المال وما ينبغي على المسلم فيه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ محمد الدريعي، والشيخ حمد.......، والشيخ جعفر شيخ إدريس، فيما يتعلق بالمال، وكسبه، وإنفاقه، وتبعته، وما ينبغي لأهل الإسلام في هذا الأمر العظيم، وقد أجادوا، وأفادوا، وأوضحوا ما ينبغي إيضاحه، شكر الله لهم سعيهم، وأثابهم، وضاعف مثوبتاهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا، وبما سمعنا.

لا ريب أن الأمر في المال خطير وعظيم، والله جعل المال نعمة يستعين بها عباده على طاعته وأداء حقه، وعلى الإحسان إلى عباده، وعلى قيامهم بما يجب عليهم، ولم يخلقه ليسرفوا به ويبذروه، ولا يستعينوا به على معاصيه سبحانه، ولا يضيعوه في غير طائل، ولكنه خلقه لينتفعوا به، وليستفيدوا منه في دنياهم وأخراهم، فوجب على أهل الإسلام أن ينظروا في المال وأن يعطوه حقه من العناية كسبًا وإنفاقًا.

وقد سمعتم بعض ما ورد في ذلك في كلام المشايخ، فالمال مال الله استخلفكم الله فيه، فأنت -يا عبدالله- ومالك ملك الله سبحانه وتعالى، قال جل وعلا: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:284]، وقال في آخر سورة المائدة: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120] ، فالعبيد ملكه، والمال ملكه، فهم وأموالهم وأولادهم وكل ما لديهم ملكه سبحانه وتعالى، فوجب عليهم أن يكونوا منفذين لما شرع لهم سبحانه، وأن يحذروا مخالفة أمره جل وعلا وتوجيهه سبحانه وتعالى لعباده، وقد سمعتم .......

وتزودوا للآخرة، فمن كان على الوجه أعد للآخرة، وعرف كيف يأتي وكيف يذر، وطلب العلم واعتنى بما يلزم، أما من لا يؤمن بالله واليوم الآخر فهذا أشبه بالأنعام بل هو أضل سبيلًا قال جل وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، نسأل الله العافية، وقال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ۝ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44]، فالذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر الأنعام خير منه، فإنها سليمة وقصاراها أن تكون ترابًا يوم القيامة بعد المجازاة والقصاص فيما بينها، أما هذا خطره عظيم سوف يكون القيامة إلى النار وإلى العذاب السرمدي -والعياذ بالله-، بسبب إعراضه عن الله واليوم الآخر، وعدم قيامه بأمر الله، وعدم تصديقه لله ولرسوله، وعدم استحلاله ما أحله، وتحريم ما حرمه الله.

والمال نعمة تفضل الله بها على عباده فالواجب على المسلم أن ينظر من أين يكتسبه وفيما ينفقه، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، منها عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، والله يقول جل وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [الحديد:7]، فأنت مستخلف في هذا المال، أنت مستخلف من ربك عز وجل لينظر عملك، هل تستقيم على طاعته وأداء حقه، أم تتبع هواك وتطيع شيطانك وتقف عند مراد نفسك، فمن أطاع ربه وامتثل أمره ووقف عند حدوده تمت له السعادة في الدنيا والآخرة، وصار مرتاح الضمير مرتاح القلب فيما يأتي ويذر عن بصيرة وعن هدى، ومن تابع الهوى والشيطان ولم يتقيد بأوامر الله خسر الدنيا والآخرة.

والخلاصة أن هذا المال مثل ما قال النبي ﷺ: حلوة خضرة في الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، وفي لفظ: لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء رواه مسلم في الصحيح، وفي الصحيح أيضًا أنه قال عليه الصلاة والسلام: نعم المال الصالح للرجل الصالح الذي يعطي الفقير والمسكين وابن السبيل، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالمال الصالح الطيب نعم المال للرجل المؤمن الذي يتصرف فيه على ما شرعه الله .