بيان فضل الصلاة على النبي والترضي عن أصحابه

السؤال:

....من أسئلته في حلقة مضت، وفي هذه الحلقة يسأل مع الأخ من اليمن عن الترضية عن الصحابة  فأخونا من بغداد الزعفرانية محمود أحمد الدوسة يقول: هل الترضي عن الصحابة رضوان الله عليهم واجب أم سنة؟ كما يسأل نفس السؤال بالنسبة للصلاة على النبي ﷺ.

أما أخونا محمد محمود النهاري من الحديدة، فيسأل نفس السؤال تقريبًا في كلمات تعطي نفس المعنى، ويقول: إن هناك من ينتقد الترضي على الصحابة رضوان الله عليهم والصلاة على النبي ﷺ ولاسيما في خطب الجمعة، نرجو من سماحة الشيخ أن يوجه الأخوين محمد محمود النهاري من الحديدة، وأخونا محمود من العراق، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الصلاة على النبي ﷺ من أفضل القربات ومن أهم الطاعات في الخطب وفي غير الخطب، يقول الله في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.
ويقول عليه الصلاة والسلام: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.

في أحاديث كثيرة تدل على شرعية الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام، ولما سأله الصحابة قالوا: يا رسول الله! أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هذا أكمل ما ورد في هذا، وجاءت بألفاظ أخرى في بعضها اختصار ومنها: اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وهكذا لفظ آخر: يقول عليه الصلاة والسلام: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد رواه مسلم في صحيحه، والأولان رواهما الشيخان في الصحيحين.

فالمقصود أن هذه الأنواع كلها من الأنواع المشروعة التي جاء بها النص عن النبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة وفي خارج الصلاة وفي الخطب خطب الجمعة والأعياد والخطب العادية في المجامع هكذا ينبغي للمؤمن، والله جل وعلا أمره بهذا ووعده عليها خيرًا كثيرًا، من صلى علي واحدة صلى الله عليه به عشرًا.

وأما الترضي عن الصحابة فهو أمر مشروع أيضًا؛ لأن الصحابة هم حملة الإسلام، هم حملة الشريعة، وهم خير هذه الأمة وأفضلها، كما قال عليه الصلاة والسلام: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود.

وفي اللفظ الآخر: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم رواه البخاري في الصحيح ورواه مسلم أيضًا، والأحاديث في هذا كثيرة كلها دالة على أن الصحابة هم أفضل الناس وهم خير الناس بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأفضلهم وأعلاهم قدرًا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، ثم يليه في الفضل عمر بن الخطاب الفاروق ، ثم يليه في الفضل عثمان بن عفان ، ثم يلي الثلاثة في الفضل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ثم بقية العشرة من .... طلحة بن عبيد الله التيمي و الزبير بن العوام الأسدي أسد قريش وعبد الرحمن بن عوف الزهري، وسعد بن مالك سعد بن أبي وقاص الزهري، وسعيد بن زيد ابن عم عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين، والعاشر أبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء من أفضل الصحابة بعد الخلفاء، هم أفضل الصحابة بعد الخلفاء ، فالترضي عنهم من أهم المهمات ومن أفضل القربات، والواجب حبهم في الله واعتقاد أن الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين هم أفضل الناس، كما قال ﷺ: خير الناس قرني.. خير أمتي قرني فهم خير الناس وهم خير الأمة.

فالواجب على المؤمن أن لا يكون في قلبه غل لهم، بل يحبهم في الله محبة صادقة فوق محبة أهله وأولاده والناس أجمعين بعد محبة الأنبياء، الأنبياء ثم يليهم الصحابة، ويخص الخلفاء الراشدين بمزيد محبة، وهم الصديق وعمر وعثمان وعلي، هؤلاء الأربعة هم أفضل الصحابة، وأن يحذر أن يكون في قلبه غل للصديق أو عمر أو عثمان كما فعلت الرافضة ومن شابههم من بعض فرق الشيعة، بل يجب أن يحبهم في الله وأن يعتقد أنهم أفضل الصحابة وأن عليًا  وأرضاه هو رابعهم وهو أمير المؤمنين ومناقبه كثيرة وأعماله الطيبة كثيرة لكن لا يجوز أن يغلى فيه كما تفعل الرافضة، أو يقال فيه: إنه يعلم الغيب أو إنه معصوم أو إنه أفضل من الثلاثة هذا كله منكر كله لا يجوز ولاسيما القول بأنه أفضل من الصديق وعمر هذا أشد.

أما كونه أفضل من عثمان هذا قول بعض أهل السنة والخلاف فيه مشهور، لكن الذي عليه جمهور أهل السنة أن عثمان هو المقدم، ثم علي رضي الله عن الجميع، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة أينما كانا في أرض الله حب الصحابة وتوليهم والترضي عنهم وإنزالهم منازلهم، وأن لا يصيبه ما أصاب الرافضة من الغل والحقد على الصحابة؛ فإن قول الرافضة في هذا منكر عظيم لا يجوز موافقتهم عليه ولا تقليدهم فيه، بل قد ضلوا فيه عن سواء السبيل.

فـأهل السنة والجماعة يرون أن الصديق هو أفضلهم، وقد دلت عليه النصوص الكثيرة وأجمع عليه المسلمون، ثم بعده عمر الفاروق رضي الله عنهما جميعًا، وقد أقر بهذا علي ، خطب بذلك على رءوس الأشهاد وتواتر عنه أنه قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، قد سأله عنه ذلك ابنه محمد بن علي فخطب بهذا على رءوس الأشهاد، وقال: لا أوتى بأحد يفضلني على الصديق وعمر إلا جلدته حد المفتري، هكذا يقول هذا الإمام العظيم علي  لعلمه بأهل الحق ولإنصافه، وإنما يعرف الحق لأهل الحق الفضلاء، فلا يعرف الفضل لأهله إلا ذوو الفضل، فهو عرف فضل الصديق وعمر وفضل عثمان ولم ينقم أن فضل عليه الصديق وعمر، وهكذا فضل عليه عثمان وبويع له وبايع الناس معه، وبايع الناس لـعثمان بايع علي مع الناس لـعثمان لما بايعه المسلمون وساعده في خلافته رضي الله عن الجميع.

وإنما شذ عن هذا من أبعدهم الله بعقيدتهم الفاسدة من الرافضة، فيجب على المؤمن أن يحذر قولهم وأن يستقيم على ما قاله أهل السنة والجماعة، وأن يحب الصحابة جميعًا ويترضى عنهم جميعًا، ويعتقد أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وأنهم حملة الشريعة، وأن القدح فيهم منكر عظيم، ولهذا قال ﷺ: لا تؤذوا أصحابي.. لا تؤذوني في أصحابي وقال عليه الصلاة والسلام: لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.

لما جرى بين عبد الرحمن بن عوف وبين خالد بن الوليد بعض الشيء قال: لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، هذا نص منه ﷺ في تحريم سبهم، فلا يجوز سب أحد منهم لا كبارهم ولا صغارهم، يجب الترضي عنهم ومحبتهم محبة صادقة والإيمان بأنهم خير الناس، وأفضل الناس بعد الأنبياء، ولا يجوز سب أحد منهم وأرضاهم، ولهذا بين فضلهم عليه الصلاة والسلام فقال : لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه بعدما نهى عن سبهم وقال: لا تسبوا أصحابي فهذا يدل على تحريم سبهم وأنه منكر عظيم، وأن نفقاتهم مضاعفة وأرضاهم، وأن الواحد منا لو أنفق مثل أحد -هذا الجبل العظيم- ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فكيف يجوز لأحد بعد هذا أن يقدح فيهم أو يسبهم أو يعيبهم أو يتنقصهم؟!

وإني أهيب بجميع الشيعة أهيب بهم جميعًا أن يرجعوا عما هم عليه من الباطل، وأن يتقوا الله، وأن يعرفوا قدر الصحابة ويترضوا عنهم جميعًا، وأن يوافقوا أهل السنة في الترضي عنهم ومحبتهم والإيمان بمنزلتهم عند الله وأنهم أصحاب رسوله عليه الصلاة والسلام، وأنهم نقلة الأخبار إلينا في التوحيد وفي الصلاة وفي الزكاة وفي الصيام وفي الحج وفي سائر أمور الدين، هم النقلة هم العدول وأرضاهم، وعلي من جملتهم، وهكذا الحسن والحسين من جملتهم رضي الله عن الجميع.

فالواجب محبتهم وإنزالهم منازلهم، والواجب على كل شيعي في أي أرض الله أن يتقي الله وأن يرجع إلى الحق، وأن يؤمن بالله وحده ويصدق رسوله فيما قال عليه الصلاة والسلام، وأن يوحد الله ويخصه بالعبادة، وأن لا يعبد أحدًا من أهل البيت لا علي ولا غيره، بل العبادة حق الله وحده ، وأن يعلم أن عليًا  وغيره من أهل البيت كلهم غير معصومين ولا يعلمون الغيب بل هم مثل غيرهم كـالصديق وعمر وعثمان وطلحة وغيرهم كلهم لا يعلمون الغيب، وكل واحد منهم قد يخطئ ليس بمعصوم ولكنهم مع هذا كله هم أفضل الناس وهم خير الناس.

وما قد يقع من بعضهم من زلة أو خطيئة فله من الحسنات العظيمة والفضائل الكثيرة والقربات العظيمة ما نرجو أن يمحو الله به فيها زلته ويغفر بها خطيئته، وله من الفضل عند الله ما لا يدانيه فيه أحد.

فالواجب على الشيعة وغيرهم أن يعرفوا منازل هؤلاء الأخيار، وأن يعظموهم كما عظمهم الله، وأن يعرفوا لهم فضلهم وأن يترضوا عنهم، وأن لا يغلوا في أهل البيت، وأن لا يعبدوا أحدًا منهم من دون الله، لا بالاستغاثة، ولا بالدعاء، ولا بالقول أنهم معصومون، أو أنهم يعلمون الغيب، أو القدح في إمرة الصديق أو إمرة عثمان أو عمر ، بل يجب عليهم جميعًا أن يأخذوا بمذهب أهل السنة، وأن يسيروا على مذهب أهل السنة، فهو الحق الذي لا ريب فيه، أما ما انتحلته الرافضة أو غيرهم من الشيعة بالتنقص من أصحاب النبي ﷺ فهو باطل ومنكر عظيم وشر مستطير، يجب عليهم أن يبادروا بالتوبة إلى الله منه في أسرع وقت قبل أن يموتوا، نسأل الله للجميع الهداية.

المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيرًا ونفع بعلمكم واستجاب منكم. 

فتاوى ذات صلة