أسباب ضعف حديث كشف الوجه والكفين

السؤال:

سمعنا من بعض الإخوة: أن سماحتكم رد حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- من خمسة وجوه، والذي نعرفه، نرجو من سماحتكم بيان تلك الوجوه الخمسة؟ 

الجواب: 

نعم، روى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة -رضي الله تعالى عنهما جميعًا- وهي الكبرى دخلت على النبي ﷺ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها النبي ﷺ وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها غير هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه احتج بعض الناس بهذا الحديث على جواز كشف المرأة لوجهها ويديها، وقال: إن هذا حديث أسماء يدل على ذلك، وأن الوجه ليس بعورة، وأنه لا مانع من كشف المرأة للرجال، وتعلقوا بهذا الحديث.

وأجاب عنه العلماء بأنه ضعيف، لا يصح أن يتعلق به، ولا يصح أن يحتج به، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كنا قبل الحجاب) يعني قالت ما معناه: أنهن قبل الحجاب كن يكشفن وجوههن، فلما نزل الحجاب؛ خمرن وجوههن، وكان هذا في غزوة الإفك، لما سمعت صفوان بن المعطل يسترجع، قالت: فلما سمعت صوته؛ خمرت وجهي، وكان قد رآني قبل الحجاب، تشير إلى قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].

قال بعض أهل الحديث: إن حديث أسماء يدل على خلاف حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين، وأنه يدل على جواز الكشف -كشف المرأة لوجهها وكفيها- وأجاب عن هذا بعض أهل العلم بأجوبة كنت ذكرت ثلاثة منها في مسألة الحجاب، ثم في نور على الدرب ذكرت زيادة وجهين، فصار الجميع خمسة، كلها تدل على عدم صحة هذا الحديث.

الأول منها: أن الراوي عن عائشة يسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة، فهو منقطع، والحديث المنقطع لا يحتج به لضعفه؛ لأنه لم يلقها، فروايته عنها رواية منقطعة. 

الثاني: أن في إسناده رجل يقال له: سعيد بن بشير، وهو ضعيف، لا يحتج بروايته.

الثالث: أن قتادة الذي روى عن خالد روى بالعنعنة عن فلان، وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم، ويخفي ذلك، فإذا لم يصرح بالسماع؛ صارت روايته ضعيفة.

والرابع: أن الحديث ليس فيه الصراحة، أن هذا كان بعد الحجاب، يحتمل أنه كان قبل الحجاب فلم تقل عائشة: إن دخولها على النبي كان بعد الحجاب، فيحتمل أن هذا كان قبل الحجاب.

الخامس: أن أسماء هي زوجة الزبير بن العوام، وهي أخت عائشة بنت الصديق، وهي امرأة من خيرة النساء دينًا وعقلا، فكيف يليق بها أن تدخل على النبي ﷺ وهي امرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين، وزيادة على ذلك عليها ثياب رقيقة التي ترى عورتها منها، لا يظن هذا بأسماء -رضي الله عنها- لا يظن بأسماء أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها، فيعرض عنها النبي ﷺ ويقول لها: عليك أن تستري كل شيء إلا الوجه والكفين، معنى هذا أنها دخلت على النبي ﷺ وهي مكشوفة أشياء أخرى من الرأس، أو الصدر، أو الساق، أو ما أشبه ذلك.

فهذا الوجه الخامس يظهر من تأمل المتن، فيكون المتن بهذا المعنى منكرًا، لا يليق أن يقع من أسماء -رضي الله عنها- وهي المرأة الصالحة المعروفة بالخير، وهي زوجة الزبير الذي هو من أغير الناس في دين الله، وأبوها الصديق أكمل المؤمنين إيمانًا، وأفضلهم بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فإن الصديق هو أفضل الصحابة، وهو إمامهم بعد الأنبياء، فكيف يليق بهذه البنت الكريمة الصالحة، بنت الصديق، وزوجة الزبير أن تدخل على النبي ﷺ في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها، فيعرض عنها النبي ﷺ ويقول لها كذا وكذا، هذا فيما نعتقد غير واقع، وإنما هو مكذوب باطل.

فتاوى ذات صلة