الجمع بين: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ...} و«إن الله تجاوز عن أمتي»

السؤال:

وهذه رسالة في البداية بعث بها المستمع (ح. م . ص) من جدة، ضمنها ثلاثة أسئلة:
في سؤاله الأول يقول: ما معنى قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ[البقرة:284]؟ وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه: أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به؟ نعم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم. 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة لما نزلت، وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284] شق عليهم هذا الأمر، وجاؤوا إلى النبي ﷺ وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم ﷺ: أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۝ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286] الآية.

فسامحهم الله، وعفا ، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا، وبما أصروا عليه، وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب، فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم فزال هذا الأمر، والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله، أو قاله، أو أصر عليه بقلبه عملًا بقلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق، ونحو ذلك.

أما الخواطر التي تعرض، والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان، ولا تضر؛ ولهذا لما قال الصحابة: «يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما لئن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به -أو كما قالوا- قال: ذاك صريح الإيمان وفي لفظ: تلك الوسوسة فهي من الشيطان، إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص، وصحة الإيمان، والرغبة فيما عند الله، وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة، فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان، سلم من شرها؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول -عليه الصلاة والسلام-: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وفي لفظ: فليستعذ بالله ولينته.

فهذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة، وخطرات منكرة، فليبتعد عنها؛ وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ ولينته، ولا يلتفت إليها، فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها ، نعم.

فتاوى ذات صلة