الدليل على علو الله فوق العرش

السؤال:

رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد المستمعين بدأها بقوله: نحمد الله على أن من علينا ببرنامج (نور على الدرب) ونشكر علماءنا الأفاضل، وندعو لهم بالتوفيق والسداد في تبصير الأمة المسلمة بأمور دينها ودنياها، نرجو أن يجيب على هذه الأسئلة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مقدم الأسئلة: أبو مؤمن خلف الله علي مصري يعمل باليمن.

أخونا يسأل في سؤاله الأول ويقول: سألني أخ مسلم: أين الله؟ فقلت له: في السماء، فقال لي: فما رأيك في قوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] وذكر آيات كثيرة، ثم قال: لو زعمنا أن الله في السماء؛ لحددنا جهة معينة، فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل هذه الأسئلة من الأمور التي نهينا عن السؤال عنها؟

الجواب:

قد أصبت في جوابك، وهذا الجواب الذي أجبت به هو الجواب الذي أجاب به النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالله -جل وعلا- في السماء، في العلو  كما قال : أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17] وقال -جل وعلا-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقال سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].

فهو فوق العرش في جهة العلو، فوق جميع الخلق، عند جميع أهل العلم من أهل السنة، قد أجمع أهل السنة والجماعة -رحمة الله عليهم- على أن الله في السماء فوق العرش فوق جميع الخلق ، وهذا هو المنقول عن رسول الله ﷺ وعن أصحابه  وعن أتباعهم بإحسان، كما أنه موجود في كتاب الله القرآن.

وقد سأل النبي ﷺ جارية جاء بها سيدها ليعتقها، فقال لها الرسول ﷺ: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة رواه مسلم في الصحيح، فالرسول ﷺ أقر هذه الجارية على الجواب، الذي قلته أنت، قال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها، فإنها مؤمنة وما ذاك إلا لأن إيمانها بأن الله في السماء يدل على إخلاصها لله، وتوحيدها لله، وأنها مؤمنة به سبحانه، وبعلوه فوق جميع خلقه، وبرسوله محمد -عليه الصلاة والسلام- حيث قالت: أنت رسول الله.


أما قوله -جل وعلا-: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] هذا لا ينافي ذلك، الكرسي فوق السماوات، والعرش فوق الكرسي، والله فوق العرش، فوق جميع الخلق  وتحديد الجهة لا مانع منه جهة العلو، بأن الله في العلو.

وإنما يشكِّك بهذا بعض المتكلمين وبعض المبتدعة، ويقولون: ليس في جهة، وهذا كلام فيه تفصيل، فإن أرادوا: ليس في جهة مخلوقة، وأنه ليس في داخل السماوات، وليس في داخل الأرض، ونحو هذا صحيح، أما إن أرادوا أنه ليس في العلو، هذا باطل، وهذا خلاف ما دل عليه كتاب الله، وما دلت عليه سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وما دل عليه إجماع سلف الأمة.

فقد أجمع علماء الإسلام أن الله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق، والجهة التي هو فيها جهة العلو، وهي ما فوق جميع الخلق، وهذه الأسئلة ليست بدعة، ولم ننه عنها، بل هذه الأسئلة مأمور بها نعلمها الناس، كما سأل عنها النبي ﷺ قال: أين الله وسأله أبو رزين قال: أين ربنا؟ فأخبره أنه في العلو ، فالله في العلو في جهة العلو فوق السماوات، فوق العرش، فوق جميع الخلق، وليس في الأرض، ولا في داخل الأرض، ولا في داخل السماوات. 

 

ومن قال: إن الله في الأرض، وأن الله في كل مكان كـالجهمية والمعتزلة ونحوهم فهو كافر عند أهل السنة والجماعة؛ لأنه مكذب لله ولرسوله في إخبارهما بأنه سبحانه في السماء فوق العرش -جل وعلا-، فلا بد من الإيمان بأن الله فوق العرش، فوق جميع الخلق، وأنه في السماء، يعني: في العلو، معنى السماء يعني: العلو، فالسماء يطلق على معنيين:

أحدهما: السماوات المبنية، يقال لها: سماء.
والثاني: العلو، يقال له: سماء، فالله سبحانه في العلو، في جهة العلو فوق جميع الخلق، وإذا أريد: السماء المبينة المعنى هو: عليها، في يعني: على، في السماء يعني: على السماء وفوقها، كما قال الله سبحانه: فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ [آل عمران:137] سيروا في الأرض يعني: عليها فوقها، وكما قال الله عن فرعون أنه قال: لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه:71] يعني: على جذوع النخل، فلا منافاة بين قول من قال: في السماء يعني: على السماء، وبين من قال: إنه في العلو؛ لأن السماء المراد به العلو، فالله في العلو، فوق السماوات فوق جميع الخلق، وفوق العرش .

ومن قال: معنى في: على، يعني: أنه فوق السماوات المبنية فوقها، ولا شك أنه فوقها، فوق العرش، فوق جميع الخلق ، فأنت على عقيدة صالحة، وأبشر بالخير، والحمد لله الذي هداك لذلك، ولا تلتفت إلى أقوال المشبهين والملبسين؛ فإنهم في ضلال.

وأنت بحمد الله ومن معك على هذه العقيدة أنتم على الحق في إيمانكم بأن الله في السماء، فوق العرش، فوق جميع الخلق ، وعلمه في كل مكان -جل وعلا-، ولا يشابه الخلق في شيء من صفاته ، وليس في حاجة إلى العرش، ولا إلى السماء، بل هو غني عن كل شيء ، والسماوات مفتقرة إليه، والعرش مفتقر أيضًا، وهو الذي أقام العرش، وهو الذي أقام الكرسي، وهو الذي أقام السماوات، وهو الذي أمسكها ، كما قال : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ [الروم:25] قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر:41] فالله الذي أمسك السماوات، وأمسك العرش، وأمسك هذه المخلوقات، فلولا إمساكه لها، وإقامته لها؛ لاندك بعضها على بعض، ولكنه -جل وعلا- هو الذي أقامها وأمسكها حتى يأتي أمر القيامة، فإذا جاء يوم القيامة صار لها حال أخرى.

فهو سبحانه على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، وهو العالي فوق جميع خلقه، وصفاته كلها علا، وأسماؤه كلها حسنى، فالواجب على أهل العلم والإيمان أن يصفوا الله سبحانه بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، بل مع الإيمان بأنه سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] نعم.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة