حكم من يأخذ بعض الإسلام ويترك بعضه

السؤال:
سماحة الشيخ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: نسمع في هذه الأيام أن هناك شبابًا يفهم الإسلام من بعض جوانبه، وكل طائفةٍ تُسمِّي نفسها باسمٍ، أرجو كلمةً توجيهيةً لهؤلاء الشَّباب؟

الجواب:
الواجب على الشباب والشِّيب وعلى كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ أن يأخذ الإسلام كله، وأن يطلبه كله، لا بعضه، يتفقَّه في الدين ويتبصَّر فيما قاله الله ورسوله، وبما شرعه الله ورسوله، ويستقيم على ذلك، ولا يتمسك ببعض دون بعض، بل يدرس الإسلام كله، ويعتني به كله؛ حتى يفهم ما أمر الله به، ويعمل به، وحتى يعرف ما نهى الله عنه ويجتنبه، وأن يكون الجميعُ متعاونين؛ جميع الجمعيات وجميع الشباب في كل مكانٍ يجب أن يكونوا مُتعاونين على البرِّ والتقوى، لا يؤذي بعضُهم بعضًا، ولا يذمُّ بعضُها بعضًا، ولا يحقر بعضُهم بعضًا، ولا يحسد بعضُهم بعضًا، فيتعاونون: ماذا قال الله؟ ماذا قال رسوله؟ ما معنى الآية؟ ما معنى الحديث؟ ماذا حكم الله في كذا وكذا؟ ما الدليل؟
ثم يأخذون كلام أهل العلم، يستعينون بكلام أهل العلم من الأئمة الكبار في كُتبهم، لا يدَّخرون وسعًا في ذلك، فإنَّ أهل العلم كتبوا وبيَّنوا رحمة الله عليهم، فيستعينون بكتبهم الكبيرة والصَّغيرة، مثل: كتب الموفق ابن قُدامة، والنووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم من أهل العلم، يُستعان بالكتب التي وجدت في المذاهب، ولا سيما الكتب التي تعتني بالأدلة: قال الله، وقال رسوله، فيستفيدون منها، وهكذا كتب الحديث وشروحها، هكذا طالب العلم.
لكن الصغير يبدأ بالكتب المختصرة، ولا يُدخل نفسَه فيما لا يُحسنه، يبدأ بالكتب المختصرة، ويعتني بحفظ القرآن، ويحفظ كتاب "التوحيد"، "العقيدة الواسطية"، "ثلاثة الأصول"، "كشف الشبهات"، "أصول الإيمان"، "فضل الإسلام"، وأشباه ذلك من الكتب المختصرة؛ حتى يستفيد شيئًا بعد شيءٍ، ولا يدخل مع الناس فيما لا يعلم، وفيما يصعب عليه، بل يعرف قدر نفسه ويقف عند حدِّه.
ولكن يجب على الفاهمين أن يكونوا شيئًا واحدًا، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وألا يتفرَّقوا، وأن يُعين بعضُهم بعضًا على فهم النص، وعلى ما دلَّ عليه، وألا يأنف إذا أرشده أخوه، أو دلَّه أخوه على فائدةٍ، فليقل: جزاك الله خيرًا، فالعلماء الكبار تخفى عليهم المسائل الكثيرة، فإذا أرشدهم أخوهم فرحوا بذلك، كالصحابة، فهم أعلم الناس بعد الأنبياء، وكان بعضُهم يُرشِد بعضًا، ويدل بعضُهم على بعضٍ، والآخر يقول: سمعتُ رسول الله، ويقول: سمعتُ فلانًا عن رسول الله، فيفرحوا بذلك فرحًا عظيمًا، ثم التابعون بعدهم: كابن المسيب، وطاووس، وأبي سلمة ابن عبدالرحمن، والشعبي، وغيرهم، يتعاونون، وهكذا مَن بعدهم: كمالك، وأبي حنيفة، والشافعي، كلٌّ يحتاج إلى علم أخيه، والتعاون مع أخيه.
فالذي يأنف أن يُرشَد أو ينتقد؛ قد خالف أهل السنة، كل واحدٍ منا له أغلاط، ويفهم أشياء، ويغلط في أشياء، فليفرح بمَن يُعينه ويدله على الخير ويُرشده إلى مسألةٍ خفيت عليه، أو دليلٍ خفي عليه.
ثم ليُجعل التعاون هو الميزان والدَّيدن بين الجميع، لا أن يذهب كل واحدٍ على حدةٍ ويُنافس الآخر ويُعاديه، لا، هذه طريقة أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم، أما أهل السنة لا، أهل السنة يتعاونون فيما بينهم، ويُرشد بعضُهم بعضًا، ويُعين بعضُهم بعضًا، ويكونون جمعيةً واحدةً، ويكون هدفُهم واحدًا، وهو اتِّباع الحقِّ.
فتاوى ذات صلة