كيفية الإفتاء في مسائل الخلاف

السؤال:

ما موقف المفتي في مسائل الخلاف، خاصة عند تكافؤ الأدلة، وهل يفتي بما يراه الراجح من هذه المسائل؟ 

الجواب:

نعم موقف المفتي: أن ينظر في مسائل الخلاف، ويتحرى ما هو الأرجح بالدليل، ثم يفتي نفسه، ويفتي غيره بعدما يطمئن إلى أن ما ظهر له هو الأرجح، سواء كانت المسألة فيها قولان، أو ثلاثة، أو أكثر، ينظر في الأدلة، ويتأمل ما قاله هؤلاء، وما قاله هؤلاء، وما قاله هؤلاء، وما احتج به هؤلاء، وما احتج به هؤلاء. 

ثم يعمل بالقواعد المتبعة في ذلك من الجمع بين الأحاديث عند إمكان الجمع، من استعمال النسخ عند توافر شروط النسخ، من الترجيح عند تعذر النسخ، والجمع، يعمل ما قرره أهل العلم، وبينوه من وجوه الاستدلال، واعتماد ما هو الراجح عند الخلاف، هذا يحتاج إلى بصيرة من العالم، ومعرفة بأقوال أهل العلم فيما يتعلق بالخلاف. 

وسبق في الكلمة أن قلت: ما قاله أهل العلم: إن الموقف لطالب العلم في مسائل الخلاف تتحرى في أربع مراتب:

المرتبة الأولى: أن ينظر في الجمع، وهو المقدم، فإذا كان أمكن الجمع بين الحديثين، أو الأحاديث، أو الآيات، والأحاديث؛ وجب. 

فإن لم يمكن الجمع، ولم توافر شروط الجمع، ولم يتيسر؛ انتقل إلى

المرتبة الثانية: وهي مرتبة النسخ، فإذا توافرت شروط النسخ، وعلم المتقدم، والمتأخر، نسخ المتقدم من المتأخر، وصار الحكم للمتأخر، مثل ما في القبلة، كانت القبلة أولًا المسجد الأقصى، ثم نسخ بالكعبة المشرفة. 

فإن لم يتيسر العلم بالنسخ، ولم تتوافر شروطه؛ انتقل إلى

المرتبة الثالثة: وهي الترجيح، فينظر في أدلة الفريقين، أو الفرق، فما كان أرجح؛ أخذ به، فإذا كان بعضهم عنده دليل ضعيف، والآخر عنده دليل قوي صحيح، أو أحد القولين، أو الأقوال أدلتها مرجوحة، والآخر أدلته راجحة؛ أخذ بالأرجح، وقد بين العلماء ذلك، فإذا كان بيد فريق حديث واحد، وبيد الفريق الثاني أكثر من حديث، كلها صحيحة، فإن من معهم الأحاديث الكثيرة أرجح، ويعتبر الحديث الآخر الذي بيد الفريق الثاني شاذ، فإن الأخذ بالأرجح هو الواجب عند تعذر النسخ، والجمع.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في النخبة: "فإن خولف بأرجح، فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ".

فإن لم يتيسر الترجيح، ولا الجمع، ولا النسخ، انتقل إلى

المرتبة الرابعة: وهي التوقف، وعدم البت في هذه المسائل المختلف فيها؛ حتى يتضح له الحكم، وليس معناه أنه يسكت، لا، يعتني، يراجع الأدلة، يبحث، يتأمل، يشاور أهل العلم الذين عنده في قربه، ويتمكن من مراجعته بالكتابة، أو بالبرقية، أو بالهاتف، أو بأي طريق، يشاور أهل العلم، ويبحث معهم لعله يستفيد، فيترجح عنده أحد الأقوال، أو أحد القولين عن الآخر، هكذا أهل العلم. 

فتاوى ذات صلة