حوار مهم وشامل لمجلة (المجتمع) الكويتية

س 1: فضيلة الشيخ: ما هو تقييمكم لمستوى الإفتاء في العالم الإسلامي؟ هل هو بخير أم لكم وجهة نظر فيه؟
جـ 1: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن المسلمين في كل مكان في أشد الحاجة إلى الإفتاء بما يدل عليه كتاب الله الكريم وسنة نبيه الأمين عليه أفضل الصلوات والتسليم، وهم في أشد الحاجة للفتاوى الشرعية المستنبطة من كتاب الله وسنة نبيه.
وإن من الواجب على أهل العلم في كل مكان في العالم الإسلامي، وفي كل مكان يقطنه مسلمون الاهتمام بهذا الواجب، والحرص على توضيح أحكام الله وسنة رسوله التي جاء بها للعباد في مسائل التوحيد والإخلاص لله، وبيان ما وقع فيه أكثر الناس من الشرك وما وقع فيه كثير منهم من الإلحاد، والبدع المضلة حتى يكون المسلمون على بصيرة، وحتى يعلم غيرهم حقيقة ما بعث الله به نبيه من الهدى ودين الحق.
والعلماء ورثة الأنبياء، فالواجب عليهم عظيم في بيان شرع الله لعباده، وبيان الأحكام والأدلة الشرعية من الكتاب والسنة لا بالآراء المجردة. كما أن على العلماء أن يبينوا محاسن الإسلام وما دعا إليه من مكارم الأخلاق حتى يدخل في الإسلام من عرفه، ويشتاق إليه من سمع ما فيه من الخير والأعمال الصالحات، وهذا كله سيعود بالخير على البلاد والعباد.
وإن من أحسن ما حبانا الله به في هذه البلاد برنامجا مفيدا تتولاه جماعة من العلماء المسلمين الذين يجيبون عن كثير من الأسئلة التي يسألها المسلمون من الداخل والخارج، ولهذا أنصح بسماعه والاستفادة منه. وأنصح لجميع العلماء بأن يعنوا بمراجعة الكتب الإسلامية المعروفة حتى يستفيدوا منها، وكتب السنة مثل: " الصحيحين، وبقية الكتب الستة، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، وغيرها من كتب الحديث المعتمدة، وكتب التفسير المعتمدة كتفسير ابن جرير وابن كثير والبغوي ونحوهم من أهل السنة، كما أوصى بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وغيرها من كتب علماء السنة، كما أوصي إخواني قبل ذلك كله بقراءة كتاب الله وتدبره فهو أصدق كتاب وأشرف كتاب، كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وأوصيهم أيضا بسنة النبي ﷺ لما فيها من الهدى والعلم، وقد صح عن الرسول ﷺ قوله: من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، راجيا من الله أن يوفق العلماء في كل مكان لما فيه إظهار الحق وتبيان أحكام الدين.

س 2: ما رأيكم في المقولة التي تقول: إن أمور العصر تعقدت وأصبحت متشابكة، لذلك لا بد أن تخرج الفتوى من فريق متكامل يضم كافة المختصين بجوانب المشكلة أو الحالة ومن بينهم الفقيه؟
جـ 2: إن الفتوى ينبغي أن تتركز على الأدلة الشرعية، وإذا صدرت الفتوى عن جماعة كانت أكمل وأفضل للوصول إلى الحق، لكن هذا لا يمنع العالم أن يفتي بما يعلمه من الشرع المطهر.

س 3: يقوم الإنتاج الإعلامي الحالي بتوجيه هذا الجيل كيفما يريد المنتجون.. فما يقدمه التلفزيون والإذاعة من تمثيليات ومسرحيات وبرامج مختلفة إنما يعمل على تكريس قيم وأفكار، ومبادئ يريدها صانعو هذه المصنفات الفنية، فإن تركنا إنتاج هذه المصنفات لغيرنا أفسدوا أبناءنا، وبناتنا، وإن وجهنا أبناءنا وبناتنا لفهم ودراسة هذه الفنون من أجل صياغتها صياغة إسلامية خافوا على أنفسهم من الوقوع في الخطأ.. فبم تنصحون؟
جـ 3: إن على المسئولين في الدول الإسلامية أن يتقوا الله في المسلمين، وأن يولوا هذه الأمور لعلماء الخير والهدى والحق، كما أن على علمائنا أن لا يمتنعوا من إيضاح الحقائق بالوسائل الإعلامية، وألا يدعوا هذه الوسائل للجهلة والمتهمين وأهل الإلحاد، بل يتولاها أهل الصلاح والإيمان والبصيرة وأن يوجهوها على الطريقة الإسلامية حتى لا يكون فيها ما يضر المسلمين شيبا أو شبانا، رجالا أو نساء، كما وأن على العلماء أن يقدموا للناس إجابات وافية حول ما يبثه التلفاز ريثما يتولاها الصالحون، وإن على الدول الإسلامية أن تولي الصالحين حتى يبثوا الخير ويزرعوا الفضائل، نسأل الله للجميع التوفيق.

س 4: هل معنى ذلك أنك تنصح أبناءنا المسلمين بدراسة هذه المجالات حتى يحتلوا الأماكن التي يغزوها هؤلاء المفسدون؟
جـ 4: نعم، ينبغي للعلماء ألا يتركوا هذه الأمور للجهلة وأن يتولوا بث الخير والفضيلة في كافة المجالات، ولكن هناك مسألة التمثيل، فأنا لا أنصح بممارسة التمثيل، وإنما على العلماء أن يبينوا للناس أحكام الله ورسوله، أما أن يتقمص المرء شخصية فلان واسم فلان فيقول: أنا عمر أو أنا عثمان أو نحو ذلك فهذا كذب لا يجوز فعله.

س5: كان كعب بن زهير رضي الله عنه يقف أمام رسول الله ﷺ ويقول: (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول..) وهو لم ير سعاد ولم يحدث له لأي شيء مما يذكره في القصيدة عن سعاد مما اعتبر ذلك كذبا. والتمثيل ضرب من هذه الضروب فما رأيك؟
جـ 5: هذا ليس تقمصا للشخصية، إنما التقمص كقول أحدهم: أنا أبو بكر أنا عمر أنا عائشة فقد كذب، والله أعلم.

س6: هل تعتبر قيام جماعات إسلامية في البلدان الإسلامية لاحتضان الشباب وتربيتهم على الإسلام من إيجابيات هذا العصر؟
جـ 6: وجود هذه الجماعات الإسلامية فيه خير للمسلمين، ولكن عليها أن تجتهد في إيضاح الحق مع دليله وأن لا تتنافر مع بعضها، وأن تجتهد بالتعاون فيما بينها، وأن تحب إحداهما الأخرى، وتنصح لها وتنشر محاسنها، وتحرص على ترك ما يشوش بينها وبين غيرها، ولا مانع أن تكون هناك جماعات إذا كانت تدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

س 7: بم تنصح الشباب داخل هذه الجماعات؟
جـ 7: أن يترسموا طريق الحق ويطلبوه، وأن يسألوا أهل العلم فيما أشكل عليهم، وأن يتعاونوا مع الجماعات فيما ينفع المسلمين بالأدلة الشرعية، لا بالعنف ولا بالسخرية، ولكن بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، وأن يكون السلف الصالح قدوتهم، والحق دليلهم، وأن يهتموا بالعقيدة الصحيحة التي سار عليها رسول الله ﷺ وصحابته رضي الله عنهم.

س 8: هل الأولوية في الدعوة الإسلامية للعمل الخيري كبناء المساجد وإغاثة المنكوبين، أم لدعوة الحكومات لتطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة كافة أشكال الفساد؟
جـ 8: الواجب على العلماء البداءة بما بدأ به الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما يتعلق بالمجامع الكافرة والبلدان غير الإسلامية وذلك بالدعوة إلى توحيد الله، وترك عبادة ما سواه، والإيمان به وبأسمائه وصفاته، وإثباتها له على الوجه اللائق به عز وجل، مع الإيمان برسوله ﷺ ومحبته واتباعه، كما أن عليهم دعوة المسلمين في كل مكان إلى التمسك بشريعة الله والاستقامة عليها ونصح ولاة الأمور ومساعدة المحتاجين ومواساتهم. كما أن على العلماء أن يستمروا في الدعوة إلى الله والحرص على الأعمال الخيرية، وزيارة ولاة الأمور وتشجيعهم على الأعمال الحسنة وحثهم على تحكيم الشريعة، وإلزام الشعوب بها عملا بقول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقوله عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] والآيات في هذا المعنى كثيرة.

س 9: يتحمس بعض الشباب أكثر مما ينبغي، وينحو إلى التطرف، فما هي نصيحتكم له؟
جـ 9: يجب على الشباب وغيرهم الحذر من العنف والتطرف والغلو؛ لقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء:171] وقوله عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية [آل عمران:159]، وقوله عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] وقول النبي ﷺ: هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، رواه مسلم في صحيحه، وقوله ﷺ: إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين رواه الإمام أحمد، وبعض أهل السنن بإسناد حسن.
فلهذا أوصي جميع الدعاة بأن لا يقعوا في الإسراف والغلو وإنما عليهم التوسط.. وهو السير على نهج الله، وعلى حكم كتابه وسنة نبيه ﷺ.

س 10: اليوم نعيش ظاهرة سياسية كبيرة هزت العالم وهي انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد اليهود فهل لكم كلمة توجهونها إلى الشباب المسلم في فلسطين المحتلة؟
جـ 10: أنصحهم بتقوى الله والتعاون على الخير والاستقامة في العمل، فالله ينصر من ينصره، فقد قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وقال سبحانه في مكان آخر من كتابه الكريم: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].
إنني أنصح كل إخواني بالتعاون معهم وأنصح الأغنياء وولاة الأمور بأن يمدوا يد العون لإخوانهم في فلسطين المجاهدة؛ لاسترداد بلادهم والنصر على الأعداء إن شاء الله.
أيدهم الله بالحق، وجزاهم عن المسلمين كل خير، وما عليهم إلا أن يصبروا ويصابروا فإن وعد الله حق، وإن الله ناصر من ينصره، وفقهم الله ونصرهم على عدوهم، ووفق المسلمين لمساعدتهم والوقوف بصفهم حتى ينصرهم الله على عدوهم وهو سبحانه خير الناصرين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[1].

  1. لقاء مع سماحة الشيخ أجرته مجلة المجتمع الكويتية بتاريخ 17/ 7/ 1410هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5/ 269).