شرح الأصول الثلاثة 3

الأصل الثالث:

معرفة نبيك محمد ﷺ وهو محمد  بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم ، وهاشم من قريش ، وقريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .

وله من العمر ثلاث وستون سنة ، منها أربعون قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبيا رسولاً ، نبئ بـ اقْرَأْ [العلق: 1]

وأرسل بـ (المدثر). وبلده مكة ، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد . والدليل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ ۝ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ۝ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ۝ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ۝ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ۝ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ  [المدثر: 1 - 7] ومعنى قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 2]: ينذر عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد . وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر: 3]: عظمه بالتوحيد . وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ  [المدثر: 4]: أي طهر أعمالك عن الشرك . وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ  [المدثر: 5]: الرجز : الأصنام ، وهجرها : تركها وأهلها ، والبراءة منها وأهلها .

أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد ، وبعد العشر عرج به إلى السماء ، وفرضت عليه الصلوات الخمس ، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة والهجرة فريضة الله على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .

 

الشيخ: الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه أما بعد: فقد أراد المؤلف رحمه الله بهذه الرسالة الموجزة بيان الأصول الثلاثة وما يتعلق بالبعث والنشور والجنة والنار وشرائط الصلاة والقواعد الأربع التي يدور عليها الإسلام وتقدم ما يتعلق بالأصل الأول وهو معرفة الرب جل وعلا وأنه ربنا رب جميع العالمين وأنه المعبود الحق ليس لنا إله سواه بل هو معبود العباد بالحق جنا وإنسا كما قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  [الذاريات: 56] فالمؤلف رحمه الله وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أراد بهذه الرسالة تلقين العامة الذين قد لا يتسع وقتهم لقراءة الكتب وحضور حلقات العلم فيستفيدوا من هذه الرسالة الموجزة أصول دينهم والبصيرة في دينهم فالأصل الأول أن على المكلف من رجل أو امرأة أن يعرف أن الله ربه وخالقه ومعبوده الحق وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود حق إلا الله هو سبحانه المربي للعالمين بنعمته وهو خالقهم ورازقهم وهو المستحق لأن يعبد جل وعلا كما قال سبحانه وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ  [البينة: 5] الآيات .

ثم الأصل الثاني : دين الإسلام تعرف دين الإسلام بالأدلة وتقدم بيان دينك ما هو دينك الذي أنت خلقت له وهي العبادة التي خلقت لها العبادة التي خلقت لها هي دين الإسلام الذي هو عبادة الله وحده وترك الإشراك به وأداء فرائضه من صلاة وغيرها وترك محارمه  هذا هو دين الإسلام كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ  [آل عمران: 19] تقدم أنه ثلاث مراتب الإسلام والإيمان والإحسان الإسلام الأعمال الظاهرة من صلاة وصوم وزكاة وحج وجهاد ونحو  ذلك يقال له الإسلام لأن المسلم يؤديها بذل وخضوع وانقاد قد أسلم وجهه لله وهو يؤدي ما أوجب الله عليه عن إسلام يعني عن ذل وخضوع وانقياد له سبحانه بطاعة أوامره وترك نواهيه والبراءة من عبادة غيره وممن عبد غيره والإيمان ما يتعلق بالقلوب من التصديق بالله وأنه رب العالمين وأنه المستحق للعبادة والتصديق بالملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت والجنة والنار والقدر خيره وشره كل هذا يتعلق بالقلوب وهو أصل من الأصول لا بد منه فلا إسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام لا بد من هذا وهذا فلا بد من إسلام الجوارح ولا بد من إسلام القلوب وإيمانها ولهذا جمع الله بين الأمرين في كتابه العظيم جميع الإسلام والإيمان جميعا وهكذا الرسول ﷺ ذكرهما جميعا فالإسلام هو الانقياد الظاهر بطاعة الله وترك معصيته والإيمان ما يتعلق بالقلوب وتصديقها ويطلق هذا على هذا وهذا على هذا فإذا قيل الإيمان عم الجميع وإذا قيل الإسلام عم الجميع إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ  [آل عمران: 19] يعم ما يتعلق بالباطن وما يتعلق بالظاهر وهكذا الحديث الصحيح: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق هذا الإيمان يعم الجميع الإيمان يعم أركان الإسلام ويعم جميع الأعمال الظاهرة كما يعمل الباطنة فالإيمان يشمل هذا وهذا كما أنه يشمل الإحسان  .

ثم ذكر أدلتها كما تقدم من الآيات كما ذكر حديث جبرائيل حديث السنة سؤال جبرائيل عن الإسلام والإيمان والإحسان وتقدم.

بقي الأصل الثالث وهو معرفة نبينا محمد ﷺ على الإنسان أن يعرف نبيه من هو نبيه الذي أرسله الله إليه وبلغه الرسالة وبين له الشرائع التي أمر الله بها وأوضح له العبادة التي خلقنا له هذا النبي هو محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء وهو رسول هذه الأمة هو آخر الأنبياء وخاتمهم وهو رسول هذه الأمة عليه الصلاة والسلام الجن والإنس أرسله الله لنا جميعا قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا  [الأعراف: 158] وقال سبحانه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا  [سبأ: 28] فاسمه محمد واسمه أحمد أيضا واسمه الحاشر والماحي والمقفي لأنه خاتم الأنبياء ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة كلها من أسمائه وأشهرها وأفضلها وأعظمها محمد الذي سماه به أهله وجاء به القرآن مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح: 29] وهكذا أحمد كما بشر به عيسى وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] فهو محمد بن عبد الله أبوه اسمه عبد الله وجده عبد المطلب وعبد المطلب لقب واسمه شيبة بن هاشم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم جده أبو أبيه هاشم وهاشم سيد من سادات قريش كما أن عبد المطلب كان رئيس فيهم وهاشم من قريش وقريش قبيلة عظيمة هي أفضل العرب والنبي من خاصتها من بني هاشم بنو هاشم خاصة قريش وأفضل قريش وقريش أبوهم فهر بن مالك وقيل النضر بن كنانة جدهم أولاد فهر أو النضر بن كنانة يقال لهم قريش وسمي العرب يعني المستعربة العرب التي استعربت لسانها واتضح لسانها وصار لها لسان واضح فهي أكثر العروبة من القحطانية  ولهذا يقال لهم العرب المستعربة والعرب المستعربة من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل إسماعيل هو أبو العرب وهو جد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وإبراهيم أبو العرب والعجم جميعا جاء من ذريته العجم ومن ذريته العرب فإسحاق أبو العجم ومنهم اليهود ومنهم بنو إسرائيل كلهم من ذرية إسحاق بن إبراهيم وابنه يعقوب فالمقصود أن إسماعيل هو جد نبينا ﷺ  وإسحاق جد بني إسرائيل أخو إسماعيل على نبينا وعليهم جميعا وعلى إبراهيم الصلاة والسلام وهذا النبي العظيم وهو محمد ﷺ نبئ باقرأ أول ما أنزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق: 1] هذا أول شيء نزل عليه وصار به نبيا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1] أتاه جبرائيل وهو في الغار غار حراء فاقرأه هذه السورة ثم بعد مدة يسيرة فترة يسيرة جاءه بالمدثر وصار رسولا لقوله يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ  [المدثر: 1] المدثر الملتحف لأنه بعدما جاءه الوحي اشتد عليه الأمر وقال زملوني زملوني دثروني دثروني من شدة ما أصابه من الخوف لما رأى جبرائيل عليه الصلاة والسلام مرات ثم قال له اقرأ تمهيدا لأعباء الرسالة وعظمتها ثم قال الله يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1، 2]يعني قم فأنذر الناس فصار رسولا بالنذارة وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر: 3] عظمه بالتوحيد  وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4] طهر أعمالك من الشرك الثياب تطلق على الأعمال لأنه ما بعد فرضت الصلاة ذاك الوقت ما هناك صلاة مفروضة المراد بالثياب هنا الأعمال كما قال تعالى وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26]  فالعمل الصالح يسمى لباسا وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ  [المدثر: 5] الرجز الأصنام وهجرها تركها والبراءة منها وأهلها أخذ على هذا الأمر عشر سنين يدعو إلى التوحيد ويحذر من الشرك عليه الصلاة والسلام عشر في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله وخلع عبادة ما سواه وترك عبادة الأصنام والأوثان ويخص الله بالعبادة بدعائهم ونذرهم وذبائحهم وغير ذلك ثم بعد هذه العشر عرج به إلى السماء عليه الصلاة والسلام رفع إلى السماء مع جبرائيل وفتحت له السماوات إلى موضع رفيع فوق السماء السابعة يسمع فيه صريف الأقلام ثم ناداه الله جل وعلا وكلمه سبحانه وفرض عليه الصلوات الخمس فرضها خمسين أولا ثم لم يزل ﷺ يطلب التخفيض والتخفيف حتى جعلها الله خمسا قال هي خمس وهي خمسون في أم الكتاب يعني من حافظ على الخمس وأداها كتب الله له أجر الخمسين الحسنة بعشر أمثالها  فنزل بذلك عليه الصلاة والسلام واستقرت الفريضة خمس صلوات في اليوم والليلة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر صلاها في مكة ثلاث سنين قبل أن يهاجر ثم هاجر المدينة عليه الصلاة والسلام بعدما اشتد على قريش اذى له آذوه وآذوا أصحابه وأتعبوهم فأذن الله له بالهجرة بالانتقال من مكة لأجل آذاهم ...[11:22] إلى المدينة لما بايع الأنصار في ...[11:27] مكة وقت موسم الحج وبايعوه على أنه ينتقل إليهم ويهاجر إليهم وأنهم ينصرونه رضي الله عنهم وأرضاهم فلما تمت البيعة هاجر إليهم وكان بعض أصحابه قد هاجر قبل ذلك إلى الحبشة ومكثوا عند النجاشي مدة ثم هاجر البقية إلى المدينة فلما استقر في المدينة عليه الصلاة والسلام جاء الذين في الحبشة المهاجرون الذين في الحبشة جاءوا بعد ذلك إلى المدينة واستقرت الأمور في المدينة والحمد لله ويأتي بيان بقية كلام الهجرة في الدرس الآتي إن شاء الله وفق الله الجميع.

...[12:18] كلام لابن حجر

فلما استقر في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام ، مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام . أخذ على هذا عشر سنين ، وبعدها توفي صلاة الله وسلامه عليه. ودينه باق ، وهذا دينه . لا خير إلا دل الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه . والخير الذي دلها عليه التوحيد ، وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، والشر الذي حذرها عنه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه .بعثه الله إلى الناس كافة ، وافترض طاعته على جميع الثقلين ، الجن والإنس ، والدليل قوله تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158] وكمل الله به الدين ، والدليل قوله تعالى : فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا  [المائدة: 3] والدليل على موته ﷺ قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30-31].

والناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى  [طه: 55].وقوله تعالى : وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ۝ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [نوح: 17- 18]. وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، والدليل قوله تعالى : وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31]. ومن كذب بالبعث كفر، والدليل قوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن: 7].

الشيخ: تقدم أنه ﷺ لما اشتد به الأذى وأصحابه في مكة من المشركين أذن الله له بالهجرة إلى المدينة وكان المسلمون في مكة مضطهدين معذبين من جهة كبار قريش وسفهائهم والنبي ﷺ كذلك ناله من الأذى الشيء الكثير وكان في حياة عمه أبي طالب محميا بعض الشيء بواسطة عمه أبي طالب وبني هاشم فلما مات أبو طالب اجترأ عليه كفار قريش أكثر واشتد عليه الأذى عليه الصلاة والسلام وعلى أصحابه فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة عليه الصلاة والسلام فهاجر إلى المدينة بعدما قدم عليه الأنصار أيام الحج وبايعوه في منى عليه الصلاة والسلام البيعة العظيمة بيعتين وتعاقدوا معه على أنهم يحمونه وينصرونه إذا هاجر إليهم وأنهم يحمونه مما يحمون به نسائهم وذرياتهم وقد صدقوا رضي الله عنهم وأرضاهم فأوفوا بما قالوا وجاهدوا في سبيل الله وناصروا الرسول والصحابة وجاهدوا معهم في بدر وفي أحد وفي الأحزاب وفي الفتح رضي الله عنهم وأرضاهم فلما استقر في المدينة بعد الهجرة أمره الله ببقية شرائع الإسلام من الزكاة وصيام رمضان وحج البيت والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المدينة صارت دار إسلام وهي العاصمة الأولى للمسلمين  فلهذا امروا  بهذه الأمور لأنهم يتمكنون حينئذ من الأمر والنهي وهذا من رحمة الله أن أجل هذه الواجبات إلى أن هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام وكان أصل الزكاة مشروعا في مكة  كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا [الأنعام: 141] الآية ولكن أنصباؤها ومصارفها وتفاصيل أحكامها كل هذا صار في المدينة وهكذا صيام رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة وهكذا الحج بعد ذلك بسنوات شريعة الحج يعني إيجاب الحج في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة أنزل الله فيه قوله تعالى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97]في سورة آل عمران وهي مدنية وهكذا الجهاد أمر به في المدينة وكان أولا يجاهد من قاتله ويكف عمن كف عنه ثم أمر بأن يبدأهم بالقتال وأن يجاهد الكفار وإن لم يبدؤوا يبدأهم ويدعوهم إلى الله ويرشدهم إليه فإن أجابوا وإلا قاتلهم حتى يستجيبوا للحق إلا أهل الكتاب فإنه يقبل منهم الجزية إذا  أخرجوا الجزية وسن الله للمجوس مثلهم شرع الله في حق المجوس مثلهم إما الإسلام وإما الجزية وبقية الكفرة إما الإسلام وإما السيف مع القدرة وبعدما أكمل به الدين وأتم به النعمة توفاه الله إليه بعد عشر سنين من هجرته مكث في المدينة عشر سنين ثم توفي عليه الصلاة والسلام بعدما بلغ البلاغ المبين وأكمل الله به الدين وأتم به النعمة كما قال الله جل وعلا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3]وقال جل وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ۝ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30، 31]والناس إذا ماتوا يبعثون كل الناس هكذا سوف يموتون آخرهم يتبع أولهم وسوف يبعثون جميعا كما قال تعالى وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ۝ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا [نوح: 17، 18] وقال سبحانه زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن: 7] وقال سبحانه وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31] فهم محاسبون ومجزيون يوم القيامة ويعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم السعيد يعطى كتابه بيمينه والشقي يعطى كتابه بشماله السعيد يرجح ميزانه والكافر يخف ميزانه  وأصحاب المعاصي على خطر قد يرجح ميزانهم بالتوبة أو بعفو الله سبحانه أو بالحسنات التي ترجح ميزانهم وقد يخف ميزانهم فيكونون للنار ويعذبون بها ما شاء الله من العذاب ثم يخرجهم الله من النار بسبب موتهم على الإسلام فالواجب على المكلف أن يحذر سيئات العمل وأن يلزم التوبة والاستقامة لأنه لا يدري متى يهجم عليه الأجل فالحزم كل الحزم أن يأخذ بالعزيمة وأن يجاهد نفسه حتى يستقيم على الحق والتوبة النصوح من جميع الذنوب حتى إذا هجم عليه الأجل إذا هو على خير عمل على استقامة فيفوز بالسعادة والنجاة يوم القيامة والرسول ﷺ مرسل لجميع الناس للجن والإنس  كما قال سبحانه قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158] وقال سبحانه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28]وهو خاتم الأنبياء ليس بعده نبي عليه الصلاة والسلام وهكذا الرسل جميعا كما يأتي كلهم أرسلوا للدعوة إلى توحيد الله وطاعته كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله وفق الله الجميع

وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165].

وأولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد ﷺ، وهو خاتم النبيين ، والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى : إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء: 163].

وكل أمة بعث الله إليهم رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن الطاغوت. والدليل قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله .قال ابن القيم رحمه الله تعالى معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، والطواغيت كثيرون ، ورؤوسهم خمسة : إبليس ـ لعنه الله ـ ، ومن عبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  [البقرة: 256].

وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، وفي الحديث : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " . والله أعلم.

الشيخ: يقول الشيخ محمد رحمه الله في كتابه ثلاثة الأصول وهي أصول الدين الأصل الأول: معرفة الرب والثاني معرفة دين الإسلام بالأدلة والثالثة معرفة النبي عليه الصلاة والسلام تقدم الكلام عليها وأن هذه الثلاث هي أساس الدين وهي الملة وهي التي يسأل عنها العبد في قبره من ربك وما دينك ومن نبيك ترجع إليها جميع الأحكام جميع الأعمال ترجع إلى هذا ترجع إلى معرفة الرب والدين ومعرفة النبي ﷺ وجميع الأحكام الشرعية ...[26:45] انقطاع الصوت الإسلام داخلة في الإسلام لله والخضوع لأمره وترك نهيه وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين كل الرسل هكذا كما أرسل محمدا بشيرا ونذيرا  فهكذا الرسل جميعا من أولهم إلى آخرهم من أولهم نوح كما وقع الشرك في قوم نوح أرسل الله إليهم نوحا وقبله آدم نبي مكلف ونبي رسول أرسله الله إلى ذريته يعبدون الله بالشريعة التي جاء بها أبوهم آدم عليه الصلاة والسلام وكانوا على الإسلام والاستقامة حتى وقع الشرك في قوم نوح  فلما وقع الشرك في قوم نوح أرسلهم الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام وهو أول رسول إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك وكل أمة بعث الله إليهم رسولا من نوح إلى محمد أمة هود وهم عاد أرسل الله إليهم هودا بعد نوح ثم أرسل الله صالحا إلى قومه ثمود ثم أرسل لوط وشعيب في زمن إبراهيم وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أرسله إلى قومه وإبراهيم ولوط وشعيب في أزمان متقاربة بعد نوح وهود وصالح ثم جاءت الرسل بعد ذلك تترى فيهم موسى وفيهم هارون وفيهم عيسى وفيهم أيوب وفيهم داود وسليمان ثم ختموا بمحمد عليه الصلاة والسلام وهو خاتمهم وهو أفضلهم عليه الصلاة والسلام قال الله جل وعلا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] مبشرين يعني يبشرون من أطاعهم بالجنة ومنذرين يعني ينذرون الناس الشرك بالله وينذرونهم النار والعذاب الأليم إذا خالفوا أمر الله وهكذا محمد ﷺ أرسله الله بشيرا ونذيرا كما قال تعالى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب: 45- 46] وقال جل وعلا مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] وقال تعالى قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا  [الأعراف: 158] وقال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28] فالواجب على جميع الأمم اتباع رسلهم كلهم هذا الواجب عليهم كل أمة يجب عليها أن تتبع رسولها وأن تنقاد لما جاء به من الهدى وقد وعدها الله على ذلك السعادة في الدنيا والآخرة وأكثر الخلق عصوا رسلهم وخالفوا ما جاءت به الرسل قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ  [يوسف: 103] وقال تعالى وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116]وقال تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13]وقال سبحانه وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  [سبأ: 20]ومحمد عليه الصلاة والسلام هو خاتمهم وأفضلهم قال تعالى مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] وكل رسول يدعو أمته إلى توحيد الله وطاعة الله وترك معصيته كل واحد يدعو أمته إلى توحيد الله وطاعته وترك الشرك به ومعصيته قال تعالى وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] اعبدوا الله يعني أطاعوه ووحدوه واستقيموا على دينه واتركوا عبادة الطاغوت الطاغوت كل ما عبد من دون الله وكل من حكم بغير ما أنزل الله أو دعا إلى ذلك يسمى طاغوت من الطغيان وهو تجاوز الحد طغى السيل إلى جاوز الحدود والطاغوت التي جاوز الحدود إما بشركه وكفره وإما بدعوته إلى ذلك وشرهم ورأسهم إبليس لعنه الله هو رأس الطواغيت وهكذا كل من دعا إلى عبادة نفسه كفرعون أو رضي أن يعبد من دون الله مثل فرعون والنمرود أو ادعا شيئا من علم الغيب كما تفعل الكهنة والعرافون في الجاهلية وفي الإسلام أيضا الذين خرجوا عن الإسلام بدعوى علم الغيب واستخدموا الجن والسحرة لذلك ومنهم الحاكم بغير ما أنزل الله هؤلاء هم رؤوس الطواغيت وكل من جاوز الحد وخرج عن طاعة الله يسمى طاغوت من الطغيان قال الله جل وعلا لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256] الرشد الإسلام وما جاء به النبي ﷺ والغي الكفر بالله والضلالة فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  [البقرة: 256]يكفر بالطاغوت يعني يتبرأ منه يعتقد بطلانه يتبرأ من الشرك ويؤمن بالله يعني يصدق بأن الله معبوده الحق وإلهه الحق ويؤمن بالشريعة وبمحمد عليه الصلاة والسلام وينقاد لذلك هذا هو المؤمن فقد استمسك يعني استعصم بالعروة الوثقى وهي لا إله إلا الله كلمة التوحيد يعني فقد استمسك بالإسلام حقا لا انفصام لها يعني لا انقطاع لها بل من استمسك بها صادقا واستقام عليها وصل إلى الجنة والكرامة لأن لها حقوق وهي توحيد الله وطاعته فمن استقام على شهادة ألا إله إلا الله وتوحيد الله وطاعته واتباع شريعته وترك ما نهى عنه فهذه الكلمة توصله إلى دار السلامة إلى دار الكرامة بفضل الله ورحمته جل وعلا .

وفي الحديث : رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله فعلى جميع المكلفين أن يوحدوا الله ويعبدوه دون كل ما سواه وأن يكفروا بالطاغوت ويجتنبوا عبادته ويعتقدوا بطلانها وأن يؤمنوا بالله وحده وأنه ربهم وإلهاهم الحق على جميع المكلفين أن يكفروا بالطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله وينكروا عبادته وهكذا من طغى من الحد ينكروه ويتجردوا لتوحيد الله وطاعة الله والإيمان به واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه وترك ما خالف ذلك رأس الأمر أي رأس الدين الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا رأس الأمر يعني الذي جاء به الرسول ﷺ رأسه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهي الإسلام من التزمه بها دخل الإسلام وعموده الصلاة وهي الركن الثاني أعظم الأركان أعظم الأركان بعد الشهادتين ثم يلي ذلك الزكاة والصيام والحج وبقية أوامر الله رأس ذلك الإسلام هو رأس الدين الذي جاء به النبي ﷺ هو الإسلام وهو توحيد الله والإيمان بالرسول ﷺ والإيمان بشريعته والتسليم لأمره هذا هو الإسلام توحيد الله وطاعته واتباع شريعته والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام والناس فيه مراتب كما تقدم .

وعموده الذي يقوم عليه العمود الأعظم بعد الشهادتين هذه الصلوات الخمس وذروه سنامه أي رأسه بعد الصلاة وبعد الشهادتين الجهاد في سبيل الله لأن به صيانة الدين وحمايته وبه دعوة الناس إلى دين وإلزامهم بالحق فهو رأس الأمر من جهة ما يتضمن من الدعوة إلى الخير والاستقامة على الحق ودعوة الناس إلى توحيد الله وطاعته والجهاد لأجل ذلك.

وفق الله الجميع