لا يمس القرآن إلا طاهر

السؤال:
ما حكم مس المصحف بدون وضوء، أو نقله أو تحريكه من مكان إلى آخر؛ علمًا بأن الذي مسه طاهر في جسمه؟

الجواب:
مس المصحف على غير وضوء لا يجوز عند جمهور أهل العلم، والذي عليه الأئمة الأربعة رحمة الله عليهم، وهو الذي كان يفتي به أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، وقد ورد في ذلك حديث صحيح لا بأس به من حديث عمرو بن حزم أن النبي ﷺ: كتب إلى أهل اليمن أن لا يمس القرآن إلا طاهر[1]. وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضًا.
هذا هو الواجب، وكذلك نقل المصحف أو تحريكه من مكان إلى مكان، لا ينقله إلا من كان طاهرًا، أو إذا تم ذلك بواسطة، كأن يأخذه في لفافة، أو يكون المصحف في لفافة فيأخذه بالعلاقة، أما أخذه مباشرة بيديه وهو على غير طهارة، فلا يجوز على الصحيح الذي عليه جمهور أهل العلم.
وأما القراءة فلا بأس أن يقرأ وهو محدث عن ظهر قلب، أو يقرأ ويمسك عليه القرآن من يرد عليه.. ويفتح عليه، فلا بأس.
لكن الجُنُب لا يقرأ؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه لا يحجزه شيء عن القراءة إلا الجنابة، فروى أحمد بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ خرج من الغائط وتلا شيئًا من القرآن، وقال: هذا لمن ليس بجنب، أما الجنب فلا، ولا آية[2].
المقصود: أن من عليه الجنابة لا يقرأ من المصحف ولا عن ظهر قلب حتى يغتسل، وأما من عليه الحدث الصغر وليس بجنب، فهذا يقرأ عن ظهر قلب، ولا يمس المصحف.
وهنا مسألة تتعلق بهذا، وهي الحائض والنفساء، وهل تقرآن أم لا تقرآن؟ في ذلك خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال لا تقرآن. ومنهم من قال: تقرآن عن ظهر قلب دون مس المصحف؛ لأن مدتهما تطول -أي مدة الحيض والنفاس- وليس مثل الجنب؛ حيث يغتسل في الحال ويقرأ، ولكن فترة الحيض قد تطول وتصل إلى عشرة أيام أو نحوها، والنفساء كذلك تطول فترتها أكثر.
فالصواب: لا مانع من قراءتهما عن ظهر قلب، وهذا هو الأرجح، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال لعائشة لما حاضت في الحج: افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري[3].
والحاج يقرأ القرآن، ولم يستثنه النبي ﷺ؛ فدل ذلك على جواز القراءة لها، وهكذا قال لأسماء بنت عميس لما ولدت محمد بن أبي بكر في الميقات في حجة الوداع، هذا يدل على أنها تقرأ، ولكن دون مس المصحف..
وأما حديث ابن عمر عن النبي ﷺ قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن[4]، فهو حديث ضعيف؛ في إسناده موسى بن عتبة، وفي إسناده ابن عياش عن موسى بن عتبة، وأهل العلم بالأحاديث يضعفون رواية موسى، ويقولون: إنه جيد في روايته عن أهل الشام بلاده، ولكنه ضعيف في روايته عن أهل الحجاز، وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز؛ فيكون ضعيفًا[5].
  1. أخرجه مالك في (الموطأ)، برقم: 419، في كتاب (النداء للصلاة)، باب (الأمر بالوضوء لمن مس القرآن)، والدارمي برقم: 1266 في كتاب (الطلاق)، باب (لا طلاق قبل نكاح).
  2. أخرجه أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة)، برقم: 830.
  3. أخرجه البخاري في كتاب (الحيض)، برقم: 294، 1540، باب (تقضي الحائض المناسك إلا الطواف بالبيت، ومسلم في (الحج)، برقم: 2114، 2115.
  4. أخرجه الترمذي في كتاب (الطهارة)، برقم: 121، باب (ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا تقرآن القرآن)، وابن ماجه في (كتاب الطهارة وسننها)، رقم: 588، باب (ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة). 
  5. نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، جمع الشيخ/ محمد المسند، ج4، ص: 23. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 336).
فتاوى ذات صلة