كيف يُجمع بين طلب العلم وإصلاح المجتمع؟

السؤال: 

إننا نجد كثيرًا –وللأسف- من طلبة العلم الشرعي مَن يشغله طلبه للعلم عن إصلاح المُجتمع والدخول فيه، وإذا ناقشته قال: سوف أدعو بعدما أطلب العلم، فما رأيك في هذه المقولة؟

الجواب:

الواجب أن يقوم بنصيبه من إصلاح المجتمع، مع العناية بطلب العلم، فلا يمنعه طلبُ العلم من المشاركة في إصلاح المجتمع والتَّوجيه والإرشاد والدَّعوة حسب علمه، ولا يكون هذا الكلام عذرًا في الجملة، وإن كان عذرًا من بعض الوجوه في عدم التَّفرغ لهذا الأمر، لكنه حسب طاقته يعمل، أما التفرغ فيكون بعد الحصول على العلم، وانتهاء المهمة من الطلب الرسمي إلى التنفيذ والعمل، ومع العلم أيضًا؛ لأنه لا يزال طالب العلم في طلب العلم أبدًا، ولو أخذ الدكتوراه، ولو طلب العلم خمسين سنةً فهو لا يزال طالب علم أبدًا حتى يلقى ربَّه، ينبغي له أن يعلم هذا، وما خفي عليه أكثر مما علم.
فطالب العلم يجب أن يعلم أنه لا يزال في حاجةٍ إلى العلم ولو بلغ ألف عام، ولو عمَّر أكثر من عمر نوح فهو في حاجةٍ إلى طلب العلم، فلا ينبغي أن تمنعه الوظيفة أو درجة علمية من المزيد من طلب العلم، والحرص على مُراجعة العلماء، والمذاكرة، ومراجعة الكتب، وتدبر القرآن؛ ليزداد علمًا. 
ولكن مع ذلك يُشارك أيضًا في إصلاح المجتمع حسب طاقته: في طريقه إلى المدرسة، في طريقه إلى الجامعة، في طريقه إلى الصلاة، في طريقه لحاجاته في السوق، في سفره، في السيارة، في الطائرة، في القطار، في السفينة، في الباخرة، ما له عذر أن يقول: أنا طالب علم فقط، عليه أن يُشارك، لكن بالعلم، ما هو بالجهل، عليه أن يُشارك بالعلم، لا يقول بغير علمٍ، إذا كان ما عنده علمٌ لا يتكلم، وما كان فيه علمٌ وبصيرةٌ فليتكلم، ولا يقول: أنا حتى الآن في طلب العلم! كل الناس في طلب العلم، لو كان شيخُ الإسلام ابن تيمية موجودًا الآن فهو طالبٌ للعلم حتى يموت، وهكذا الصحابة في طلب العلم حتى يموتوا، كلٌّ في طلب العلم، ما أحد يستغني عن طلب العلم أبدًا، ولو كان مَن كان في التَّحصيل.
فالحاصل أنه لا يجوز أن يمنعه طلبُ المزيد من العلم من المشاركة في إصلاح المجتمع، سواء كان في الثانوي، أو في المتوسط، أو في الجامعة، أو في الدراسات العليا، أو في أي قسمٍ، عليه أن يُشارك حسب طاقته: في أهله، في جيرانه، في قراباته، في جُلسائه، في طريقه، في أي مكانٍ يُشارك في طلب العلم، ويُشارك في توجيه الناس إلى الخير، ويُشارك في إصلاح المجتمع، لكن يتحرى الأساليب الطيبة، يتحرى الرفق، يتحرى الكلمات الطيبة، والأسلوب الحسن الذي ينفع ولا يضرّ، الذي يُقرِّب ولا يُنَفِّر، الذي يُسبب دخول العلم على قلب الإنسان وقبوله إيَّاه، وليحذر العنفَ أبدًا أينما كان.
فتاوى ذات صلة