: هل هو سنة مؤكدة؟

ج: نعم سنة مؤكدة، ليس هناك واجب إلا خمس صلوات.

س: هل يعاقب إذا تركها؟

ج: ما يعاقب.

س: تركها ما يخشى على صاحبه الذي يتركها؟

ج: لا، نافلة مؤكدة.

س: إنسان لو تعمد تركها ما عليه شيء؟

ج: ما عليه شيء.

س: والسنة عموما هكذا؟

ج: كل النوافل هكذا يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

فصل: في فضل الجودِ في رمضان وتلاوةِ القرآن

في الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبرائيلُ، فيدراسهُ القرآن، وكان جبرائيل يلقاه كلَّ ليلةٍ من شهر رمضان فيدارسُهُ القرآن، فلرسول الله ﷺ حين يلقاه جبرائيل: أجودُ بالخير من الريح المرسلة» ورواه أحمد وزاد «ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه». وللبيهقي عن عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل رمضانُ أطلق كُلَّ أسيرٍ وأعطى كُلَّ سائل».

«الجودُ» هو سعة العطاء وكثرتُه. والله تعالى يوصفُ بالجود، فروي الترمذيُّ عن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه، عن النبي ﷺ: إن الله جوادٌ يحب الجود، كريمٌ يُحبُّ الكرم.

وعن الفضيل: إن الله تعالى يقول كلَّ ليلة: أنا الجوادُ ومني الجودُ، وأنا الكريمُ ومني الكرم.

فالله سبحانه أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان، وفيه أنزل قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

ولما كان الله تعال جبل نبيَّه ﷺ على أكمل الهيئات وأشرفها، كما في حديث أبي هريرة : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، كان رسول الله ﷺ أجود الناس على الإطلاق، كما أنه أفضلهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جودُه يجمع أنواع الجود، وكان جودُه ﷺ يتضاعف في رمضان على غيره من الشهور. كما أن جود ربَّه يتضاعف فيه أيضًا.

وكان ﷺ يلتقي هو وجبريل في شهر رمضان، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم، ويدراسه القرآن الذي جاء به إليه، وهو أشرف الكتب وأفضلها، وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان هذا الكتاب الكريم له ﷺ خلق، بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حث عليه. ويمتنع عمَّا زجر عنه. فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر، لقرب عهده بمخالطة جبرائيل، وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم، الذي يحث على المكارم والجود. ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقًا من المخالط.

وفي تضاعف جوده ﷺ في رمضان بخصوصه فوائدُ كثيرةٌ:

منها: شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه؛ وفي الترمذي عن أنس مرفوعًا: أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضانَ.

ومنها: إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كما أن من جَهَّز غازيًا فقد غزا. ومن خلفَه في أهله بخير فقد غزا.

وفي حديث زيد بن خالدٍ عن النبي ﷺ قال: من فطر صائمًا فله مثلُ أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيءٌ رواه أحمد والترمذي. ورواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها، وزاد: وما عمل الصائمُ من أعمال البرِّ إلا كان لصاحب الطعام، ما دامت قوةُ الطعام فيه.

وفي حديث سلمان المتقدم في فضل شهر رمضان: وهو شهرُ المواساة، وشهرٌ يزادُ فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنُوبِه، وعتقًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن يُنقصَ من أجرِ الصائِم شيءٌ قالوا: يا رسول الله، ليس كلُّنا يجد ما يفطِّرُ الصائم، قال: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن، أو تمرةٍ، أو شربة ماءٍ؛ ومن سقى فيه صائمًا سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأُ بعدها حتى يدخلَ الجنة.

ومنها: أن شهرَ رمضان شهرٌ يجودُ اللهُ فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحمُ من عباده الرحماءُ، كما قال النبي ﷺ: إنما يرحمُ اللهُ من عباده الرحماءُ، فمن جاد على عباد الله، جاد اللهُ عليه بالعطاء والفضل، والجزاءُ من جنس العمل.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي ، عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة غُرفًا يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورِها قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ الصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام.

وهذه الخصالُ كلُّها تكونُ في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصلاة والصيام والصدقة توصلُ صاحبها إلى الله .

قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقةُ تأخذُ بيده، فتدخلهُ على الملك.

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: من تَبعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكرٍ أنا، قال: من تصدقَ بصدقةٍ؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: من عاد منكم مريضًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة.

هذه الأحاديث والآثار عن السلف كلها تتعلق بفضل الجود في رمضان، هذا الشهر شهر عظيم تضاعف فيه الحسنات، وتعظم فيه السيئات، وتكثر فيه حاجة المسلمين إلى العون والمساعدة لصيامهم وقيامهم، وتعطل كثير من مهن العمل، فالمشروع للمؤمن الجود والكرم في هذا الشهر الكريم حسب طاقته، والله يقول : وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، ويقول جل وعلا: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، وكتاب الله الكريم يدعو إلى الإحسان والجود والكرم ويرغب الناس في الخير فالجدير بالمؤمن أن يتخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن وأثنى على أهلها ودعا إليها.

ومنها: الإحسان والجود والمواساة ورحمة الفقراء قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق النبي ﷺ؟ قالت: كان خلقه القرآن.

وذلك في قوله جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] فكان خلقه الدعوة إلى الله وتوجيه الناس إلى الخير والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورحمة الفقراء والمساكين والجود عليهم والإصلاح بين الناس إلى غير هذا من وجوه الخير، كل هذا من خلقه ﷺ، وكل مما جاء به القرآن.

فينبغي للمؤمن أن يتخلق بهذه الأخلاق التي جاء بها هذا الكتاب العظيم، وهو أشرف كتاب، وأصدق كتاب، وجاء بذلك أشرف نبي وأصدق نبي عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك منافع كثيرة:

منها: منفعة له، تضاعف له الحسنات وتعظم له الأجور ويحصل بهذا الخير العظيم.

 ومنها: أنه يتأسى به غيره.

ومنها أن الفقراء ينتفعون بذلك ويعينهم على طاعة الله ورسوله.

فينبغي للمؤمن أن يكون ذا خلق كريم ويجاهد نفسه في توجيه الناس إلى الخير وإرشادهم ونصيحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ويجود عليهم بالمال فإن المال يعين على قبول الحق ويعين على طاعة الله ورسوله لمن وفقه الله.

وهذا الباب فيه الآيات الكريمات وفيه الأحاديث وفيه آثار السلف، وهذا الباب باب الترغيب والترهيب يتساهل السلف فيما يروى فيه من بعض الأحاديث الضعيفة والآثار عن السلف للحث والتحريض والترغيب في الخير، ومن أصح ما جاء في ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ: كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يلقاه جبرائيل في كل ليلة في رمضان يدارسه القرآن، وفي السنة الأخيرة دارسه القرآن مرتين، يعني دارسه ختمتين، هذا يدل على فضل مدارسة القرآن والعناية بالقرآن في هذا الشهر الكريم، وإذا تيسرت المدارسة من الإنسان مع أخيه يتعاونوا على الفهم والحفظ فهذا خير كبير، وفيه تأسي بالنبي ﷺ حين دارسه جبرائيل عليه الصلاة والسلام.

وهكذا ينبغي للمؤمن أن يعتني بإخوانه الفقراء في كل وقت في رمضان وفي غيره، لكن يخص رمضان بمزيد عناية في كثرة الصلاة وكثرة الصدقة وكثرة الدعوة إلى الله، وكثرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عيادة المريض، اتباع الجنائز إلى غير هذا من وجوه الخير، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، واغتنام لهذا الزمان الفاضل الذي تضعف فيه الأعمال.

وفي حديث الصديق الذي قال: أنا يا رسول الله، لما قال: من تصدق اليوم بصدقة؟ قال الصديق: أنا، من عاد مريضا؟ قال:أنا، قال من تبع جنازة؟ قال: أنا، قال: من أصبح صائما؟ قال: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة فيه الحث على التطوع بالصيام وزيارة المرضى والعيادة واتباع الجنائز وكثرة الصوم يصوم الاثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام يوم وفطر يوم، الإنسان يجتهد فيما يستطيع من الخير ولو قل، فإن الخير مطلوب ولو قل.

ومن أعان مسلما على طاعة الله ورسوله فهو على خير عظيم لأن الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول النبي ﷺ: من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا أخرجه في الصحيح، وكذلك يقول جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  [العصر:1-3]، ويقول ﷺ في الحديث الصحيح: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

فهذه أوقات عظيمة كريمة ينبغي للمؤمن فيها أن ينافس وأن يساعد إخوانه المسلمين في طاعة الله ورسوله، ووجوه البر كثيرة: فالصدقة من أبواب البر، والدعوة إلى الله من أبواب البر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبواب البر، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير من أبواب البر، كثرة الصلاة من أبوب البر، كثرة الاستغفار والدعاء كل هذا من وجوه البر وأعمال الخير.

نسأل الله للجميع التوفيق والإعانة على كل خير، ونسأل الله جل وعلا أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يمنحنا جميعا المسارعة إلى مراضيه والوقوف عند حدوده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

س: بالنسبة للذي يساهم في جمع التبرعات لتفطير الصائمين وكذلك خدمتهم في إحضار الطعام هل يكون أجرهم مثل أجر المتبرعين؟

الشيخ: مثل أجر المتبرعين إن شاء الله.

س: هل تجب الإقامة على المرأة للصلاة؟

الشيخ: الإقامة من شأن الرجال.

س: قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] هل نزلت في الصائمين فقط؟

ج: لا، عامة، للصائمين وغير الصائمين، وهكذا قوله جل وعلا: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60].

س: هل هناك زكاة للعسل؟

ج: إذا أريد به التجارة.

س: وكيف يزكى؟ يحسب قيمته الأصلية أو قيمته التجارية؟

ج: إذا أريد به التجارة يقوم كل الذي عنده الذي يصل السوق أما إذا أخذه لنفسه وأكله ما في شيء

س: حديث أنس: أفضل الصدقة في رمضان صحيح؟

ج: ما أعرف سنده، لكن يوسع فيه للترغيب حتى لو ضعف سنده.

س: التعوذ من النار وسؤال الجنة عند قراءة الإمام، هل تجوز في النفل والفرض؟

ج: في النفل فقط إذا دعا تدعو وإذا استمر تنصت.

س: وفي الفرض؟

ج: تركها أولى، تنصت.

س: والدعاء في السجود؟

ج: عام في الفرض والنفل سنة، الدعاء في السجود في الفرض والنفل.

س المال السلف يزكى؟

ج: الذي عنده مال يزكي.

س: تزكيها أنت وهي سلف عندهم؟

ج: يعني أنت مسلفهم إذا كانوا مليئين يعني أغنياء تزكي، وإذا كانوا معسرين ما يلزم تزكيتها.

س: لا يدري عنها شيخ لها عدة سنوات، وهي عند عدة أشخاص يزكيها؟

ج: يسأل عنهم إذا كانوا معسرين ما عليه شيء، وإذا كانوا أغنياء إذا طلب أعطوه يزكيها

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغُ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، والمباعدة عنها، خصوصًا إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: الصيامُ جُنةُ أحدِكم من النار، كَجُنَّتِهِ من القتال، ولأحمد أيضًا: عن أبي هريرة مرفوعًا: الصومُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصين من النار.

وفي حديث معاذٍ ، عن النبي ﷺ أنه قال: الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ. وقيامُ الرجلِ في جوفِ الليل يعني: أنه يطفئ الخطيئة أيضًا، صرح به أحمد. وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: اتقوا النار ولو بِشقِّ تمرةٍ، كان أبو الدرداء يقول: صلُّوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يومًا شديدًا حرَّهُ لحرِّ يوم النشور، تصدقوا بصدقة السرِّ لهول يوم عسير.

ومنها: أن الصيام لا بدّ أن يقع فيه خللٌ ونقصٌ، وتكفيرُ الصيام للذنوب، مشروطٌ بالتحفظ مما ينبغي أن يُتحفَّظَ منه، كما في حديث أخرجه ابنُ حبان، وعامةُ صيام الناس: لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولذا نهى أن يقول الرجلُ: صمتُ رمضان كلُّه، أو قمتُه كلُّه فالصدقةُ تجبر ما كان فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر رمضان زكاةُ الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث.

ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه، فإذا أعان الصائمين على التقوِّي على طعامهم وشرابهم، كان بمنزلة من ترك شهوته لله، وآثر بها وواسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوَّام معه إذا أفطر؛ لأن الطعام يكون محبوبًا له حينئذٍ، فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حُبّه، فيكون في ذلك شاكرًا لله، على نعمة إباحة الطعام والشراب له، وردِّه له بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما يُعرف قدرُها عند المنع منها.

وسئل بعضُ العارفين: لم شُرع الصيامُ؟ قال: ليذوق الغنيُّ طعم الجوع فلا ينسى الجائع؛ وهذا من بعض حكم الصوم وفوائده. وتقدم في حديث سلمان: وهو شهرُ المواساة فمن لم يقدر على درجة الإيثار على نفسه، فلا يعجز عن درجة أهل المواساة.

كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم، ويؤثرون ويطوون. فقد كان ابن عمر يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم، لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءهُ وهو على الطعام، أخذ نصيبهُ من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة، فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا.

واشتهى بعض الصالحين طعامًا، وكان صائمًا فوضع بين يديه وهو صائمٌ، فسمع قائلًا يقول: من يقرضُ المليء الوفيَّ؟ فقال: عبده المعدمُ من الحسنات، وأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا.

وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد: فدفع إليه رغيفين كان يعدُّهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائمًا. وكان الحسن يُطعمُ إخوانه وهو صائمٌ، ويجلسُ يروِّحُهمُ، وهمُ يأكلون.

وله فوائدُ أخرُ: قال الشافعيُّ رحمه الله: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان، اقتداءً برسول الله ﷺ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار تدل على فضل الصدقة مع الصوم، هذا شهر الصيام وشهر الصدقة أيضا، وشهر الجود والكرم، شهر التهليل والتسبيح والتحميد، شهر قراءة القرآن، شهر أنواع الخير كلها، فينبغي للمؤمن أن يتأسى بالسلف الصالح في الاستكثار من الخيرات واغتنام الأعمال الصالحات بأنواعها في هذا الشهر الكريم، وبالأخص الصدقة على الفقراء والمحاويج، والعناية بقراءة القرآن بالتدبر والتعقل والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصلوات في الليل والنهار اغتناما للزمن، يقول النبي ﷺ: الصيام جنة يعني سترة من النار مثل جنة القتال وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم هو جنة لمن أحرزها وصانها، هو جنة من النار لمن صانها وحفظها من سائر المعاصي، وتقدم قوله ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.

وهكذا جاء في حديث عدي بن حاتم ، يقول عليه الصلاة والسلام: إذا كان يوم القيامة فإن العبد ينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، ولفظه: ما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.

ويقول الرسول ﷺ في حديث معاذ: والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل والصلاة في جوف الليل والصدقة على الفقراء كلها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار ومحو الخطايا والسيئات، قال تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

هكذا أولياء الله ينفقون ويحسنون، يرجون ما عند الله من المثوبة، وينبغي للعبد ألا يستكثر ما يفعل، بل ما يقدمه في سبيل الله كله ينفعه قليله وكثيره، كما أنه لا ينبغي أن يستقل بل ينفق ما تيسر من قليل وكثير حسب الطاقة، وكان كثير من السلف يؤثر على نفسه في بعض الأحيان بالطعام بالسحور بالعشاء وغير ذلك، لكن هذا لا يجب إنما الواجب الصدقة من الفضل كما قال النبي ﷺ: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى خير الصدقة جهد مقل ويبدأ بنفسه، هذا هو المشروع يبدأ بنفسه وعائلته، وما كان من فضل يجود منه بعد ذلك هذا هو الأفضل، فإذا جاد على الناس وطوى وآثر على نفسه فهذا فضل كبير، ولكنه لا يجب عليه، وقد مدح الله الأنصار بذلك في قوله جل وعلا: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] هذا من صفاتهم العظيمة قد يطوي ويعطي ما عنده من الطعام للضيف أو للفقير ويبيت طاويا إيثارا لما عند الله من الفضل العظيم والأجر الكبير، ولكن هذا ليس بواجب وليس من المتأكد، بل إذا دعت الحاجة إليه هذا الإيثار وإلا فالواجب أنه يبدأ بنفسه، بمن يعول من أولاده وزوجاته، وما فضل يتصدق به.

وفي الصحيحين يقول ﷺ: اليد العليا خير من اليد السفلى اليد العليا: المعطية المنفقة، واليد السفلى: الآخذة السائلة، ثم قال: وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.

فأنت يا عبدالله تلتمس الخير بالصدقة ولو بالقليل مما تيسر لك، وهناك صدقات ليست مادية كالعناية بالقرآن وتسبيح وتهليل وتكبير، الأذكار، الاستغفار صدقات ليست بالمال، بل لك فيها الخير العظيم والفضل الكبير من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير كما في الحديث الصحيح يقول ﷺ: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة يعني كل مفصل صدقة فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، ويكفي ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ولأن الصلاة تستعمل فيها الأعضاء كلها، هذا من فضل الله ومن تيسيره جل وعلا، نسأل الله للجميع التوفيق.

س: هل يثاب من يتصدق وعليه دين؟

ج: الصدقة العادية الخفيفة لا تضر الدين، لا بأس ويؤجر عليها، أما شيء يضر الدين لا، يبدأ بالدين، أما في الشيء العادي كفضل الطعام والشيء القليل ما يضر سداد الدين، والحمد لله.

س: أحيانا يشترط السائل مثلا إذا أعطيته الطعام قال: أريد مالا، أو أحيانا إذا أعطيته مالا قليلا يرفض؟

ج: ليس برغبة السائل وإنما برغبتك أنت، تعطيه ما تيسر يقبل أو ما يقبل ليس هو الذي يشترط، وإذا شرط فهذا يدل على أنه ليس محتاجا جدا حاجته ضعيفة.

س: عندي تخريج الحديث أفضل الصدقة في رمضان في سنن الترمذي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال: «سئل النبي ﷺ أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ فقال: شعبان لتعظيم رمضان، قيل فأي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي، وقال في إرواء الغليل عن أنس سئل رسول الله ﷺ أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان رواه الترمذي، ضعيف أخرجه الترمذي، وكذا أبو حامد الحضرمي في حديثه، ومن طريقه الحافظ القاسم ابن الحافظ ابن العساكر في الأمالي مجلس، والضياء المقدسي في المنتقى من المسموعات بمرو من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال: «سئل النبي ﷺ أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ فقال: شعبان لتعظيم رمضان، قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: ...» فذكره، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي. قلت: وأورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ضعفوه، وفي التقريب: صدوق له أوهام. قلت: وأشار المنذري في الترغيب برقم 1/79 إلى تضعيف الحديث.

الشيخ: نعم، المقصود أفضل الصدقة جهد المقل، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، كما جاء في الحديث الصحيح: أفضل شهر شهر الله المحرم، ولكن صيام شهر شعبان مستحب كان النبي ﷺ يصومه مرة ويترك مرة، وتارة يصومه إلا قليلا عليه الصلاة والسلام، والصدقة في رمضان مضاعفة من حيث الجملة كسائر الأعمال الصالحة.

س: ما مدى صحة هذه المقولة: ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمت كله؟

الشيخ: يعني من باب التزكية، يقول: إن شاء الله: قد يكون نقص شيء بسبب المعاصي أو شيء من الخلل، لكن يقول: إن شاء الله صمته كله.

س: في الصلاة يقول: إن شاء الله صليت؟

ج: مثل ما يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لئلا يكون هناك نقص بسبب بعض المعاصي.

س: في الصلاة إذا قيل: صليت؟ أقول: صليت، أو أقول: إن شاء الله صليت؟

ج: إن قال هذا بمعنى أنه صلاها كاملة إن شاء الله بهذا المعنى لا بأس.

ودل الحديث أيضًا: على دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له منه. وفيه دليلٌ على استحباب الإكثار، من تلاوة القرآن في شهر رمضان.

وفي حديث فاطمة: أنه أخبرها: «أن جبرائيل كان يعارضه القرآن كُلَّ عامٍ مرَّةً، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين»، وفي حديث ابن عباس: «أن المدارسة بينه وبين جبرائيل: كانت ليلًا». فدلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلًا، فإن الليل تنقطعُ فيه الشواغلُ، وتجتمعُ فيه الهممُ، ويتواطأ فيه القلبُ واللسانُ على التدبر، كما قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6].

وشهرُ رمضان: له خصوصيةٌ بالقرآن، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: إنه أُنزل جُملةً واحدةً من اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في ليلة القدر. ويشهدُ لذلك قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وقولهُ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:3]، والنبيُّ ﷺ بُديءَ بالوحي، ونزل عليه القرآن في شهر رمضان؛ وقد كان النبيُّ ﷺ يُطيلُ القراءة في قيام رمضان بالليل، أكثر من غيره.

وقد صلَّى معه حذيفة ليلة في رمضان فقرأ بالبقرة، ثم النِّساء، ثم آل عمران، لا يمرُّ بآية تخويفٍ إلا وقف وتعوذ، ولا بآية رحمةٍ إلا وقف وسأل، فما صلى ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، رواه أحمد والنسائي. وعنه: أنه ما صلى إلا أربع ركعات.

وكان عُمر : أمر أبيَّ بن كعب، وتميمًا الداريَّ أن يقوما بالناسِ في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في الركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر؛ وفي رواية: أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري، ثم يتعلقون بها.

وروي أن عمر جمع ثلاثة قراء، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس بثلاثين، وأوسطهم بخمس وعشرين، وأبطأهم بعشرين.

ثم كان في زمن التابعين: يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات، فإن قرأها في اثنتي عشرة رأوا أنه قد خفف.

وسئل أحمدُ: عما روي عن عمر، في السريع في القراءة والبطئ؟ فقال: في هذا مشقَّةٌ على الناس، ولا سيما في هذه الليالي القصار، وإنما الأمرُ على ما يحتملهُ الناسُ.

وقال أحمدُ لبعض أصحابه، وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاءِ قوم ضعفاءُ، اقرأ خسمًا، ستًا، سبعًا، قال: فقرأتُ، فختمت ليلة سبع وعشرين.

روي عن الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس: كان يقرأ خمس آيات، ست آياتٍ.

فكلامُ أحمد يدل على أنه في القراءة يراعي حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وقاله غيره من الفقهاء.

وروى أهل السنن عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ لما قام بهم إلى ثُلُثِ الليل، ومرةً إلى نصفِ الليل قالوا: لو نفَّلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له بقيةُ ليلته.

فدل على أن قيام ثُلُثِ الليل أو نصفه يُكتبُ به قيامُ ليلةٍ، لكن مع الإمام. وكان أحمد يأخذ بهذا الحديث، ولا ينصرفُ حتى ينصرف الإمام. وقال بعضُ السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آيةٍ كُتب من القانتين، ومن قام بألف كُتب من المقنطرين رواه أبو داود. ويروى من حديث تميمٍ وأنس مرفوعًا: من قرأ بمائة آيةٍ كتب له قيامُ ليلة وفيهما ضعف.

ومن أراد أن يزيد في القراءة ويُطيل، وكان يصلي لنفسه، فليطول ما شاء، وكذلك من صلى بجماعة يرضون بصلاته. وكان بعض السلف: يختمُ في قيام رمضان، في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في كل سبعٍ، وبعضُهم في كلِّ عشرٍ.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بفضل القراءة في رمضان والصلاة والتهجد بالليل، رمضان هو شهر القرآن، شهر العبادة، شهر الصلاة، شهر الصيام والصدقات، شهر المنافسة في كل خير، فالسنة للمؤمن أن ينافس في كل خير، فليكن كثير الصلاة، كثير القراءة، كثير التسبيح والتهليل والتحميد، هذا شهر عظيم، كثير الصدقة، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك من وجوه الخير.

ومما يدل على فضل المدارسة للقرآن والعناية بالقرآن ما ثبت عن رسول الله ﷺ أنه كان يدارس جبرائيل القرآن في رمضان كل ليلة، وأنه في السنة الأخيرة عارضه القرآن مرتين يعني ختمتين.

فهذا يدل على فضل المدارسة للقرآن، وأن ذلك من السنة التي فعلها النبي ﷺ مع جبرائيل، ويزداد علما بكتاب الله لأن جبرائيل وهو مبلغ عن الله، والذي يأتي به عن الله جل وعلا، وفي هذا فضل بدراسة القرآن عليه.

وفيها أيضا: فضل كونه أنه انتهز الليل، ففي الليل تنقطع الشواغل ويجتمع القلب واللسان ويحصل من الفكر والتأمل أكثر مما يحصل في النهار غالبا، كما قال جل وعلا: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل:6] يعني يتدارسه في الليل، وقال بعض أهل العلم: إنها بعد هجدة وبعد نومة يكون أكمل وأنفع.

فالمقصود أن المدارسة سنة الرسول ﷺ مع جبرائيل، والمدارسة مع أخيك تشجعك على القراءة، قد يكون أعلم منك فتستفيد منه، قد يكون أحفظ منك فتستفيد منه، فالمدارسة للإخوان فيما بينهم، يدرس أخ مع أخيه أو مع أخويه هذا فيه خير كبير وفضل كبير، وتعاون على البر والتقوى.

وأما الصلاة فالسنة فيها مراعاة عدم التطويل على الناس، فالنبي ﷺ قال: أيكم أمّ الناس فليخفف، وقال: إن منكم منفرين. فالسنة مراعاة ما يتحمله الناس ويرغبون فيه في تهجد الليل، وكان الناس في عهد النبي ﷺ يصلون أوزاعا في المسجد، هذا يصلي مع اثنين، وهذا يصلي مع أربعة، وهذا يصلي مع ثلاثة، وهذا يصلي وحده، ثم صلى بهم بعض الليل جميعا، ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك عليه الصلاة والسلام، فجمعهم عمر على تميم الداري، وفي رواية على أبي بن كعب يصلي بهم، وربما صلى بهم ثلاثا وعشرين ركعة، وربما صلى بهم إحدى عشرة ركعة، فالسنة في هذا مراعاة ما لا يشق على المأمومين من القراءة والطول، فليقرأ ويركع ويسجد على وجه لا يكون فيه مشقة، يراعي التخفيف والتسهيل حتى يرغب الناس في العبادة، حتى ينشطوا في العبادة، والأصل في هذا قوله ﷺ: إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف يا أيها الناس إن منكم منفرين، ولما شكا إليه بعض الناس معاذا دعاه النبي ﷺ فقال له: أفتان أنت يا معاذ، أفتان أنت يا معاذ، اقرأ بكذا وكذا فأمره أن يخفف بالناس، وأن يقرأ في الصلوات بالشمس وضحاها، والليل إذا يغشاها، واقرأ باسم ربك، من أوسط المفصل.

فالحاصل أن المؤمن يراعي في هذا إخوانه، فإن كانوا يحبون التطويل وكانوا محصورين معروفين فطول عليهم بإذنهم فلا بأس، وإذا كانوا جماعة لا ينحصرون فليراع فيهم التخفيف وعدم التطويل حتى ينشطوا في العبادة وحتى يرغبوا فيها.

والسنة في التهجد بالليل أن يتدبر وأن يقف عند آية الرحمة يسأل، وعند آية الوعيد يتعوذ، وعند آية الأسماء الحسنى يسبح الله، فإذا مر بقوله: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13] سأل الله أن يكون منهم، وإذا مر بقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان:51]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45] سأل الله أن يكون منهم، وإذا مر بقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] سأل الله أن يكون منهم، وهكذا إذا مر بآيات الوعيد إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [الزخرف:74]، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:14] تعوذ من ذلك، وإذا مرّ بالأسماء الحسنى كـ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] إلى غير ذلك سبح الله بها ، يكون عنده تدبر وتعقل في تهجده بالليل حتى يستفيد من هذه القراءة الفوائد العظيمة كما فعله النبي ﷺ، وفق الله الجميع.

س: كيف يكون التسبيح إذا مر بآيات الأسماء والصفات؟

ج: سبحان الله وبحمده، سبحان الله، سبحان الله، سبحانه وبحمده.

س: للإمام والمأموم؟

ج: أي في التهجد نعم.

س: في النفل والفرض؟

ج: في النفل نعم، التدبر في صلاة الليل، أما الفريضة ما ثبت عنه أنه كان يقف في الآيات، كان يستمر في القراءة عليه الصلاة والسلام لأن الفريضة محلها التخفيف على الناس.

س: إذا كان الإمام لا يسبح ولا يتعوذ ولا يسأل، فما الأفضل أينصت للإمام أن يسبح؟

ج: ينصت ولا يتكلم بشيء، المأموم ينصت ولا يتكلم بشيء.

س: ولو صلى في الفريضة وحده هل ممكن يفعل ما يفعله في النافلة؟

ج: تركه أفضل، ما ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يفعله في الفريضة.

س: ما حكم ختم القرآن في رمضان للإمام؟

ج: فيما تيسر، حسب التيسير لا يشق على الناس، المهم لا يشق على الناس.

س: هل يجب أن يختم القرآن؟

ج: ليس بلازم ولو لم يختم، المهم التخفيف ولو ما قرأ إلا نصف القرآن، أو ثلثي القرآن، وإن تيسر الختم فلا بأس.

س: رجل بخيل على زوجته لا يصرف عليها هل تعطى من الزكاة؟

الشيخ: لا، لا تعطى من الزكاة ولا يتصدق عليها أبدا إلا إذا كانت صادقة تشتكي إلى المحكمة وترفع أمرها أو وليها يرفع أمرها لأنه قد تكذب كثير من النساء.

س: هل كل صلاة التراويح يكتب بها قيام الليل أو لها مدة؟

الشيخ: إذا قام مع الإمام.

فصل

والتراويحُ سنةٌ، وفعلها جماعةٌ أفضلُ. وفعلُ الصحابة لها مشهورٌ. وتلقته الأمةُ عنهم خلفًا بعد سلفٍ. روى أبو بكر عبدالعزيز عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنه ﷺ كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعةً».

قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: له أن يُصلِّي عشرين، كما هو المشهورُ في مذهب أحمد والشافعي؛ وله أن يصلي ستًا وثلاثين، كما هو مذهب مالك؛ وله أن يصلي إحدى عشرة، وثلاث عشرة، وكلٌّ حسنٌ، فيكون تكثيرُ الركعات، أو تقليلُها، بحسب طول القيام وقصره.

وعمرُ رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبيٍّ: صلى بهم عشرين ركعة؛ والصحابةُ رضي الله عنهم منهم من يُقلُّ، ومنهم من يكثرُ، والحدُّ المحدود لا نصَّ عليه من الشارع صحيحٌ.

وكثير من الأئمة في التراويح: يصلُّون صلاةً لا يعقلونها، ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن؛ والمطلوب في الصلاة: حضور القلب بين يدي الله تعالى، واتعاظه بكلام الله إذا يتلى عليه، وهذا لا يحصل في العجلة، فتقصير القراءة مع الخشوع في الركوع والسجود، أولى من طول القراءة مع العجلة المكروهة.

وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة، أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لُبَّ الصلاة وروحها: هو إقبالُ القلب على الله ، ورب قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة: هي التي لا يحصل معها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك له، وينهى عنه. وأما إذا قرأ قراءة بيِّنة، ينتفع بها المصلون خلفه فحسنٌ.

وقد ذم الله الذين يقرؤون القرآن بلا فهم معناه؛ فقال تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] أي تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن: فَهْمُ معانيه، والعمل به، لا مجردُ التلاوة.

ويستحب تحسينُ صوته بالقراءة، لما روى أبو داود وغيرهُ: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن.

كان الزهري رحمه الله يقول إذا دخل رمضان: إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

قال ابن عبدالحكم: كان مالكٌ إذا دخل رمضانُ، يفرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

وقال عبدالرزاق: كان الثوريُّ إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات وأقبل على تلاوة القرآن.

وقال سفيانُ: كان زيد الياميُّ إذا حضر رمضان، أحضر المصاحف، وجمع إليه أصحابه.

كان السلف: يقبلون على تلاوة القرآن في رمضان، فمنهم من يختم في كل سبع، ومنهم في ثلاثٍ، ومنهم في ليلتين، ومنهم في العشر الأواخر من كلِّ ليلة، وما ورد من النهي في أقل من ثلاثٍ فهو محمول على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات الفاضلة، كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي تطلب فيها ليلةُ القدر، وفي الأماكن الفاضلة: فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان. وهو قول أحمد وغيره. وعليه يدل عمل غيرهم.

وقال ﷺ: اقرءوا القرآن، فإنه يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة، وروى الترمذي عن أبي مسعود مرفوعًا: من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف فكيف هذا مع المضاعفة في شهر رمضان؟

وعن ابن عمر مرفوعًا: يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية رواه الترمذيُّ. ولأحمد نحوه عن أبي سعيد: ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر آية منه.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بكثرة قراءة القرآن في هذا الشهر الكريم، مع قيام رمضان والعناية بالصلاة في هذا الشهر الكريم، والله جل وعلا شرع لعباده أن يصوموه وأن يقوموه، والصيام فريضة والقيام سنة كما في الحديث الصحيح: كتب الله عليكم صيامه، وسننت لكم قيامه.

ويقول ﷺ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة.

وكان الرسول ﷺ يصلي من أول الليل ما تيسر في العشرين الأول، وفي العشرة الأخيرة يحيي الليل بالعبادة والصلاة.

وقد قام بهم عدة ليال: ثلاث ليال وصلى بهم، فلما رآهم كثروا خاف أن تفرض عليهم، وقال: صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة. فلما استخلف عمر ورأى الناس يصلون في المسجد أوزاعا هذا يصلي مع ثلاثة، وهذا يصلي مع أربعة، وهذا يصلي مع اثنين، فجمعهم على إمام واحد، وأمر أبي رضي الله عنه يصلي بهم، فربما صلوا ثلاثا وعشرين، وربما صلوا إحدى عشرة، وربما صلوا ثلاث عشرة، ومن صلى ثلاثا وعشرين أو ستا وعشرين أو أكثر من ذلك لا حرج، لقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، ولم يحدد حدا لصلاة الليل صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى.

قال جل وعلا في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64]، وقال في أهل الإيمان: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، وقال جل وعلا: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] فالتهجد مشروع وليس له حد محدود، وأفضله إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، ومن أوتر بثلاث أو بسبع أو بخمس أو تسع أو أكثر من ذلك، فكل ذلك واسع والحمد لله؛ لأن الرسول ﷺ لم يحدد حدا، بل أطلق للناس في قيام الليل، والأمر في هذا واسع، إلا أنه يختم بالوتر، يجعل الوتر هو الآخر ويصلي صلاة راكدة لا يعجل فيها، بل يطمئن يخشع لله لأن المقصود من الصلاة ولبها هو الحضور فيها للقلب والخشوع فيها لله، هذا المقصود من الصلاة، قال جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] فالواجب الطمأنينة وعدم العجلة، وأن يجمع قلبه لسانه وجوارحه على هذه العبادة فيصلي صلاة مطمئنا فيها خاشعا فيها، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ولا يجوز أن ينقرها كما يفعل بعض الناس، بل يجب أن يطمئن، فالطمأنينة ركن في الصلاة لا بد منها، وعلى حسب إطالته في ركوعه وسجوده يكون عدد الركعات.

والسنة أن يقرأ قراءة واضحة ويرتل فيها حتى يخشع الناس ويستفيدوا، ويطمئن في ركوعه وسجوده ويسبح ما تيسر ثلاث مرات، خمس مرات، سبع مرات، سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود، يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، يدعو بما تيسر في السجود ويكون خاشعا مطمئنا ليس بعجل، إذ المقصود حضور القلب بين يدي الله، والعناية بتسبيحه وتعظيمه ودعائه والاستغاثة به جل وعلا، ولهذا يقول ﷺ: ليس منا من لم يتغن بالقرآن يعني يحسن صوته بالقرآن، هذا يدل على أن هذا متعين، لأن تحسين الصوت يسبب الخشوع واستفادة الحاضرين والمستمعين، ولما سمع أبا موسى يقرأ في بعض الليالي جعل يستمع له، فلما حضر أبو موسى قال: يا أبا موسى إني سمعت قراءتك البارحة، وقال: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود، قال: يا رسول الله لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا.

المقصود أن السنة في القراءة الطمأنينة وعدم العجلة والتخشع وتدبر القرآن؛ لأن المقصود من التلاوة التدبر وليس المقصود مجرد التلاوة، يقول النبي ﷺ: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شفيعا يوم القيامة لصاحبه.

ويقول ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما، ويقول ﷺ: من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ويقول سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، ويقول : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

فالمشروع للمؤمن والمؤمنة العناية بالتدبر والتعقل والإكثار من التلاوة لقصد الفائدة، قصد العلم، قصد خشوع القلب والاستفادة من كلام الله عز وجل، وأن يخشع قلبه فيرق قلبه ويعمل ويعلم ما يتلو، وإذا رتل القرآن وختم في كل ثلاث أو في خمس أو في سبع فلا بأس.

والأفضل ألا يختم في أقل من ثلاث، أقل شيء ثلاث، كل يوم عشرة أجزاء حتى يتدبر، حتى يتعقل، حتى لا يعجل، وفق الله الجميع.

س: الذي يصلي التراويح في بيته هل ينقصه قيامه مع الإمام أو ينقصه أشياء كثيرة؟

ج: ينقصه فضل الجماعة والأمر واسع.

س: نسمع بعد نهاية التلاوة في الإذاعة وغيرها يقول: صدق الله العظيم، ما رأي سماحتكم؟

ج: هذا القول ليس بمشروع، هذا اعتاده الناس وهو غير مشروع، ما كان يفعله النبي ﷺ ولا الصحابة فتركه أولى.

س: ما يدخل في البدع؟

ج: محل نظر لأن بعض أهل العلم يحتج بقوله: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [آل عمران: 95] ولكن ليس هذا بحجة لأن الرسول ﷺ ما حفظ عنه أنه كان إذا تلا أو الصحابة يأتون بهذا، فيخشى أن يكون بدعة.

س: بعض الناس إذا أوتر الإمام وسلم قام وشفع الركعة حتى يصلي في بيته ويوتر؟

ج: إن شفعها فلا حرج ويوتر في آخر الليل لا بأس، وإن ترك الشفع وانصرف مع الإمام فهو أحسن إن شاء الله، ويصلي في الليل ما تيسر من دون وتر، يصلي في آخر الليل ما تيسر من دون وتر لا وتران في ليلة، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.