أقسام التوحيد

التوحيد موضوع عظيم هو أساس الملة، وأساس جميع ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم.
ولا ريب أن هذا المقام جدير بالعناية، وإنما ضل من ضل وهلك من هلك بسبب إعراضه عن هذا الأصل وجهله به وعمله بخلافه، وكان المشركون قد جهلوا هذا الأمر من توحيد العبادة الذي هو الأساس الذي بعثت به الرسل وأنزلت به الكتب وخلق من أجله الثقلان: "الجن، والإنس" وظنوا أن ما هم عليه من الشرك دين صالح وقربة يتقربون بها إلى الله مع أنه أعظم الجرائم وأكبر الذنوب، وظنوا بجهلهم وإعراضهم وتقليدهم لآبائهم ومن قبلهم من الضالين أنه دين وقربة وحق وأنكروا على الرسل وقاتلوهم على هذا الأساس الباطل كما قال سبحانه: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] وقال جل وعلا: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] وقال سبحانه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر:3] وأول من وقع في هذا البلاء واعتقد هذا الشرك قوم نوح عليه الصلاة والسلام فإنهم أول الأمم الواقعة في الشرك، وقلدهم من بعدهم، وكان سبب ذلك: الغلو في الصالحين وأنهم غلوا في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، وكان هؤلاء رجالا صالحين فيهم فماتوا في زمن متقارب فأسفوا عليهم أسفا عظيما وحزنوا عليهم حزنا شديدا فزين لهم الشيطان الغلو فيهم وتصويرهم ونصب صورهم في مجالسهم وقال: لعلكم بهذا تسيرون على طريقتهم، وفي ذلك هلاكهم وهلاك من بعدهم فلما طال عليهم الأمر عبدوهم. وقال جماعة من السلف: فلما هلك أولئك وجاء من بعدهم عبدت هذه الأصنام وأنزل الله فيهم جل وعلا قوله سبحانه: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ۝ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالًا ۝ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا [نوح:23-25].
فالغلو في الصالحين من البشر وفي الملائكة والأنبياء والجن والأصنام هو أصل هذا البلاء، والله بين على أيدي الرسل أن الواجب عبادته وحده سبحانه، وأنه الإله الحق وأنه لا يجوز اتخاذ الوسائط بينه وبين عباده، بل يجب أن يعبد وحده مباشرة من دون واسطة، وأرسل الرسل وأنزل الكتب بذلك وخلق الثقلين لذلك قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، وقال : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23] وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وهذا المقام- أعني مقام التوحيد- دائما وأبدا يحتاج إلى مزيد العناية بتوجيه الناس إلى دين الله وتوحيده وإخلاص العبادة له؛ لأن الشرك هو أعظم الذنوب وقد وقع فيه أكثر الناس قديما وحديثا، فالواجب بيانه للناس والتحذير منه في كل وقت، وذلك بالدعوة إلى توحيد الله سبحانه والنهي عن الشرك وبيان أنواعه للناس حتى يحذروه، وقد قام خاتم الأنبياء محمد ﷺ بذلك أكمل قيام في مكة والمدينة ومع هذا فقد ملئت الدنيا من هذا الشرك بسبب علماء السوء ودعاة الضلالة، وإعراض الأكثر عن دين الله وعدم تفقههم في الدين وعدم إقبالهم على الحق وحسن ظنهم بدعاة الباطل ودعاة الشرك إلا من رحم الله، كما قال الله سبحانه: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103] وقال تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] وقال : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116]، فلهذا انتشر الشرك في الأمم بعد نوح في عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم شعيب وقوم لوط ومن بعدهم من سائر الأمم وصاروا يقلد بعضهم بعضا يقولون: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:22] وإذا كان هذا البلاء قد عم وطم ولم يسلم منه إلا القليل، فالواجب على أهل العلم أن يقدموه على غيره -أعني بيان التوحيد وضده- وأن تكون عنايتهم به أكثر من كل نوع من أنواع العلم لأنه الأساس فإذا فسد هذا الأساس وخرب بالشرك بطل غيره من الأعمال، كما قال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] وقال سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65-66] والصوم والحج وغير ذلك من العبادات لا تنفع.
وأقسام التوحيد ثلاثة، بالاستقراء والنظر والتأمل في الآيات والأحاديث وما كان عليه أهل الشرك اتضح أنها ثلاثة أقسام، اثنان أقر بهما المشركون، والثالث جحده المشركون وقام النزاع بينهم وبين الرسل في ذلك، والقتال والولاء والبراء والعداوة والبغضاء، ومن تأمل القرآن الكريم والسيرة النبوية وأحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام وأحوال الأمم عرف ذلك.
وقد زاد بعضهم قسما رابعا سماه: " توحيد المتابعة" يعني: وجوب اتباع الرسول والتمسك بالشريعة، فليس هناك متبع آخر غير الرسول ﷺ، فهو الإمام الأعظم وهو المتبع، فلا يجوز الخروج عن شريعته، فهي شريعة واحدة إمامها واحد، وهو نبينا عليه الصلاة والسلام فليس لأحد الخروج عن شريعته، بل يجب على جميع الثقلين الجن والإنس أن يخضعوا لشريعته، وأن يسيروا على منهاجه في التوحيد، وفي جميع الأوامر والنواهي، وهذا القسم الرابع معلوم، وهو داخل في قسم توحيد العبادة، لأن الرب سبحانه أمر عباده باتباع الكتاب والسنة، وهذا هو توحيد المتابعة، وقد أجمع العلماء على وجوب اتباع الرسول والسير على منهاجه، وأنه لا يسع أحد الخروج عن شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، فإن الخضر نبي مستقل على الصحيح ليس تابعا لموسى، وقد كان الأنبياء والرسل قبل محمد كثيرين كل له شريعة كما قال الله سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، أما هذه الأمة فليس لها إلا نبي واحد وهو محمد عليه الصلاة والسلام، فالواجب على هذه الأمة من حين بعث الله نبيها محمدا وإلى يومنا هذا إلى يوم القيامة اتباع هذا النبي وحده والسير على شريعته المعلومة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وليس لأحد الخروج عن ذلك، ليس لأحد أن يقول: أنا أتبع التوراة أو الإنجيل، وفلانا أو فلانا بل يجب على الجميع اتباع شريعة محمد ﷺ، ومن زعم أنه يجوز لأحد الخروج عنها فهو كافر ضال بإجماع المسلمين.
وقد علمنا مما سبق أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فتوحيد الربوبية: وهو الإيمان بأفعال الرب سبحانه أنه فعال لما يريد، وأنه الخلاق الرزاق، وهذا القسم ما أنكره المشركون بل أقروا به، وهو يستلزم توحيد العبادة ويلزمهم بذلك، فمن كان بهذه الصفة من كونه هو الخلاق، الرزاق، المحيي، المميت، ومدبر الأمور، ومصرف الأشياء وجب أن يعبد وأن يخضع له فإنه يقول سبحانه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ [يونس:31] والمعنى: ما دمتم تعلمون أن هذا الله أفلا تتقون الله في توحيده والإخلاص له! وترك الإشراك به! وهم مقرون بهذا يعلمون أنه ربهم وخالقهم ورازقهم، ولكنهم اعتقدوا أن تقربهم إليه بعبادة الأوثان والأصنام أنه شيء يرضيه، كما قال الله سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] هذا اعتقادهم الباطل إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] الشياطين زينت لهم السوء وزينت عبادة الأصنام، والملائكة، والأنبياء، والأشجار، والأحجار وغير ذلك، فاحتج الله عليهم بما أقروا به من توحيد الربوبية، والأسماء والصفات على ما أنكروه من توحيد العبادة، لأن الذي يخلق ويرزق ويدبر الأمر ويحيي ويميت هو المستحق لأن يعبد ويطاع سبحانه وتعالى.
وهكذا أسماؤه كلها دليل ظاهر على أنه هو المستحق للعبادة، فهو الرحمن الرحيم، الرزاق العليم المدبر للأمور، مالك الملك، العالم بكل شيء، والقادر على كل شيء، وهو الفعال لما يريد فمن كان بهذه المثابة وجب أن يعبد وحده دون ما سواه، وهذه الأسماء كلها دالة على معان عظيمة: الرحمن يدل على الرحمة، العزيز يدل على العزة، الرؤوف يدل على الرأفة، السميع يدل على أنه يسمع دعوات عباده وكلامهم، والبصير الذي يراهم ويشاهد أحوالهم إلى غير ذلك، فهي أسماء عظيمة حسنى دالة على معان عظيمة كلها حق، وكلها ثابتة لله سبحانه على وجه يليق به سبحانه، لا شبيه له فيها ولا نظير، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
والصحابة رضوان الله عليهم وأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام كلهم مجمعون على إثبات الأسماء والصفات، وأنها حق ثابتة لله تعالى على وجه يليق به بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن الاستواء، والنزول، والسمع والبصر، والكلام وسائر الصفات كلها حق، وهكذا سائر الأسماء حق، ولهذا قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:18] أي اسألوه بها فهو يدعى ويسأل بأسمائه: يا رحمن يا رحيم، يا عزيز يا غفور، اغفر لي، ارحمني، فرج كربتي، إلى غير ذلك، كما أنه يدعى أيضا بتوحيده والإيمان به، كما قال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران:193] وكما في الحديث: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فهو يسأل بتوحيده والإيمان به، واعتراف العبد بأنه ربه الله ومعبوده الحق، وهكذا يسأل بالأعمال الصالحات، ويتوسل إليه بها فهذا كله من أسباب الإجابة كما سأله أصحاب الغار بأعمالهم الصالحة، وهم قوم دخلوا غارا للمبيت فيه والاتقاء من المطر، فأنزل الله عليهم صخرة سدت الغار عليهم، فلم يستطيعوا رفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا الله بسؤالكم الله بأعمالكم الصالحة، فتوسل أحدهم ببره لوالديه، والآخر بعفته عن الزنا، والثالث بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم الصخرة فخرجوا، كما صح بذلك الحديث عن النبي ﷺ وهذا من آياته العظيمة سبحانه وتعالى، ومن الدلائل على قدرته العظيمة.
فهو يحب من عباده من يتوسل إليه بأسمائه وصفاته وأعمالهم الطيبة، أما التوسل بجاه فلان، أو بحق فلان، أو بذات فلان، فهذا بدعة.
ولهذا لما توفي النبي ﷺ وكانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فيقولون: يا رسول الله ادع الله لنا، ويدعو لهم ﷺ كما وقع في أيام الجدب وكان على المنبر، فطلبوا أن يدعو الله لهم، فدعا الله لهم واستجاب الله له وفي بعض الأحيان كان يخرج إلى الصحراء، فيصلي ركعتين ثم يخطب ويدعو.
فلما توفي ﷺ عدل عمر إلى عمه العباس، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فقام العباس ودعا فأمَّنوا على دعائه فسقاهم الله.
ولو كان التوسل بالذات أو الجاه مشروعا لما عدل عمر والصحابة إلى العباس، ولتوسل الصحابة بذاته، لأن ذاته عظيمة عليه الصلاة والسلام حيا وميتا.
والمقصود من هذا أن الرسول ﷺ صان هذا التوحيد وحماه، وبين أن الواجب على الأمة إخلاص العبادة لله وحده، وأن يتوجهوا إليه جل وعلا بقلوبهم وأعمالهم في عبادتهم، وألا يعبدوا معه سواه لا نبيا ولا ملكا ولا جنيا ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك.
والله سبحانه أوجب على عباده ذلك في كتابه الكريم، وعلم الأمة ذلك أن يعبدوه وحده، ويتوجهوا إليه وحده، والرسول ﷺ أكمل ذلك وبلغ البلاغ المبين، وحمى حمى التوحيد، وحذر من وسائل الشرك، فوجب على الأمة أن تخلص لله العبادة، فالعبادة حق الله وحده وليس لأحد فيها نصيب، كما قال الله سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2-3] وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقال النبي ﷺ : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا متفق على صحته.
وهذا أمر معلوم بالنصوص من الكتاب والسنة وبالضرورة، ولهذا يجب على علماء الحق أن يبذلوا وسعهم في تبيين هذا الحق بالكتب والرسائل ووسائل الإعلام، والخطب والمواعظ، وبسائر الوسائل الممكنة؛ لأنه أعظم حق وأعظم واجب، ولأنه أصل الدين وأساسه كما تقدم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين[1].
  1. تعليق على ندوة الخميس بالجامع الكبير - الرياض عام 1417 هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 9/ 63).