الحذر من التهاون بالصلاة

ولا ريب أن الذي يتخلف عن أدائها في الجماعة ويتهاون بشأنها لا ريب أنه مصاب في قلبه، ومصاب في دينه، ومصاب في إيمانه، فليتق الله وليعالج نفسه، فليتق الله وليراجع ربه، وليعالج إيمانه بالتقوى والتوبة إلى الله عز وجل، وليعالج قلبه وما أصابه بالتوبة إلى الله، والصدق مع الله، والضراعة إليه أن يصلح قلبه وعمله، وأن يرده إلى التوبة الصادقة، وأن يعيذه من شر نفسه وهواه، فمن أصيب في الصلاة فقد أصيب في دينه يقول عمر في الصلاة: "من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع" يعني فهو لغيرها أضيع، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن النبي ﷺ أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، قال بعض أهل العلم: إنما يحشر مضيع الصلاة مع هؤلاء الأربعة وهم صناديد الكفرة هؤلاء الأربعة من كبار الكفرة ومن صناديدهم وطغاتهم وعتاتهم إنما يحشر معهم من ضيعها لعظم جرمه؛ لأنه إن كان ضيعها بسبب الرياسة والملك فقد شابه فرعون فيحشر معه يوم القيامة، وإن كان ضيعها بسبب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون، فيحشر معه يوم القيامة -نعوذ بالله- إلى النار، وإن كان ضيع الصلاة بسبب المال والشهوات وما أعطاه الله من الدنيا شابه قارون تاجر بني إسرائيل الذي خسف الله به وبداره الأرض، لما تكبر وطغى خسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلل فيها إلى يوم القيامة بنص كتاب الله، وأما إن ترك الصلاة وتهاون بها بسبب التجارات والمعاملات فإنه بهذا يكون مشابهًا لأبي بن خلف تاجر أهل مكة، فيحشر معه يوم القيامة -نعوذ بالله-، فما أولاك يا أخي بالحذر من مشابهة هؤلاء الضالين المجرمين، وما أولاك بأن تعنى بصلاتك وتحافظ عليها في وقتها وفي بيوت الله مع عباد الله فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ۝ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].

ويقول عبد الله بن مسعود : "إن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإن هذه الصلوات الخمس من سنن الهدى، فلو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم" وفي لفظ: "لكفرتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"، في لفظ آخر: "أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به" يعني إلى الجماعة "يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" يعني يعضد له الرجلان حتى يقام في الصف من شدة حرص السلف من أصحاب النبي ﷺ على أداء الصلاة في الجماعة.

وسمعتم ما ذكره الشيخ عبد الرحمن عن النبي ﷺ وأن العباس وعلي رضي الله عنهما أتيا به يعضدانه حتى أقامه في الصف، وصلى بالناس عليه الصلاة والسلام في مرضه عليه الصلاة والسلام من شدة حرصه على الصلاة، وعلى أدائها في الجماعة، لما وجد بعض النشاط في مرض موته مرضه الأخير لما وجد بعض النشاط أراد الخروج فضعف عن ذلك، فعضد له عمه العباس وابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأتيا به حتى أقاماه في الصف، في محل الإمامة، وصار أبو بكر عن يمينه، وصار يصلي بالناس قاعدًا، وأبو بكر قائمًا، والناس يصلون بأبي بكر؛ لأنهم يسمعون صوته، وأبو بكر يقتدي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهذه عناية عظيمة من نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في الصلاة، وحرص على أدائها بالجماعة، ليتأسى به المسلمون؛ لأنهم أسوة كما قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].

وسمعتم الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن أم مكتوم -وكان رجلًا أعمى لما استأذن أن يتخلف عن الصلاة وهو رجل أعمى ليس له قائد يلائمه وشاسع الدار عن المسجد ومع ذلك يقال له-: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب، ولم يسمح له النبي ﷺ بالتخلف مع كونه كفيفًا بعيد الدار ليس له قائد يلائمه، وفي اللفظ الآخر يقول له: لا أجد لك رخصة عليه الصلاة والسلام، فكيف بحال من عافاه الله وأعطاه البصر، وأعطاه القوة والقدرة على أن يجيب المؤذن، ثم يتساهل ولا ريب أيضًا أن التساهل بأدائها في الجماعة وسيلة إلى تركها بالكلية، فإنه متى تهاون بها فذلك دليل على ضعف الإيمان في قلبه، وضعف العناية بها واحترامها.

ثم هذا وسيلة إلى أن يدعها ويخرج الوقت وهو ما صلى، ومن خرج الوقت وهو ما صلى فقد تركها، نسأل الله السلامة، وقد ذهب جمع من أهل العلم وهو المعروف عن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن من تركها تهاونا حتى خرج وقتها كفر، نعوذ بالله بذلك، وهذه مصيبة عظيمة، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر، وقال عليه الصلاة والسلام: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة.