لا سبيل إلى معرفة العبادة إلا بالدعوة إلى الله تعالى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
إن الله خلق الخلق ليعبدوه، وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بذلك، ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا بالدعوة إلى الله والتعليم والتوجيه والإرشاد، حتى يفهم المكلف هذه العبادة، التي خلق لها، يقول الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۝ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ۝ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، ويقول : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].
فهو سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، من جن وإنس، وهذه العبادة هي دين الإسلام، هي توحيد الله، هي طاعته واتباع أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه العبادة التي خلق الناس لها: جنهم وإنسهم، عربا وعجما، خلقوا ليعبدوا الله بتوحيده، والإخلاص له وتوجيه القلوب إليه، خوفا ورجاء ومحبة وتعظيما وإخلاصا، مع أداء ما أوجب وترك ما حرم، مع العناية بكل ما شرع الله، والحذر من كل ما نهى الله عنه، مع الوقوف عند حدود الله. 
هذه هي العبادة وهذا هو دين الإسلام، وهذا هو الإيمان وهذا هو الهدى، الذي قال الله فيه جل وعلا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] وهو البر، كما قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، وقال: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، وقال سبحانه: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين:18]. 
وهو التقوى، كما قال جل وعلا: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
فالعبادة التي خلقنا لها هي توحيد الله، هي تقوى الله، هي الإيمان بالله ورسله، هي البر والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي الاستقامة على دين الله قولا وعملا وعقيدة، هذه العبادة، سماها الله إيمانا وسماها إسلاما: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وسماها إيمانا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136] وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2] وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة وفي اللفظ الآخر: بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق[1] فسمى دينه إيمانا وسماه إسلاما، وسماه تقوى، وسماه هدى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]، وسماه برا، إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، وقال: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى [البقرة:189]، وقال سبحانه: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ الآية، ثم قال في آخرها: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177] هذا دين الله، فالواجب على الدعاة إلى الله جميعا، أن يوضحوا للناس هذه العقيدة، وأن يشرحوا لهم العبادة التي خلقوا لها، وأنها توحيد الله وطاعته واتباع شريعته، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه العبادة التي خلقوا لها، فيجب أن يعلموها، وأن توضح لهم، والناس في أشد الحاجة، في أشد الضرورة، أن يعرفوا هذه العبادة التي خلقوا لها، وفضل الدعوة عظيم، هي طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنهج الرسل، فيكفي شرفا للداعي أن يكون نهج منهج الرسل، وسار في طريقهم، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] وسيدهم وإمامهم وأفضلهم وخاتمهم، نبينا محمد ﷺ هو أفضل الدعاة، وخير الدعاة، عليه الصلاة والسلام، بعثه الله إلى الناس كافة إلى الجن والإنس، يدعوهم إلى الله يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته، يدعوهم إلى أداء فرائض الله، وترك محارم الله، يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله، يدعوهم إلى الوقوف عند حدود الله.
هذه دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، أن يلتزم المؤمن في توحيد الله وطاعته، وأن يحذر الشرك به ومعصيته: سواء كان ذكرا، أو أنثى، جنيا أو إنسيا، عربيا أو عجميا، الواجب عليه أن يتقي الله بالإخلاص له، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وترك ما نهى عنه من الشرك وما دونه، قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وقال جل وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأنعام:88]، وقال سبحانه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال سبحانه مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17]
فالواجب على جميع الدعاة، أن يوضحوا للناس هذا الأمر، وأن يعتنوا به غاية العناية؛ لأن العباد في أشد الضرورة إلى ذلك، سواء كانوا عربا أو عجما، ذكورا أو إناثا، جنا أو إنسا، كلهم في أشد الحاجة، بل أشد الضرورة إلى أن يعرفوا العبادة، التي خلقوا لها يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وقال سبحانه:وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وقال سبحانه وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، ويقول جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فيجب أن توضح هذه العبادة ما معنى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، ما معنى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ما معنى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
الإمام يعلم جماعته في المسجد، المدرس يعلم الطلبة، والرجل يعلم أهل بيته، الداعي إلى الله في كل مكان يعلم الناس بالمذياع من طريق الشريط، أو من طريق التلفاز، من جميع الطرق ممكن، يعلم إخوانه المسلمين ذكورهم وإناثهم، جنهم وإنسهم يعلمهم هذه العبادة، يوضح لهم حقيقتها ويدعوهم إلى الالتزام بها، والإخلاص لله في كل أعمالهم، والحذر من الشرك دقيقه وجليله، صغيره وكبيره، ويحثهم على ترك ما نهى الله عنه من سائر المعاصي كالزنا، والسرقة والظلم وعقوق الوالدين، أو أحدهما وقطيعة الرحم والربا، وقذف المحصنات الغافلات وأكل مال اليتامى والغيبة والنميمة، إلى غير ذلك مما نهى الله عنه.
هذا هو واجب المسلمين هذا هو واجب العلماء، وهم خلفاء الرسل، فالواجب عليهم أن يتأسوا بالرسل في الدعوة إلى الله، وأن يصبروا على ذلك، كما قال جل وعلا: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]، وقال جل وعلا في لقمان يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17]، وقال سبحانه إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، وقال سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35].
فعلى العلماء أينما كانوا في كل مكان أن يصبروا على الدعوة إلى الله لشدة حاجة الناس إلى ذلك، العلماء هم خلفاء الرسل، هم الدعاة إلى الله، هم الهداة إلى الدين، ذكورا وإناثا، عربا أو عجما، جنا أو إنسا، يجب أن يعلموا الناس يجب أن يصبروا وأن يوضحوا للناس حقيقة العبادة بالأدلة الشرعية؛ لأن الكثير من الناس لا يفهمها ولا يعرف حقيقة الدين، ولهذا تعلقوا بالقبور فعبدوا الموتى واستغاثوا بهم، ونذروا لهم يظنون أن هذا هو الدين، وأن هذا شرع الله، وأنه يحبه سبحانه؛ لجهلهم وضلالهم، وعدم بصيرتهم.
فالواجب على أهل العلم أن ينبهوهم ويوضحوا لهم، وأن التعلق بالأموات أو الاستغاثة بالأموات، أو النذر للأموات أو للأصنام أو للجن ونحو ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، هذا هو دين المشركين، هذا هو دين عباد الأوثان، التعلق على الأموات، والاستغاثة بهم أو النذر لهم، أو الذبح لهم أو خوفهم ورجائهم أو نحو ذلك، هذا هو دين المشركين، قال الله عنهم سبحانه أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] فيستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم ويخافونهم، ويرجونهم؛ لأنهم بزعمهم يشفعون لهم عند الله، ويقربون من الله.
ما قالوا إنهم يخلقون ويرزقون، يعلمون أن الله هو الخلاق الرزاق، قريش وغيرها من المشركين يعرفون أن الله هو الخلاق الرزاق، المحيي المميت المدبر، لكنهم عبدوا ما عبدوا وغيرهم من الأنبياء والصالحين والجن وغير ذلك عبدوهم ليقربوهم من الله، وليشفعوا لهم، كما قال سبحانه وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ[يونس:18]، قال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:2-3] يعني يقولون مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] سماهم كفرة كذبة، كذبة في قولهم إنهم يقربونهم من الله زلفى، وسماهم كفرة بشركهم بالله، وبعبادتهم للأصنام والأوثان، وتعلقهم عليهم، والله سبحانه يقول: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء:36]، ويقول سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فالعبادة حق الله وحده، ليس لأحد فيها نصيب لا الرسل ولا غيرهم، والدعوة إلى الله هي دين الرسل هي منهج الرسل وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل:36]، ويقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وقد بعثهم الله عليهم الصلاة والسلام للناس من أولهم نوح إلى آخرهم محمد، يدعون الناس إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، وقبل ذلك أبونا آدم أرسله الله إلى ذريته، يدعوهم ويعلمهم ويرشدهم عليه الصلاة والسلام.
قال ابن عباس: كان الناس على الإسلام عشرة قرون، قبل مبعث نوح عليه السلام، ما وقع الشرك إلا في قوم نوح، فلما وقع الشرك في قوم نوح، بسبب الغلو في ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا، وأشباههم وعبدوهم وتعلقوا عليهم، أرسل الله نوحا عليه الصلاة والسلام، يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله، وترك الشرك بالله في ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا، وغيرهم فاستمروا في طغيانهم وكفرهم وضلالهم، وهو يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما، ومع ذلك لم يؤمن به إلا قليل، وأصروا واستكبروا واستمروا في كفرهم، وضلالهم حتى أمر الله نوحا فصنع السفينة وركب من أراد الله نجاته، ثم قال جل وعلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ۝ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:14-15] لم ينج إلا أصحاب السفينة، والبقية هلكوا بشركهم وكفرهم، بسبب الغرق: الماء من تحتهم ومن فوقهم، ثم بعث الله بعده هودا، ثم صالحا وشعيبا ولوطا وإبراهيم وهكذا تتابع الأنبياء كلهم، يدعون الناس إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، ويحذرون الناس من الشرك بالله، فأصاب قومهم ما أصابهم، من أنواع العقوبات، فأصاب الله عادا بالريح العقيم، وثمود بالصيحة والرجفة وقوم لوط بالخسف والعياذ بالله، وقوم شعيب بالرجفة والصيحة وغير ذلك مما أصاب أعداء الله.
فالواجب على الدعاة إلى الله، أن يعظموا هذا الأمر وأن يحققوا الدعوة إلى الله بكل ما يستطيعون، وأن يتأسوا بالرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك، قال الله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] فالواجب اتباع الرسل في هذا الأمر العظيم، وفي غيره والصبر على ذلك والحذر من العنف والشدة، التي قد تنفر الناس، فالداعي إلى الله يتحرى الأسلوب الحسن، والعبارات الواضحة، ويحذر من العنف والشدة؛ لأن ذلك ينفر ويغلق الباب على المدعو، فالواجب الرفق، وتحري الأسلوب الحسن، حتى ينشرح صدر المدعو ويقبل الحق إلا من ظلم، من ظلم له جزاء آخر، قال الله : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46] فمن ظلم وقابل الداعي بالظلم، فحينئذ له جواب آخر، لكن الداعي يتحرى الأسلوب الحسن، يتحرى الرفق ويحذر التعرض لأعراض العلماء وثلب العلماء، والتنفير منهم؛ لأن هذا يفرق ولا يجمع، يسبب الشحناء.
فالواجب على الداعي إلى الله، أن يرغب الناس في العلم، في حضور دعوة علماء السنة، ويدعوهم إلى القبول منهم، ويحذر التنفير من أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والدعوة إلى الله عز وجل، وكل واحد له أخطاء، ما أحد يسلم، قال النبي ﷺ: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون[2]، وهكذا قول العلماء، قال مالك رحمه الله، ما منا إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول ﷺ، فكل عالم له أخطاء، فالواجب أن ينبه على أخطائه بالأسلوب الحسن، ولكن ما ينفر منه وهو من أهل السنة، بل يوجه إلى الخير، ويعلم الخير، وينصح بالرفق في دعوته إلى الله، عز وجل وينبه على خطئه، ويدعي الناس إلى أن يطلبوا منه العلم، ويتفقهوا عليه مادام من أهل السنة والجماعة، فالخطأ لا يوجب التنفير منه، ولكن ينبه على الخطأ الذي وقع منه فكل إنسان له أخطاء، ولكن الاعتبار بما غلب عليه، وبما عرف عنه من العقيدة الطيبة، فالواجب على الدعاة إلى الله أن يتصبروا، وأن يرفقوا وأن لا يعجلوا من أمورهم، وأن يتحروا الحق وأن يحذروا التنفير من أهل العلم، وأن يحذروا أسباب الشحناء والعداوة، بل عليهم أن يحرصوا على كل أسباب الاجتماع بين أهل العلم وأهل السنة والجماعة في دعوتهم إلى الله وترغيبهم للناس في الخير، حتى يكثروا الدعاة إلى الله وحتى ينتشروا، وحتى يرغب الناس في الدعوة والأخذ عنهم فإذا سمعوا هذا ينفر من هذا، وهذا ينفر من هذا ضاعت الدعوة، وساءت الظنون.
فالواجب على علماء السنة التعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والرفق فيما بينهم، والحرص على إزالة أسباب الفرقة والاختلاف، والتفاهم في الأخطاء والغلط، كل واحد يخطئ لا بد من التفاهم بين الجميع بالمكاتبة أو بالاجتماع أو بالهاتف، حتى تزول الفرقة حتى تزول الوحشة، وحتى يجتمع الجميع على الحق والدعوة إليه، في مساجدهم وفي بيوتهم، وفي مجتمعاتهم، فالواجب التعاون على البر والتقوى، والتناسي عما قد يقع من زلة وهفوة، من ذا الذي يسلم، المهم أن تكون الدعوة سلفية، على طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأتباعهم بإحسان، معتمدا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام لا على الأهواء ولكن على كتاب الله وسنة رسوله ولا على التقليد لفلان وفلان، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، ويقول سبحانه وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[الشورى:10] هذا هو الواجب على الجميع.
ويقول النبي ﷺ: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر[3] فالداعي إلى الله والعالم الموجه إلى الخير، إذا أخطأ له أجر الاجتهاد، وإذا أصاب له أجران، ما دام على الطريقة السلفية، طريقة أهل السنة، مادام موحدا قاصدا للخير، فقد يغلط فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، المهم أن تكون أصوله مستقيمة، وأن يكون على الطريق السوي على طريق سلف الأمة، تابعا لأصحاب الرسول ﷺ، ولأئمة الإسلام، يريد تفهيم الناس الخير، يريد توجيههم إلى طاعة الله ورسوله، يريد كفهم عن محارم الله، يريد كفهم عن البدع التي انتشرت بين الناس، وليس بشرط أن يكون معصوما، العصمة للرسل فيما يبلغون عن الله، لكن يجتهد ويحرص على طلب الحق بالأدلة الشرعية، ومن صدق في ذلك وأخلص لله وفقه الله وأعانه، فمن علم الله من قلبه الصدق والإخلاص، وأنه يريد الحق فالله سبحانه يعينه ويسدده. 
فالواجب على كل داعية وعلى كل عالم أن يخلص لله وأن يكون هدفه الحق، قصده الحق، قصده توجيه الناس إلى الخير، ليس له قصد آخر من رياء أو سمعة أو طلب حمد الناس، أو غير هذا، إنما يقصد بدعوته إلى الله، وتعليم الناس، يقصد وجه الله، يقصد إخراجهم من الظلمات إلى النور، يريد إخراجهم من أسباب الهلاك، إلى أسباب السعادة، يريد إبلاغ رسالة الله ودعوة الله، فمن صدق مع الله وأخلص لله وفقه الله، وأعانه وبارك في جهوده وهدى به الأمة، وجعل له لسان صدق في العالمين بسبب صدقه وإخلاصه، فأوصيكم أيها الأخوة مرة أخرى، أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالتعاون على البر والتقوى، وأوصيكم بطيب الكلام، والحرص على طيب الكلام، على الأسلوب الحسن، وعلى الرفق في الدعوة، وحسن الظن بإخوانكم أهل السنة وعدم نشر ما يشوه سمعتهم، من أغلاط بل عالجوها بالطرق القيمة بالمحادثة بينكم بالاتصال الهاتفي، بالزيارة بالمكاتبة الطيبة حتى تزول الوحشة وحتى يتضح الحق وحتى يزول الخطأ، والهدف هو طاعة الله ورسوله، الهدف هو الدعوة إلى سبيل الله، الهدف هو هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1] وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] وقوله سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[فصلت:33].
والله المسئول بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، ومن أنصار الحق، وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا وسائر إخواننا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يفقههم في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، ونوصيكم أيضا بنصيحة ولاة الأمور في كل مكان بتقوى الله، وطاعة الله، وتحكيم شريعة الله، وأوصي نفسي وجميع العلماء والدعاة، أوصيكم بأن يوصوا أمراء المسلمين، وحكام المسلمين بالنصائح الشفهية، والنصائح الكتابية بتحكيم شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل قانون يخالفها.
فالواجب على جميع ولاة أمر المسلمين أن يحكموا شرع الله، وأن يقيموا دين الله في بلادهم، وبين شعوبهم كما قال الله عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، وقال جل وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله، ورآه جائزا أو حسنا، أو أحسن من حكم الله فهو كافر عند جميع المسلمين مرتد عن الإسلام، أما من حكم بغير ما أنزل الله لشهوة أو رشوة أو أسباب أخرى، وهو يعلم أنه مخطئ أنه غلطان فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة، كما قال ابن عباس وغيره في جمع من التابعين وغيرهم، كما هو قول جمهور أهل العلم.
المقصود أن هذا فيه التفصيل، فالواجب على جميع أمراء المسلمين، وعلى علماء المسلمين التعاون في هذا الأمر، الواجب تحكيم شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل ما يخالفها وأن يوصى الناس بذلك، وأن يلزموا بذلك، هذا هو الواجب على جميع أمراء المسلمين، والواجب على جميع علماء المسلمين أن ينصحوهم، وأن يوجهوهم إلى الخير، وأن يقوم الأمراء بتحكيم شريعة الله، ومنع ما يخالف شريعة الله في جميع الأحوال في الدعاوى والخصومات المالية، وفي النكاح والطلاق، وفي جميع شئون المسلمين، في البيع والشراء وفي كل شيء، يجب تحكيم شرع الله في كل شيء، في العبادات والمعاملات والمنازعات، والخصومات وفي النكاح والطلاق، وفي كل شيء يجب أن ينفذ حكم الله في كل شيء؛ لأن الله يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] هذا هو الواجب على جميع المسلمين، وعلى حكامهم وأمرائهم وعلى علمائهم، عليهم التعاون في هذا والتواصي بهذا أين ما كانوا.
نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين، وأمراء المسلمين في كل مكان، ونسأل الله أن يوفقهم لما يرضيه، وأن يمنحهم الهداية والفقه في الدين وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في كل شيء وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق جميع المسلمين لقبول الحق، وإيثاره والرضا به على ما سواه إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان[4].
  1. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها.
  2. أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب منه برقم 2499، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة برقم 4251، وأحمد في المسند باقي مسند المكثرين، باقي المسند السابق برقم 12637.
  3. أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ برقم7352، ومسلم في كتاب الأقضية، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ برقم 1716.
  4. محاضرة ألقاها سماحته في إحدى الجمعيات الخيرية بدولة الكويت عبر الهاتف في تاريخ 10 / 10 / 1416هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 27/ 7).