معنى حديث: "لا عدوى ولا طيرة..."

السؤال:

ورد في الحديث الصحيح قول الرسول ﷺ: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل ماذا يقصد الرسول ﷺ في قوله: لا عدوى أهي عدوى المرض، نرجو التوضيح؟

الجواب:

ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، ويعجبني الفأل قيل: يا رسول الله! وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة

كانت العرب تعتقد العدوى، ويقولون: إنه إذا خالط المريض الأصحاء؛ أصيبوا بمثل مرضه، وقالوا للنبي ﷺ: يا رسول الله! الإبل تكون كذا وكذا، فيخالطها البعير الأجرب فتجرب، فقال -عليه الصلاة والسلام-: فمن أعدى الأول، لا عدوى ولا طيرة والمعنى نفي العدوى التي يعتقدها الجهال من المشركين، وأن المرض كالجرب، ونحوه يعدي بطبعه، هذا باطل، أما كون الخلطة تؤثر، فهذا ما نفاها النبي ﷺ الخلطة قد تؤثر، قد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح بسبب الخلطة بأمر الله بإذن الله -جل وعلا- لقوله ﷺ: لا يورد ممرض على مصح يعني: لا يورد صاحب إبل مراض على صاحب إبل صحاح؛ من باب تجنب أسباب الشر، وقال: فر من المجذوم فرارك من الأسد هذا من باب اجتناب أسباب الشر. 

فالعدوى التي يعتقدها الكفار باطلة، وهو كون المرض ينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه من دون قدر الله، ولا مشيئته، هذا باطل.

أما كون المرض قد ينتقل من المريض إلى الصحيح بإذن الله فهذا قد يقع، ولهذا قال ﷺ: فر من المجذوم فرارك من الأسد يعني: لا تجالسه؛ قد ينتقل مرضه إليك، وقال: لا يورد ممرض على مصح يعني: إذا ورد الجميع الماء، فالممرض صاحب الإبل المراض لا يوردها مع صاحب الإبل الصحاح، هذا له وقت، وهذا له وقت، بعدًا عن العدوى، بعدًا عن انتقال المرض من المريضة إلى الصحيح.

والخلاصة: أن الشريعة جاءت باجتناب أسباب الشر، مع الإيمان بأن الأمور بيد الله، وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره، فاعتقاد المشركين أن العدوى تنتقل حتمًا بنفسها، وطبعها هذا باطل، أما كونه ينتقل بإذن الله إذا شاء فهذا واقع، ولهذا أمر النبي ﷺ بأسباب الوقاية، وقال: لا يورد ممرض على مصح فر من المجذوم فرارك من الأسد مع أنه ﷺ أخذ بيد المجذوم، وأكل معه وقال: كل باسم الله ثقة بالله ليبين أن الأمور بيد الله سبحانه، وأن الله هو الذي يقدر الأمور، فإذا اجتنب مخالطة المجذومين هذا هو المشروع بعدًا عن الشر، ولو فعل ذلك، وأكل معهم؛ لبيان أن الأمور بيد الله، وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وأنه إنما ينتقل بقدر الله، إذا فعل هذا بعض الأحيان؛ لإبطال العدوى التي يعتقدها الجاهليون هذا حسن كما فعله النبي ﷺ. نعم.

المقدم: إذًا سماحة الشيخ -حفظكم الله- الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل؟

الشيخ: نعم الواجب الأخذ بالأسباب، فالإنسان يبتعد عن أسباب الشر، ويحذر أسباب المرض، ولا يعرض نفسه للخطر، ومع هذا يعتمد على الله، ويتوكل، ويعلم أن الأمور بيده : وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[الطلاق:3] ولكن مع اجتناب أسباب الشر، فلا يخالط المرضى الذين قد جرت العادة بإذن الله أن مرضهم ينتقل، ولا يخالط أهل الشر؛ لأنه قد يصيبه ما أصابهم من الشر؛ فيفعل أفعالهم، ويحرص على صحبة الأخيار؛ لأن ذلك من أسباب أن يتخلق بأخلاقهم، ولا يأكل الأشياء التي قد تضر، قد يعرف أنها تضر، وما أشبه ذلك. نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم، سماحة الشيخ! في الحديث: لا عدوى ولا طيرة تشاؤم البعض من الناس في بعض الشهور كشهر صفر، هل له أصل يا شيخ؟

الشيخ: لا، جاء في الحديث: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر باطل صفر مثل بقية الشهور، لا يجوز التشاؤم به، وقد أبطله النبي ﷺ بقوله: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة الهامة: طائر يتشاءم به أيضًا أهل الجاهلية، يقولون: إنه إذا صاح على بيت؛ هلك أهله، وهو باطل، وصفر الشهر المعروف، كان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون به، فأبطل النبي ﷺ هذا وبيَّن أنه مثل بقية الشهور ليس فيه شؤم، والطيرة معروفة، التطير بالمرئيات، أو المسموعات، كانوا يتطيرون، أهل الجاهلية قد يتطير بغراب، أو بغيره؛ فأبطل النبي ﷺ هذا، وقال: لا طيرة نعم.

المقدم: أحسن الله إليكم سماحة الشيخ. 

فتاوى ذات صلة