حكم تزويج الولي موليته لرجل صالح لكنه دونها في النسب

السؤال:

فأنا شاب وولي أمر فتاة -إن شاء الله- أنها صالحة، ومشكلتي: أن هذه الفتاة أختي، ولكن تقدم لخطبتها شاب صالح، ويحفظ القرآن، وأعرفه بحسن الخلق، وهي تريد هذا الشاب، بل أخبرتني أنها تحبه في الله، لكن هذا الشاب من عائلة أقل من عائلتنا في النسب، ماذا أعمل؟ فإن أختي تقول: لن أتزوج غيره، وأبناء عمها يهددون، ويقولون: لا تزوجوها، ماذا أعمل؟ وما الطريق، هل أزوجها هذا الشاب الصالح، وأدفع أبناء عمها؟

الجواب:

الواجب على الأولياء أن ينظروا لمولاتهم من هو أصلح لها في دينها ودنياها، ولو كان من غير قبيلتهم، بل عليهم أن ينظروا الأصلح، ولو كان من أي قبيلة، إذا صلح دينه، واستقام أمره، فإذا لم يستقيموا على ذلك، ووجدوا لها من هو يناسبها؛ فعليها أن تجتهد في موافقتهم إذا كان مستقيمًا أيضًا، ولا بأس به، وإن تنازلت عن بعض هواها؛ لمراعاة أقاربها، وأوليائها، ولسد باب الشر، والقضاء على أسباب الفرقة، والاختلاف؛ فإن تنازلها عن بعض الشيء ما دام المتنازل له لا بأس به في دينه، وإن كان دون ما أرادت في نفسها، لكنه في نفسه طيب، وفي نفسه صالح في دينه، وهو من قبيلتها، أو من قبيلة يرضاها أولياؤها؛ فهذا أولى من النزاع في الشقاق.

فإذا اشتد الأمور فلم تتنازل هي، ولم يتنازل هم، رجع الأمر إلى المحكمة، وفي المحكمة الكفاية -إن شاء الله- تنظر في الأمر، وعندها الشرع المطهر، كافي في كل شيء، سبحان الذي أنزله، لكن إذا تنازل الأولياء، والتمسوا لها من هو أصلح، وتركوا تعصبهم لواحد معين، ولو كان ابن عم قريب، ما هو بلازم ابن عمه القريب، ولا هو بلازم من قبيلتها، العرب كلهم بعضهم لبعض أكفاء، وأهل الدين أكفاء، وإن كانوا ليسوا من العرب، لو زوجوها مولًى، أو عتيقًا من العتقاء، أو أعجميًا من العجم؛ فلا بأس، يقول الله -جل وعلا-: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

ليس شرطًا أن القحطانية ما تأخذ إلا قحطاني، والسبيعية ما تأخذ إلا سبيعي، والهاشمية ما تأخذ إلا هاشمي، ليس من شرط هذا، النبي ﷺ زوج زينب بنت جحش أسدية أمها عمة النبي ﷺ من بني هاشم، زوجها مولًى عتيقًا زيد بن حارثة، عتيق مولى، وزوج فاطمة بنت قيس قرشية من قريش، زوجها ابنه أسامة بن زيد، وهو مولى عتيق أيضًا، وبلال تزوج من زهرية من بني زهرة من قريشن وهو عتيق من الحبشة.

فالمقصود: أن هذه الأمور انطلت على كثير من الناس في العرب، وآثروها على الحق والهدى؛ فغلطوا في ذلك، فالواجب على الأولياء أن يعنوا بالأمر الشرعي، وأن يجاهدوا الشر في ذلك، فإذا غلبت .. وخافوا من شر بينهم؛ فيلتمسوا لها من يناسبها، ولو من قبيلة أخرى، لا يلزموها بشيء ما ترضاه، ما هو بلزوم بابن عمها، لا يجوز يجبروها على ابن عمها أبدًا، ولا ابن خالها، يلتمس لها من بقية القبائل، والناس الآخرين من العرب، وإن كانوا بعيدين إذا لم يرضوا بتزويجها من غير العرب، يلتمس لها من العرب، وإن زوجوها من غير العرب، من الأعاجم، من الموالي من ذوي الدين، والتقوى؛ فلا بأس، ولا حرج، والحمد لله.

قد سبقهم في هذا الأخيار من هذه الأمة، وسبقهم إلى هذا الرسول ﷺ وأصحابه، فالأمر في هذا واسع يقول الله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، ثم قال بعدها إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] ما قال: إن أكرمكم عند الله بنو هاشم، أو قريش، أو بنو تميم، أو بنو فلان لا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات:13] أتقاكم وإن كان أعجميًا، وإن كان مولى قد أعتقه فلان، أو فلان، هو الأكرم عند الله، وإن كان الذي ليس بتقي قرشيًا هاشميًا فلا قيمة له عند الله، هذا أبو لهب قرشي هاشمي من أهل النار، وأبو طالب كذلك، وأبو جهل كذلك، كلهم قرشيون، ومع ذلك صاروا إلى النار لأعمالهم الخبيثة.

ثم أمر آخر: وهو أن التعصب بين القبيلة لفلان، أو فلان، يضرون به بنتهم، ويضرون به مولاتهم، هذا ظلم لا يجوز لهم، بل إذا كرهته البنت لا يحجرون عليها، ولا يعطلونها، بدل ابن عمها غيره العرب كثيرون، وغير العرب كثيرين، فإذا خطبها كفء، ولو من غير قبيلتهم، ولو من غير بني عمهم؛زوجوا، العرب كثيرون، وإذا أبوا أن يزوجوا مولى، أو عبدًا منهم يزوجوا من العرب، العرب كثيرون يلتمسوا لها الأخ الطيب، وإذا خطبها الطيب في نفسه، وفي دينه، ولو كان بعيدًا منهم؛ فليزوجوه والحمد لله، ولا يجبرونها على من لا ترضاه من ابن عم، أو ابن خال، أو شيخ كبير لا ترضاه، وهي شابة.

الواجب: أن يراعى أمرها، وأن تراعى رغبتها، لا في الفاسدين، لكن في الصالحين، أما أنها تجبر لأجل شهوة وليها؛ لأن وليها هذا نسيبه آخذ بنته، أو آخذ أخته، يجبروها على والد نسيبه، أو أخت نسيبه، أو أخو زوجته .. هذا غلط، هذا ظلم، أو يجبروها على شيخ كبير؛ لأنه يزوجه بنته، أو يزوجه بنته شغارًا، زوجني، وأزوجك، يجبر بنته حتى الذي يزوجه يزوجه بنته، أو أخته، هذا ظلم أيضًا، النبي نهى عن الشغار، وحذر من الشغار -عليه الصلاة والسلام- ولا يجوز أنه يزوج شغارًا يقول: أعطني بنتك، وأعطك بنتي، أعطني أختك، وأعطك أختي، أو أعطني ولدك، وتعطي ولدي، هذا منكر، لا يجوز هذا، ولا يحل. 

الواجب على المؤمنين أن يتباعدوا عن هذا الشيء، وأن يزوجوه من غير إجبار للبنات، ولو كانت بنتك لا تجبرها، زوجها من ترضى من الأخيار الطيبين، وليس لك أن تجبرها إذا أبت لا تزوجها حتى يأتيها من ترضاه من المسلمين، ولو جلست إلى أن تشيب، لا يضرك ذلك مادام لم تجبرها فأنت في سلامة، أما أن تجبرها، وتضرها، فلا يجوز لك أبدًا، الحاجة لها.

فتاوى ذات صلة