بيان سعة رحمة الله تعالى لمن تاب من الذنوب

السؤال:

شيخ عبد العزيز، أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلينا من الإمارات العربية المتحدة، باعثها أحد الإخوة الشباب من هناك.
أخونا يذكر في رسالته كلامًا طويلًا، ويلخص ويقول: لقد ارتكبت كثيرًا من المعاصي والمحرمات، والآن أشعر بالذنب، والواقع -سماحة الشيخ- أنه يسمي الأشياء التي أخطأ فيها، تجنبت ذكرها لعله من الأفضل للبرنامج.

الشيخ: نعم.

المقدم: وأخيرًا يقول: دلوني على الطريق الصحيح؛ لأني أبحث عن الطريق إلى التوبة، وبودي أن أقلع عن هذا إن شاء الله؟ 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: أيها السائل! اعلم أن رحمة الله أوسع، وأن إحسانه عظيم، وأنه جل وعلا هو الجواد الكريم وهو أرحم الراحمين، وهو خير الغافرين سبحانه وتعالى، واعلم أيضاً أن الإقدام على المعاصي شر عظيم وفساد كبير، وسبب لغضب الله، ولكن متى تاب العبد إلى ربه توبة صادقة تاب الله عليه. فقد سئل النبي ﷺ مرات كثيرة عن الرجل يأتي كذا ويأتي كذا ويأتي كذا من الهنات والمعاصي الكثيرة ومن أنواع الكفر ثم يتوب، فيقول الرسول ﷺ له: التوبة تهدم ما كان قبلها، والإسلام يهدم ما كان قبله وفي اللفظ الآخر: الإسلام يجب ما كان قبله، والتوبة تجب ما كان قبلها أي: تمحها وتقضي عليها. فعليك أن تعلم يقيناً أن التوبة الصادقة النصوح يغفر الله بها الخطايا والسيئات حتى الكفر، ولهذا يقول سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] فعلق الفلاح بالتوبة، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8] وعسى من الله واجبة، المعنى: أن التائب التوبة النصوح تغفر له سيئاته ويدخله الله الجنة، فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى. فعليك يا أخي بالتوبة الصادقة ولزومها، والثبات عليها والإخلاص لله في ذلك، وأبشر بأنها تمحو ذنوبك ولو كانت كالجبال.

وشروط التوبة ثلاثة: - الندم على الماضي مما فعلت ندماً صادقاً. - والإقلاع من الذنوب ورفضها وتركها مستقبلاً طاعة لله وتعظيماً له -والعزم الصادق ألا تعود في ذلك لإتيان الذنوب. هذه أمور لابد منها:

أولاً: الندم على الماضي منك، والحزن على ما مضى منك.

الثاني: الإقلاع والترك لهذه الذنوب دقيقها وجليلها.

الثالث: العزم الصادق ألا تعود فيها. فإن كانت عندك حقوق للناس أموال أو دماء أو أعراض فأدها إليهم، هذا أمر رابع من تمام التوبة، عليك أن تؤدي الحقوق التي للناس، إن كان قصاص تمكن من القصاص إلا أن يسمحوا بالدية، إن كان مالاً ترد عليهم أموالهم إلا أن يسمحوا، إن كان عرض كذلك تكلمت في أعراضهم واغتبتهم تستسمحهم، وإن كان استسماحهم قد يفضي إلى شر فلا مانع من تركه ولكن تدعو لهم وتستغفر لهم، وتذكرهم بالخير الذي تعلمه منهم في الأماكن التي ذكرتهم فيها بالسوء، فيكون هذا كفارة لهذا.

وعليك البدار قبل الموت، وقبل أن ينزل بك الأجل عليك البدار والمسارعة ثم الصبر والصدق، يقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] افهم معنى: وَلَمْ يُصِرُّوا يعني:لم يقيموا على المعاصي بل تابوا وندموا وتركوا، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135] ثم قال بعد هذا: أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:136] هذا جزاء التائبين الذين أقلعوا ولم يصروا مغفرة وجنة. فأنت إن شاء الله منهم إذا صدقت في التوبة، والله ولي التوفيق.
المقدم: اللهم آمين. 

فتاوى ذات صلة