ما النصيحة لمن يغترّ بعلمه ويأخذه العُجْب؟

السؤال: 

يقول هذا السائل في ورقةٍ قدَّمها: هذه نصيحتي إلى طلاب العلم، الرجاء قراءتها ليُعلِّق عليها سماحةُ الشيخ: أنصحهم بحُسن الخلق، فقد قال الرسولُ ﷺ: أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنَّة لمَن حسن خلقه، ومَن تمثَّل بالخلق الحسن فإنه يوم القيامة يكون في منزلةٍ يغبطه عليها الأنبياء والشُّهداء.
وسبب توجيهي هذه النَّصيحة أنَّ كثيرًا من طلبة العلم سيئ الأخلاق، ويأخذه العُجب والغُرور بعلمه، ولا يعلم أنه جاهلٌ؛ لأنه لو كان لديه علمٌ لما عمل هكذا.
الرجاء قراءتها ليُعلِّق عليها سماحةُ الشيخ؛ لأنَّ الدين النَّصيحة، جزاكم الله خيرًا.

الجواب:

لا شكَّ أنَّ هذه نصيحة مهمة، فإنَّ الواجب على العالم وطالب العلم وعلى كل مؤمنٍ ومؤمنةٍ: العناية بحُسن الخلق، وعدم التَّكبر، وعدم سُوء الخلق، فإن حُسن الخلق له شأنٌ عظيمٌ، ولهذا قال فيه النبيُّ ﷺ: البِرُّ حُسن الخلق، هكذا روى مسلم في "الصحيح": البر حُسن الخلق، وقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنُكم أخلاقًا، وقال عليه الصلاة والسلام: أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، فتحسين الخلق من المهمَّات.
وهو طيب الكلام، وانبساط الوجه، كما قال عليه الصلاة والسلام: لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ، وفي لفظٍ: بوجهٍ طَلْقٍ يعني: منبسطًا، هكذا المؤمن مع إخوانه في الله، وهكذا المؤمنة مع أخواتها في الله، كلٌّ منهم ينبسط، ولا يعبس، ولا يكفهر، ولا يُسيئ الكلام، ولكن يحسن خلقه في تعليمه، ودعوته إلى الله، وفي سلامه، وإرشاده، وفي محادثاته، يكون طيب الخلق، وهذا من أسباب قبول دعوته، ومن أسباب قبول نصيحته، ومن أسباب الانتفاع بعلمه، يقول الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وقال عن نبينا ﷺ: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]، فمدحه ﷺ بأنه ليّن الجانب، ليّن العريكة، ولهذا قال: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ يعني: بسبب رحمةٍ من الله لِنتَ لهم، يعني: كنتَ لين الجانب، تخفض الجناح للمؤمنين: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ يعني: لنفروا وابتعدوا.
فالواجب على الجميع العناية بهذا الأمر، والحرص على حُسن الخلق، وعدم العجب بالعلم، أو بالنسب، أو بالمال، أو بوظيفةٍ، أو غير ذلك، يجب عليك أن تتواضع، الله يقول سبحانه: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر:88]، ويقول النبي ﷺ: ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه، ولماذا يتكبَّر؟ ولماذا يُسيئ الخلق وهو يعرف نفسه؟ أنت مخلوقٌ من نطفةٍ ضعيفةٍ، ثم سوَّاك ربُّك وطوَّرك حتى كنتَ رجلًا سويًّا، وحتى كنت أيتها المرأة امرأة سوية من فضل الله عليك.
فالواجب عليك أن تعرف قدر هذه النعمة، وأن تشكر المنعم، وأن تتواضع لله، وأن تبتعد عن الكبر، والخيلاء، والعنف، والشدة، رزق الله الجميع التوفيق.
فتاوى ذات صلة