20- من حديث (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)

بَابُ الْوَقْفِ

931- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

932- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وتَصَدَّقْتَ بِهَا، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ؛ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، ولَا يُورَثُ، ولَا يُوهَبُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وفِي الْقُرْبَى، وفِي الرِّقَابِ، وفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وابْنِ السَّبِيلِ، والضَّيْفِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ ولِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، ويُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: تَصَدَّق بِأَصْلِهِا، لَا يُبَاعُ، ولَا يُوهَبُ، ولَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ.

933- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ .." الْحَدِيثَ، وفِيهِ: وَأَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّه. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب يتعلق بالأوقاف، والأوقاف جمع وقف، والوقف هو تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة، سواء كان الأصلُ أرضًا، أو دابةً، أو سكنًا، أو غير ذلك.

يُسبله يعني: يحبسه، يبقى لا يُباع، ولا يُوهَب، ولكن تُنفق ثمرته وغلته في وجوه الخير، هذا يُقال له: وقف، سُمِّي: وقفًا؛ لأنه موقوفٌ لا يُتصرف فيه، ولا يُباع، ولا يُوهَب، وهو من سنة المسلمين، ومما شرعه الله، ومما ينفع الله به الأجيال القادمة، أوقاف المسلمين ينفع الله بها الجمَّ الغفير، إذا كانت أوقافًا جيدةً في سبيل الله نفعت الأمة.

ومما ورد في ذلك: حديث أبي هريرة ، يقول النبيُّ ﷺ: إذا مات ابنُ آدم انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له، الشاهد قوله: صدقة جارية يعني: بعد الموت تبقى له هذه الصدقة؛ يحبس أرضًا تُؤجَّر، وتُصرف أجرتُها في الفقراء والمساكين، في الجهاد، في تعمير المساجد، في مُساواة الأقارب، إلى غير هذا.

وهذا معنى صدقة جارية، يعني: الأصل موجود، وثماره تمشي، سواء كانت الثمرة دراهم، أو حبوبًا، أو ثمارًا، أو غير هذا مما يدره العقارُ المُسْبَل.

أو علم يُنتفع به وهذا فيه فضل العلم، وأن المعنى: الإنسان إذا مات وخلف كتبًا أو تلاميذ قد انتفعوا به، بقي له الأجرُ مُستمرًّا في التلاميذ وتلاميذ التلاميذ الذين تعلَّموا، والكتب التي ألَّفها، وفي المحاضرات والنَّدوات التي أقامها، وانتفع بها الناسُ، يبقى له أجرٌ.

أو ولد صالح يدعو له كذلك يلحقه دعاءُ أولاده، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ولَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، فالدعاء ..... من الأولاد وغيرهم، لكن من الولد الصالح له مزية وخصوصية، إذا دعا لوالده بإحسانه إليه.

وذكر الصالح لأنه أقرب إلى الإجابة، فالولد الصالح أقرب إلى الإجابة من الولد الفاجر -نسأل الله السلامة.

والحديث الثاني حديث عمر في قصة وقفه ما حصل له من خيبر: لما فتح الله على نبيه خيبر في أول سنة سبعٍ من الهجرة، وقسم أموالهم بين الصحابة، وصار لعمر من ذلك ما قسم للأنصار، وذكر عمرُ للنبي أنه أنفس شيءٍ عنده من المال –العقار- فقال: إن شئتَ حبستَ أصلها، وتصدَّقْتَ بها، لا يُباع أصلها، ولا يُوهَب، ولا يُورَث، مثلما جاء في رواية البخاري: تصدَّق بأصلها: لا يُباع، ولا يُوهَب، ولكن يُنفق ثمره، فتصدَّق بها للفقراء، وذي القربى، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف بالجود والإحسان، يُعطى منها القريب الفقير، ويُنفق منها في الجهاد، وللضيف، ولأبناء السبيل، والوكيل له أن يأكل منها بسبب تعبه، أو يأمر له الحاكمُ بشيءٍ معينٍ، أو يأكل منها هو وعائلته في مقابل تعبه بالمعروف، من دون إسرافٍ ولا تبذيرٍ، وله أن يتصدق؛ أن يُطعم صديقًا منها غير متموّلٍ .....، لكن فقط بقدر تعبه يُنفق، ويأكل، ويلبس بقدر تعبه، ويُهدي بعض جيرانه وبعض أصدقائه بعض الشيء، من غير إسرافٍ ولا تبذيرٍ، لا بأس.

وهذا الحديث –حديث عمر– أصلٌ كبيرٌ في الوقف.

والحديث الثالث حديث أبي هريرة: أن الرسول ﷺ بعث عمرَ على الصدقة، فقيل: منع ابنُ جميل، وخالد بن الوليد، فقال: ما ينقم ابنُ جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله، وهذا الحديث رواه مسلم، وفيه منع ابن جميل، والعباس عمّ النبي ﷺ، وخالد بن الوليد.

فقال النبيُّ ﷺ في ابن جميل: فما ينقم إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله، يعني: ما له عذر، وأما العباس فهي عليَّ ومثلها، وأما خالد؛ فإنَّكم تظلمون خالدًا، فقد احتبس أدراعه في سبيل الله، احتبس يعني: سبلها، هذا الشاهد، يعني: جعلها وقفًا، هذا يدل على جواز توقيف الدرع والسلاح في سبيل الله، وأنه لا بأس به، وما هو بشرطٍ أن يكون عقارًا، فإذا وقف سيوفًا في سبيل الله، أو وقف بنادق في سبيل الله، أو مدفعًا في سبيل الله، أو دُروعًا في سبيل الله؛ لا بأس، يُوقف أسلحةً، سيارةً في سبيل الله، مطيةً، بقرةً، غنمًا، كل هذا لا بأس به، ملابس.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: بالنسبة لبيع الوقف؟

ج: إذا تعطلت منافعه يُباع، وقال بعضُ أهل العلم: إذا كان البيعُ بما هو أصلح جاز، من باب نفع الواقف؛ فإذا كان في محلٍّ ما هو مناسب، أو قلَّت ثمرته، فباعه لما هو أصلح؛ فلا بأس.

ولكن المشهور عند العلماء: إذا تعطلت منافعه، أو شبه متعطل، مثل: حارة انتقل أهلها، صار البيتُ ما عاد يُساوي شيئًا، أجرته قليلة، يُباع، ويُلتمس بيتٌ آخر في محلٍّ مرغوبٍ.

س: ...........؟

ج: في وجوه البرِّ .....: صدقة على الفقراء والمساكين، تعمير المساجد، الإنفاق على المجاهدين، وما أشبه ذلك، إذا قال: وقف..

س: ............؟

ج: ..... أما إذا قال: لا، فقط فيه أضحية، محطة وقف، لا بأس ..... يُسمُّونها: دفينًا، يخرجون الأضحية ..... ويبيعونها ..... تبقى الأضحية ..... ثابتة، مثل: لو قال: هذا البيت بمئة ريـال للصدقة في خمسين ريالًا، يُسمِّيها العامَّةُ: دفينًا، يعني: باع وتصرَّف فيها، وتبقى هذه تابعة له.

س: والباقي للورثة؟

ج: للورثة، إذا ما أوقفها.

س: الوقف كان في الجاهلية أم الإسلام أتى به؟

ج: ما أتذكر.

س: إيجار بيت الوقف؟

ج: يُؤجَّر، سواء كان بيتًا، أو أرضًا، يُؤجَّر وتُصرف الأجرةُ فيما عيَّنه الواقفُ.

س: إذا أوقف عمارةً وقال: إيجارها لكم، ولكن إذا متُّ واحتاجها أولادي أخذوها؟

ج: هذا ما هو بوقفٍ، هذا تبرُّع بالأجرة.

س: الكتب هل تُعتبر من العلم؟

ج: نعم، وقف، الكتب من العلم.

س: لكن أوقفها في بيته لبيته؟

ج: ما تُسمَّى: وقفًا إلا إذا أوقفها، أما إذا أوقفها على الورثة -لعياله ميراثًا- ما تُسمَّى: وقفًا، لكن إذا انتُفِعَ بها يُرجى له الخير.

س: إذا أوقف ماله كلَّه؟

ج: إذا كان صحيحًا ..... مثلما قال لكعب بن مالك: أمسك عليك بعض مالك، أمسك يعني: خلِّي لك شيئًا ..... وأوقف ما تيسر؛ حتى لا يضطر، يكون فقيرًا يشحذ الناس .....

 

بَابُ الْهِبَةِ والعمرى والرقبى

934- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكُلُّ ولَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَارْجِعْهُ.

وَفِي لَفْظٍ: فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ: أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، واعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، ثم قَالَ: أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا لَكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا إِذًا.

935- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثم يَعُودُ فِي قَيْئِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثم يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ.

936- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ وابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ، ثم يَرْجِعَ فِيهَا; إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي ولَدَهُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، والْأَرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالهبة والعطية، وأنه لا يجوز للمسلم أن يخصَّ بعضَ أولاده بشيءٍ دون البقية، ولا أن يعود في الهبة بعدما يُمضيها، ليس له الرجوع فيها.

في هذا الحديث: أن بشير بن سعدٍ الأنصاري رضي الله عنه أعطى ابنه النُّعمان رضي الله عنه غلامًا، وجاء به إلى النبي ﷺ ليُشهده على ذلك، فقال له النبيُّ ﷺ: أكل ولدك أعطيتَهم مثل هذا؟ قال: لا، قال: اتَّقوا الله، واعدلوا بين أولادكم، وفي لفظٍ: أشهد على هذا غيري، إني لا أشهد على جورٍ.

فهذا يُوضِّح لنا أن الوالد ومثله الوالدة ليس لهما أن يخصُّوا بعض الأولاد بعطيةٍ؛ لأنَّ الله جلَّ وعلا أوجب عليهم الإحسان إلى الأولاد، والعدل فيهم، فلا يجوز أن يخصُّوا بعضَهم بعطيةٍ دون بعضٍ؛ لأنَّ هذا يُفضي إلى القطيعة وعدم البرِّ؛ ولهذا قال: أيسُرُّكَ أن يكونوا في البِرِّ سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذًا، فإنهم إذا أُعطي بعضهم وتُرِكَ البعض تغيَّرت الأحوال، وساءت حال المتروكين، وأفضى بهم ذلك إلى العقوق.

وهذا غير النَّفقة، أما النفقة فلا؛ على حسب الحال، يُنفق على المحتاج، ويدع الغني، ما تُسمَّى: عطية، هذه تُسمَّى: نفقة، إذا كان عنده أولاد فُقراء صغار أو كبار، فقراء ما عندهم أسباب، يُنفق عليهم، ولو أن الآخرين عندهم أسباب، وعندهم غنى، ما لهم نفقة، هذا ما يُسمَّى: جورًا، ولا يُسمَّى: عطية، مثلما يُنفق على أبنائه الصِّغار، ويترك الكبار؛ لأنَّ الله قد أغناهم.

فالحاصل أن النفقة شيء، والعطية شيء، لكن باب النفقة لفقرهم وحاجتهم، فهذا ليس فيه تسوية، فيُنفق عليهم بقدر حاجتهم: الذي يحتاج خمسة ريالات، والذي يحتاج عشرة، والذي يحتاج عشرين ريالًا يوميًّا، على حسب أحوالهم في النفقة، فالصغير له حال، والمتوسط له حال، والكبير له حال: في كسوتهم، ونفقاتهم، وهكذا الذكور والإناث، ما كان من باب النَّفقة من الفقر والحاجة فهذا يتقيَّد بقدر الحاجة والفقر.

أما العطايا التي يُعطيهم وهم أغنياء، ليسوا بحاجةٍ إلى نفقته؛ فليس له أن يخصَّ أحدًا بعطيةٍ، بل إما أن يُسوِّي بينهم، وإما أن يدعهم.

وفي الحديث أيضًا: تحريم الرجوع في الهبة، وأن الإنسان إذا أعطى عطيةً شرعيةً ليس له الرجوع فيها، وقد مثَّل الراجع في ذلك بالكلب الذي يقيء ثم يرجع في قيئه، وهذا مثلٌ فيه تنفيرٌ من هذا العمل، وفي اللفظ الآخر: ليس لنا مثل السَّوء، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يقيء ثم يَرْجِعُ فِي قَيْئِه، وهذا تنفيرٌ عظيمٌ، وتشديدٌ، فإذا أعطيتَ زيدًا أو عمرًا عطيةً فليس لك الرجوع فيها، أو أعطيتَ الفقير صدقةً ليس لك الرجوع فيها، وأما قبل ذلك فأنت بالخيار: إن شئتَ أعطيتَ، وإن شئتَ لم تُعطِ، لكن متى أعطيتَه ودفعتَها إليه ملكها، وليس لك الرجوع، إلا الوالد فله الرجوع خاصةً؛ لحديث ابن عمر وابن عباس: أن النبي ﷺ قال: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِيَ الْعَطِيَّةَ ثم يَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي ولَدَهُ؛ لأنَّ الولد ملكٌ لأبيه: أنت ومالك لأبيك، فلا بأس للوالد أن يرجع في عطيته خاصةً؛ لحديث: أنت ومالك لأبيك، وحديث في الصحيح: إنَّ أطيب ما تُنفقون من كسبكم، وإنَّ أولادكم من كسبكم.

فلا بأس أن يرجع الوالدُ في عطية ولده خاصةً، أما عطية غيره -كعطية أخيه، أو عمه، أو ابن عمه، أو ابن أخيه، أو غير ذلك كالأجنبي- فليس له الرجوع فيها، إنما هذا في عطية الولد فقط؛ لأنَّ الولد كسبٌ لأبيه، ومن جملة ماله: أنت ومالك لأبيك، فلا بأس أن يرجع في العطية إذا رأى ذلك.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: إذا كان أحدُ الأولاد مُتفرِّغًا لطلب العلم، هل للوالد أن يهبه دون إخوانه الآخرين؟

ج: هذا من باب النَّفقة، ما هو من باب العطية، إذا أنفق عليه لأنه تفرَّغ لطلب العلم ما في بأس.

س: ما يدخل في العطية؟

ج: لا، ما يدخل، يُنفق عليه ما دام في طلب العلم.

س: إذا وهب لأحد أولاده، والبقية راضون؟

ج: إذا كانوا مُرشدين ورضوا لا بأس.

س: إذا وهب الوالدُ أحدَ أولاده، ثم تُوفي، فهل تعود الهبةُ إلى الورثة؟

ج: لهم الرجوع على الصحيح، وبعض أهل العلم يرى أنه لا رجوعَ فيها بعد الموت، والصواب: له الرجوع .....، يجعلها في التركة، إلا إذا سمح إخوانُه فلا بأس.

س: القسم يكون كما ورد في القرآن؟

ج: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء:11]، نعم، إذا عدل فيهم يجعل للذكر مثل حظِّ الأنثيين، هذا هو العدل.

س: رجلٌ أُعطي من عقيقةٍ، ثم أمرته أمُّه أن يردَّها، فالحال في هذه ..... آخذ نفس اللحم أم أُعطي رجلًا آخر؟

ج: أمه تقول له: لا تقبل؟

س: نعم، قالت: لا تقبلها، ردّها.

ج: يُعطيها بعض الفقراء، ما في شيء.

س: ردُّوها عليَّ، ثم أخذتُها، هل ينطبق عليَّ حديثُ رسول الله ﷺ؟

ج: أنت ما راجعتُهم، هم الذي ردُّوها؟

س: نعم، هم الذين ردُّوها.

ج: لا، ما عليك شيء.

س: إذا وهب الوالدُ لأولاده شيئًا، ثم رجع فيه وقال له: هذا الشيء لك؟

ج: نعم؟

س: إذا وهب الوالدُ لأحد أولاده شيئًا، ثم زاد هذا الموهوب عند هذا الولد، زاد من نفس جنسه؟

ج: يرجع عليه بالزيادة؛ لأنَّ العطية باطلة.

س: إذا الوالدُ أعطى بمناسبةٍ: كنزول بيتٍ مثلًا، أو شراء سيارةٍ؟

ج: نعم؟

س: إذا أعطى عطيةً بمناسبةٍ: كنزول بيتٍ، أعطاه مثلًا مبلغًا من المال؟

ج: إذا رضي إخوانه لا بأس، وإلا لا يُعطيه إلا إذا رضي إخوانه المكلَّفون المرشدون .....

س: إذا كان الوالدُ ميسورًا، وتزوَّج أحدُ أبنائه وأعطاه، فلما جاء الثاني كانت حاله ما يقدر، هل يلزم الوالدُ بأن يُزوِّج مثل ابنه السابق؟

ج: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، إذا زوَّج الأول لأنه محتاجٌ زوَّجه، ما يلزمه أن يُزوِّج الثاني إن كان ما عنده قُدرة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.

س: كان ميسورًا في زواج الأول، أما في الثاني فكانت حالته المادية يعني؟

ج: ما عليه شيء؛ لأنه ما قصد التَّخصيص، إنما زوَّج هذا لأنه قادر، والثاني ما قدر.

س: ابنٌ يعمل عند والده في الشركة، ويُعطيه زيادةً على مرتبه، يُعطيه بعض الحوافز حتى يزيد في الإنتاج، زيادةً على مُرتبه؟

ج: ليس له ذلك، إلا إذا أعطى إخوانه.

س: لكنه في مصلحة الشركة؟

ج: ولو، الشركة له، ما دامت الشركةُ له، مصلحته هو.

س: هل يجوز أن آخذ قرضًا من البنك؛ حيث إنني في حاجةٍ ماسَّةٍ جدًّا جدَّا، علمًا بأنَّ القرض مئة ألف ريـال، وحيث يأخذ البنك الفائدة مُقدَّمة؟

ج: لا، ما يجوز، القرض بالربا ما يجوز، لا من البنك، ولا غيره، إذا أعطاك أحدٌ قرضًا من دون ربا لا بأس: ألف بألف، ألفان بألفين، لا بأس، أما قرض بزيادةٍ ما يصلح، من كلِّ أحدٍ.

س: ما الضابط في أخذ الوالد من مال ولده؟

ج: ما لا يضرُّه، ما لا يضرُّ الولد، إذا كان الولدُ نفقته مئة ريـال يوميًّا، ويأخذ الوالدُ منه شيئًا يضرُّه لا، يمنع، نفقة عياله مُقدَّمة على أبيه.

س: ............؟

ج: فيها تفصيل: إن كان أخذُها منه قد ينفع -قد يجرُّه إلى الإسلام، أو لا يضرّ المسلم- فلا بأس، أما إن كان أخذُها يضرّ المسلم -قد يُفضي إلى الموالاة، والمحبة، أو العشرة- فليتركها، لا يأخذها، النبي ﷺ أخذ من قومٍ، وترك من قومٍ.

س: العائد في هبته يُعتبر كالمنَّان؟

ج: لا، أشد.

س: مَن وعد شخصًا آخر بشيءٍ، ثم أخلف، هل يأثم؟

ج: الأصل في المواعيد أنها مُوجبة، والإخلاف من صفة المنافقين، إذا وعدوا أخلفوا، هذا الأصل، إلا لعلَّةٍ شرعيةٍ: كعجزٍ، أو ضاع المتاع، أو تغيَّر المعطى، يعني: لأسبابٍ شرعيةٍ.

س: ما يُسمَّى: بنقل القدم، الترغيب أنه يطلع من المحلِّ هذا بمبلغٍ من المال؟

ج: إذا تمَّت مدته ما له شيء، المال لصاحبه، هو ..... إذا تمت مدته لا يُعطى شيئًا، هذا أخذ بغير حقٍّ، عليه أن يُسلم المالَ لصاحبه: يُسلم البيت أو الدكان لصاحبه ما دامت تمت المدة، أما إذا بقيت مدة ..