هل تطهر النفساء بمجرد انقطاع الدم؟

السؤال:
هل انقطاع الدم عن المرأة النّفساء يعني طُهرها، وإن كان يخرج منها بعد انقطاعه غيرُه من ماءٍ ونحوه، ومع ذلك لم تغتسل ولم تُصلِّ؟ وهل يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة؟ وكيف تقضيها؟

الجواب:
النفاس ليس لأقلّه حدٌّ، فإذا طهرت وهي أم عشرة أيام أو عشرين يومًا من الولادة أو ثلاثين يومًا من الولادة فإنها تغتسل وتُصلي، ليس لأقلِّه حدٌّ عند أهل العلم، ورُويت فيه أحاديث عن النبي ﷺ أيضًا؛ أنه وقَّت في ذلك أربعين، إلا أن تطهر قبل ذلك.
المقصود أن النِّفاس ليس له حدٌّ من جهة الأقلية، فإذا طهرت لعشرٍ أو لخمسة عشر أو لعشرين أو لشهرٍ أو لأقل أو لأكثر فإنها تغتسل وتُصلي وتصوم وتحل لزوجها، وإن كانت لم تُكمل الأربعين، فالطَّهارة مُعتبرة في هذا، ولو كان معها ماء أبيض، فهذا الماء الأبيض لا يُعتبر نفاسًا، النفاس هو الدم، فإذا طهرت ولكن صار معها سيلان من المياه فهذه لا عبرة بها، مثل: المياه التي تأتي المرأة وهي حامل، فهذه المياه لا تُعتبر حيضًا ولا نفاسًا، فهكذا بعد الوضع لا يُعتبر هذا الماء حيضًا ولا نفاسًا.
فلو رجع إليها الدمُ -طهرت لعشرين أو لعشرة أيام، ثم جاءها دمٌ في الحادي والثلاثين- فإنها ترجع إلى النِّفاس على الصحيح: لا تُصلي، ولا تصوم بعد رجوع الدم، والعشرة التي طهرتها صلاتها فيها صحيحة، وصومها فيها صحيح، وإن كانت ما صلَّت فعليها أن تقضي تلك الصَّلوات التي تركتها، تسردها سردًا، لا كما يقول العامَّةُ: الظهر مع الظهر، والعصر مع العصر، لا، تسردها ولو في ضحوةٍ، ولو في ظهرٍ، ولو في ليلٍ، تسردها جميعًا حسب طاقتها، ولا مانع من الاستراحة فيما بين ذلك، كلما نشطت قامت حتى تُؤدي ما فرطت فيه في أيام الطَّهارة.
فإن كمّلت الأربعين والدم معها فإنها تغتسل، فإن النهاية أربعون، نهاية النفاس على الصحيح أربعون، هذا هو الصواب كما في حديث أم سلمة، فإذا بلغت أربعين ولم تطهر فإنَّها تُعتبر طاهرةً في الحكم، وعليها أن تغتسل وتُصلي وتصوم وتحلّ لزوجها حكمًا، وهذا الدم الذي معها يُعتبر دم فسادٍ: تُصلي معه، وتصوم، وتحل لزوجها، ولكنها لا تتوضأ إلا عند دخول الوقت؛ لقول النبي ﷺ للمُستحاضة: وتوضئي لوقت كل صلاةٍ، هذا الحكم حكم الاستحاضة، لكن إذا وافق العادةَ -عادة النساء في الحيض- جلست لعادة الحيض، فإذا جاء وقت العادة وصادفها هذا الدم فإنها تجلس اعتبارًا بأنه حيضٌ، هذا هو الصواب في هذه المسألة، ونسأل الله للجميع التوفيق.
وينبغي للمرأة وللرجل أن يسأل أهلَ العلم عمَّا أشكل، ليس في السؤال حياء، يقول الله : وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، وتقول أم سليم للنبي ﷺ: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحيي من الحقِّ، فهل على المرأة من غُسلٍ إذا هي احتلمت؟ قال النبيُّ: نعم، إذا هي رأت الماء، فينبغي لمَن جهل شيئًا ألا يسكت، رجلًا كان أو امرأةً، يسأل أهل العلم من طريق الهاتف، فقد يسَّر الله هذه الهواتف رحمةً من الله ، أو من طريق الإذاعة من طريق برنامج "نور على الدرب"، وهو برنامج مفيد وعظيم، وأنا أوصي باستماعه، أوصي إخواني وأخواتي باستماع هذا البرنامج، فهو برنامج مفيد، وهو يُذاع بين المغرب والعشاء من "نداء الإسلام"، ويُذاع في الساعة التاسعة والنصف من إذاعة القرآن كل ليلةٍ، وهذه من نِعم الله العظيمة، فينبغي أن يُستمع لهذا البرنامج، وأن يُستفاد منه، ومَن أشكل عليه شيءٌ من هذا البرنامج يسأل أيضًا، سواء كان رجلًا أو امرأةً، وهكذا طريق الهواتف مفيد ونافع.
المقصود أنَّ الواجب العناية بالعلم والتفقّه في الدين، يقول النبيُّ ﷺ: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين، ويُروى عنه ﷺ أنه قال لقومٍ أفتوا بغير علمٍ: ألا سألوا إذ لم يعلموا؟! إنما شفاء العيّ السؤال، وأكبر من هذا قوله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء:7]، ويقول النبيُّ ﷺ: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، هذا فضلٌ عظيمٌ، ولا ينبغي الحياء في هذا المقام، ولا التساهل، ولا الكسل.
كان الناس أولًا يذهبون على الأقدام، ومن طريق الإبل، ومن طريق الدواب الأخرى؛ يطلبون العلم، وربما سار بعضُهم الأيام الكثيرة في طلب العلم، فكان بعض الصحابة يُسافر المسافات الطويلة من المدينة إلى مصر، وإلى الشام، في حديثٍ واحدٍ، والآن قد يسَّر الله للسائل أن يسأل وهو في أمريكا، يسأل من أمريكا إلى الرياض، أو إلى مكة، أو إلى مصر، أو إلى غير ذلك من طريق الهاتف في لحظةٍ، في لحظاتٍ، يستفيد وهو في مكانه، وعلى سريره، يسأل ويستطيع أن يكتب لأهل العلم بالبُرُد، فيأتيه الجواب، ويكتب لبرنامج "نور على الدرب" فيأتيه الجواب عن المذياع في الأثير، وهو جالسٌ في مجلسه، هذه من نِعَم الله العظيمة.
فتاوى ذات صلة