حوار جريدة (المسلمون) مع سماحته بعد حرب الخليج

السؤال الأول: الآن بعد أن هدأ غبار الحرب كيف السبيل- في رأي سماحتكم- إلى إزالة غبار الفتنة التي نشأت عن أزمة الخليج؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فلا شك أن الفتنة التي فجر أسبابها حاكم العراق فتنة عظيمة وترتب عليها شرور كثيرة، والحمد لله الذي من بالقضاء عليها وتحرير دولة الكويت ودحر الظالم والقضاء عليه وعلى عدوانه، ولا شك أن ذلك من نعم الله العظيمة، فنشكر الله على ذلك، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفقهم لما يرضيه، وأن يولي على العراق حاكما مسلما يُحكِّم فيهم شرع الله، ويقودهم إلى الحكم بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ.
والواجب على المسلمين في مقابل هذه النعمة أن يشكروا الله عز وجل كثيرا وأن يستقيموا على دينه، وأن يحذروا أسباب غضبه، وأن يجتهدوا في رأب الصدع ولم الشمل على طاعة الله ورسوله واتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، والتواصي بالحق والصبر عليه. هذا هو الطريق لإزالة غبار هذه الفتنة والسلامة من شرها ومكائدها ومكائد من دعا إليها، والله يقول في كتابه العظيم: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] ويقول وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] وهذا هو السبيل لإزالة غبار هذه الفتنة وآثارها السيئة.
إن السبيل الوحيد هو جمع الكلمة على طاعة الله ورسوله، والتواصي بالحق والصبر عليه من الرؤساء والأعيان والعلماء والعامة حتى يستقيم الجميع على طاعة الله ورسوله، وحتى تكون محبتهم في الله وبغضهم في الله وموالاتهم في الله ومعاداتهم في الله.
فنسأل الله أن يسلك بنا وبهم صراطه المستقيم، وأن يهدينا وإياهم لكل ما فيه رضا، وأن يعيذنا وكافة المسلمين في كل مكان من أسباب غضبه وأسباب النزاع الذي يؤدي بالناس إلى ما لا تحمد عقباه، كما أسأله سبحانه أن يولي على المسلمين خيارهم، وأن يصلح قادتهم ويهديهم صراطه المستقيم، إنه سميع قريب.
 
السؤال الثاني: ما هو أبرز درس من الدروس المستفادة من هذه المحنة العظيمة التي أصابت الأمة؟
جواب: إن أبرز درس أنها من الفتن والحوادث التي تبين للناس العدو من الصديق، وتقسمهم إلى محق ومبطل، وحاسد وراغب في الخير، ومنصف وجائر، فالواجب على المؤمن عند وجود المحن أن يكون مع الحق لا مع هواه ولا مع الباطل، بل يجب أن يكون مع الحق يدور معه أينما دار، ومن كان مع الحق دعا إليه ونصره، ومن كان مع الظلم والشرك والبدعة خالفه ودعا إلى تركه وعدم التعاون معه، ففي هذه الفتنة معلوم أن حاكم العراق ظالم معتد على دولة آمنة مسلمة، بغى عليها واعتدى ظلما وعدوانا، وهو بعثي ملحد.
إن واجب المسلمين جميعا أن يكونوا مع الحق ضد الظالم والمعتدي، ومن الغريب أن تكون جماعة من الفئة الكافرة تنصر المحق وتردع الظالم، بينما دول تنتسب إلى الإسلام تقف مع المبطل والظالم، إن هذا لمن العجائب والغرائب، فالواجب على من ينتسب للإسلام ومن يدعي الإسلام أن يكون مع الإسلام حقيقة، وأن يكون مع طالب الحق ومع ناصر الحق لا مع الظالم والمعتدي ولو كان قريبه أو أخاه.
فالواجب نصر المحق وردع الظالم والقضاء على ظلمه بالطرق المناسبة التي يحصل بها المطلوب، كما قال المصطفى ﷺ: انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله، أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه وهذا الحديث العظيم من جوامع الكلم، فالواجب على أهل الإسلام أن يطبقوه وأن يلتزموا به مع القريب والبعيد.
 
السؤال الثالث: أدت الفتنة إلى اندفاع بعض القيادات والجماعات الإسلامية إلى تأييد الباغي، فماذا تقولون لهم الآن بعد أن انتهت الحرب؟
الجواب: نقول لهم: إن باب التوبة مفتوح، فالواجب على من حاد عن الصواب أن يرجع إلى الصواب، وأن يتوب إلى الله وأن يندم على ما فرط فيه من الخطأ، وأن يعود إلى الرشد والهدى والحق، والله يمحو بالتوبة ما قبلها من الخطأ والضلال، كما قال عز وجل وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] وقال النبي ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
والتوبة النصوح تشمل أمورا ثلاثة:
الأمر الأول: الندم على الخطأ والزلل والظلم والعدوان.
والثاني: الإقلاع عن الذنب وتركه والحذر منه رغبة فيما عند الله وتعظيما له سبحانه.
والثالث: العزم الصادق على عدم العودة إليه إخلاصا لله ومحبة وتعظيما له.
وهناك شرط رابع لا بد منه أيضا: فيما يتعلق بحق المخلوقين فلا بد أن يتخلص من الظلم المالي والدموي والعرضي، لا بد من توبة بأن ترد المظلمة أو تستبيح المظلومين.
وإذا استوفى الإنسان هذه الشروط رغبة فيما عند الله وتعظيما له سبحانه، تاب الله عليه ومحا عنه سيئاته، كما قال تعالى في حق الكفرة: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38] وقال سبحانه في حق الجميع: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] أجمع أهل العلم أن المراد بهذه الآية التائبون.
 
السؤال الرابع: هناك من يقول إن بعض الدول والجماعات في العالم العربي والإسلامي تخلوا عنا ووقفوا ضدنا وناصروا طاغية العراق؛ لذلك ينبغي أن نعيد النظر في علاقتنا بهم، ونوقف مساعداتنا لهم، وننصرف إلى شئوننا الذاتية، ونقتصر على أنفسنا، فما رأيكم في مثل هذا القول؟
الجواب: الواجب على الدول الإسلامية وعلى رؤسائها التعاون على البر والتقوى، ومن أراد الخير وندم على ما فرط منه من الظلم فالمشروع أن يتعاون معه على البر والتقوى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40] وإذا أساء إليك بعض الناس فمن الأحسن لك أن تقابل إساءته بالإحسان والصفح والعفو إذا لم يستمر على الإساءة واستقام على الحق ولم يعتد، فإن الرجوع إلى الحق ليس عيبا ولا ينبغي أن تطغى الحزازات والعداوات على المصلحة العامة للمسلمين، فإن عاقبة ذلك وخيمة، ولكن ينبغي السير في إزالتها بالعفو والصفح والإصلاح، وعلى من أساء أن يظهر التوبة والاعتذار عما جرى منه وأن يبدل سيئاته حسنات، فالحسنة تمحو السيئة إذا صدق صاحبها.
أما إذا استمر المعتدي على عدوانه ولم يرغب في الصلح والتعاون فالواجب حينئذ عدم التعاون معه إذا كان التعاون معه يضر الدعوة الإسلامية أو يضر المجتمع الإسلامي أو يفضي إلى فساد الأخلاق.

السؤال الخامس: انساقت بعض الجماهير، ومنهم بعض شباب الصحوة الإسلامية في بعض البلدان وراء بعض القيادات التي رفعت شعارات تناصر النظام العراقي العلماني، مما يدل على أن هناك قصورا أو خللا في منهج الدعوة وقلة العلم الشرعي الذي تربى عليه هؤلاء الشباب، فكيف يمكن أن نعالج مثل هذا الخلل؟ وما هو دور العلماء في ذلك؟
الجواب: لا شك أن هذا واقع، وأن نقص العلم يسبب وقوع المجتمع في أخطاء كثيرة، والواجب على العلماء في كل مكان بذل الدعوة وبذل النصيحة ونشر العلم بين الناس، ولا سيما بين الشباب الذين يرغبون في العلم ويدعون إلى الله عز وجل، وعلى طالب العلم أن يقبل العلم ويسعى إلى أن يتبصر ولا يعجل.
والواجب على الشباب وعلى غيرهم ممن ليس عندهم العلم الكافي ألا يعجلوا في الأمور وأن يتفقهوا في الدين ويستمعوا لتوجيه العلماء مما يقال ويكتب حتى يكونوا على بينة من أمورهم، وعليهم أن يتدبروا ما يطلعون عليه أو يقال لهم أو يسمعونه في إذاعة أو غيرها ويعرضوه على الأدلة الشرعية، وأن يسألوا أهل العلم عما أشكل عليهم وممن يوثق فيهم حتى يكونوا على بينة، ويتحروا أهل العلم الذين يعرفون بنشر الحق والعناية به وإقامة الأدلة عليه ويستفيدوا من علمهم.
أما الاندفاع مع الشعارات التي يروج لها فلان أو فلان أو يؤيدها فلان أو فلان فهذا لا ينبغي لعاقل، وإن كثرة الكلام والبلاغة ليست دليلا على الحق، بل الدليل على الحق هو ما قال الله سبحانه وما قال رسوله ﷺ مع العناية بدراسة القواعد الشرعية والأسس المرعية التي دل عليها قول الله عز وجل وقول رسول الله ﷺ، فهي المعيار الذي يستنبط منه ويؤخذ عن طريقه الحق عند عدم وجود النص من الكتاب أو السنة، أما قول فلان وما أذاعته الإذاعة الفلانية فهذا لا ينبغي لعاقل أن يغتر به، بل ينبغي للعاقل أن يكون الكتاب السنة والقواعد الشرعية هي التي يبني عليها ما يختاره وما يرده، وينبغي أيضا ألا يستقل بنفسه في بعض المسائل التي تخفى عليه، بل ينبغي أن يستفيد من إخوانه، وأن يسأل من يثق به من أهل العلم، وأن لا يعجل في الأمور حتى يطمئن إلى أن هذا هو الحق، لا لأنه قاله فلان أو الحاكم الفلاني أو الرئيس الفلاني أو الزعيم الفلاني.
 
السؤال السادس: ترك الشورى وعدم تطبيق الشريعة كان من أبرز الأسباب التي أدت إلى طغيان حاكم العراق، فهل من كلمة توجهونها عبر جريدة "المسلمون" لقادة المسلمين وأعيانهم في هذا المجال؟
الجواب: الشورى من أهم المهمات في الدول الإسلامية والجماعات الإسلامية، لذلك ينبغي العناية بالشورى الإسلامية، وهي من صفات المؤمنين، كما قال جل وعلا: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى:38] وقال جل وعلا: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران:159].
فالتشاور في الأمور التي ليس فيها دليل واضح من أهم المهمات، أما إذا كان النص صريحا من كتاب الله ومن سنة رسوله ﷺ فلا تشاور، إنما الشورى تكون فيما قد يخفى من المسائل التي تبدو للحاكم أو للجماعة أو للمركز الإسلامي ومن فيه أو لغير ذلك، هذا محل الشورى، والشورى تكون في معرفة الحق، أو في كيفية تنفيذه والدعوة إليه، أو في معرفة الباطل وفي أدلته وكيفية القضاء عليه ودفعه ومحاربته.
وهناك أمر ينبغي أن يلاحظ وهو: أن الشورى يجب أن يكون رجلها من أهل العلم والبصيرة والخبرة بأمور الناس وأحوالهم ومن أعيان الناس العارفين بأحوال المجتمع، يتشاورون ويتعاونون، لا ممن ليس بهذه الصفة من عامة الناس وجهالهم ولا ممن يعرف بالإلحاد في الدين والزيغ عن الحق، بل من الناس المعروفين بالعقل الراجح والعلم والفضل والخبرة بأحوال الناس حتى يحصل التعاون معهم في معرفة الحق فيما قد يخفى دليله أو في الأمور التي تحتاج إلى نظر وعناية في كيفية تنفيذ الحق أو كيفية ردع الباطل والقضاء عليه.
 
السؤال السابع: وماذا عن إهمال تطبيق الشريعة؟
جواب: إن الواجب على الدول الإسلامية أن تحكم شريعة الله، وأن تدع القوانين الوضعية التي وضعها الرجال، فإن الله جل وعلا أوجب على المسلمين أن يحكموا شرعه فقال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
فالواجب على جميع المسلمين أن يحكموا شرع الله وأن يتركوا التحاكم إلى القوانين الوضعية التي وضعها الشرق أو الغرب، ففي شرع الله ما يكفي والحمد لله، ولهذا قال الله عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] نعم إذا وجد نظام أو قانون يوافق الشرع في أية مسألة من مسائل القانون فلا بأس.
ويمكن أن تضع الدول قوانين يعرفها الناس ويستفيدون منها بشرط موافقتها للشرع، وهذا ليس من تحكيم القوانين، بل هذا عمل بالشرع، ومثلما وضع العلماء أبوابا يوضحون فيها الأحكام الشرعية، فإذا وضعت الدولة قانونا يعرفه الناس في مجال التجارة أو في مجال البيوع أو فيما يتعلق بالأوقاف أو النكاح، إذا وضعت شيئا واضحا في أبواب معينة يسير عليها الناس على هدي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله ﷺ فهذا لا يسمى قوانين، بل هي مثلما وضع الفقهاء في كتبهم أبوابا يوضحون فيها أحكام الله، فإذا وضعت الدولة شيئا يوضح حكم الله في مسألة من المسائل وبينت الشروط بالأدلة الشرعية فليس هذا ببدع من القول، ولا يضر إذا لم يكن مخالفا لشرع الله.
 
السؤال الثامن: هناك مطالبات - سماحة الشيخ - بإحداث بعض التغييرات في المجتمع بعد هذه الأزمة؛ إذ كشفت الأزمة عن بعض الأمور، فما رأيكم في هذا؟ وما هي المجالات التي ترونها بحاجة إلى تغيير؟ سواء في مجتمعنا أو في المجتمعات الإسلامية بشكل عام؟
الجواب: هذا المقام مقام عظيم، من ذلك أنه يجب على الذين ينتخبون الرؤساء والأعيان أن يتحروا في المنتخب أن يكون من أهل الدين والاستقامة والعقل الراجح والعقيدة الصالحة ومحبة الخير للمسلمين، وألا ينتخبوا من هب ودب. كما ينبغي أن يكون المنتخب صالحا لقيادة المجتمع إلى طريق النجاة والسعادة، ثم أيضا هناك مسألة الولايات الأخرى الصغيرة، مثل ولاية إمارة في بلدة أو قرية أو رئاسة جمعية أو إدارة مدرسة إلى غير ذلك، فيجب أن ينتبه لذلك، وأن يختار لكل أمر من يناسبه، وألا يكون للمنتخب هوى فيختاره لأنه قريبه أو لأنه صديقه أو لأنه أعطاه مالا أو رشوة. إن هذا من أعظم الخيانة، فيجب على أفراد المجتمع أن تكون عنايتهم بالاختيار، بأن يكون المختار من أهل الكفاية وأهل الاستقامة وأهل الأمانة وأهل المعرفة الذين إذا اختيروا ينفعون الأمة في دينهم ودنياهم.
وكذلك ينبغي العناية بإيجاد المدارس الإسلامية التي تخرج الشباب الصالح، فيجب على ولاة الأمور وعلى المسئولين أن تكون لهم عناية بإيجاد المدارس الصالحة والمديرين الطيبين الصالحين، وهكذا في جميع القيادات يجب على المسئولين أن يختاروا المرء الصالح الذي يعرف منه الخير وممن يتسم بالالتزام بالإسلام وبالالتزام بالأمانة وترك الخيانة.
 
السؤال التاسع: هناك يا سماحة الشيخ بعض الأبواق التي تدعو الآن إلى مقاطعة أو تعطيل فريضة الحج لهذا العام بزعم وجود القوات الأجنبية، فما ردكم على هؤلاء؟
الجواب: هذه دعوى باطلة مغرضة، أو أن صاحبها مغرور مخدوع ليس عنده بصيرة، إن الحرمين والحمد لله ليس فيهما كفار ولا قادة للكفار ولا دول كافرة، الحرمان في صيانة والحمد لله، وفي أيد أمينة. وقوات الدول التي ساعدت في حرب حاكم العراق في محلها بعيدة عن مكة بمسافة طويلة.
إن الدول التي ساعدت وساهمت مشكورة على نصر الحق وعلى ردع الظالم، ليس لها تعلق بالحرمين وليست في الحرمين، لقد جاءوا بطلب ولمساعدة المنكوبين والمظلومين ضد الظالم والمعتدي، وما جاءوا لحرب المسلمين، وما جاءوا للاستيلاء على الحرمين، إنما جاءوا بدعوة من خادم الحرمين الشريفين من أجل نصر المظلوم وردع الظالم، والحمد لله الذي نفع بذلك وصار في هذه الدول المشتركة خير عظيم للمسلمين حتى ردع الله بهم الظالم وأنقذ بهم حق المظلوم.
إن الذي يقول إن الحرمين الآن محصوران من دول كافرة إما مخدوع وإما مغالط أو مغرض كاذب؛ لأن ما قاله كذب صريح لا أساس له من الصحة، وليس لأحد أن يدعو إلى ترك أداء فريضة الحج، بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا في أداء فريضة الحج، ولكن يعذر من وجد مخاوف في الطريق أو كان الحرمين - لا سمح الله - فيهما خطر، فإذا كان الطريق غير آمن أو الحرمان ليسا آمنين صار ذلك عذرا في أن يؤخر الحج إلى عام آخر، ولكن والحمد لله الحرمين آمنان والطريق آمن وليس هناك خطر.
 
السؤال العاشر: في أثناء الأزمة حصل شيء من الاختلاف بين طلبة العلم والخطباء وإن كان محدودا والحمد لله، فماذا تقولون في ذلك؟
الجواب: لا شك أنه وقع بعض الاختلاف في بعض المسائل من بعض المحاضرين وبعض الخطباء وفي بعض الندوات عن حسن ظن أو عن جهل من بعض إخواننا، والواجب على الجميع الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ﷺ، كما أن الواجب على الخطيب وعلى المحاضر في الندوات أن يتثبت في الأمور وألا يتعجل حتى يطمئن أنه على الحق والهدى بالأدلة الشرعية، فلا ينبغي أن يعجل في فتوى أو إصدار أحكام على غير بصيرة.
وعلى كل طالب علم، وعلى كل من يشارك في الندوات أو يلقي المحاضرات أو يقوم بخطب الجمعة أو غيرها أن يتثبت في الأمور، وألا يحكم على أي شيء بأنه حرام أو واجب أو مستحب أو مباح أو مكروه إلا على بصيرة؛ حتى لا يضل الناس بسببه.
وأما مسألة الاستعانة بالدول الأجنبية فإن بعض إخواننا ظن أن هذا لا يجوز، وأن ما أقدمت عليه الدولة السعودية من الاستعانة ببعض الدول الأجنبية غلط، فهذا غلط من قائله، فالدولة السعودية كانت محتاجة إلى هذا الشيء، بل مضطرة لما عند حاكم العراق من القوات الكبيرة، ولأنه باغت دولة الكويت واجتاحها ظلما وعدوانا، فاضطرت الدولة السعودية إلى الاستعانة ببعض المسلمين وبعض الدول الأجنبية؛ لأن الواقع خطير والمدة ضيقة ليس فيها متسع للتساهل، فهي في هذا الأمر قد أحسنت وفعلت ما ينبغي لردع الظالم وحصره حتى لا يقدم على ضرر أكبر، وحتى يسحب جيشه من الدولة المظلومة.
والمقصود أن الاستعانة بالمشرك أو بدولة كافرة عند الحاجة الشديدة أو الضرورة وفي الأوقات التي لا يتيسر فيها من يقوم بالواجب ويحصل به المطلوب من المسلمين أمر لازم لردع الشر الذي هو أخطر وأعظم، فإن قاعدة الشرع المطهر هي دفع أكبر الضررين بأدناهما وتحصيل كبرى المصلحتين أو المصالح ولو بتفويت الدنيا منهما أو منها، أما أن يتساهل الحاكم أو الرئيس أو ولي الأمر أو غيرهم من المسئولين حتى يقع الخطر وتقع المصيبة فذلك لا يجوز، بل يجب أن يتخذ لكل شيء عدته، وأن تنتهز الفرص لردع الظلم والقضاء عليه وحماية المسلمين من الأخطار التي لو وقعت لكان شرها أخطر وأكبر.
وقد درس مجلس هيئة كبار العلماء هذه المسألة وهي الاستعانة بغير المسلمين عند الضرورة في قتال المشركين والملاحدة، وأفتى بجواز ذلك عند الضرورة إليه للأسباب التي ذكرنا آنفا. والله المستعان.

السؤال الحادي عشر: يتعلق بوسائل الإعلام، فقد ظهر في الأزمة حاليا أن لوسائل الإعلام دورا خطيرا إذ يتابع الناس عن طريقها الأحداث ويستقون الأخبار ويكونون الآراء، فهل من كلمة حول ذلك؟
الجواب: لا شك أن وسائل الإعلام لها دور عظيم، ولا شك أنها سلاح ذو حدين، فالواجب على القائمين عليها أن يتقوا الله ويتحروا الحق فيما ينشرون، سواء كان ذلك عن طريق الوسيلة المرئية أو المسموعة أو المقروءة، والواجب أن ينشروا ويذيعوا عن أهل العلم والإيمان والبصيرة ما ينفع الناس ويبصرهم بالحق، أما المقالات الضارة والمقالات الملحدة فالواجب الحذر منها وعدم نشرها، وعليهم أن يؤدوا الأمانة في ذلك فلا ينشروا إلا ما يقود الناس إلى الحق ويبعدهم عن الباطل.
والواجب على المسئولين في وسائل الإعلام ألا يُوَلُّوا في الإعلام إلا الثقات الذين عندهم علم وبصيرة وأمانة.
إن وسائل الإعلام تحتاج إلى رجال يخافون الله ويتقونه ويعظمونه ويتحرون نفع المسلمين والمجتمع كله فيما ينشرون حتى لا يضل الناس بسببهم، ومعلوم أن من نشر قولا يضر الناس يكون عليه مثل آثام من ضل به، كما أن من نشر ما ينفع الناس يكون له مثل أجور من انتفع بذلك، ونسأل الله تعالى أن يهديهم ويوفقهم ويصلح أحوالهم.
 
السؤال الثاني عشر: ماذا بالنسبة لتعاون العلماء وطلبة العلم مع وسائل الإعلام؟
الجواب: يجب على العلماء وطلبة العلم أن يتعاونوا مع هذه الوسائل حتى يرشدوا الناس ويفقهوهم ويعلموهم؛ لأن هذه الوسائل يستفيد منها الملايين من الناس إذا استقامت ووجهت الوجهة الصالحة، لذلك ينبغي على العلماء والأخيار أن يتعاونوا مع وسائل الإعلام فيما ينفع الناس في دينهم ودنياهم[1].

  1. حوار مع سماحة الشيخ: عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، أجراه الدكتور عبدالقادر طاش لجريدة (المسلمون) ونشر هذا الحوار في العدد (318) بتاريخ 22 شعبان 1411هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/ 218).