أحكام الوقوف بعرفة

السؤال:

هذان سؤالان من السائل كاظم محمد عبدالله من العراق يقول: ما هي أقل مدة للوقوف فيها بعرفة، ومتى يجوز الانصراف منها إلى مزدلفة، أرجو إيضاح أول الوقت وآخره، ولكم الأجر من الله؟

الجواب:

الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج، كما قال النبي ﷺ: الحج عرفة، فمن أدرك عرفة بليل قبل أن يطلع الفجر؛ فقد أدرك الحج.

وزمن الوقوف ما بين زوال الشمس يوم عرفة، يوم التاسع إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، هذا هو وقت الوقوف عند أهل العلم، ما بين الزوال يوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، هذا مجمع عليه بإجماع أهل العلم، ليس فيه خلاف أن هذا هو وقت الوقوف، فإذا وقف فيه ولو قليلًا؛ أجزأه الحج، لكن إن كان ذلك بالليل؛ أجزأه، وليس عليه فدية، وإن كان في النهار؛ وجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس، كما وقف النبي ﷺ فإنه وقف نهارًا بعدما صلى الجمع بعدما صلى الظهر والعصر جميعًا جمع تقديم بأذان وإقامتين تقدم إلى الموقف، فوقف -عليه الصلاة والسلام- على راحلته حتى غابت الشمس، هذا هو الأفضل وهذا هو الكمال، أن يقف نهارًا، ويبقى حتى غروب الشمس.

فإن انصرف قبل غروب الشمس؛ فعليه دم عند أكثر أهل العلم، يذبح في مكة للفقراء، إلا إن رجع في الليل؛ سقط عنه الدم، إن رجع في الليل -ولو قليلًا- سقط عنه الدم، وإذا وقف قليلًا ساعة، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة، المقصود مر بعرفات وهو محرم في الحج؛ فإن مروره بها، أو وقوفه بها قليلًا يجزئه، إن كان في الليل؛ أجزأ بلا فدية، وإن كان في النهار، ولم يبق حتى الغروب؛ فعليه فدية عند الجمهور، وحجه صحيح عند جمهور أهل العلم.

أما الوقوف قبل الزوال فأكثر أهل العلم على أنه لا يجزي، من وقف قبل الزوال، ولم يرجع بعد الزوال، ولا في الليل؛ فإنه لا يجزي عند الجمهور، وذهب أحمد بن حنبل -رحمه الله- وجماعة إلى أنه يجزي قبل الزوال؛ لحديث عروة بن مضرس حيث قال فيه النبي ﷺ: "وقد وقف بعرفات قبل ذلك ليلاً، أو نهارًا: فأطلق النهار، قال: هذا يشمل ما قبل الزوال، وما بعد الزوال.

ولكن الجمهور قالوا: يحمل على ما بعد الزوال؛ لأن الرسول ﷺ وقف بعد الزوال، ولم يقف قبل الزوال، وقال: خذوا عني مناسككم اللهم صل عليه وسلم.

فالأحوط للمؤمن أن يكون وقوفه بعد الزوال كما قاله جمهور أهل العلم، وكما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يتحدد الوقوف بشيء قليل، أو كثير يجزئ، لكن مثلما تقدم إن كان بالليل في أول الليل، أو في وسطه، أو في آخره؛ أجزأه بلا فدية، وإن كان في النهار، ولم يبق حتى الغروب؛ فعليه فدية عند أكثر أهل العلم؛ لأنه ترك واجبًا، وهو الجمع بين الليل والنهار في حق من وقف نهارًا.

وقال قوم: لا فدية عليه حتى إذا وقف نهارًا بعد الزوال كالليل، ولكن أكثر أهل العلم قالوا: إن وقوف النبي ﷺ فإنه حري بالإجابة.

ويكثر من الحمد لله، يثني على الله، ويصلي على النبي ﷺ فإن هذا من أسباب الإجابة، كونه يحمد الله، ويثني عليه، كونه يصلي على النبي ﷺ هذا من أسباب الإجابة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه سمع رجلًا يدعو، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي ﷺ فقال: عجل هذا، ثم قال: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يدعو بما شاء فدل ذلك على أن البداءة بالحمد، والثناء، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من أسباب الإجابة.

والواقفون بعرفة ينبغي لهم أن يفعلوا هذا، فإنهم في موقف عظيم، ودعاؤهم ترجى إجابته، فينبغي الإكثار من الدعاء بعد حمد الله، والثناء عليه والصلاة والسلام، على رسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، ثم يدعوا، ويلحوا في الدعاء، ويكثروا من الدعاء، هذا كله من أسباب الإجابة.

كذلك رفع اليدين الرسول ﷺ رفع يديه في دعاء يوم عرفة، وفي مزدلفة، رفع يديه، فيستحب للحاج في يوم عرفة أن يرفع يديه، ويدعو، ويلح في الدعاء، ويكثر من الدعاء حتى تغيب الشمس، كما فعله المصطفى -عليه الصلاة والسلام-ويدعو لوالديه المسلمين، ويدعو لأقاربه المسلمين، ويدعو للمسلمين عمومًا أن يصلحهم الله، وأن يثبتهم على الحق، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يعلمهم ما ينفعهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، والثبات على الحق، يدعو لعموم المسلمين في سائر الدنيا، يدعو لهم أن الله يوفقهم، ويهديهم، ويصلح أحوالهم، ويمنحهم الفقه في الدين.

وهكذا في مزدلفة، إذا وقف في مزدلفة في أثناء الليل، أو بعد صلاة الفجر كما هو السنة بعد صلاة الفجر، يدعو ويلح في الدعاء، ويرفع يديه، ويدعو للمسلمين عمومًا، ويدعو لوالديه المسلمين، ولقراباته المسلمين، يدعو لنفسه بالصلاح، والتوفيق، وحسن الختام.

يدعو الله أن الله يصلح قلبه وعمله، وأن الله يفقهه في الدين، يدعو الله لحكام المسلمين في كل مكان، أن الله يصلح قلوبهم، وأعمالهم، ويصلح لهم البطانة، وأن الله يوفقهم للحكم بالشريعة، والتحاكم إليها، وإلزام الناس بها، ومنعهم من كل ما حرم الله، وإقامة الحدود عليهم؛ حتى يستقيم أمر المسلمين، وحتى يسلموا من غضب الله، وعقابه، وحتى ينصرهم الله على عدوهم، فإن تحكيم الشريعة، والاستقامة عليها من أسباب النصر، والتوفيق، من أسباب هداية الله للعباد، من أسباب إعانتهم على عدوهم، ونصرهم على عدوهم، كما قال الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال سبحانه: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41] وقال سبحانه: وكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وعظم شأن الحكم بالشريعة، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65] والله المستعان.

المقدم: جزاكم الله خيرًا. 

فتاوى ذات صلة