ما معنى: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها»؟

السؤال:
أخونا يسأل سؤال آخر مماثل يقول: أرجو شرح هذا الحديث مع بيان مقارنته بالآية القرآنية الآتية، قال تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ... [البقرة:284] إلى آخر الآية.. والحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم؟

الجواب:
هذه الآية الكريمة لما نزلت شقت على الصحابة ، فأمرهم النبي ﷺ أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، لما أنزل الله قوله تعالى: لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284]. شق عليهم، وجاءوا إلى النبي ﷺ وقالوا: إن هذا شيء لا نطيقه، فقال: أتريدون أن تقولوا كما قالت بني إسرائيل سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله قوله –تعالى-: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

ثم أنزل الله بعدها: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]. فنسخت قوله: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ.

ونسخ الله قوله: أو تخفوه. وسامحهم عما وقع في النفوس في قوله ﷺ في الحديث الصحيح: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. فما كان من وساوس الصدور فهو معفو عنه ما لم يعمل العبد أو يتكلم كما دل عليه الحديث الصحيح، ودلت عليه قوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286].

لكن إذا استقر في القلب، وصار عملاً يؤاخذ به الإنسان، إذا استقر في قلبه، من المنكر، ومن الكبر والخيلاء أو نفاق أو غير هذا من أعمال القلوب الخبيثة يؤخذ به الإنسان.

أما إذا كان عوارض تخطر في البال، ولا تستقر، فالله لا يحاسبه عليها ، بل يتجاوز عنها -جل وعلا -.

فقوله : وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ هذا بالنسبة إلى المستقر في القلوب، المقيم في القلوب من أعمال القلوب يؤاخذ به الإنسان، من نفاق ورياء وكبر وغير هذا من أعمال القلوب، واعتقاداتٍ باطلة، سواء أظهرها أو أخفاها فهو مؤاخذ بها.

أما ما يعرض للإنسان فالله قد سامحه فيه وعفا عنه ، ودلت السنة على أن قوله: يحاسبكم به الله. يعني فيما يستقر، وفيما يبقى في القلوب، أما ما يعرض لها ويزول فالله يسامحه لقوله ﷺ: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم.

فالعمل يكون بالقلب ويكون بالجوارح، فإذا عمل بقلبه، أبغض في الله، وأحب في الله أخذ بهذا، أجر على المحبة، وأثم بالبغضاء إذا أبغض من لا يستحق البغضاء، فالمقصود أن أعمال القلب إذا استقرت يؤخذ بها كالمحبة في الله والبغضاء في الله يؤجر المؤمن.

وإذا فعل بقلبه خلاف ذلك من بغض المؤمنين أو التكبر على أحد أو النفاق أو الرياء أخذ بذلك؛ لأن هذه أعمال قلبية كالأعمال الإيمانية سواء سوا.

المقدم: جزاكم الله خيرًا.

فتاوى ذات صلة