التحذير من موالاة الكافرين ومحبتهم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة القيمة التي تولى إلقاءها صاحب الفضية الدكتور صالح الفوزان فيما يتعلق بالموالاة والمعاداة بالحب في الله والبغض في الله بالولاء والبراء، وهي كما قال فضيلته المحاضرة في موضوع مهم، بل عظيم الأهمية لما أشار إليه من غفلة الكثير من الناس عن ذلك، ولجهل كثير من الناس بحكم ذلك، وتساهل الكثير أيضًا في هذا الأمر، وهو أمر خطير يجب على المؤمن أن يحذره، وأن يكون على بصيرة فيه، وأن يكون مواليًا لله ولرسوله وللمؤمنين معاديًا لأعداء الله مبغضهم في الله، فالموضوع مهم جدًا ولاسيما في هذا العصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، والطيب بالخبيث والكافر بالمسلم، وقد وصل الكفار إلينا وخالطوا في بلادنا وفي بلاد أخرى من بلاد المسلمين، وقد سافر الكثير منا إليهم وخالطوهم وحصل ما حصل من أنواع البلاء.

ولا شك أن الموضوع كما قال فضيلته جدير بالعناية، وجدير من المؤمن بأن يظهر ما يجب عليه حتى يقتدى به، ولاسيما أهل العلم ولاسيما طلبة العلم حتى يقتدي بهم الناس وحتى يعلم الناس حكم الله في هذا الأمر العظيم، عليك يا أخي أن توالي في الله، وأن تعادي في الله، وأن تحب في الله، وتبغض في الله، كما في الحديث: من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان.

وقد تلا عليكم فضيلته من ذلك من الآيات في هذا الباب ما يشفي ويكفي في بيان حكم هذا الأمر، حكم موالاة الله ورسوله والمؤمنين وحكم موالاة أعداء الله وبغضهم وحبهم، وقد أجاد وأفاد جزاه الله خيرًا، وضاعف مثوبته، وبين ما يجب بيانه، وأوضح ما ينبغي إيضاحه، فعلى المؤمن وعلى طالب العلم بوجه أخص أن يعنى بهذا الأمر، وألا يخدع وألا يقع فيما وقع فيه الكثير من التساهل بأولئك الأعداء، يقول عز وجل في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1]، ويقول سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا [آل عمران:118]، يعني: لا يقصرون في إدخال الشر عليكم والفساد وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ [آل عمران:118]، يعني: دوا عنتكم، ودوا المشقة عليكم قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [آل عمران:118]، في كلماتهم، وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [آل عمران:118] هذا يفهمه من يعقل، وأما من ملأ قلبه حب الدنيا والميل إليها وشهواتها كيف يفهم هذا؟ فالأمر عظيم جدًا.

فأنت يا عبد الله عليك أن تحب في الله، وتبغض في الله، وتوالي في الله، وتعادي في الله، عليك أن تحب المؤمنين وتواليهم وتنصرهم وتعينهم على الحق، وتنكر عليهم ما يخلون به من الإيمان، عليك أن تنكر عليهم فالإنسان معرض للخطأ، فعليك أن تحب في الله، وتبغض في الله، ومن واجب ذلك أن تحب له الخير وتكره له الشر، تحب الخير لأخيك وتكره له الشر، وأن تنكر عليه المنكر، وتأمره بالمعروف، حتى لا يكون فريسة للشيطان ولأعداء الله، وعليك أن تبغض الكفر وأهله، وأن تعاديهم في الله؛ لأنهم على باطل، لأنهم يبغضون الله، يعادون الله، يعادون رسله، فعليك أن تعاديهم في الله، وتبغضهم في الله، كما أمرك مولاك حيث قال : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ وهم الأنبياء والرسل إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ بدا: يعني ظهر وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] هذه النهاية، حتى تؤمنوا بالله وحده، ما قال: حتى تحضروا عندنا في البلاد، أو قال: حتى تكونوا خدامًا لنا، أو قال: حتى يكون بيننا وبينكم عهد لا، البغضاء دائمة سواء كانوا عندنا أو في بلادهم أو بينهم وبينهم عهد أو ما بينهم وبينهم عهد البغضاء قائمة حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4] هذه النهاية، هذا يدلنا أن البغضاء مستمرة، والعداوة مستمرة، حتى يحصل الإيمان بالله ورسوله، حتى يدخلوا في الإسلام يهودًا أو نصارى أو وثنين أو بوذيين أو شيوعيين أو غير ذلك، أي صنف كانوا من الكفار، فالواجب عداؤهم وبغضهم في الله سبحانه وتعالى، ولكن كما سمعتم في المحاضرة لا يمنع هذا ما أجازه الله، فالغلو لا خير فيه، الغلو منعه ديننا، والتفريط منعه ديننا، والجفاء، فلا غلو ولا جفاء، لا نغلو حتى نمنع المعاهدة بيننا وبينهم عند الحاجة، ولا نغلو حتى نمنع الشراء منهم أو استيراد ما ينفعنا من سلاح وغيره من حبوب وغيرها لا نمنع ذلك، فسيد الخلق عليه الصلاة والسلام سيد بني آدم سيد الأمة سيد العباد عليه الصلاة والسلام صالحهم وعاهدهم ووادع اليهود في المدينة، وأكل من طعامهم، واشترى منهم دينا معلقا وغير معلق، اشترى بالدين حتى في آخر حياته عليه الصلاة والسلام ومات وردعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن بغضنا لهم وعداءنا لهم لا يمنعنا هذا من أن نعمل شيئًا ينفع المسلمين، إذا دعت الحاجة إلى شراء سلاح نشتري سلاحًا، نشتري حبوب، نشتري حبوبًا نشتري ملابس، نشتري ملابس، لكن ليس معنى هذا أن نحبهم لا، إذا دعت الحاجة إلى أن نعاهد قومًا عاهدناهم إلى أن نستورد قومًا لأمر مهم كما أقر النبي الكفار اليهود في خيبر للحاجة، وكما استأجر عبدالله بن أريقط الوثني ليدله على طريق المدينة للحاجة مع بغضه في الله وعدائه، ولكن المصيبة اليوم غير المصيبة في الأمس، اليوم الناس تساهلوا مع الكفار كثيرًا كثيرًا، وخالطوهم مخالطة الأحباب والأصحاب إلا من هدى الله من الجميع، واستوردوهم عمالًا من كل مكان، وصاروا يستوردونهم ويتنافسون في استيرادهم ويدعون المسلمين، وهذا خطر عظيم، ولاسيما في هذه الجزيرة، الجزيرة هذه ليس لأهلها أن يستوردوا الكفار أبدًا لا خدامًا ولا سائقين ولا عمالًا ولا شيء، لولي الأمر فقط أن يستورد من يرى الضرورة إليه، من طبيب تدعو له الضرورة، من مهندس تدعو له الضرورة مدة مؤقتة، ثم يذهب إلى بلاده ويرجع من عامل للضرورة، كما فعل النبي ﷺ في عهد خيبر، أما عامة الناس فليس لهم أن يستوردوا كفارًا، ولا أن يستوردوا عمالًا ولا سائقين ولا خدامًا ولا خدامات ولا مربيات، كل هذا منكر، كله لا يجوز، النبي ﷺ نهى أن يجتمع في هذه الجزيرة دينان، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأوصى عند موته بإخراج المشركين كلهم عند الموت، أوصى بإخراج المشركين من هذه الجزيرة، أما في البلاد الأخرى كمصر والشام والعراق فهذه لهم أن يقيموا فيها بالعهد والذمة والصغار إذا رأى ولي الأمر ذلك، أما الجزيرة لا، ليس لأحد أن يقيم فيها من الكفار أبدًا إلا إقامة مؤقتة للضرورة تحت نظر ولي الأمر لحاجة المسلمين.

فينبغي الانتباه لهذا وأنه ليس لنا لا للمؤسسة ولا لغير المؤسسة أن يستوردوا الكفار بين المسلمين في هذه الجزيرة، أو يستوردوا سائقين أو خدمًا أو خادمات هذا شره عظيم، وبلاؤه كبير، وفتنه عظيمة، يتخلق المسلمون بأخلاقهم، ويملون عليهم كفرهم وضلالهم وأخلاقهم الذميمة، من الربا، والزينة، واللواط، والمسكرات، وغير هذا من أنواع المعاصي مع الكفر بالله، وقد يحسن لهم الدعوة إلى الشرك، فيدعونهم إلى النصرانية والوثنية، وإلى غير ذلك من أنواع الكفر والضلال، لاسيما والكثير من الناس جهله بدينه، كثير من الناس ليس عنده بصيرة في دينه ليس عنده علم فيجره الكافر إلى دينه بسهولة لكثرة الجهل وقلة التعلم، المقصود أن الأمر عظيم جدًا، فالواجب على المسلمين أن يحذروا موالاة الكافرين ومحبتهم أو استقدامهم أو جعلهم أصحابًا وأصدقاء هذا خطره عظيم، والله جل وعلا يقول: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا [النساء:51-52]، لعن هؤلاء لما قالوا ما قالوا أن الكفار أهدى سبيلًا من المؤمنين لعنهم الله، الكفار عندهم خصال حميدة لكن ما تجعلهم طيبين، عندهم مثلًا أمانة في بعض الأشياء عندهم مثلًا الكرم ....... العرب كان عندهم كرامة الضيوف، وعندهم إحسان للفقير، وعندهم إحسان للجار، وعندهم وعندهم بعض الخصال لكن ما تنفعهم عند الله، لما ضيعوا الإسلام باطلة خصال باطلة، فالمسلم عنده كل خير، دين الله يدعو إلى مكارم الأخلاق، وإلى محاسن الأعمال، ويدعو إلى ترك المنكرات، وما يبغضه الله سبحانه وتعالى، فالكافر مهما فعل فعنده ما يبطل عمله، وعنده ما يفسد عمله، فيجب الحذر منه، وبغضه في الله ، وإذا أدى الأمانة في بعض الأشياء أو صدق في بعض الأشياء أحسن في هذا الشيء لأنه وافق الإسلام وافق شرع الله في صدقه وصار بهذا المقام خيرًا من الذي يدعي الإسلام، أو يكون مسلمًا ثم يخون الأمانة ويكذب ويلوط ويزني فهذه خصلة فاق بها لأنه رأى فيها مصلحة لكسبه أو لصداقته مع أحد من الناس لا لأنه يحب الله ورسوله لا لأنه مسلم، فهذا يكون حسنة منه لكن باطلة ما تنفع؛ لأن كفره يبطلها، والمسلم إذا فعل معصية لا يكون سبة على الإسلام، ذنبه عليه والإسلام خير من أولئك، والمسلمون مفضلون عليه باسم الإسلام وباسم الدين وباسم الخير الذي أعطاهم الله إياهم، ومن عصى منهم لا يكون سبة على المسلمين الطيبين والمؤمنين الصادقين ذنبه عليه وإثمه عليه فلا يكون سبه على المسلمين، فالإسلام والمسلمون مفضلون على الآخرين بدينهم وإيمانهم، وإذا وقع من بعضهم زلة وخطأ فإثمه عليه وزلته عليه ليس على الإسلام ولا سبة للإسلام، المقصود أن الواجب على المسلم أن يوالي في الله، وأن يعادي في الله، ويبغض في الله، ويحب في الله، يحب المؤمنين ويواليهم، ويبغض الكافرين ويعاديهم، حتى يسلموا، ولكن لا تمنعه هذه المعاداة ولا تمنعه هذه البغضاء من أن ينصفهم من أن لا يظلمهم لا يظلمهم يعطيهم حقوقهم ولا يمنع ذلك .......، وتؤخذ منهم الجزية، لا يمنع ذلك أن يصالحوا كما صالح النبي ﷺ أهل مكة لمصلحة عامة كما سمعتم في المحاضرة، لا يمنع ذلك أن يشتري منهم الحاجات كما اشترى منهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم نأخذ حاجاتنا ونعد العدة لعدونا، ونأخذ حاجتنا من أي جهة لكن لا على حساب ديننا بل ديننا محفوظ، نحفظ ديننا ونصون ديننا، ونتقي الله في ذلك، ونوالي في الله، ونبغض في الله، ونعادي في الله، ونحب في الله لكن لا يمنع ذلك أن نحسن إلى من لم يسء إلينا، إذا كان في الكفار أهل ذمة وأهل عهد ليس بيننا وبينهم حرب فيهم فقير فيهم رحم لنا نحسن إليه كما سمعتم في الآية لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فإذا كان في فقراء أقارب لك وهم كفار وأحسنت إليهم من مالك تصدقت عليهم من غير الزكاة أحسنت إليهم صلة رحم لعل الله يهديهم للإسلام لعلهم ينتبهون أو غيرهم من الكفار وأحسنت إليهم وهم كفار ليسوا حربا لنا هذا من محاسن الدين، من محاسن الإسلام أن نحسن إلى من أساء إلينا، أن نحسن إلى من هو عدو لنا؛ لعل الله يهديه للإسلام، لعله يعرف فضل الإسلام وأن إسلامنا لم يمنعنا من الإحسان إليه، لما كان ليس عدوًا لنا من جهة الحرب وإن كان عدوًا لنا من جهة الدين فنحسن إليه من جهة فقره وضعفه.

وقد ثبت في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أمها جاءت وقت الهدنة وهي كافرة جاءت إلى ابنتها أسماء تطلبها الرفد والمساعدة فقالت: يا رسول الله إن أمي جاءتني تريد أن أصلها فهل أصلها؟ قال النبي ﷺ: نعم صليها، فأمرها أن تصل أمها وهي كافرة؛ لأنها صلتها من باب بر الوالدين من باب الإحسان من باب التأليف على الإسلام، بل الله جعل حقًا في الزكاة وفي بيت المال للمؤلفة قلوبهم من الكفرة نعطيهم من بيت المال ومن الزكاة إذا كان مؤلف رئيس عشيرة رئيس قوم إذا اهتدى هدى الله على يديه إذا أعطي مالًا ألف الناس بالإسلام وأدخلهم في الإسلام ....... يقوى إيمانه إذا كان قد أسلم هذا كله من محاسن الإسلام ومن فضل الإسلام ومن مكارم الإسلام.