تبرك الصحابة بالنبي ﷺ وحكم قياس غيره عليه

السؤال:

نعود في بداية هذه الحلقة إلى رسالة وصلت إلى البرنامج من الصومال مقديشو، وباعثها أخونا أحمد إبراهيم علمي -فيما يبدو- أخونا عرضنا بعض أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل ويقول: رأيت في بعض الكتب المنتشرة عندنا في الصومال: أن الصحابة كانوا يزدحمون على ماء وضوء سيدنا ونبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- يتبركون به، وإذا تنخم أو بصق يأخذون ذلك ويتمسحون به، وازدحموا على الحلاق عند حلق رأسه ﷺ واقتسموا شعره، يتبركون به، وشرب عبد الله بن الزبير دمه ﷺ لما احتجم، وشربت أم أيمن بوله، فقال لها: "صحة يا أم أيمن" فما صحة ذلك؟ 

أفيدونا جزاكم الله خيرًا، وهل يجوز أن يقيس الناس على مثل هذه الأحوال إن كان ما ورد صحيحًا؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فلا ريب أنه قد ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن الصحابة كانوا يتبركون بماء وضوئه، وبشعره -عليه الصلاة والسلام-، وببصاقه -عليه الصلاة والسلام-، ونخامته، كل هذا ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وعن الصحابة.

فقد ثبت في حديث أبي جحيفة في الصحيحين في حجة الوداع: "أنه لما خرج بلال بوضوئه ﷺ كان الصحابة يتناولون منه ما تيسر -هذا يأخذ قليلًا، وهذا يأخذ كثيرًا- من وضوئه -عليه الصلاة والسلام-".

وثبت في صلح الحديبية: أنه كان إذا تنخع نخاعة، أو بصق أخذها، تلقاها الصحابة، وجعلوا يدلكون بها أجسامهم؛ لما جعل الله فيه من البركة، ولما حلق في حجة الوداع قسم نصف الشعر بين الصحابة، والنصف الثاني أعطاه أبا طلحة .

كل هذا ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس هناك شك عند أهل العلم في بركة جسمه ﷺ وشعره، وما مس جسمه، ووضوئه وعرقه -عليه الصلاة والسلام-.

لكن لا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة ما فعلوا هذا مع الصديق، ولا مع عمر، ولا مع عثمان، ولا مع علي، وهم أفضل الصحابة، وخير الصحابة، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، فلو كان هذا مشروعًا أو جائزًا مع غير النبي ﷺ لفعله المسلمون مع هؤلاء الأخيار، ولأن ذلك قد يكون وسيلة إلى الشرك والغلو، فلهذا منعه أهل العلم.

فالصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يقاس على الرسول ﷺ أحد، بل هذا خاص به ﷺ؛ لما قد ثبت وعلم من بركته ﷺ في جسمه وعرقه وشعره وسائر أجزائه -عليه الصلاة والسلام-؛ ولأنه أقر الصحابة على ذلك، فلولا أنه جائز لما أقرهم، فلا يقاس عليه غيره؛ لأمور كثيرة.

أما التبرك بالعلماء أو بالعباد الذي يفعله بعض الناس هذا غلط ولا يجوز؛ لأنه خلاف هدي الرسول ﷺ وأصحابه، فلم يفعله المسلمون مع فضلائهم وكبارهم: كالخلفاء الراشدين، ولم يفعلوه مع بقية الصحابة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه؛ ولأن العبادات توقيفية؛ ولأن هذا قد يفضي إلى الشرك والغلو، فلهذا رجح المحققون من أهل العلم منعه مع غير النبي -عليه الصلاة والسلام-.

أما شرب ابن الزبير دمه وأم أيمن بوله: فهذا محل نظر، قد ورد هذا، ولكن في صحته نظر، فهو يحتاج إلى تمحيص ونظر، والنظر في أسانيد القصة، والأصل: تحريم الدم وتحريم البول، هذا هو الأصل، أن الله حرم علينا البول؛ لأنه نجس، وحرم الدم؛ لأنه من الخبائث وهو نجس، فإن صح فهذا يستثنى؛ لأن الرسول ﷺ له خصائص، فإذا صح فيكون من خصائصه ﷺ، كما قلنا في مسألة العرق، ومسألة الشعر، ومسألة البصاق، هذا خاص به، فهكذا إذا صح حديث أم أيمن وصح حديث ابن الزبير ؛ صار من الخصائص، وسوف نبحثه -إن شاء الله- ونعتني به، ويكون في حلقة أخرى -إن شاء الله-.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة