زيارة القبور بين المشروع والممنوع

السؤال: هذه رسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية محمود حامد يقول في رسالته: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: أصحاب الفضيلة! لقد استمعنا إلى برنامجكم في السعودية كثيراً، والبرنامج هو نور على الدرب، وحسسنا على تركيزكم الكبير على زيارة القبور والتبرك بما فيها من أهل الخير، وهم بلا شك فيهم الخير الكثير وخاصة أنهم يعيشون في كنف الله سبحانه وتعالى، وهم أقرب إليه من غيرهم؛ لأنهم في حضرته، لكن كثرة كلامكم عن عدم جدواهم جعلتنا نضع عدة أسئلة عندما نريد أن نقوم بزيارة هؤلاء، نرجو منكم أن تصدقونا القول وفقنا الله وإياكم؛ لأننا نريد إذا لم نكن على الصواب أن نتجنب ما نحن عليه؟

الجواب: السائل مشكور على طلبه الحق، وهذا هو الذي ينبغي لكل مؤمن أن يسأل عما أشكل عليه وألا يبقى على الجهل؛ لأن الله سبحانه يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، والموتى في القبور أقسام:
منهم من هو قريب من الله وفي كنف الله ومرحوم، وهم أهل التقوى والإيمان.
ومنهم المعذب المغضوب عليه من أهل الكفر والفسق، فليسوا على حد سواء، المؤمن الطيب الذي مات على طاعة الله ورسوله على خير عظيم، وموعود بالجنة، وقبره روضة من رياض الجنة، أما الذي مات على الكفر بالله كالذين يدعون الأموات ويستغيثون بالأموات، ويطلبون منهم المدد، هذا كفر وضلال، هذا على خطر عظيم وهو متوعد بالنار والعذاب الأليم لكفره بالله وشركه بالله.
وهكذا من مات على المعاصي غير تائب كالذي يموت على الزنا وعقوق الوالدين، أو على أكل الربا، أو على شهادة الزور، أو على شرب الخمور، وسرقة أموال الناس ونحو ذلك، هؤلاء على خطر عظيم من دخول النار، وعلى خطر أن تكون قبورهم حفرة من حفر النار نعوذ بالله، فليس الموتى على حد سواء.
فينبغي أن تعلم -أيها السائل- أن الأموات أقسام:
منهم المرضي عنه المستقيم الذي مات على تقوى وإيمان، هذا له الجنة والكرامة، وقبره روضة من رياض الجنة.
ومنهم من مات على الكفر والضلال كالذي يستهزئ بالدين ويسب الدين، أو يدع الصلاة، أو يسأل الموتى ويستغيث بهم وينذر لهم ويطلبهم المدد وما أشبه ذلك هذا من الكفر بالله عز وجل، والكفار متوعدون بالنار إذا ماتوا على كفرهم.
ومنهم من مات على المعاصي، هو مسلم لكن مات على المعاصي، مات على شرب الخمر، مات على الربا، مات على الزنا، مات على السرقة، مات عاقاً لوالديه، هذا على خطر من دخول النار، وإن كان لا يخلد في النار إذا دخلها لكنه على خطر، وعلى خطر من العذاب في قبره بسبب معاصيه، فينبغي لك أن تحذر وأن تكون على بينة.
أما زيارة القبور فهي أقسام: إن كانوا مسلمين يزارون للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، وتذكر الآخرة والزهد في الدنيا، كان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وكان يقول: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، فأنت تسأل الله لهم المغفرة والرحمة والعافية إذا زرتهم.
أما دعاؤهم تقول: يا سيدي فلان! اقض حاجتي، اشف مريضي، المدد المدد، هذا شرك بالله، هذا لا يجوز، هذا من عمل الجاهلية من عمل أبي جهل وأشباهه من كفار الجاهلية كفار قريش وأشباههم، الموتى لا يطلبون شيء لا يقال لهم: المدد، ولا أغيثونا، ولا انصرونا، ولا اشفوا مرضانا، لا. هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى لا منهم، فهو القادر على كل شيء جل وعلا، ولا يقال: اشفعوا لنا، لا يطلب منهم هذا، وإنما يستغفر لهم.. يدعى لهم بالرحمة والمغفرة، فينبغي أن تعلم ذلك وأن تكون على بينة.
أما الكفار لا يزارون، مثل النصارى ، قبور اليهود ، قبور النصارى ، قبور المشركين الذين يعبدون غير الله، يستغيثون بالأموات وينذرون لهم، هؤلاء لا تزار قبورهم ومن زارها لقصد الاعتبار فلا بأس، إذا زارها للاعتبار، يعني: ليعتبر ويتذكر الآخرة لكن لا يدعى لهم، لا يترحم عليهم، فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وهي ماتت على الجاهلية، زار قبر أمه واستأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن له أن يستغفر لها عليه الصلاة والسلام، لكن زارها للاعتبار والذكرى فقط.
فإذا زرت القبور قبور الكفار من النصارى وغيرهم للذكرى والاعتبار والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فلا بأس، لكن لا تسلم عليهم ولا تدع لهم، أما المسلمون فتزار قبورهم، ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم ولا ينذر لهم، ولا يسألون الشفاعة، ولا الغوث، ولا النصر ولا المدد كل هذا لا يجوز، كل هذا من الشرك الذي حرمه الله، وهو من عمل أهل الجاهلية.
فينبغي لك -أيها السائل- أن تحفظ هذا، وأن تبلغه من وراءك من الإخوان، ينبغي أن تحفظ هذا جيداً، وأن تبلغه من حولك من جيرانك وأصحابك وجلسائك حتى تكونوا على بينة.. على بصيرة؛ لأن الله يقول: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، سبحانه وتعالى، فالموتى لا يدعون، وهكذا الملائكة، هكذا الأنبياء بعد موتهم.. هكذا الكواكب.. هكذا الأشجار والأحجار.. هكذا الأصنام، كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها، ولا ينذر لها، ولا يتمسح بها، أما النبي الحي والصالح الحي الذي يسمع كلامك لا بأس أن تقول له: اشفع لي، ادع الله لي كما كان الصحابة في حياة النبي ﷺ يدعونه، يقولون له: اشفع لنا يا رسول الله، في حياته ﷺ قبل أن يموت كان الصحابة يطلبون منه الدعاء والشفاعة عليه الصلاة والسلام، لا بأس، أما بعد الموت فلا، هكذا إخوانك، مثل رجل صالح من إخوانك صاحب صلاة وصاحب عبادة تقول: ادع الله لي يا أخي، وهو يسمع كلامك، حي، يطلب من الله لك.. أن الله يغفر لك.. أن الله يصلح حالك، يصلح ذريتك، لا بأس.
فالمقصود: أن الحي الحاضر القادر لا بأس أن تطلبه ما يستطيعه كأن يدعو لك، كأن يقرضك شيئاً من ماله لحاجتك، كأن تعامله في شيء، لا بأس بهذه الأمور التي بينك وبين الحي الحاضر القادر، أما الموتى لا، الموتى لا يطلبون شيء، ولا يسألون، ولا يستغاث بهم، وهكذا الجمادات كالجبال والأصنام والكواكب وأشباه ذلك لا تسأل ولا يستغاث بها، وهكذا الغائبون من الجن والملائكة لا يسألون ولا يستغاث بهم، كل هذا من الشرك بالله عز وجل، لا يجوز فعله مع الملائكة ولا مع الجن ولا مع الأموات ولا مع الجمادات، ولكن تطلب ربك حاجتك تسأله سبحانه أن يشفي مريضك، أن ينصرك على عدوك، تسأله المدد من فضله بالعون والتوفيق والهداية، كل هذا يُطلب من الله سبحانه وتعالى، رزقنا الله وإياك الاستقامة والبصيرة.
المقدم: أحسنتم أثابكم الله.
فتاوى ذات صلة