مجالسة المسلم للمشركين لغرض الدعوة إلى الله

كذلك أمر ثالث وهو من سأل عن ما جاء في الحديث أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين، وهو حديث صحيح من حديث جرير، وما روي عن النبي أنه قال: من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله، وبين الحديث الآخر الذي فيه مر ﷺ في المدينة على مجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود وعبدة الأوثان فسلم عليهم، فالسائل استشكل هذا كيف أقر هذا المجلس وقد نهى عن الإقامة بين المشركين، وأجاب أحد أعضاء الندوة بما سمعتم، ومن باب المزيد على جواب السؤال أن مراد النبي ﷺ التحذير من السفر إليهم في بلادهم والإقامة بين أظهرهم، وأن هذا فيه خطر عظيم على المسلم إذا سافر إلى أهل الشرك وأقام بينهم وجالسهم، فهو على خطر من دخوله في دينهم، أما إذا سافر إليهم ليدعوهم إلى الله أو خالطهم ليدعوهم إلى الله وهو على بصيرة وعلى علم وعلى بينة فذلك ليس بداخل في هذا الحديث، إذا سافر إليهم ليدعوهم إلى الله لينشر الإسلام أو جلس معهم في محل وانتهز فرصة اجتماعهم فوقف عليهم وأرشدهم وعلمهم ونصحهم فهذه فرصة وليست داخلة في المخالطة المنهي عنها، والنبي ﷺ حين مر على أولئك كان في أول الهجرة لما جاء المدينة وبها أخلاط من اليهود في بلادهم ساكنون في بلادهم أسلم بعضهم وبعضهم لم يسلم، ثم يزالوا يسلمون شيئًا فشيئًا حتى انتشر الإسلام في المدينة وحتى دخل الناس في دين الله ولم يبق إلا اليهود فأجلاهم بعد ذلك، ثم النبي ﷺ لما مر عليهم سلم يتألفهم فإنه سلم عليهم ووقف وجعل يتلو عليهم القرآن ويدعوهم إلى الله ، فلهذا المقام مقام دعوة إلى الله ، فليس بمعارض لما نهى عنه من الجلوس بينهم والسفر إلى بلادهم والإقامة بينهم، فالوقوف عليهم إذا كانوا مختلطين لحاجة بينهم في بلادهم مسلمون في بلادهم مع يهود مع نصارى في بلادهم جلسوا ليتذاكروا لينصحهم المسلمون أو في بيع وشراء أو ما أشبه ذلك ليس هذا من باب الاختلاط المنهي عنه، إذا جلس المسلم مع المشركين ليدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم أو لحاجة بينهم ينظرون فيها في بيع أو شراء فهذا ليس من باب المنهي عنه وهم في بلادهم يجتمعون، والنبي ﷺ وقف عليهم يدعوهم إلى الله ويتلو عليهم القرآن، وإذا كان مثل هذا فليس من باب المنهي، وليس داخلًا في النهي، إنما النهي فيمن يجلس بينهم تحببًا إليهم وأنسًا بهم لا ليدعوهم إلى الله ولكن ليأنس بهم وليتخذهم أصحابًا وأخدانًا وأشباه ذلك، فهذا هو الخطر العظيم، أما من جلس بينهم ليدعوهم إلى الله وليقرأ عليهم القرآن ليعلمهم ليرشدهم أو وقف معهم ليشتري سلعة جلبوها أو يراودهم في مال يشتري منهم أو يبيع عليهم فليس هذا من باب أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين هذا لون وهذا لون.