ضرورة محاربة المنكرات في ذلك

ولا يخفى على الجميع ما تأتي به وسائل الإعلام من الخطر العظيم، وغير وسائل الإعلام، ولاسيما أيضًا ما يذكر من وجود الأقمار الصناعية التي تحمل البلاء من كل مكان، فإن الواجب أن يعد لهذا عدته، وأن تتخذ الدولة والمسؤولون ما يجب لحماية المسلمين من الشرور التي تنقل من أمريكا أو أوروبا أو غير ذلك، إلى البلاد الكافرة المعرضة عن الله التي تنشر الرذائل، وتنشر الدعوة إلى الشرك بالله والكفر به، فلا بد من العناية واتخاذ الوسائل المفيدة من الدولة ومن المسؤولين في كل مكان، وهذا ليس خاصًا بهذه الدولة وبهذه البلاد، بل يجب على المسلمين جميعًا وعلى كل دولة تنتسب للإسلام أن تتقي الله، وأن تحقق انتسابها ودعوتها للإسلام، وأن تقوم بهذا الواجب حسب الطاقة، وقد قال النبي ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم في الصحيح، وفي الصحيح أيضًا عن عبدالله بن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، وهذا الجهاد مطلوب في كل مكان ومن كل دولة، وعلينا في هذه البلاد بالأخص أن نكون أحرص من غيرنا، لأن البلاد السعودية هي ملتقى المسلمين في الحرمين في الحج والعمرة، وهي محل نظر المسلمين، والتأسي من المسلمين بها، فيجب على المسلمين في هذه البلاد أن تكون عنايتهم أكثر؛ لأن الشر عندهم يضر الناس، والخير عندهم ينفع الناس، هم قدوة في الشر والخير في هذه البلاد في الحرمين وما يتبعهما، فيجب على المسلمين في الحكومة السعودية في سائر أجزائها أن يكونوا قدوة في الخير، وأن يحذروا أن يكونوا قدوة في الشر، وأن يتكاتفوا ضد الباطل، وأن يعينوا دولتهم على الخير والهدى، وأن يعينوا الهيئات التي عينت لهذا الغرض أن يعينوها أيضًا على الخير والهدى وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يلوذوا بالسكوت والإعراض فإن هذا خطره عظيم وعواقبه وخيمة.

وقد سمعتم في الحديث يقول النبي ﷺ: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب، وفي الحديث الآخر: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم، وفي اللفظ الآخر: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم، وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالخطر في ترك هذا الواجب عظيم جدًا، ولا يكفي أن يقول الإنسان: أنا صليت وأنا صمت ثم يعرض لا، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] تأولها بعض الناس على هذا المعنى، وظن أنه متى صلى وصام ونحو ذلك نجا ولا يضره عمل غيره، وليس الأمر كذلك بل لا بد أن يهتدي في كل الأمر إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] فلا يسلم إلا إذا اهتدى، ولا يكون مهتديًا الهداية التامة إلا إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وإلا تكون هدايته ناقصة، وقد نبه على هذا الأمر العظيم صديق الأمة أفضل الخلق بعد رسول الله ﷺ وبعد الأنبياء وهو أبو بكر الصديق لما أفضت إليه الخلافة رضي الله عنه خطب الناس وقال: "أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وهي قوله سبحانه: يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه، فدل ذلك على أنك لا تسلم إذا فعلت ما يجب وتركت ما يحرم عليك وأنت مضيع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنك لو ضيعت واجبًا عظيمًا فلن تتم لك الهداية؛ لأن الله يقول: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، فالهداية لا بد فيها من أداء الواجبات وترك المحرمات، ومن أهم ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالتعاون في هذا السبيل من أهم المهمات، والتواصي بالحق في هذا الموضوع من أكبر الواجبات، ولا بد من العمل لا بد من العمل، فالأقوال لا تكفي لا بد من العمل والتواصي قولًا وعملًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح والتواصي بالخير، وإذا سمع العاصي من هذا ومن هذا الأمر بالمعروف والتوجيه للخير استحيا، وبادر إلى الخير، ولو لم يؤثر فيه الأول لأثر فيه الثاني أو الثالث أو الرابع، أما إذا سكت هذا وسكت هذا سكت هذا فإن الشر يفشو وينتشر، لكن بالله سبحانه ثم بالتكاتف والتعاون والتناصح وعدم السكوت يحصل الخير العظيم.