حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية والآراء الشخصية

أما بعد:

فقد سمعنا جميعًا هذه المحاضرة المباركة القيمة، من سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد فيما يتعلق بأمر عظيم الحاجة، بل الضرورة إليه في هذا الوقت وفي كل وقت عظيمة وشديدة، ألا وهو أمر نواقض الإسلام التي وقع فيها الكثير من الناس، ولذلك بسبب الجهل، والبعد عما جاء به الكتاب والسنة، وبسبب مخالطة الأعداء، وكثرة الأسفار إلى بلاد الأعداء، حتى وقع الكثير من الناس في نواقض الإسلام والردة عن الإسلام، فجزاه الله خيرًا، وضاعف مثوبته، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، ولقد أجاد وأحسن وأفاد فبارك الله فيه، وزادنا وإياكم وإياه علمًا وهدى، وتوفيقا، ورزقنا جميعًا المزيد من الفقه في الدين، والاستقامة على أمر الله، والبعد عن أسباب الخطر والضلال، والردة عن الإسلام.

وإن من جملة ما ذكره سماحته ما يتعلق بتحكيم القوانين والآراء البشرية، ولقد وقع غالب الدول في هذا البلاء العظيم، فحكموا القوانين الوضعية والآراء البشرية، وهجروا كتاب ربهم، وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وهذا هو البلاء العظيم، والردة الكبرى، نعوذ بالله، ومن زعم أن الشريعة الإسلامية ناقصة وأن الناس في حاجة إلى القوانين البشرية الوضعية فقد قال الكذب، وقد ضل وكفر، فإنه تنقص شريعة الله ورماها بما هي براء منه، ولو قال: إنها أفضل، ولكن الناس في حاجة إلى القوانين وهي جائزة فذلك ردة أيضًا، أو قال: إنها تساوي الأحكام الشرعية فهذا كله ردة، من زعم أن القوانين البشرية أفضل من الشريعة، أو أنها تساوي الشريعة، أو أنها جائزة ولا بأس بها ولو خالفت الشريعة كل هذا ردة عن الإسلام، نعوذ بالله، كما اتضح ذلك من محاضرة الشيخ، وفقه الله.

المقصود أن هذا البلاء يجب أن يكون على البال، وأن يحذر منه جميع الولاة والشعوب، وأن الواجب على ولاة أمور المسلمين أن يحكموا شريعة الله في عباد الله، أن يحذروا ما وقع فيه أعداء الله، والله يقول جل وعلا: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، ويقول : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، فالأمر عظيم وبعض الناس قد يظن أنه لا بأس إذا قيل أن الشريعة أفضل، ولكن يجوز تحكيم القوانين، وهذا من أقبح الغلط، ومن أقبح الضلال بل لا يجوز تحكيمها أبدًا، تحكيم القوانين الوضعية لا يجوز تحكيمها أبدًا فيما يخالف شرع الله ، ولا يجوز أن يقال: إنها جائزة، والشريعة أفضل، بل الشريعة هي واجبة التحكيم، ولازمة للتحكيم، ولا يجوز أبدًا تحكيم سواها، ومن زعم أنه يجوز تحكيم سواها ولو قال: إن سواها دونها وأنها أفضل وأعلى فقوله ردة وكفر وضلال، نعوذ بالله.

ومما نبه عليه -وهو مهم جدًا- ما يظنه بعض الضالين بعض المبتدعة من الصوفية أنه يسع بعض الأولياء بعض الناس أن يخرجوا عن شريعة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنهم لهم الحرية، وأنهم إذا بلغوا درجة من العبادة صارت لهم الحرية في أن يخرجوا عن طريقة محمد ﷺ، وأن يكون لهم دين آخر وسبيل آخر، هذا من أعظم الضلال أيضًا، فإن الواجب على جميع الناس أن يتبعوا ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، وأن ينقادوا له، وأن يحكموه، وأن يعبدوا الله على طريقة محمد عليه الصلاة والسلام كما قال : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].

فلا هداية، ولا سلامة، ولا نجاة إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، ومن خرج عن شريعة محمد ﷺ إلى أديان أخرى أو إلى شرائع أخرى زاعمًا أن ذلك يجوز له وأن له خصوصية بسبب ولايته أو عبادته أو نسبه أو كذا أو كذا فهو ضال كافر، كل الناس يجب عليهم أن يخضعوا لشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، كل الناس يجب أن ينقادوا لما جاء به عليه الصلاة والسلام، وألا يخرجوا عن ذلك أبدًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله! من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى. والله يقول في كتابه العظيم: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور:54]، فالهداية والنجاة في اتباع محمد عليه الصلاة والسلام، والهلاك والضلال والكفر والبعد عن الهدى في الخروج عن شريعته واتباع غير هديه عليه الصلاة والسلام.

هذا ونسأل الله أن يضاعف الأجر لفضيلة الشيخ، ويفقه الله، وأن يزيده خيرًا، وأن يجزيه عنه خيرًا، وأن يوفقنا وإياكم للفقه في دينه، والاستقامة على شريعته، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأن يمن علينا جميعًا بالاستقامة على صراط المستقيم، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان.