العلم الواجب على المكلف

السؤال:

نبدأ هذا اللقاء الطيب المبارك برسالة الجزائر (س. ح) رمز لاسمه بهذا الاسم البليدة، يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ! ما هو العلم الواجب؟ هل هو الديني؟ أم الدنيوي؟ أم معًا؟ أفيدونا مأجورين وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإن العلم علمان: علم ديني، وعلم دنيوي.

فالعلم الديني واجب على كل مكلف أن يتعلم ما أوجب الله عليه، وما حرم الله عليه، وما لا يسعه جهله كما نص على ذلك أهل العلم، فالواجب على كل مكلف من الرجال والنساء أن يتعلم ما أوجب الله عليه، وأن يتفقه في دينه فيعرف ما أوجب الله من صلاة وغيرها، ويعرف ما حرم الله عليه من الشرك وغيره؛ حتى يعبد ربه على بصيرة، ويعبر كثير من أهل العلم بقولهم: يجب على المكلف أن يتعلم من دينه ما لا يسعه جهله، والمعنى: أن يتعلم ما أوجب الله عليه، وما حرم الله عليه، فيتعلم معنى لا إله إلا الله وما معناها، وما معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، ما هي الصلاة؟ ما هي الزكاة؟ ما هو صوم رمضان؟ ما هو الحج؟ يتعلم هذه الأشياء اللي أوجبها الله عليه.

ويتعلم الأشياء التي حرم الله ما هو الزنا؟ ما هو الربا؟ ما هو المسكر؟ يتعلم حتى يعرف الواجب فيؤديه، وحتى يعرف المحرم فيجتنبه حسب الطاقة فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16] يتعلم حسب الطاقة بسؤال أهل العلم، بقراءة القرآن، والتفقه فيه، بقراءة الأحاديث عن النبي ﷺ، بحضور حلقات العلم، بالسؤال من طريق المكاتبة، من طريق التلفون، يجتهد حسب الطاقة، يلزمه أن يتعلم حسب الطاقة، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[التغابن:16]، لا يسكت ولا يرضى بالجهل بل يتعلم؛ لأنه مخلوق لعبادة الله كما قال الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56] مأمورون بذلك، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة:21]، فهذه العبادة التي خلق لها وهو مأمور بها يجب أن يعرفها، ما هي العبادة؟ يجب أن يتعلم حتى يعرف هذه العبادة التي خلق لها، وأوجبها الله عليه، وهي: أداء فرائض الله، وترك محارم الله.

وأصلها وأساسها: توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به وبرسوله محمد ﷺ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون من أمر الآخرة، والجنة والنار، والحساب والجزاء، وما مضى من خلق الله آدم، وبعث الرسل يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن بصيرة، ويعلم أن هذا حق، ويعمل فيؤدي ما أوجب الله، وينتهي عما حرم الله، هذا واجب عليه حسب الطاقة من طريق حلقات العلم، من طريق تدبر القرآن، من طريق حفظ السنة، من طريق سؤال أهل العلم، من طريق المكاتبة، إلى غير ذلك، لا يغفل ولا يتساهل.

أما القسم الثاني: علوم الدنيا فيتعلم منها ما يعينه على كسب المعيشة، على سد فاقته، حتى يقوم بما أوجب الله عليه، كيف يبيع، كيف يشتري، كيف يعمل ما يسبب الرزق الذي يقوم بحاله، لا يجلس في بيته وبس، لا بد يتعلم الشيء الذي يستعين به على طاعة ربه، أي علم دنيوي يباح يحصل به له الرزق الكافي الحمد لله، وإذا لم يعرف يسأل، يسأل أهل البصيرة من جيرانه ... من أقربائه ... من زملائه حتى يتعلم شيئًا ينتفع به بيع أو شراء، أو يؤجر نفسه، أو يحتطب أو يحش.

كانوا في عهد النبي ﷺ يتعلمون، وكثير منهم يذهب إلى البرية، ويأتي بالحطب، يأتي بالحشيش يبيع، وينقذ نفسه، وينقذ من تحت يده، وبعضهم يذهب ويحمل الحطب ونحوه، ويأتي ويبيع ويتصدق على الفقراء لما أمر النبي ﷺ بالصدقة صار كثير من الصحابة يحمل على ظهره لحاجات الناس، ثم يتصدق بالأجرة.

فعلى المسلم أن يتعلم من الدنيا ما يعينه على سد خلته وحاجته، في كسوة وطعام وسكن وغير ذلك، ويتعلم ما يعينه على القيام بحاجة أهله.

فعليه علمان وعملان: علم الآخرة وهو الأهم وهو الأوجب أن يتعلم دينه، ويتفقه في دينه، ويعمل بما أوجب الله عليه، وينتهي عما حرم الله عليه، وعليه أيضًا علم ثاني وعمل ثاني وهو التعلم لما يحصل به الرزق والكفاف، والقيام بحاجة أهله من أمور الدنيا، ويعمل بذلك من كونه يحتطب، كونه يحتش، كونه يبيع، كونه يشتري، كونه يؤجر نفسه، إلى غير هذا يتعلم الأسباب التي يحصل بها الرزق الكافي الذي يقوم بحاله، وحال من تحت يديه، والله ولي التوفيق.

المقدم: جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء سماحة الشيخ! تعلم العلوم الأخرى يا سماحة الشيخ الفيزياء.. الكيمياء وغيرها؟

الشيخ: الشيء الذي ينفع الناس، ولا فيه محذور يتعلمه، حساب، فيزياء الشيء الذي فيه مصلحة للمسلمين يتعلمه، ولا حرج فيه، إذا لم يكن فيه محذور شرعًا، فالعلوم التي يستعان بها على أمر الدين أو الدنيا وليس فيها منكر لا بأس به سواء كانت من علوم الأولين، أو من علوم الآخرين، أي علم ينفع الناس وليس فيه ما يغضب الله، ليس فيه ربا، وليس فيه معصية، وليس فيه غش للناس إنما هي علوم تنفع، ويحتاجها بعض الناس، وليس فيها غش لأحد، ولا ظلم لأحد، ولا ركوب لمعصية لا حرج فيها والحمد لله.

المقدم: جزاكم الله خيرًا سماحة الشيخ.

فتاوى ذات صلة