العواقب الوخيمة من الربا

ولا ريب أن الربا من أقبح الجرائم، ومن أخبث الكبائر، وقد أوضح الله في شأنه ما يوجب النفرة منه والحذر منه، والابتعاد من المعاملة به، لو كان أكثر الخلق يعقل، ولكن أكثر الناس لا يعقلون وأكثرهم لا يؤمنون وأكثرهم يؤثر العاجل على الآجل والهوى على الهدى ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد بين الله سبحانه ما يكفي ويشفي في الربا بأن أصحابه يقومون -يعني من قبورهم- كالذي يتخبطه الشيطان من المس، يقومون مجانين يختنقون، والعياذ بالله، وأخبر سبحانه وتعالى أن من استمر عليه بعد العلم فإنها النار، نعوذ بالله، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، وأخبر أنه ممحوق، وأن الله يمحق الربا ويربي الصدقات، وأخبر أن المرابي قد آذن بحرب من الله ورسوله، فهذه الأمور الأربعة كافية شافية في التحذير من الربا وبيان خبثه وسوء عاقبته، وهكذا ما صح عن رسول الله ﷺ أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء، وكذلك ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أخبر أن الربا من السبع الموبقات في الصحيحين إلى غير ذلك، ولولا أن خطره عظيم وفساده كبير وعواقبه وخيمة لما جاءت فيه هذه النصوص، ولكن أكثر الناس لا يعقل هذا.

وقد سمعتم من الشيخ محمد شرحًا جيدًا عن ما يترتب على الربا من الفساد العظيم، وقد أوضح أهل العلم ما أشار إليه، فإن بالربا تجتمع الأموال لدى حفنة من الناس وتتعطل المصالح والمصانع والمزارع وحركة البيع والشراء ويتعطل العمال ويكثر الفقراء والمتسولون والبطلة من العمل، فتكثر البطالة ويعظم الفساد ويقل النتاج، ويتمتع بالأموال عدد قليل من أصحاب البنوك الذين لا هم لهم إلا مقاصدهم الخبيثة، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: إنما الربا في النسيئة، لا ربا إلا في النسيئة هكذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعنى كما قال أهل العلم: يعني معظم الربا معظمه وأكثره في النسيئة، وهو الواقع، يأخذ أموال الناس ويعطيهم كل سنة شيئًا معينًا، ويتمتع بأموالهم وهم يفرحون بالراحة، يأتيهم أشياء باردة كثيرة وهم في مضاجعهم وفي بيوتهم مستريحون لا كد ولا عمل ولا تعب، فالنفوس ميالة لمثل هذا فيدفعون الأموال ويجلسون بلا حركة وبلا بيع ولا شراء ولا صناعة ولا زراعة ولا أموال تنفع الناس، وحركات تنفع الناس وتقيم الخير للبلاد والنفع للعمال حتى ينفعوا الناس وينتفعوا، ينفعوا الأمة وينتفعوا في أنفسهم وينفعوا عوائلهم إلى غير ذلك، فالرسول ﷺ كما سمعتم نادى على رؤوس الأشهاد في حجة الوداع حين خطب الناس في عرفات وأخبر أن الربا موضوع كله، وأن أمور الجاهلية موضوعة تحت قدميه عليه الصلاة والسلام، فهو رسول الله صلى الله وعليه وسلم يخبر عن الله أن هذا حكمه في الربا، وفي أمور الجاهلية أنها موضوعة، وأنه لا يجوز أن يقيمها أحد، بل يجب أن توضع وأن تترك وأن يبتعد عنها، وأن يعتاض عنها بما شرع الله من العبادات والأعمال والعقود، فهو يخبر عن الله وعن شرعه وهو رئيس الدولة مع ذلك، فهو يخبر عن الله وينفذ حكم الله عليه الصلاة والسلام، ثم يبدأ بنفسه، يبدأ بقراباته؛ لأن بدء الوالي بقراباته وبنفسه يدل دلالة ظاهرة على غاية الصدق وغاية العناية، بعض الناس قد ينفذ الأحكام على غيره ولكن لا ينفذها على قراباته ومن حوله يحابيهم، أما الرسول عليه الصلاة والسلام فبدأ بقراباته، قال: وأول ربًا أضعه ربا العباس بن عبدالمطلب عمه عليه الصلاة والسلام، وفي الدماء دماء الجاهلية قال: أول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب.

فالمقصود أن الواجب على ولاة الأمور أن يعنوا بإقامة أمر الله، وأن يبعدوا الناس عن محارم الله، وأن يأخذوا على أيديهم، وأن يبدؤوا بمن حولهم من الأقارب والأصدقاء والخدم والوزراء وأشباه ذلك، حتى إذا علم الآخرون صرامة الحكم وقوة الحكم ابتعدوا عما هم فيه من الباطل وإلا سعوا بالطرق الأخرى حتى يعفوا كما عفي أولئك الذين حول السلطان، ومن أعظم المصائب وجود هذه البنوك.