حكم الصلاة على النبي ﷺ في الدعاء والصلاة

السؤال:

وهذه أولى رسائل هذا اللقاء، وردت من المستمع: أحمد سليمان عمر، من إريتريا، له عدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل الصلاة المفروضة أو الدعاء إذا لم يذكر فيها الصلاة على النبي ﷺ تكون صحيحة أم لا؟ فإن أحد الأشخاص قال لنا: إن الصلاة والدعاء لا تقبل إذا لم يذكر فيهما الصلاة على النبي ﷺ؟ أفيدونا عن ذلك، أفادكم الله.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم. 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن الصلاة على النبي ﷺ مشروعة في صلاتنا، في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر وفي جميع النوافل، يشرع للمصلي أن يصلي على النبي ﷺ في التحيات -في آخر الصلاة- بعدما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يقول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا نوع من الصلاة الإبراهيمية الثابتة عن النبي ﷺ، وهناك أنواع أخرى، منها:
قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
ونوع ثالث: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه، وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وهناك أنواع أخرى من الصلاة على النبي ﷺ، وإذا أتى المسلم المصلي أو المرأة بنوع منها مما ثبت عن رسول الله ﷺ صح وكفى، ثم بعد هذا يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال ويدعو بما أحب من الدعوات الطيبة قبل أن يسلم.

وهذه الصلاة تشرع أيضًا في التشهد الأول على الصحيح، وقال جمع من أهل العلم: إنها لا تقال إلا في التشهد الأخير، ولكن الصحيح: أنه يؤتى بها أيضًا في التشهد الأول بعد الثنتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، إذا جلس في الثانية، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يصلي على النبي ﷺ ثم ينهض إلى الثالثة. 

أما بقية الدعاء، في الأخير، في التشهد الأخير، وهذا القول أصح، فعلى هذا: نصلي على النبي ﷺ في صلاتنا مرتين في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء مرتين في التشهد الأول وفي التشهد الأخير، هذا هو الأفضل.

واختلف العلماء: هل هي فريضة وركن في التشهد الأخير أم لا؟ على أقوال:
منهم من قال: إنها ركن لا بد منها، ولا تصح الصلاة إلا بها، وهذا هو المعروف في مذهب أحمد بن حنبل وجماعة.
وقال آخرون: بل هي واجبة لا ركن، بل واجبة، إن تعمد تركها بطلت الصلاة، وإن نسيها لم تبطل الصلاة، ولكن يسجد للسهو، وهذا قول وسط.
وقال آخرون: إنها سنة، لا تبطل الصلاة بتركها لا عمدًا ولا سهوًا، بل هي سنة مؤكدة؛ لأن الرسول ﷺ لم يفرضها على الناس، ولكن لما سألوه قالوا: «كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على.... إلى آخره» ولو كانت فرضًا لفرضها عليهم قبل أن يسألوه، وبيّنها لهم مع التشهد.

وبكل حال فالذي ينبغي هو المجيء بها؛ لأن الرسول أمر بها -عليه الصلاة والسلام- وقال: قولوا اللهم صل... إلى آخره، وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها في التشهد الأخير.
أما التشهد الأول فالأمر فيه واسع، إن أتى بها فهو أفضل، وإن لم يأت بها فلا حرج عليه، ولكن ليست شرطًا للقبول إذا قلنا بها في التشهد الأول، إنما هي مستحبة. 

أما في التشهد الأخير فقد سمعت الخلاف، بعض أهل العلم قال: إنها لا بد منها، وأنه إذا تعمدها بطلت الصلاة، كما لو تعمد ترك التشهد، أو تعمد ترك الركوع أو السجود تبطل الصلاة، وقال آخرون من أهل العلم: إنها لا تبطل الصلاة بذلك، ولكن يستحب له أن يصلي على النبي ﷺ في آخر الصلاة، فإن ترك لم تبطل صلاته، في أقوال أهل العلم المعروفة.

 فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها، بل ينبغي له أن يحافظ عليها، ويجتهد في فعلها بعد التحيات، وبعد قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قبل أن يسلم، يصلي على النبي ﷺ حتى تصح صلاته عند الجميع، وحتى لا يعرضها للبطلان.

وأما الدعاء فهي مستحبة في الدعاء، لكن ليست شرطًا في القبول، لو دعا ولم يصل على النبي ﷺ يرجى قبول دعائه، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي ﷺ قبل الدعاء وبعد الدعاء، هذا هو الأفضل؛ لأن الرسول ﷺ: لما رأى رجلًا دعا ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي ﷺ قال: عجل هذا ثم قال: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم ليصل على النبي ﷺ، ثم يدعو بما شاء.
فأرشدنا إلى أن نحمد الله أولًا، ثم نصلي على النبي ﷺ، ثم ندعو، وهذا هو الأفضل، وهذا هو الأقرب إلى الإجابة، لكنه ليس شرطًا، وإذا ختم الدعاء بالصلاة على النبي ﷺ كان أيضًا أفضل وأكمل، وهو من أسباب الإجابة، لكن لو ترك لا يقال: لا يجاب الدعاء، بل الدعاء قد يجاب، قد يحصل به المقصود، ولو لم يحمد الله في أوله، ولو لم يصل على النبي ﷺ في أوله ولا في آخره؛ لكن فعل ذلك يعني: كونه يحمد الله أولًا، ويصلي على النبي ﷺ، ثم يدعو ويلح بالدعاء، ثم يختم بالصلاة...، هذا كله من باب السنن، من باب الفضائل، وهو من أسباب الإجابة، ولكن ليس شرطًا للقبول، فلو دعا ولم يصل على النبي ﷺ لم يكن آثمًا، ولا يرد دعاؤه، بل يرجى قبوله إذا أخلص في ذلك، وسلم من الموانع التي تمنع من الإجابة، والموانع كثيرة، فالمعاصي من أسباب الموانع، من أسباب عدم الإجابة، وأكل الحرام من أسباب عدم الإجابة، والغفلة عن الله كونه يدعو بقلب ساهٍ غافل من أسباب عدم الإجابة.

فعدم الإجابة له أسباب، فينبغي للمؤمن أن يحرص على أسباب الإجابة، بأن يكون طعامه حلالًا، وأن يكون بعيدًا عن المعاصي عما حرم الله، ويدعو الله بقلب حاضر، مشفق راغب راجي، يرجو ربه ويخافه، قد حضر بين يديه ، ويتحرى أوقات الإجابة كآخر الليل، وآخر الصلاة قبل السلام والسجود؛ لأن الدعاء في السجود حري بالإجابة أيضًا، وهكذا بين الأذان والإقامة، من أسباب الإجابة، نسأل الله للجميع التوفيق، نعم.

المقدم: اللهم آمين.

فتاوى ذات صلة