تفسير سورة البروج

السؤال:

نعود مع مطلع هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من الجمهورية العربية السورية، باعثها المستمع خالد الأحمد، الأخ خالد يسأل سماحتكم -جزاكم الله خيرًا- تفسير سورة البروج؟ 

الجواب:

..... قد ذكر الله -جل وعلا- في البروج حالة الذين اعتدوا على المسلمين، وحرقوهم، وفتنوهم تحذيرًا للمسلمين من أعمالهم الخبيثة، وحثًا على الصبر على ما يبتلى به العبد، ولهذا قال -جل وعلا-: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ۝ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ۝ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:1-3].

أقسم بالسماء ذات البروج، وهي النجوم العظام في قول جماعة من المفسرين، والله يقسم من خلقه بما يشاء  له أن يقسم بالسماء، وبغيرها، كما أقسم بالطور، وبالذاريات، وبالضحى، والليل إذا يغشى، إلى غير ذلك؛ لأنها آيات دالة على قدرته العظيمة، وأنه الخلاق العليم  وأنه القادر على كل شيء.

 أما العبد فليس له أن يحلف إلا بالله، المخلوق ليس له أن يحلف إلا بربه، ولا يجوز الحلف بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالأمانة، ولا بالأصنام، ولا بشرف فلان، ولا غير ذلك، يقول النبي ﷺ: من كان حالفًا فليحلف بالله، أو ليصمت ويقول -عليه الصلاة والسلام-: من حلف بشيء دون الله؛ فقد أشرك خرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح في أحاديث كثيرة، ومنها قوله -عليه الصلاة والسلام-: من حلف بالأمانة فليس منا وقوله سبحانه: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج:2] يعني: يوم القيامة.

وقوله: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3] الشاهد: هو يوم الجمعة في قول جماعة من أهل العلم، والمشهود: هو يوم عرفة؛ لأنه يشهده الأمم الكثيرة من الحجاج، وهما يومان عظيمان، يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع، وأفضلها، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يرد فيها سائل، يستجيب الله فيها الدعاء، ويوم عرفة فيها وقفة الحجاج، وفيها دنو الرب من عباده كما في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: ما من يوم أكثر عتيقًا من النار من يوم عرفة، وإن الله سبحانه ليدنو، فيباهي بأهل الموقف الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء ويقول فيه النبي ﷺ: الحج عرفة.

وسئل النبي ﷺ عن صوم يوم عرفة -يعني: لغير الحجاج- فقال: يكفر الله به السنة التي قبلها، والتي بعدها أما الحجاج فلا يشرع لهم الصيام، بل ينهون عن صيام يوم عرفة في حال الحج، السنة أن يقف الحاج مفطرًا، لا صائمًا، كما وقف النبي ﷺ في حجة الوداع مفطرًا.

وقوله -جل وعلا-: قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ۝ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ۝ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ۝ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ[البروج:4-7] يبين عظم جريمة أهل الأخدود، ولهذا قتل أصحاب الأخدود، يعني: لعنوا بجريمتهم العظيمة الشنعاء، حيث ألقوا المؤمنين في الأخدود إذا لم ينقادوا لباطلهم، فهذا يحذر من الاستجابة لأهل الباطل، ويدل على أن الواجب على المؤمن أن يحذر أسباب الهلاك، وأن يبتعد عن الباطل وأهله.

وفي شريعة محمد ﷺ شرع الله للمكره أن يدفع الإكراه بالاستجابة لما طلب منه مع طمأنينة قلبه بالإيمان، وهذا من فضل الله أن المكره إذا أكره على الكفر، والضلال فله أن ينطق به؛ متابعة لهم، ودفعًا للظلم مع إيمان قلبه، وطمأنينة قلبه بالإيمان، ويسمى المكره كما في قوله -جل وعلا-: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] فإذا ألزموه بالكفر، أو يحرقوه، أو يقتلوه، أو يضربوه؛ فله أن ينطق بالكفر، مع الإيمان والطمأنينة في القلب، كما فعل بعض الصحابة في عهد النبي ﷺ وأذن لهم النبي بذلك -عليه الصلاة والسلام- فالإكراه بالضرب، أو القتل، أو نحو ذلك مما يضر العبد ضررًا بينًا يبيح له أن يتكلم بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، وإنما قالها موافقة على دفع الشر باللسان فقط.

وهذا من رحمة الله لهذه الأمة، وإحسانه إليها  قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ [البروج:8] يعني: من هؤلاء الذين ألقوا في النار، وهم أصحاب الأخدود، وما نقم منهم المشركون، والكفار الظلمة إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] يعني: ما عابوا عليهم، ولا عاقبوهم إلا من أجل إيمانهم، وهذا عيب، هو محل المدح، هو عيب عند أهل الباطل، ولكنه مدح، وشرف لأهل الإيمان، فنسأل الله العافية والسلامة، نعم.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم. 

فتاوى ذات صلة