نماذج أحرزوا النصر بصدقهم وإخلاصهم لله

كما كان الأمر كذلك في عهد سلفنا الصالح الذي لا يخفى على أهل العلم حالهم وشأنهم، وبالأمس القريب الإمام المجدد لمعالم الإسلام في القرن الثاني عشر لما رأى ما رأى من ظهور الجهل العظيم، وتعطيل أحكام الشريعة، وكثرة الشرك في الجزيرة وغيرها، وقلة الدعاة إلى الله ، وانقسام أهل هذه الجزيرة إلى دويلات صغيرة، كل قرية دولة على غير هدى، وعلى غير علم، رأى أن من الواجب عليه أن يقوم بالدعوة إلى الله سبحانه، وأن ينبههم على ما وقعوا فيه من الخطر، وأن يسعى في جمع كلمتهم على الحق، وعلى الرئيس الواحد يقيم فيهم أمر الله، ويجاهد بهم في سبيل الله، فجد رحمه الله، ودعا إلى الله، واتصل بالأمراء، وكتب الرسائل في أمر التوحيد، وتحكيم شريعة الله، وترك الشرك بالله ، ولم يزل على ذلك صابرًا محتسبًا بعدما درس وتفقه في الدين على مشايخ البلاد وغيرهم، ثم جد في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وجمع الكلمة في حريملاء أولًا، ثم في العيينة، ثم انتقل بعد أمور وشؤون انتقل إلى الدرعية، وبايعه محمد بن سعود رحمه الله على الجهاد في سبيل الله، وعلى إقامة أمر الله، فصدقوا جميعًا في ذلك وتكاتفوا في ذلك وجاهدوا في ذلك على ضعفهم حتى نصرهم الله وأيدهم.

وأعلنوا التوحيد ودعوا الناس إلى الحق والهدى، وحكموا شريعة الله في عبادة الله، وكانوا قبل ذلك في غاية من الضعف، لكن بسبب الصدق والاستعانة بالله، واتحاد الكلمة، وحسن المقصد، وقصد إعلاء كلمة الله في أرض الله أيدهم الله وأعانهم وأخبارهم لا تخفى على الكثير، لا تخفى على من له أدنى بصيرة، ثم جاء بعدما جرى من الفتور والتغير والانقسام جاء الملك عبد العزيز رحمه الله وجد في هذا الأمر وحرص في هذا الأمر واستعان بالله سبحانه، ثم بأهل العلم والإيمان والبصيرة، حتى أعانه الله وأيده، وجمع به كلمة المسلمين في هذه الجزيرة على كلمة واحدة، وعلى تحكيم شريعة الله، وعلى الجهاد في سبيل الله، حتى استقام أمره، وحتى توحدت هذه الجزيرة شمال هذه الجزيرة على الحق والهدى وتحكيم الشريعة بأسباب الصدق والجهاد لله عز وجل ولإعلاء كلمته سبحانه وتعالى.

فالمقصود أن الأمثلة كثيرة في الصادقين، في من صدق في الجهاد في سبيل الله، وهكذا صلاح الدين الأيوبي قصته معروفة، ومحمود زنكي معروف كذلك، فالمقصود أن سلفنا الصالح الأوائل لما صدقوا في جهادهم في وقت نبيهم وبعد نبيهم أعزهم الله وأعلى شأنهم واستولوا على المملكتين العظيمتين: مملكة القياسرة، ومملكة الروم في الشام وما حولها، والكياسرة في بلادهم، حتى كسروا كسرى، وقصروا قيصر كما هو معلوم، ثم من بعدهم ممن صدق في دين الله حصل لهم من الملك والعز والقوة بقدر ما عندهم من الصدق، وإعلاء كلمة الله والتكاتف، ثم في أوقات متعددة ومتغايرة يأتي أناس لهم من الصدق والنشاط والإخلاص ما لهم فيؤيدون وينصرون على قدر إخلاصهم، وعلى قدر اجتهادهم، وعلى قدر بذلهم وتضحيتهم في سبيل الله ، والذي نصر الأولين ينصر الآخرين ، هو الله عز وجل ناصر من نصره وخاذل من خذله، فمن استقام على أمر الله ورجع إلى الحق واستقام على دين الله وضحى بالنفس والنفيس وقدم ذلك لإعلاء كلمة الله واتحد مع إخوانه وتعاون مع إخوانه وأعد المستطاع من العدة بإخلاص وصدق وتاب إلى الله وأناب إليه وغير ما به من فساد إلى صلاح فالله يغير ما به من ذلة ومن هوان إلى عز ورفعة وإلى قوة ونشاط وإلى تقدم وإلى نصر على الأعداء بإذنه ، والله ينصر من نصره، ويخذل من خذله جل وعلا أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36] فمن توكل عليه واستقام على أمره وجاهد في سبيله وصبر واتقى فالله ناصره ومؤيده كما قال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120]، فبالصبر والتقوى لا يضر المسلمين كيد الأعداء، بل ينصرون عليهم، ويعانون عليهم، ويكونون في المقدمة، وأعداؤهم في المؤخرة بإذن الله ، والله هو الناصر والمعين جل وعلا، والقلوب والنفوس بيده ، يستطيع ويقدر على تمكين أوليائه في لحظة، وإعانتهم على عدوهم وعلى خذلان أعدائه والقضاء عليهم وهزيمتهم بأقل سبب إذا شاء كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، ولكن المصيبة أنفسنا المصيبة جاءتنا من عند أنفسنا كما قال الله : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

فالمصيبة جاءت منا من المسلمين، من تكاسلهم، من ضعفهم، من جهلهم، من إيثارهم العاجلة، من حبهم الدنيا وكراهية الموت، من تخلفهم عما أوجب الله، إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، وإيثار العاجلة، والعكوف على المحارم، والأغاني الخليعة، والفساد للقلوب والأخلاق إلى غير ذلك، ومن عدم الإعداد للعدو، وعدم العناية بأسباب النصر، والاتكال على الأعداء في الكثير من الحاجات والمهمات، ومن هذا وأشباهه، ومن الفسق الذي بلي به الناس بسبب إيثارهم العاجلة، وإقبالهم على الشهوات، سلط على المسلمين عدوهم كما قال جل وعلا: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16] نعوذ بالله من ذلك.

فنسأل الله أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين وعلى جميع ولاة أمرهم بالتوبة إليه، والاستقامة على أمره، والتعاون على البر والتقوى، وعلى إعداد العدة لأعدائنا، وعلى التفقه في الدين والصبر على ما يرضيه، والبعد عن مساخطه .