كمال الشريعة الإسلامية وشمولها

وشريعته أكمل الشرائع عليه الصلاة والسلام، وأهداها، وأحسنها، وأعمها، وجعل الله فيها حل كل مشكل، وبين فيها جميع ما يحتاجه العباد، وجعل شريعته بحمد الله سمحة ميسرة ليس فيها أغلال ولا آصار، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، ومضى الرسول ﷺ وصحابته على الهدى المستقيم وعلى الصراط المستقيم بعدما أكمل به الدين، وأتم به النعمة عليه الصلاة والسلام أنزل الله عليه في حجة الوداع يوم عرفة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] هذه الآية بين الله فيها أنه أكمل الدين للأمة، وأتم عليهم النعمة، ورضي لهم الإسلام دينًا، فلما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة قبضه الله إليه وتوفاه إليه، ونقله إلى الرفيق الأعلى إلى دار النعيم والكرامة، فجسده في الأرض وروحه في أعلا عليين في دار النعيم عليه الصلاة والسلام، واستمر أصحابه وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذو النورين وعلي المرتضى كلهم ساروا على نهجه وعلى طريقه، يدعون إلى الله ، ويذكرون بالإسلام، ويعلمون الناس أحكامه، وهكذا بقية الصحابة جاهدوا في سبيل الله، ونشروا دين الله، وعلموه الأمة، ولم يبتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، بل علموا الناس دين الإسلام، وأرشدوهم إلى دين الإسلام، وساروا على نهج رسول الله عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأعمال والسيرة، وبلغوا عن الله رسالته وعن نبيه ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وصبروا على ذلك وجاهدوا على ذلك، جاهدوا الروم وفارس وغيرهما من الأمم الكافرة، ونشروا دين الله في أنحاء الدنيا، وقاتلوا المرتدين، وقضوا على أسباب الردة، فجمع الله بهم الكلمة، وأعز بهم الإسلام، ورفع بهم رايته في الآفاق رضي الله عنهم وأرضاهم، وصاروا ملوك الناس، وصاروا قادة الناس، وصارت الكلمة لله وحده، وصار دينه هو الظاهر على أيدي أصحاب الرسول ﷺ، وأئمة الهدى من بعدهم يدعون إلى الله، ويخشونه ولا يخشون أحدًا سواه ، جاهدوا في سبيله، ونصروا دينه، وأعلوا كلمة الله، وصبروا على ذلك، صادقين مؤمنين موفقين، نصحوا لله ولعباده، فأعلا الله بهم كلمته، وأعز بهم دينه، ورفع بهم شأن الإسلام، وجعلهم أئمة وهداة وقادة رضي الله عنه وأرضاهم ومن تبعهم بإحسان.

ثم مضى على ذلك القرن الثاني والقرن الثالث مضوا على الهدى والدعوة إلى الله ، ونبغت فيهم نوابغ من أهل البدع، ولكن أهل السنة وأهل الحق جاهدوا أهل البدع، وحذروا منهم وبينوا بدعهم وضلالاتهم، وسفهوا أحلامهم، وظهر أمر الله بين العباد بسبب أهل العلم والإيمان من أئمة السنة وأئمة الحديث والفقه الإسلامي، نشروا دين الله وأنذروا الناس ما ابتدعه المبتدعون في العقيدة وفي غيرها.